الأحد، 7 فبراير 2010

162

ثم أن أبا قير قال لأبي صير: يا رفيقي والله أن هذا الحمام عظيمٌ ولكن صنعتك فيه ناقصةً فقال له: وما نقصها? فقال له: الدواء الذي هو عقد الزرنيخ والجير الذي يزيل الشعر بسهولة فاعمل هذا الدواء فإذا أتى الملك فقدمه إليه وعلمه كيف يسقط الشعر فيحبك حباً شديداً ويكرمك، فقال له: صدقت إن شاء الله أصنع ذلك.
ثم أن أبا قير خرج وركب بغلته وذهب إلى الملك ودخل عليه وقال له: أنا ناصح لك يا ملك الزمان فقال له: وما نصيحتك? فقال: بلغني خبراً وهو أنك بنيت حماماً، قال: نعم قد أتاني رجلٌ غريبٌ فأنشأته له كما أنشأت لك هذه المصبغة وهو حمامٌ عظيمٌ وقد تزينت مدينتي، وصار يذكر له محاسن ذلك الحمام، فقال أبو قير: وهل دخلته? قال: نعم، قال: الحمد لله الذي نجاك من شر هذا الخبيث عدو الدين وهو الحمامي، فقال له الملك: وما شأنه? قال له أبو قير: اعلم يا ملك الزمان أنك إن دخلته بعد هذا اليوم فأنك تهلك، فقال له: لأي شيءٍ? فقال له: إن الحمامي عدوك وعدو الدين فأنه ما حملك على إنشاء هذا الحمام إلا لأن مراده أن يدخل عليك فيه السم، فأنه صنع لك شيئاً وإذا دخلته يأتيك به ويقول لك: هذا دواء كل من دهن به نفسه يرمي الشعر منه بسهولةٍ وليس هو بدواء بل هو داءٌ عظيمٌ وسمٌ قاتلٌ وأن هذا الخبيث قد وعده سلطان النصارى أنه إن قتلك يفك له زوجته وأولاده من الأسر فإن زوجته وأولاده مأسورين عند سلطان النصارى وكنت مأسوراً معه في بلادهم ولكن أنا فتحت مصبغةً وصبغت لهم حوائجهم فاستعطفوا علي قلب الملك.
فقال الملك: أي شيءٍ تطلب? فطلبت العتق فأعتقني وجئت إلى هذه المدينة ورأيته في الحمام فسألته كيف كان خلاصك وخلاص زوجتك وأولادك فقال: لم أزل أنا وزوجتي وأولادي مأسورين حتى أن ملك النصارى عمل ديواناً فحضرت في جملة من حضر وكنت واقفاً من جملة الناس فسمعتهم فتحوا مذاكرة الملوك إلى أن يذكروا ملك هذه المدينة، فتأوه ملك النصارى وقال: ما قهرني في الدنيا إلا ملك المدينة الفلانية فكل من تحيل لي على قتله فأني أعطيه كل ما يتمنى، فتقدمت أنا إليه وقلت له: إذا تحيلت لك على قتله هل تعتقني أنا وزوجتي وأولادي? فقال له: نعم أعتقكم وأعطيك كل ما تتمنى ثم أني اتفقت وإياه على ذلك وأرسلني في غليون إلى هذه المدينة وطلعت إلى هذا الملك فبنى لي هذا الحمام وما بقي لي إلا أن أقتله وأروح إلى ملك النصارى وافدي أولادي وزوجتي وأتمنى عليه، فقلت وما الحيلة التي دبرتها في قتله حتى تقتله? قال لي: هي حيلة سهلة أسهل ما يكون، فأنه يأتي إلي في هذا الحمام وقد اصطنعت له شيئاً فيه سمٌ فإذا جاء أقول له: خذ هذا الدواء وادهن به تحتك فأنك يسقط الشعر فيأخذه ويدهن به تحته فيلعب السم فيه يوماً وليلةٍ حتى يسري إلى قلبه فيهلكه والسلام، فلما سمعت منه هذا الكلام خفت عليك لأن خيرك علي وقد أخبرتك بذلك.
فلما سمع الملك هذا الكلام غضب غضباً شديداً وقال للصباغ: اكتم هذا السر، ثم طلب الرواح إلى الحمام حتى يقطع الشك باليقين، فلما دخل الحمام تعرى أبو صير على جري عادته وتقيد بالملك وكبسه وبعد ذلك قال له: يا ملك الزمان إني عملت دواءً لتنظيف الشعر التحتاني فقال له: أحضره لي فأحضره بين يديه فرأى رائحته كريهة فصح عنده أنه سمٌ فغضب وصاح على الأعوان وقال: أمسكوه فقبض عليه الأعوان وخرج الملك وهو يشتعل بالغضب ولا أحدٌ يعرف سبب غضبه، ومع شدة غضب الملك لم يخبر أحداً ولم يتجاسر أحدٌ أن يسأله.
ثم أنه لبس وطلع الديوان ثم أحضر أبا صير بين يديه وهو مكتف ثم طلب القبطان فحضر، فلما دخل القبطان قال له: خذ هذا الخبيث وحطه في زكيبة وحط في الزكيبة قنطارين جيراً من غير طفء وأربط فمها عليه هو والجير ثم ضعها في الزورق وتعال تحت قصري فتراني جالساً في شباكي وقل لي: هل أرميه? فأقول لك: ارميه فإذا قلت لك ذلك فأرمه حتى ينطفئ الجير عليه لأجل أن يموت غريقاً، فقال سمعاً وطاعةً.


ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 895




ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 896


ثم أخذه من قدام الملك إلى جزيرةٍ قبال قصر الملك وقال لأبي صير: يا هذا أنا جئت عندك مرة واحدةً في الحمام فأكرمتني وقمت بواجبي وانبسطت منك كثيراً وحلفت أنك لم تأخذ مني أجرةً وأنا قد أحببتك محبةً شديدةً، فأخبرني ما قضيتك مع الملك وأي شيءٍ صنعت له من المكاره حتى غضب عليك وأمر أن تموت هذه الميتة الرديئة? فقال له: والله ما علمت شيئاً وليس عندي علمٌ بذنبٍ فعلته معه يستوجب هذا.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الخامسة والثلاثين بعد التسعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن القبطان لم سأل أبا صير عن سبب غضب الملك عليه قال له: والله يا أخي ما عملت شيئاً قبيحاً يستوجب هذا، فقال له القبطان: أن لك عند الملك مقاماً عظيماً ما ناله أحدٌ قبلك وكل ذي نعمةٍ محسودٍ، فلعل أحداً حسدك على هذه النعمة ورمى في حقك بعض الكلام عند الملك حتى أن الملك غضب عليك هذا الغضب، ولكن مرحباً بك وما عليك من بأسٍ فكما أنك أكرمتني من غير معرفةٍ بيني وبينك فأنا أخلصك ولكن إذا خلصتك تقيم عندي في هذه الجزيرة حتى يسافر من هذه المدينة غليون إلى ناحية بلادك فأرسلك معه، فقبل أبو صير يد القبطان وشكره على ذلك. ثم أنه أحضر الجير ووضعه في زبيكة ووضع فيها حجراً كبيراً قدر الرجل وقال: توكلت على الله، ثم أن القبطان أعطى أبا صير شبكةً وقال له: ارم هذه الشبكة في البحر لعلك تصطاد شيئاً من السمك لأن مطبخ الملك رتب علي في كل يومٍ وقد اشتغلت عن الصيد بهذه المصيبة التي أصابتك فأخاف أن تأتي غلمان الطباخ ليطلبوا السمك فلا يجدوه، فإن كنت تصطاد شيئاً فإنهم يجدونه حتى أروح أعمل الحيلة تحت القصر واجعل أني رميتك، فقال له أبو صير: أنا اصطاد وروح أنت والله يعينك.
فوضع الزبيكة في الزورق وسار إلى أن وصل تحت القصر فرأى الملك جالساً في الشباك فقال له: يا ملك الزمان هل أرميه? وأشار بيده وإذا بشيءٍ برق ثم سقط في البحر وإذا بالذي سقط في البحر خاتم الملك وكان مرصودا بحيث إذا غضب الملك على أحدٍ وأراد قتله يشير عليه باليد اليمنى التي فيها الخاتم فيخرج من الخاتم بارقةً فتصيب الذي يشير عليه فيقع رأسه من بين كتفيه، وما أطاعته العسكر ولا قهر الجبابرة إلا بسبب هذا الخاتم، فلما وقع الخاتم من إصبعه كتم أمره ولم يقدر أن يقول خاتمي وقع في البحر خوفاً من العسكر أن يقوموا عليه فيقتلوه فسكت. هذا ما كان من أمر الملك.
وأما ما كان من أمر أبو صير فإنه بعدما تركه القبطان أخذ الشبكة وطرحها في البحر وسحبها فطلعت ملآنة سمكاً ثم طرحها ثانيةً فطلعت ملآنه سمكاً أيضاً، ولم يزل يطرحها وهي تطلع ملآنه حتى صار قدامه كومةٌ كبيرةٌ من السمك، فقال في نفسه: والله أن لي مدة طويلة ما أكلت من السمك ثم أختار له سمكةً كبيرةً ثمينةً وقال: لما يأتي القبطان أقول له يقلي لي هذه السمكة لأتغدى، ثم أنه ذبحها بسكينٍ كانت معه فعلقت السكين في نخشوشها فرأى خاتم الملك فيه لأنها كانت ابتلعته ثم ساقها القدر إلى تلك الجزيرة ووقفت في الشبكة.
فتناول الخاتم ولبسه في خنصره وهو لا يعلم ما فيه من الخواص، وإذا بغلامين من خدام الطباخ أتيا لطلب السمك فلما صارا عند أبا صير قالا له: يا رجل أين راح القبطان? فقال: لا أدري وأشار بيده اليمنى وإذا برأسي الغلامين وقعا بين أكتافهما حين أشار إليهما وقال لا أدري، فتعجب أبو صير من ذلك وجعل يقول: يا هل ترى من قتلهما? وصعب عليه وصار يفكر في ذلك وإذا بالقبطان أقبل فرأى كوماً كبيراً من السمك ورأى الغلامين مقتولين ورأى الخاتم في إصبع أبي صير فقال له: يا أخي لا تحرك يدك التي فيها الخاتم فأنك أن حركتها قتلتني، فتعجب من قوله: لا تحرك يدك التي فيها الخاتم فأن حركتها قتلتني.


ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 896




ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 897


فلما وصل إليه القبطان قال: من قتل هذين الغلامين? قال له: والله يا أخي لا أدري، قال: صدقت ولكن أخبرني عن هذا الخاتم من أين وصل إليك? قال: رأيته في نخشوش هذه السمكة، قال: صدقت فإني رأيته نازلاً يبرق من قصر الملك حتى سقط في البحر وقت أن أشار إليك وقال لي: ارمه فأنه لما أشار رميت الزبيكة وكان سقط من إصبعه ووقع في البحر فابتلعته هذه السمكة وساقها الله إليك حتى اصطدتها فهذا نصيبك، ولكن هل تعرف خواص هذا الخاتم? قال أبو صير: لا أدري له خواصاً، قال القبطان: اعلم أن عسكر ملكنا ما أطاعوه إلا خوفاً من هذا الخاتم لأنه مرصودٌ فإذا غضب الملك على أحدٍ وأراد قتله يشير به عليه فيقع رأسه من بين كتفيه، فإن بارقةً تحرج من هذا الخاتم ويتصل شعاعها بالمغضوب عليه فيموت لوقته.
فلما سمع أبو قير هذا الكلام فرح فرحاً شديداً وقال للقبطان: ردني إلى المدينة، فقال له القبطان: أردك فأني ما بقيت أخاف عليك من الملك فأنك متى أشرت بيدك وأضمرت على قتله فإن رأسه يقع بين يديك ولو كنت تطلب قتل الملك وجميع عسكره فأنك تقتلهم من غير عاقة ثم أنزله في الزورق وتوجه به إلى المدينة.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة السادسة والثلاثين بعد التسعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن القبطان لما أنزل أبا صير في الزورق توجه به إلى المدينة فلما وصل إليها طلع إلى قصر الملك ثم دخل الديوان فرأى الملك جالساً والعسكر بين يديه وهو في غمٍ عظيمٍ من شأن الخاتم ولم يقدر أن يخبر أحد من العسكر بضياع الخاتم.
فلما رآه الملك قال: أما رميناك في البحر كيف فعلت حتى خرجت منه? فقال له: يا ملك الزمان لما أمرت برميي في البحر أخذني قبطانك وسار بي إلى جزيرةٍ وسألني عن سبب غضبك علي وقال لي: أي شيءٍ صنعت مع الملك حتى أمر بموتك? فقلت له: والله ما أعلم أني عملت معه شيئاً قبيحاً فقال لي: إن لك مقاماً عظيماً عند الملك فلعل أحداً حسدك ورمى فيك كلاماً عند الملك حتى غضب عليك ولكن أنا جئتك في حمامك فأكرمتني ففي نظير إكرامك إياي في حمامك أنا أخلصك وأرسلك إلى بلادك.
ثم حط في الزورق حجراً عوضاً عني ورماه في البحر ولكن حين أشرت له علي وقع الخاتم من يدك في البحر فابتلعته سمكة وكنت أنا في الجزيرة اصطاد السمك فطلعت تلك السمكة في جملة السمكات فأخذتها وأردت أن أشويها فلما فتحت جوفها رأيت الخاتم فيه فأخذته وجعلته في إصبعي فأتاني اثنان من خدام المشايخ وطلبا السمكة فأشرت إليهما وأنا لا أدري خاصية الخاتم فوقع رأسيهما. ثم أتى القبطان فعرف الخاتم وهو في إصبعي وأخبرني برصده فأتيت به إليك لأنك عملت معي معروفا وأكرمتني غاية الإكرام وما عملته معي من الجميل لم يضع عندي وهذا خاتمك فخذه وإن كنت فعلت معك شيئاً يوجب القتل فعرفني بذنبي واقتلني وأنت في حلٍ من دمي.


ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 897




ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 898


ثم خلع الخاتم من إصبعه وناوله للملك فلما رأى الملك ما فعل أبو صير من الإحسان أخذ الخاتم منه وتختم به فردت له روحه وقام على أقدامه واعتنق أبا صير وقال: أنت يا رجل من خواص أولاد الحلال فلا تؤاخذني وسامحني عما صدر مني في حقك ولو كان أحدٌ غيرك ملك هذا الخاتم لما كان أعطاني إياه فقال: يا ملك الزمان أن أردت أن أسامحك فعرفني بذنبي الذي أوجب غضبك علي حتى أمرت بقتلي? فقال له: والله أنه ثبت عندي أنك بريءٌ وليس لك ذنبٌ في شيءٍ حيث فعلت هذا الجميل وإنما الصباغ قال لي كذا وكذا وأخبره بما قاله الصباغ فقال له أبو صير: والله يا ملك الزمان أنا لا أعرف ملك النصارى ولا عمري رحت بلاد النصارى ولا خطر ببالي أني أقتلك ولكن هذا الصباغ كان رفيقي وجاري في مدينة الإسكندرية وضاق بنا العيش هناك فخرجنا منها لضيق المعاش وقرأنا مع بعضنا فاتحة على أن العمال يطعم البطال وجرى لي معه كذا وكذا وأخبره بجميع ما جرى له مع أبي قير الصباغ وكيف أخذ دراهمه وتركه ضعيفاً في الحجرة التي في الخان وأن بواب الخان كان ينفق عليه وهو مريض حتى شفاه الله تم طلع وسرح في المدينة حسب العادة فبينما هو في الطريق إذا رأى مصبغة عليها ازدحام فنظر في باب المصبغة فرأى أبا قير جالساً على مصطبة هناك فدخل ليسلم عليه فوقع منه ما وقع من الضرب والإساءة وادعى عليه أنه حرامي وضربه ضرباً مؤلماً وأخبر الملك بجميع ما جرى من أوله إلى آخره.
ثم قال: يا ملك الزمان هو الذي قال لي اعمل الدواء وقدمه للملك فإن الحمام كاملٌ من جميع الأمور إلا أن هذا الدواء مفقود منه واعلم يا ملك الزمان إن هذا الدواء لا يضر ونحن نصنعه في بلادنا وهو من لوازم الحمام وأنا كنت نسيته فلما أتاني الصباغ وأكرمته ذكرني به وقال لي: اعمل الدواء وأرسل يا ملك الزمان هات بواب الخان الفلاني وصنايعية المصبغة فلما حضر الجميع سألهم فأخبروه بالواقع فأرسل إلى الصباغ وقال: هاتوه حافياً مكشوف الرأس مكتفاً وكان الصباغ جالساً في بيته مسروراً بقتل أبو صير فلم يشعر إلا وأعوان الملك هجموا عليه وأوقعوا الضرب في قفاه ثم كتفوه وحضروا به قدام الملك فرأى أبا صير جالساً جنب البواب وبواب الخان وصنايعية المصبغة واقفين أمامه، فقال بواب الخان: أما هذا رفيقك الذي سرقت دراهمه وتركته عندي في الحجرة ضعيفاً وفعلت معه ما كذا وكذا? وقال له صنايعية المصبغة: أما هذا الذي أمرتنا بالقبض عليه وضربناه فتبين للملك قباحة أبا قير وأنه يستحق ما هو أشد من تشديدٍ منكرٍ ونكير? فقال الملك: خذوه وجرسوه في المدينة.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة السابعة والثلاثين بعد التسعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك لما سمع كلام بواب الخان وصنائعية المصبغة تحقق أنه عنده خبث أبي قير فأقام عليه النكير وقال لأعوانه: خذوه وجرسوه في المدينة وحطوه في زكيبة وارموه في البحر، فقال أبو صير: يا ملك الزمان شفعني فيه فأني سامحته من جميع ما فعل بي فقال الملك: إن كنت سامحته في حقك فأنا لا يمكن أن أسامحه في حقي، ثم صاح وقال: خذوه وجرسوه وبعد ذلك وضعوه في زكيبة ووضعوا معه الجير ورموه في البحر فمات غريقاً حريقاً وقال الملك: يا أبا صير تمن علي تعط، فقال له: تمنيت عليك أن ترسلني إلى بلادي فأني ما بقي لي رغبةٌ في القعود هنا فأعطاه شيئاً كثيراً زيادة على ماله ونواله ومواهبه ثم أنعم عليه بغلون مشحون بالخيرات وكان بحريته مماليك فوهبهم له أيضاً بعد أن عرض عليه أن يجعله وزيراً فما رضي ثم ودع الملك وسافر وجميع ما في الغليون ملكه حتى النوتية ملكه وما زال سائراً حتى وصل أرض الإسكندرية ورسوا على جانب إسكندرية وخرجوا إلى البر فرأى مملوكاً معه زكيبة في جانب البر. فقال: يا سيدي إن في جنب شاطئ البحر زكيبة ثقيلة وفما مربوط ولا أدري ما بها فأتى أبو صير وفتحها فرأى فيها أبو قير قد دفعه البحر إلى جهة إسكندرية فأخرجه ودفنه بالقرب من إسكندرية وعمل له مزاراً ووقف عليه أوقافاً ثم أن أبا صير أقام مدة وتوفاه الله فدفنوه بجوار قبر رفيقه أبي قير ومن أجل ذلك سمي هذا المكان بأبي قير وأبي صير واشتهر إلى الآن بأنه أبو قير، وهذا ما بلغنا من حكايتهما فسبحان الباقي على الدوام وبإرادته تصرف الليالي والأيام.


ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 898




ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 899



حكاية عبد الله البري مع عبد الله البحري
ومما يحكى أيضاً أنه كان رجلٌ صيادٌ اسمه عبد الله وكان كثير العيال وله تسعة أولادٍ وأمهم وكان فقير جداً لا يملك إلا الشبكة وكان يروح كل يومٍ إلى البحر ليصطاد فإذا اصطاد قليلاً يبيعه وينفقه على أولاده بقدر ما رزقه الله وإن اصطاد كثيراً يطبخ طبخةً طيبةً ويأخذ فاكهةً ولا يزال يصرف حتى لا يبقى معه شيءٌ ويقول في نفسه: رزق غدٍ يأتي غداً فلما وضعت زوجته صاروا عشرة أشخاصٍ وكان الرجل في ذلك اليوم لا يملك شيئاً أبدا فقالت زوجته: يا سيدي انظر لي شيئاً أتقوت به فقال لها: ها أنا سارحٌ على بركة الله تعالى إلى البحر في هذا اليوم على بخت هذا المولود الجديد حتى ننظر سعده.
فقالت له: توكل على الله فأخذ الشبكة وتوجه إلى البحر، ثم أنه رمى الشبكة على بخت ذلك الطفل الصغير وقال: اللهم أجعل رزقه يسيراً غير عسير وكثيراً وغير قليل وصبر عليهما مدةً سحبها فخرجت ممتلئةً عفشاً ورملاً وحشيشاً ولم ير فيها شيئاً من السمك لا كثيراً ولا قليلاً فرماها ثاني مرةٍ وصبر عليها ثم سحبها فلم ير فيها سمكاً فرمى ثالثاً ورابعاً وخامساً فلم يطلع فيها سمكاً فانتقل إلى مكان أخر وجعل يطلب رزقه من الله ولم يزل على هذه الحالة إلى آخر النهار فلم يصطد ولا سمكةً صغيرةً فتعجب في نفسه وقال: هل هذا المولود خلقه الله تعالى من غير رزقٍ فهذا لا يكون أبداً لأن الذي شق الأشداق تكفل لها بالأرزاق فالله تعالى كريمٌ رزاقٌ.
ثم أنه حمل الشبكة ورجع مكسور الخاطر وقلبه مشغولٌ بعياله فأنه تركهم بغير أكلٍ ولا سيما زوجته نفساء وما زال يمشي وهو يقول في نفسه: كيف العمل وماذا أقول للأولاد في هذه الليلة? ثم أنه وصل قدام فرن خبازٍ فرأى عليه زحمةً وكان وقت غلاءٍ وفي تلك الأيام لا يوجد عند الناس من المؤونة إلا القليل والناس يعرضون الفلوس على الخباز وهو لا ينتبه لأحد منهم من كثرة الزحام فوقف ينظر ويشم رائحة العيش السخن فصارت نفسه تشتهيه من الجوع فنظر إليه الخباز وصاح عليه وقال: تعال يا صياد فتقدم إليه وقال له أتريد عيشاً? فسكت وقال له: تكلم ولا تستح الله كريمٌ أن لم يكن معك دراهم فأنا أعطيك وأصبر عليك حتى يجيئك الخير فقال له: والله يا معلم أنا ما معي دراهم ولكن أعطني عيشاً كفاية عيالي وأرهن عندك هذه الشبكة إلى الغد. فقال له الخباز: يا مسكين أن هذه الشبكة دكانك وباب رزقك فإذا رهنتها بأي شيءٍ تصطاد فأخبرني بالقدر الذي يكفيك? قال: بعشرة أنصاف فضةٍ فأعطاه خبراً بعشرة أنصافٍ ثم أعطاه عشرة أنصافٍ فضةٍ وقال له: خذ هذه العشرة أنصاف وأطبخ لك بها طبخةً فيبقى عندك عشرون نصف فضةٍ وفي غدٍ هات لي بها سمكاً وأن لم يحصل لك شيءٌ تعال خذ عيشك وعشرة أنصافٍ وأنا أصبر عليك حتى يأتيك الخير.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الثامنة والثلاثين بعد التسعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الخباز قال للصياد خذ ما تحتاج إليه وأنا أصبر عليك حتى يأتيك الخير وبعد ذلك هات لي بما استحقه عندك سمكاً فقال له الصياد: آجرك الله تعالى وجزاك عني كل خيرٍ ثم أخذ العيش والعشرة أنصاف فضة وراح مسروراً واشترى ما تيسر ودخل على زوجته فرآها قاعدةً تأخذ بخاطر الأولاد وهم يبكون من الجوع وتقول لهم: في هذا الوقت يأتي أبوكم بما تأكلونه فلما دخل عليهم حط لهم العيش فأكلوا وأخبر زوجته بما حصل له، فقالت له: الله كريم.
وفي ثاني يوم حمل شبكته وخرج من داره وهو يقول: اسألك يا رب أن ترزقني في هذا اليوم بما يبيض وجهي مع الخباز فلما وصل إلى البحر صار يطرح الشبكة فلا يخرج فيها سمكاً ولم يزل كذلك إلى أخر النهار فلم يحصل شيءً فرجع وهو في غمٍ عظيمٍ وكان طريق بيته على فرن الخباز، فقال في نفسه: من أين أروح إلى داري ولكن أسرع خطاي حتى لا يراني الخباز فلما وصل إلى فرن الخباز رأى زحمةً فأسرع في المشي من حيائه من الخباز حتى لا يراه وإذا بالخباز وقع بصره عليه فصاح وقال له: يا صياد تعال خذ عيشك ومصروفك فأنك نسيت.


ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 899




ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 900


قال: والله ما نسيت وإنما استحيت منك فأني لم أصطد سمكاً في هذا اليوم فقال له: لا تستح أما قلت لك على مهلك حتى يأتيك الخير، ثم أعطاه العيش والعشرة أنصاف وراح إلى زوجته وأخبرها بالخبر فقالت له الله كريم أن شاء الله يأتيك الخير وتوفيه حقه ولم يزل على هذه الحالة مدة أربعين يوماً وهو في كل يومٍ يروح إلى البحر من طلوع الشمس إلى غروبها ويرجع بلا سمكٍ ويأخذ عيشاً ومصروفاً من الخباز، ولم يذكر له السمك يوماً من الأيام ولم يمهله مثل الناس بل يعطيه العشرة أنصاف والعيش وكلما يقول له يا أخي حاسبني يقول له روح ما هذا وقت الحساب حتى يأتيك الحساب فأحاسبك، فيدعوا له ويذهب من عنده شاكراً له.
وفي اليوم الحادي والأربعون قال لامرأته: مرادي أن أقطع هذه الشبكة وأرتاح من هذه المعيشة، فقالت له: لأي شيءٍ? قال لها: كأن رزقي انقطع في البحر فإلى متى هذا الحال والله أني ذبت حياءً من الخباز فأنا ما بقيت أروح إلى البحر حتى لا أجوز على فرنه فأنه ليس لي طريقٌ إلا على فرنه وكلما جزت عليه يناديني ويعطيني العيش والعشرة أنصاف وإلى متى وأنا أتداين منه? قالت له: الحمد لله تعالى الذي عطف قلبه عليك فيعطيك القوت وأي شيءٍ تكره من هذا? قال: بقي له علي قدرٌ عظيمٌ من الدراهم ولا بد أنه يطلب حقه، قالت له زوجته: هل آذاك بكلامٍ? قال: لا ولا يرضى أن يحاسبني ويقول لي: حتى يأتيك الخير، قالت: فإذا طالبك قل له حتى يأتي الخير الذي نرتجيه أنا وأنت فقال لها: متى يجيء الخير الذي نرتجيه? قالت: الله كريم قال: صدقت، ثم حمل شبكته وتوجه إلى البحر وهو يقول: يا رب أرزقني ولو بسمكةٍ واحدةٍ حتى أهديها إلى الخباز ثم أنه رمى الشبكة في البحر وسحبها فوجدها ثقيلة فما زال يعالج فيها حتى تعب تعباً شديداً فلما أخرجها وجد فيها حماراً ميتاً منفوخاً ورائحته كريهةٌ فسئمت نفسه ثم خلصه من الشبكة وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم قد عجزت وأنا أقول لهذه المرأة ما بقي لي رزقٌ في البحر، دعيني أترك هذه الصنعة وهي تقول لي: الله كريمٌ سيأتيك الخير فهل هذا الحمار الميت هو الخير? ثم أنه حصل له غمٌ شديدٌ وتوجه إلى مكانٍ آخر ليبعد عن رائحة الحمار وأخذ الشبكة ورماها وصبر عليها ساعةً زمانيةً، ثم جذبها فرآها ثقيلةً فلم يزل يعالج فيها حتى خرج الدم من كفيه فلما أخرج الشبكة رأى فيها آدميا فظن أنه عفريتٌ من عفاريت سيدنا سليمان الذي كان يحبسهم في قماقم النحاس ويرميهم في البحر فلما انكسر القمقم من طول السنين خرج منه ذلك العفريت وطلع في الشبكة فهرب منه وصار يقول: الأمان الأمان يا عفريت سليمان فصاح عليه الآدمي من داخل الشبكة وقال: تعالى يا صياد لا تهرب مني فأني آدمي مثلك فخلصني لتنال أجري فلما سمع الصياد اطمأن قلبه وجاءه وقال: أما أنت عفريتٌ من الجن? قال: لا وإنما أنا أنسيٌ مؤمن بالله ورسوله. قال له: ومن رماك في البحر? قال له: أنا من أولاد البحر كنت دائراً فرميت على الشبكة ونحن أقوامٌ مطيعون لأحكام الله ونشفق على خلق الله تعالى ولولا أني أخاف وأخشى أن أكون من العاصين لقطعت شبكتك ولكن رضيت بما قدر الله علي وأنت إذا خلصتني تصير مالكاً وأنا أصير أسيرك فهل لك أن تعتقني ابتغاءً لوجه الله تعالى وتعاهدني وتبقى صاحبي أجيئك كل يومٍ في هذا المكان وأنت تأتيني وتجيء لي معك بهديةٍ من ثمار البرفان عندكم عنباً وتيناً وبطيخاً وخوخاً ورماناً وغير ذلك وكل شيءٍ تجيء به إليَّ مقبولٌ منك ونحن عندنا مرجانٌ ولؤلؤٌ وزمردٌ وياقوتٌ وجواهرٌ فأنا أملأ لك المشنة التي تجيء لي فيها بالفاكهة معادن من جواهر البحر فما تقول يا أخي في هذا الكلام? قال له الصياد: الفاتحة بيني وبينك على هذا الكلام فقرأ كل منهما الفاتحة وخلصه من الشبكة ثم قال له الصياد: ما اسمك? قال له: اسمي عبد الله البحري فإذا أتيت إلى هذا المكان ولم ترني فناد وقل: أين أنت يا عبد الله يا بحري فأكون عندك في الحال.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة التاسعة والثلاثين بعد التسعمائة


ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 900




ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 901


قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن عبد الله البحري قال له: إذا أتيت إلى هذا المكان ولم ترني فناد وقل: أين أنت يا عبد الله يا بحري فأكون عندك في الحال وأنت ما اسمك? فقال الصياد: اسمي عبد الله قال أنت عبد الله البحري فقف هنا حتى أروح وآتيك بهديةٍ، فقال له: سمعاً وطاعةً فراح عبد الله البحري في البحر فعند ذلك ندم عبد الله البري على كونه خلصه من الشبكة وقال في نفسه: من أين أعرف أنأأنه يرجع إلي وإنما هو يضحك علي حتى خلصته ولو أبقيته كنت أفرج عليه الناس في المدينة وآخذ عليه الدراهم وأدخل به بيوت الأكابر فصار يتندم على إطلاقه ويقول في لنفسه: راح صيدك من يدك فبينما هو يتأسف على خلاصه من يده وإذا بعبد الله البحري رجع إليه ويداه مملوءتان لؤلؤاً ومرجاناً وزمرداً وياقوتاً وجواهر، وقال له: خذ يا أخي ولا تؤاخذني فأنه ما عندي مشنةٌ كنت أملؤها لك.
فعند ذلك فرح عبد الله البري وأخذ منه الجواهر وقال له: كل يوم تأتي إلى هذا المكان قبل طلوع الشمس ثم ودعه وانصرف ودخل البحر وأما الصياد فأنه دخل المدينة وهو فرحانٌ ولم يزل ماشياً حتى وصل إلى فرن الخباز وقال له: يا أخي قد أتانا الخير فحاسبني قال له: ما نحتاج إلى حسابٍ أن كان ما معك شيءٌ فخذ عيشك ومصروفك ورح إلى أن يأتيك الخير. فقال له: يا صاحبي قد أتاني الخير من فيض الله وقد بقي لك عندي جملةً كثيرةً ولكن خذ هذا وكبش له كبشةً من لؤلؤٍ ومرجانٍ وياقوتٍ وجواهرٍ وكانت تلك الكبشة نصف ما معه فأعطاها للخباز وقال له: أعطني شيئاً من المعاملة أصرفه في هذا اليوم حتى أبيع هذه المعادن فأعطاه كل ما كان تحت يده من الدراهم وجميع ما في المشنة التي كانت عنده من الخبز وفرح الخباز بتلك المعادن وقال للصياد: أنا عبدك وخدامك وجمع العيش الذي عنده على رأسه ومشى خلفه إلى البيت فأعطى العيش لزوجته وأولاده، ثم راح إلى السوق وجاء باللحم والخضار وسائر أصناف الفاكهة وترك الفرن وأقام طول ذلك اليوم وهو يعاطي خدمة عبد الله البري ويقضي له مصالحه.
فقال له الصياد: يا أخي أتعبت نفسك، قال له الخباز: هذا واجبٌ لأني صرت خدامك وإحسانك قد غمرني فقال له: أنت صاحب الإحسان علي في الضيق والغلاء وبات معه تلك الليلة على أحسن حال، ثم أن الخباز صار صديقاً للصياد أخبر زوجته بواقعته مع عبد الله البحري ففرحت وقالت: أكتم سرك لئلا تتسلط عليك الحكام فقال لها: أن كتمت سري عن جميع الناس فلا أكتمه عن الخباز، ثم أنه أصبح في ثاني يوم وكان قد ملأ مشنة فاكهة من سائر الأصناف في وقت المساء ثم حملها قبل الشمس وتوجه إلى البحر، وحطها على جانب الشاطئ وقال: أين أنت يا عبد الله يا بحري? وإذا به يقول له: لبيك وخرج إليه فقدم له الفاكهة فحملها ونزل بها وغطس في البحر وغاب ساعةً زمانيةً ثم خرج ومعه المشنة ملآنةً من جميع أصناف المعادن والجواهر فحملها عبد الله البري على رأسه وذهب بها، فلما وصل إلى فرن الخباز قال له: يا سيدي قد خبزت لك أربعين كف شريكٍ وأرسلتها إلى بيتك وها أنا أخبز العيش الخاص فمتى خلص أوصله البيت وأروح لك أجيء بالخضار واللحم فكبش له من المشنة ثلاث كبشاتٍ وأعطاه إياها وتوجه إلى البيت وحط المشنة وأخذ من كل صنفٍ من أصناف الجواهر فأخذ جواهر نفيسةً، ثم ذهب إلى سوق الجواهر ووقف على دكان شيخ السوق وقال: اشتر مني هذه الجواهر فقال له: أرني إياها فأراه فقال له: هل عندك غير هذا? قال: عندي مشنةً ممتلئةً، قال له: أين بيتك? قال: في الحارة الفلانية فأخذ منه الجواهر وقال لأتباعه: أمسكوه فأنه هو الحرامي الذي سرق مصالح الملكة زوجة السلطان ثم أمرهم أن يضربوه فضربوه وكتفوه وقام الشيخ هو وجميع أهل سوق الجواهر وصاروا يقولون: مسكنا الحرامي وبعضهم يقول: ما سرق متاع فلانٍ إلا هذا الخبيث وبعضهم يقول: ما سرق جميع ما في بيت فلانٍ، إلا هو وبعضهم يقول كذا وكذا كل ذلك وهو ساكت ولم يرد على أحدٍ منهم جواباً ولم يبدأ له خطابا حتى أوقفوه قدام الملك قال الشيخ: يا ملك الزمان لما سرق عقد الملكة أرسلت أعلمتنا وطلبت منا وقوع الغريم فاجتهدت أنا من دون الناس وأوقعت لك الغريم وها هو بين يديك وهذه الجواهر خلصناها من يده.


ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 901




ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 902


فقال الملك للطواشي: خذ هذه المعادن وأرها للملكة وقل لها: هل هذا متاعك الذي ضاع من عندك? فأخذها الطواشي ودخل بها قدام الملكة فلما رأتها تعجبت منها وأرسلت تقول للملك: أني رأيت عقد في مكاني وهذا ما هو متاعي ولكن هذه الجواهر أحسن من جواهر عقدي فلا تظلم الرجل.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الأربعين بعد التسعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن زوجة الملك لما أرسلت تقول له: هذا ما هو متاعي ولكن هذه الجواهر أحسن من جواهر عقدي فلا تظلم الرجل وأن كان يبيعها فاشترها منه لبنتك أم السعود ليضعها لها في عقدٍ فلما رجع الطواشي وأخبر الملك بما قالته الملكة لعن شيخ الجواهرجية هو وجماعته لعنةً عادٍ وثمودٍ فقالوا: يا ملك الزمان أنا كنا نعرف أن هذا الرجل صيادٌ فقيرٌ فاستكثرنا ذلك عليه وقد ظننا أنه سرقها فقال: يا قبحاء أتستكثرون النعمة على مؤمنٍ فلا شيء لم يدر بما رزقه الله بها من حيث لا يحتسب فكيف تجعلونه حرامياً وتفضحونه بين العالم? اخرجوا لا بارك الله فيكم فخرجوا وهم خائفون. هذا ما كان من أمرهم.
وأما ما كان من أمر الملك فأنه قال له: يا رجل بارك الله لك فيما أنعم به عليك وعليك الأمان ولكن أخبرني بالصحيح من أين هذه الجواهر فأني ملكٌ ولا توجد عندي مثلها? فقال: يا ملك الزمان أنا عندي مشنةً ممتلئةً منها وهو أن الأمر كذا وكذا وأخبره بصحبته لعبد الله البحري وقال له: أنه قد صار بيني وبينه عهدٌ على أنني كل يوم أملأ له المشنة فاكهةً وهو يملؤها لي من هذه الجواهر، فقال له: يا رجل هذا نصيبك ولكن المال يحتاج إلى الجاه فأنا أدفع عنك تسلط الناس عليك في هذه الأيام ولكن ربما عزلت أو مت وتولى غيري فأنه يقتلك من أجل حب الدنيا والطمع فمرادي أن أزوجك ابنتي وأجعلك وزيري وأوصي لك بالملك من بعدي حتى لا يطمع فيك أحد بعد موتي.


ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 902




ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 903


ثم أن الملك قال: خذوا هذا الرجل وأدخلوه الحمام فأخذوه وغسلوا جسده وألبسوه ثياباً من الملوك وأخرجوه قدام الملك فجعله وزيراً له ثم أرسل إلى زوجته ملابس نساء الملوك هي وأولادها وأركبوها في تختروان ومشت قدامها جميع النساء الأكابر والعساكر والسعاة وأصحاب النوبة وأتوا بها إلى بيت الملك والطفل الصغير في حضنها وأدخلوا أولادها الكبار على الملك فأكرمهم وأخذهم على حجره وأجلسهم في جانبه وهم تسعة أولادٍ ذكورٍ وكان الملك معدوم الذرية، ما رزق غير تلك البنت التي اسمها أم السعود وأما الملكة فأنها أكرمت زوجة عبد الله البري وأنعمت عليها وجعلتها وزيرةً وأرسل السعاة وأصحاب النوبة وجميع نساء الأكابر إلى بيته فألبسوا عندها وأمر الملك يكتب عبد الله البري على ابنته وجعل مهرها جميع ما كان عنده من الجواهر والمعادن، وفتحوا باب الفرح وأمر الملك أن ينادي بزينة المدينة من أجل فرح ابنته وفي اليوم الثاني بعد أن دخل على بنت الملك وأزال بكارتها طل الملك من الشباك فرأى عبد الله حاملاً على رأسه مشنةً ممتلئةً فاكهةً، فقال له: ما هذا الذي معك يا نسيبي وإلى أين تذهب? فقال: إلى صاحبي عبد الله البحري فقال له: يا نسيبي ما هذا وقت الرواح إلى صاحبك فقال: أخاف أن أخلف معه المعاد فيعدني كذاباً ويقول لي أن الدنيا الهتك عني قال: صدقت رح إلى صاحبك أعانك الله فمشى في البلد وهو متوجهٌ إلى صاحبه وكانت الناس قد عرفته فصار يسمع الناس يقولون: هذا نسيب الملك رائحٌ يبدل الأثمار بالجواهر والذي يكون جاهلا به ولا يعرفه يقول: يا رجل بكم الرطل? تعالي بعني فيقول له: انتظرني حتى أرجع إليك ولا يغم أحداً، ثم راح واجتمع بعبد الله البحري وأعطاه الفاكهة وأبدلها له بالجواهر ولم يزل على هذه الحالة وفي كل يومٍ يمر على الخباز فيراه مقفولاً ودام على ذلك مدة عشرة أيامٍ، فلما لم ير الخباز ورأى فرنه مقفولا قال في نفسه: أن هذا شيءٌ عجيبٌ يا ترى أين راح الخباز? ثم أنه سأل عنه جارٌ له يا أخي أين جارك الخباز? فما فعل الله به? قال له: يا سيدي أنه مريض لا يخرج من بيته قال له: أين بيته? قال له: في الحارة الفلانية فعمد إليه وسأل عنه فلما طرق الباب طل الخباز من الطاقة فرأى صاحبه الصياد وعلى رأسه مشنةً ممتلئةً فنزل إليه وفتح له الباب ورمى روحه عليه وعانقه وقال له: كيف حالك يا صاحبي فأن كان من أمر على الفرن فأراه مقفولاً ثم سألت جارك فأخبرني بأنك مريضٌ فسألت عن البيت لأجل أن أراك فقال له الخباز: جزاك الله عني كل خير فليس بي مرضٌ، وإنما بلغني أن الملك أخذك لأن بعض الناس كذب عليك وادعى أنك حرامي فخفت أنا وقفلت الفرن واختفيت.
قال: صدقت ثم أنه أخبره بقضيته وما وقع له مع الملك وشيخ سوق الجواهرجية وقال له: أن الملك قد زوجني ابنته وجعلني وزيره ثم قال له: خذ من المشنة نصيبك ولا تخف، ثم خرج من عنده بعد أن ذهب عنه الخوف وراح إلى الملك بالمشنة فارغةً فقال له الملك: يا نسيبي كأنك ما اجتمعت برفيقك عبد الله البحري في هذا اليوم? فقال: رحت له والذي أعطاه لي أعطيته إلى صاحبي الخباز فأن له علي جميلاً قال: من يكون هذا الخباز? قال: أنه رجلٌ صاحبٌ معروفٌ وجرى لي معه في أيام الفقر ما هو كذا وكذا ولم يهملني يوما ولا كسر خاطري قال الملك: ما اسمه? قال: عبد الله الخباز وأنا اسمي عبد الله البري وصاحبي اسمه عبد الله البحري قال الملك: وأنا اسمي عبد الله وعبيد الله كلهم أخوان فأرسل إلى صاحبك الخباز هاته لتجعله وزير ميسرة، فأرسل إليه، فلما حضر بين يدي الملك ألبسه بدلة وزيرٍ وجعله وزير الميسرة وجعل عبد الله البري وزير الميمنة.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الحادية والأربعين بعد التسعمائة


ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 903




ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 904


قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك جعل عبد الله البري نسيبه وزير الميمنة وعبد الله الخباز وزير الميسرة واستمر عبد الله على تلك الحالة سنةً كاملةً وهو في كل يوم يأخذ المشنة ممتلئةً فاكهةً ويرجع بها ممتلئةً جواهر ومعادن ولما فرغت الفواكه من البساتين صار يأخذ زبيباً ولوزاً وبندقاً وجوزاً وتيناً وغير ذلك وجميع ما يأخذه له يقبله منه ويرد له المشنة ممتلئةً جواهر على عادته فاتفق يوماً من الأيام أنه أخذ المشنة ممتلئةً نقلاً على عادته فأخذها منه وجلس عبد الله البري على الشاطئ وجلس عبد الله البحري في الماء قرب الشاطئ وصارا يتحدثان مع بعضهما ويتداولان الكلام بينهما حتى أنجرا إلى ذكر المقابر فقال البحري: يا أخي أنهم يقولون في أن النبي صلى الله عليه وسلم مدفونٌ عندكم في البر فهل تعرف قبره? قال نعم قال له: في أي مكانٍ هو? قال له: في مدينةٍ يقال لها مدينة طية فقال: وهل تزوره الناس أهل البر? قال: نعم قال: هنيئا لكم يا أهل البر بزيارة هذا النبي الكريم الرؤوف الرحيم الذي من زاره استوجب شفاعته، وهل أنت زرته يا أخي? قال: لا لأني كنت فقيرٌ ولا أجد ما أنفقه في الطريق وما استغنيت إلا من حين عرفتك وتصدقت علي بهذا الخير، ولكن قد وجبت عليَّ زيارته بعد أن أحج بيت الله الحرام وما منعني من ذلك إلا محبتك فأني لا أقدر أن أفارقك يوماً واحداً.
فقال له: وهل تقدم محبتي على زيارة قبر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي يشفع فيك يوم العرض على الله وينجيك من النار وتدخل الجنة بشفاعته? وهل من أجل حب الدنيا تترك زيارة قبر نبيك محمد صلى الله عليه وسلم? فقال: لا والله إن زيارته مقدمةٌ عندي على كل شيءٍ ولكن أريد منك إجازة أن أزوره في هذا العام، قال: أعطيك الإجازة بزيارته وإذا وقفت على قبره فاقرئه مني السلام، وعندي أمانةً فأدخل معي البحر حتى آخذك إلى مدينتي وأدخلك بيتي وأضيفك وأعطيك أمانةً لتضعها على قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقل له يا رسول الله أن عبد الله البحري يقرئك السلام وقد أهدى إليك هذه الهدية وهو يرجو منك الشفاعة من النار. فقال له عبد الله البري: يا أخي أنت خلقت من الماء ومسكنك الماء وهولا يضرك فهل إذا خرجت منه إلى البر يحصل لك ضررٌ? قال: نعم ينشف بدني وتهب علي نسمات البر فأموت، قال له: وأنا كذلك خلقت في البر ومسكني البر فإذا دخلت البحر يدخل الماء في جوفي ويخنقني فأموت. قال له: لا تخف من ذلك فأني آتيك بدهنٍ تدهن به جسمك فلا يضرك الماء ولو كنت تقضي بقية عمرك وأنت دائرٌ في البحر وتنام وتقوم في البحر ولا يضرك شيءٌ، قال: إذا كان الأمر كذلك لا بأس هات لي الدهان حتى أجربه قال: وهو كذلك ثم أخذ المشنة ونزل في البحر وغاب قليلاً ثم رجع ومعه شحمٌ مثل شحم البقر لونه أصفر كلون الذهب ورائحته زكيةٌ، فقال له عبد الله البري: ما هذا يا أخي? فقال: شحم كبد صنفٍ من أصناف السمك يقال له الدندان وهو أعظم أصناف السمك خلقةً وهو أشد أعدائنا علينا وصورته أكبر صورةٍ توجد عندكم من دواب البر، ولو رأى الجمل والفيل لابتلعه.
فقال له: يا أخي وما يأكل هذا المشؤوم? فقال: يأكل من دواب البحر أما سمعت أنه يقال في المثل: مثل سمك البحر القوي يأكل الضعيف? قال: صدقت ولكن هل عندكم من هذا الدندان في البحر كثيرٌ? قال: عندنا شيءٌ لا يحصيه إلا الله تعالى. قال عبد الله البري: أني أخاف إذا نزلت معك أن يصادفني هذا النوع فيأكلني، قال عبد الله البحري: لا تخف فإنه متى رآك عرف أنك ابن آدمٍ فيخاف منك ويهرب ولا يخاف من أحدٍ في البحر مثل ما يخاف من ابن آدم لأنه متى أكل ابن آدم مات من وقته وساعته فأن شحم ابن آدم قاتلٌ لهذا النوع ونحن ما نجمع شحم كبده إلا بواسطة ابن آدمٍ إذا وقع في البحر غريقاً فإنه تتغير صورته وربما تمزق لحمه فيأكله الدندان لظنه أنه من حيوان البحر فيموت فنعثر به ميتاً فنأخذ شحم كبده وندهن به أجسامنا وندور في البحر فأي مكانٍ كان فيه ابن آدم إذا كان فيه مائة أو مائتان أو أكثر من هذا النوع وسمعوا صيحة ابن آدم فإن الجميع يموتون لوقتهم من صيحةٍ واحدةٍ.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الثانية والأربعين بعد التسعمائة


ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 904




ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 905


قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن عبد الله البحري قال لعبد الله البري: وإذا سمع ألفٌ من هذا النوع أو أكثر صيحةً واحدةً من بني آدم يموتون لوقتهم ولا يقدر أحد منهم أن ينتقل من مكانه، فقال عبد الله البري: توكلت على الله، ثم قلع ما كان عليه من الملبوس وحفر في شاطئ البحر ودفن ثيابه وبعد ذلك دهن جسمه من فوقه إلى قدمه بهذا الدهن ثم نزل في الماء وغطس وفتح عينيه فلم يضره الماء فمشى يميناً وشمالاً ثم جعل أن شاء يعلو وأن شاء ينزل إلى القرار ورأى ماء البحر مخيماً عليه مثل الخيمة ولا يضره.
فقال عبد الله البحري: ماذا ترى يا أخي? قال له: أرى خيراً وقد صدقت فيما قلت فأن الماء ما ضرني، قال له: اتبعني فتبعه وما زالا يمشيان من مكانٍ إلى مكانٍ وهو يرى أمامه وعن يمينه وشماله جبالاً من الماء فصار يتفرج عليها وعلى أصناف السمك وهي تلعب في البحر البعض كبيرٌ والبعض صغيرٌ وفيه شيءٌ يشبه الجاموس وشيءٌ يشبه البقر وشيءٌ يشبه الكلاب وشيءٌ يشبه الآدميين وكل نوعٍ قربنا منه يهرب، فقال له: مخافةٌ منك لأن جميع ما خلقه الله تعالى يخاف من ابن آدم.
وما زال يتفرج على عجائب البحر حتى وصل إلى جبلٍ عالٍ فمشى عبد الله البري بجانب ذلك الجبل فلم يشعر إلا وصيحةً عظيمةً فالتفت فرأى شيئاً أسوداً منحدراً عليه من ذلك الجبل وهو قدر الجمل أو أكبر وصار يصيح، فقال: ما هذا يا أخي? قال له البحري: هذا الدندان فأنه نازل في طلبي مراده أن يأكلني فصح عليه يا أخي قبل أن يصل إلينا فيخطفني ويأكلني فصاح عليه عبد الله البري فوقع ميتاً، قال: سبحان الله وبحمده أنا لا ضربته بسيفٍ ولا بسكينٍ كيف هذه العظمة التي فيها هذا المخلوق ولم يحمل صيحتي بل مات? فقال له عبد الله البحري: لا تعجب يا أخي فو الله لو كان من هذا النوع ألفٌ أو ألفان لما حملوا صيحة ابن آدم.
ثم مشيا إلى مدينةٍ فرأيا أهلها جميعاً بنات وليس فيهن ذكورٌ فقال: يا أخي ما هذه المدينة وما هذه البنات? فقال له: هذه مدينة البنات لأن أهلها من بنات البحر، قال: هل فيهن ذكور? قال: لا، قال: كيف يحبلن ولا يلدن من غير ذكور? قال: أن ملك البحر ينفيهن إلى هذه المدينة وهن لا يحبلن ولا يلدن وإنما كل واحدةٍ غضب عليها من بنات البحر يرسلها إلى هذه المدينة ولا تقدر أن تخرج منها فأن خرجت منها فكل من يراها من دواب البحر يأكلها، وأما غير هذه المدينة ففيها رجالٌ وبناتٌ. قال له: هل في البحر مدنٌ غير هذه المدينة? قال له: كثيرٌ، قال: وهل عليكم سلطانٌ في البحر? قال: نعم، قال له: يا أخي أني رأيت في البحر عجائب كثيرة، قال له: وأي شيءٍ رأيت من العجائب? قال: أما سمعت صاحب المثل يقول: عجائب البحر أكثر من عجائب البر? قال: صدقت.
ثم أنه صار يتفرج على هذه البنات فرأى لهن وجوهاً مثل الأقمار وشعوراً مثل شعور النساء ولكن لهن أيادٍ وأرجلٍ في بطونهن ولهن أذنابٌ مثل أذناب السمك، ثم أنه فرجه على أهل تلك المدينة وخرج به ومشى قدامه إلى مدينةٍ أخرى فرآها ممتلئةً خلائق إناثاً وذكوراً صورتهم مثل صورة البنات ولهن أذناب ولكن ليس عندهم بيعٌ ولا شراءٌ مثل أهل البر وليسوا لابسين بل الكل عراةٍ مكشوفي العورة فقال له: يا أخي أني أرى الإناث والذكور مكشوفوا العورة فقال له: أن أهل البحر لا قماش عندهم.


ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 905




ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 906


فقال له: يا أخي كيف يصنعون إذا تزوجوا? فقال له: هم لا يتزوجون بل كل من أعجبته أنثى يقضي مراده منها، قال له: أن هذا شيءٌ حرامٌ، ولأي شيءٍ لا يخطبها يمهرها ويقيم لها فرحا ويتزوجها بما يرضي الله ورسوله? قال: ليس كلنا ملةً واحدةً فإن فينا مسلمين موحدين وفينا نصارى ويهودٌ وغير ذلك والذي يتزوج حصوص المسلمين. فقال: أنتم عراةٌ وما عندكم بيعٌ ولا شراءٌ، فأي شيءٍ يكون مهر نسائكم، وهل تعطوهن جواهر ومعادن? قال له: أن الجواهر أحجار ليس لها عندنا قيمةٌ وإنما الذي يريد أن يتزوج يجعلون شيئاً معلوماً من أصناف السمك يصطاده قدر ألف أو ألفين أو أكثر حسب ما يحصل عليه الاتفاق بينه وبين والد الزوجة فحين يحضر المطلوب يجتمع أهل العريس وأهل العروسة ويأكلون الوليمة ثم يدخلونه على زوجته وبعد ذلك يصطاد من السمك ويطعمها وإذا عجز تصطاد هي وتطعمه. قال: وأن زنى بعضهم ببعض كيف يكون الحال? قال: أن الذي يثبت عليه الأمر أن كانت أنثى ينفونها إلى مدينة البنات فإذا كانت حاملاً من الزنى فإنهم يتركونها إلى أن تلد، فأن ولدت بنتاً ينفونها معها وتسمى زانيةً ولا تزال بنتاً حتى تموت، وأن كان المولود ذكراً فأنهم يأخذونه إلى الملك السلطان فيقتله.
فتعجب عبد الله البري من ذلك، ثم أن عبد الله البحري أخذه إلى مدينةٍ أخرى، وهكذا وما زال يفرجه حتى فرجه على ثمانين مدينةٍ وكل مدينةٍ يرى أهلها لا يشبهون أهل غيرها من المدن، فقال له: يا أخي هل بقي في البحر مدائن? قال: وأي شيء رأيت من مدائن البحر وعجائبه، وحق النبي الكريم الرؤوف الرحيم لو كانت فرجتك ألف عامٍ كل عام على مدينةٍ وأريتك في كل مدينةٍ ألف أعجوبةٍ ما أريتك قيراطاً من أربعةٍ وعشرون قيراطاً من مدائن البحر وعجائبه وإنما فرجتك على أرضنا وديارنا لا غير، فقال له: يا أخي حيث كان الأمر كذلك يكفيني ما تفرجت عليه فأني سئمت من أكل السمك ومضى لي في صحبتك ثمانون يوماً وأنت لا تطعمني صباحاً ومساءً إلا سمكاً طرياً لا مستوياً ولا مطبوخاً، فقال لها: أي شيءٍ يكون المطبوخ والمشوي? قال له عبد الله البري: نحن نشوي السمك في النار ونطبخه ونجعله أصنافاً ونصنع منه أنواعاً كثيرةً، فقال له البحري: من أين تأتي لنا النار فنحن لا نعرف المشوي من المطبوخ وغير ذلك، فقال له البري: نحن نقليه بالزيت والسيرج فقال له البحري: ومن أين لنا الزيت والسيرج ونحن في هذا البحر لا نعرف شيئاً مما ذكرته? قال: صدقت ولكن يا أخي قد فرجتني على مدائن كثيرةٍ ولم تفرجني على مدينتك.
قال له: أما مدينتي فأننا فتناها بمسافة وهي قريبةٍ من البر الذي أتينا منه وإنما تركت مدينتي وجئت بك إلى هنا لأني قصدت أن أفرجك على مدائن البحر. قال له: يكفيني ما تفرجت عليه ومرادي أن تفرجني على مدينتك، قال له: وهو كذلك، ثم رجع وإياه إلى مدينته فلما وصلا إليها قال له: هذه مدينتي فرآها مدينةً صغيرةً عن المدائن التي تفرج عليها، ثم دخل المدينة ومعه عبد الله البحري إلى أن وصلا إلى مغارةٍ فقال له: هذا بيتي وكل بيوت هذه المدينة كذلك مغائرٌ كبيرةٌ وصغيرةٌ في الجبال وكذلك جميع مدائن البحر على هذه الضفة فأن كل من أراد أن يصنع له بيتاً يروح إلى الملك ويقول له: أريد أن أتخذ بيتاً في المكان الفلاني فيرسل معه الملك طائفةً من السمك تسمى النقارين ويجعل كراهم شيئاً معلوماً من السمك ولهم مناقر تفتت الحجر الجلمود فيأتون إلى الجبل الذي أراده صاحب البيت وينقرون في البيت وصاحب البيت يصطاد لهم السمك ويلقمهم حتى تتم المغارة فيذهبون وصاحب البيت يسكنه، وجميع أهل البحر على هذه الحالة لا يتعاملون مع بعضهم ولا يخدمون بعضهم إلا بالسمك وكلهم سمك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق