الأحد، 7 فبراير 2010

166

ثم أن قمر الزمان ووالده التاجر عبد الرحمن أخذا الجوهري وذهبا به إلى قاعة الحريم واجتمعا به فقال له التاجر عبد الرحمن: نحن ما منعناك من الكلام إلا خوفاً من الفضيحة في حقك وحقنا ولكن نحن الآن في خلوةٍ فأفدني بما جرى بينك وبين زوجتك، فشرح له القضية من المبتدأ إلى المنتهى، فلما فرغ من قصته قال له: هل الذنب من زوجتك أو من ولدي? قال له: والله أن ولدك ما عنده ذنبٌ لأن الرجال لهم طمعٌ في النساء والنساء عليهن أن يمتنعن عن الرجال، فالعيب عند زوجتي التي خانتني وفعلت معي هذه الفعال.
فقام التاجر واجتمع بولده وقال له: يا ولدي أننا اختبرنا زوجته وعرفنا أنها خائنةٌ ومرادي الآن أن أختبره وأعرف هل هو صاحب عرضٍ ومروءةٍ أو هو ديوثٌ، فقال له: وكيف ذلك? فقال له: مرادي أن أحمله على الصلح مع زوجته فأن رضي بالصلح وسامحها فأني أضربه بالسيف فأقتله وبعد ذلك أقتلها هي وجاريتها لأنه لا ينفع في حياة الديوث والزانية وأن نفر منها فأني أزوجه شقيقتك وأعطيه أكثر من ماله التي تناولته منه.
ثم أنه عاد إليه وقال له: يا معلم أن معاشرة النساء تحتاج إلى طول البال ومن كان يهواهن فأنه يحتاج إلى سعة الصدر لأنهن يعربدن الرجال ويؤذينهن لعزتهن عليهن بالحسن والجمال فيستعظمن أنفسهن ويحتقرن الرجال ولا سيما إذا أبانت لهن المحبة من بعولتهن فيقابلنه بالتيه والدلال وكريه الفعال من جميع الجهات، فأن كان الرجل يغضب كلما رأى من زوجته ما يكره فلا يحصل بينه وبينها عشرةٌ ولا يوافقهن إلا من كان واسع البال كثير الاحتمال وأن لم يحتمل الرجل زوجته ويقابل إساءتها بالسماح فأنه لا يحصل له في عشرتها نجاح، وقد قيل في حقهن: لو كن في السماء لمالت إليهن أعناق الرجال ومن قدر وعفا كان أجره على الله.
وهذه المرأة زوجتك ورفيقتك وقد طالت عشرتها معك فينبغي أن يكون عندك لها السماح وهذا في العشرة من علامات النجاح، والنساء ناقصات عقلٍ ودينٍ وهي أن أساءت فأنها قد تابت وأن شاء الله لا تعود إلى فعل ما كانت تفعله أولاً، فالرأي عندي أنك تصطلح أنت وإياها وأنا أرد لك أكثر من مالك وأنت أقمت عندي فمرحباً بك وبها وليس لكما إلا ما يسركما وأن كنت تطلب التوجه إلى بلادك فأنا أعطيك ما يرضيك وها هو التختروان حاضرٌ فركب زوجتك وجاريتها فيه وسافر إلى بلادك والذي يجري بين الرجل وزوجته كثيرٌ فعليك بالتيسير ولا تسلك التعسير.
فقال الجوهري: يا سيدي وأين زوجتي فقال له ها هي في هذا القصر فاطلع إليها واسترض بها من شأني ولا تشوش عليها فان ولدي لما أتى بها وطلب زواجها منعته عنها ووضعتها في هذا القصر وقفلت عليها وقلت في نفسي ربما يجيء زوجها فأسلمها إليه لأنها جميلة الصورة والتي مثل هذه لا يمكن زوجها أن يفوتها والذي حسبته حصل والحمد لله تعالى على اجتماعك بزوجتك، وأما من جهة ابني فأني خطبت له وزوجته غيرها وهذه الولائم والضيافات من أجل فرحه، وفي هذه الليلة أدخله على زوجته وها هو مفتاح القصر الذي فيه زوجتك فخذه وافتح الباب وادخل على زوجتك وجاريتك وانبسط معها ويأتيكم الأكل والشرب ولا تنزل من عندها حتى تشبع منها، فقال جزاك الله عني كل خيرٍ: ثم تناول المفتاح وطلع فرحاً فظن التاجر أن هذا الكلام أعجبه وأنه رضي به فأخذ السيف وتبعه من وراءه بحيث لم يره ثم وقف ينظر ما يحصل بينه وبين زوجته. هذا ما كان من أمر التاجر عبد الرحمن.


ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 952




ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 953


وأما ما كان من أمر الجوهري فأنه دخل على امرأته فرآها تبكي بكاءً شديداً بسبب أن قمر الزمان تزوج بغيرها ورأى الجارية تقول لها كم نصحتك يا سيدتي وقلت لك أن هذا الغلام لا ينالك منه خيرٌ فاتركي عشرته فما سمعت كلامي حتى نهبت جميع مال زوجك وأعطيته له وبعد ذلك فارقت مكانك وتعلقت في هواه وأتيت معه في هذه البلاد وبعد ذلك رماك من باله وتزوج بغيرك ثم جعل آخر تلفك به الحبس، فقالت لها اسكتي يا ملعونة فأنه وأن تزوج بغيري لا بد أن أخطر يوماً على باله، فأنا لا أسلوا مسامرته فلا بد أن يتذكر عشرتي وصحبتي ويسأل عني وأنا لا أرجع عن محبته ولا أحول عن هواه ولو مت في السجن فأنه حبيبي وطبيبي وعشمي منه أنه يرجع إلي ويعمل معي انبساطاً فلما سمعها زوجها تقول هذا الكلام دخل عليها وقال لها يا خائنة أن عشمك فيه مثل عشم إبليس في الجنة كل هذه العيوب فيك وأنا ما عندي خبرٌ ولو علمت أن فيك عيباً من هذه العيوب ما كنت قنيتك عندي ساعةً واحدةً ولكن حيث تيقنت فيك ذلك ينبغي أن أقتلك ولو قتلوني فيك يا خائنة ثم قبض عليها بيديه الاثنتين.
ثم اتكأ على زمارة حلقها وكسرها فصاحت الجارية وأسيدتاه فقال يا عاهرة العيب كله منك حيث كنت تعرفين أن فيها هذه الخصلة ولم تخبريني ثم قبض على الجارية وخنقها كل ذلك حصل والتاجر ممسكٌ السيف بيده وهو واقفٌ خلف الباب يسمع بأذنه ويرى بعينه ثم أن عبيد الجوهري لما خنقهما في قصر التاجر كثرت عليه الأوهام وخاف عاقبة الأمر وقال في نفسه أن التاجر إذا علم أني قتلتهما في قصره، لا بد أنه يقتلني ولكن اسأل الله أن يجعل قبض روحي على الإيمان وصار متحيراً في أمره ولم يدر ماذا يفعل.
فبينما هو كذلك وإذا بالتاجر عبد الرحمن دخل عليه وقال له لا بأس عليك أنك تستاهل السلامة وانظر هذا السيف الذي في يدي فأنا كنت مضمراً على أن أقتلك أن صالحتها ورضيت عليها وأقتل الجارية وحيث فعلت هذه الفعال فمرحباً بك، ثم مرحباً وما جزاؤك إلا أن أزوجك ابنتي أخت قمر الزمان ثم أنه أخذه ونزل به وأمر بإحضار الغاسلة وشاع الخبر أن قمر الزمان ابن التاجر عبد الرحمن جاء بجاريتين معه من البصرة فماتتا فصار الناس يعزونه ويقولون له تعيش رأسك وعوض الله عليك، ثم غسلوهما وكفنوهما ولم يعرف أحدٌ حقيقة الأمر هذا ما كان من أمر عبيد الجوهري وزوجته وجاريته.
وأما ما كان من أمر التاجر عبد الرحمن فأنه أحضر شيخ الإسلام وجميع الأكابر وقال له شيخ الإسلام اكتب كتاب بنتي كوكب الصباح على المعلم عبيد الجوهري ومهرها قد وصلني بالتمام والكمال فكتب الكتاب وسقاهم الشربات وجعلوا الفرح واحداً وزفوا بنت شيخ الإسلام زوجة قمر الزمان وأخته كوكب الصباح زوجة المعلم عبيد الجوهري في تختروان واحدٍ في ليلةٍ واحدةٍ وفي المساء زفوا قمر الزمان والمعلم عبيد سواءً وأدخلوا قمر الزمان على بنت شيخ الإسلام وأدخلوا المعلم عبيداً على بنت التاجر عبد الرحمن فلما دخل عليها رآها أحسن من زوجته وأجمل منها بألف طبقةٍ.
ثم أنه أزال بكارتها ولما أصبح دخل على التاجر عبد الرحمن وقال يا عم أني اشتقت إلى بلادي ولي فيها أملاكٌ وأرزاقٌ وكنت أقمت فيها صانعاً من صناعي وكيلاً عني وفي خاطري أن أسافر إلى بلادي لأبيع أملاكي وأرجع إليك فأن تأذن لي في التوجه إلى بلادي من أجل ذلك فقال له يا ولدي قد أذنت لك ولا لوم عليك في هذا الكلام فأن حب الوطن من الإيمان والذي ما له خير في بلاده ما له خير في بلاد الناس وربما أنك إذا سافرت بغير زوجتك ودخلت بلادك يطيب لك فيها القعود وتصير متحيراً بين رجوعك إلى زوجتك وقعودك في بلادك فالرأي الصواب أن تأخذ زوجتك معك وبعد ذلك أن شئت الرجوع إلينا فارجع أنت وزوجتك ومرحباً بك وبها لأننا ناس لا نعرف طلاقاً ولا تتزوج منا امرأةٌ مرتين ولا تهجر إنساناً بطراً فقال يا عم أخاف أن ابنتك لا ترضى بالسفر معي إلى بلادي فقال له يا ولدي: نحن ما عندنا نساء تخالف بعولتهن ولا نعرف امرأة تغضب على بعلها فقال له بارك الله فيكم وفي نسائكم.


ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 953




ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 954


ثم أنه دخل على زوجته وقال لها أنا مرادي السفر إلى بلادي فما تقولين قالت أن أبي يحكم علي ما دمت بكراً وحيث تزوجت فقد صار الحكم كله في يد بعلي وأنا لا أخالفه فقال لها بارك الله فيك وفي أبيك ورحم الله بطناً حملتك وظهراً ألقاك، ثم بعد ذلك قطع علائقه وأخذ في العلو فأعطاه عمه شيئاً كثيرا وودعا بعضهما ثم أخذ زوجته وسافر ولا يزال مسافراً حتى دخل البصرة فخرجت لملاقاته الأقارب والأصحاب وهم يظنون أنه كان في الحجاز وصار بعض الناس فرحاناً بقدومه وبعضهم مغموماً لرجوعه إلى البصرة وقال الناس لبعضهم أنه يضيق علينا في كل جمعةٍ بحسب العادة ويحبسنا في الجوامع والبيوت حتى يحبس قططنا وكلابنا هذا ما كان من أمره.
وأما ما كان من أمر الملك فأنه لما علم بقدومه غضب عليه وأرسل إليه وأحضره بين يديه وعنفه وقال له كيف تسافر ولم تعلمني بسفرك فهل كنت عاجزاً عن شيءٍ أعطيه لك لتستعين به على الحج إلى بيت الله الحرام فقال له العفو يا سيدي والله ما حججت ولكن جرى لي كذا وكذا وأخبره بما جرى له مع زوجته ومع التاجر عبد الرحمن المصري، وكيف زوجه ابنته إلى أن قال له وقد جئت بها إلى البصرة فقال له والله لولا أني أخاف من الله تعالى لقتلتك وتزوجت بهذه البنت الأصلية من بعدك ولو كنت انفق عليها خزائن الأموال لأنها لا تصلح إلا للملوك ولكن جعلها الله من نصيبك وبارك الله لك فيها فاستعوض بها خيراً.
ثم أنه أنعم على الجوهري ونزل من عنده وقعد معها خمس سنواتٍ وبعد ذلك توفي إلى رحمة الله تعالى فخطبها الملك، فما رضيت وقالت أيها الملك أنا ما وجدت في طائفتي امرأةً تزوجت بعد بعلها فأنا لا أتزوج أحداً بعد بعلي فلا أتزوجك ولو كنت تقتلني فأرسل يقول لها هل تطلبين التوجه إلى بلادك فقالت إذا فعلت خيراً تجازى به فجمع لها جميع أموال الجوهري وزادها من عنده على قدر مقامه، ثم أرسل معها وزيراً من وزرائه مشهوراً بالخير والصلاح وأرسل معه خمسمائة فارسٍ فسار بها ذلك الوزير حتى أوصلها إلى أبيها وأقامت من غير زواجٍ حتى ماتت ومات الجميع وإذا كانت هذه المرأة ما رضيت أن تبدل زوجها بعد موته بسلطانٍ كيف تسوى بمن تبدله في حال حياته بغلامٍ مجهول الأصل والنسب وخصوصاً إذا كان ذلك في السفاح وعلى غير طريق سنة النكاح ومن ظن أن النساء كلهن سواءٌ فأن داء جنونه ليس له دواء فسبحان من له الملك والملكوت هو الحي الذي لا يموت.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق