السبت، 6 فبراير 2010

145


حكاية سيف الملوك وبديعة الجمالومما يحكى أنه كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان ملك من ملوك العجم اسمه محمد بن سبائك وكان يحكم بلاد خراسان وكان في كل عام يغزو بلاد الكفارفي الهند والسند والصين والبلاد التي وراء النهر وغير ذلك من العجم وغيرها وكان ملكاً عادلاً شجاعاً كريماً جواداً، وكان ذلك الملك يحب المنادمات والروايات والأشعار والأخبار والحكايات وأسمار وسير المتقدمين وكان كل من يحفظ حكاية غريبة ويحكيها له ينعم عليه، وقيل: إنه إذا أتاه رجل غريب بسمر غريب وتكلم بين يديه واستحسنه وأعجبه كلامه يخلع عليه خلعة سنية ويعطيه ألف دينار ويركبه فرساً مسرجاً ملجماً، ويكسوه من فوق إلى أسفل ويعطيه عطايا عظيمة فيأخذها الرجل وينصرف إلى حال سبيله، فاتفق أنه أتاه رجل كبير بسمر غريب فتحدث بين يديه فاستحسنه وأعجبه كلامه، فأمر له بجائزة سنية ومن جملتها ألف دينار خراسانية وفرس بعدة كاملة ثم بعد ذلك شاعت الأخبار عن هذا الملك العظيم في جميع البلدان فسمع به رجل يقال له التاجر حسن وكان كريماً جواداً عالماً شاعراً فاضلاً وكان عند ذلك الملك وزيراً حسوداً محضره سيء لا يحب الناس جميعاً لا غنياً ولا فقيراً، وكان كلما ورد على ذلك الملك أحداً أعطاه شيئاً يحسده ويقول إن هذا الأمر يفني المال ويخرب الديار، وإن الملك دأبه هذا الأمر ولم يكن ذلك الكلام إلا حسداً وبغضاً من ذلك الوزير، ثم إن الملك سمع بخبر التاجر فأرسل إليه وأحضره.

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 703

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 704
فلما حضر بين يديه قال له: يا تاجر حسن إن الوزير خالفني وعاد أبي من أجل المال الذي أعطيه للشعراء والندماء وأرباب الحكايات والأشعار وإني إريد منك أن تحكي لي حكاية مليحة وحديثاً غريباً بحيث لم أكن سمعت مثله قط فإن أعجبني حديثك أعطيتك بلاداً كبيرة بقلاعها وأجعلها زيادة على إقطاعك وأجعل مملكتي كلها بين يديك وأجعلك كبير وزرائي تجلس على يميني وتحكم في رعيتي، وإن لم تأتني بما قلت لك أخذت جميع ما في يدك وطردتك من بلادي فقال التاجر حسن سمعاً وطاعة لمولانا الملك لكن يطلب منك المملوك أن تصبر عليه سنة ثم أحدثك بحديث ما سمعت مثله في عمرك ولا سمع غيرك بمثله ولا بأحسن منه قط فقال الملك: قد أعطيتك مهلة سنة كاملة ثم دعا بخلعة سنية فألبسه إياها قال له: الزم بيتك ولا تركب ولا تروح ولا تجيء مدة سنة كاملة حتى تحضر بما طلبته منك، فإن جئت بذلك فلك الإنعام الخاص وأبشر بما وعدتك به وإن لم تجئ بذلك فلا أنت منا ولا نحن منك.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الرابعة عشرة بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك محمد بن سبائك قال للتاجر حسن: إن جئتني بما طلبته منك فلك الإنعام الخاص وأبشر بما وعدتك به وإن لم تجيئني بذلك فلا أنت منا ولا نحن منك فقبل التاجر حسن الأرض بين يديه وخرج ثم اختار من مماليكه خمسة أشخاص كلهم يكتبون ويقرأون وهم فضلاء عقلاء أدباء من خواص مماليكه، وأعطى كل واحد خمسة آلاف دينار وقال لهم: أنا ما ربيتكم إلا لمثل هذا اليوم فأعينوني على قضاء غرض الملك وأنقذوني من يده فقالوا له: وما الذي تريد أن نفعل فأرواحنا فداؤك، قال لهم: أريد أن يسافر كل واحد منكم إلى إقليم وأن تستقصوا على العلماء والأدباء والفضلاء وأصحاب الحكايات الغريبة والأخبار العجيبة وابحثوا لي عن قصة سيف الملوك وائتوني بها وإذا لقيتموها عند أحد فرغبوه في ثمنها، ومهما طلب من الذهب والفضة فأعطوه غياه ولو طلب منكم ألف دينار فأعطوه المتيسر وعدوه بالباقي وائتوني بها. ومن وقع منكم بهذه القصة وأتاني بها فإني أعطيه الخلع السنية والنعم الوفية ولا يكون عندي أعز منه، ثم إن التاجر حسناً قال لواحد منهم: رح أنت إلى بلاد السند والهند وأعمالها واقاليمها، وقال للآخر: رح أنت إلى بلاد العجم والصين وأقاليمهما، وقال للآخر: رح أنت إلى بلاد الغرب واقطارها وأقاليمها وأعمالها وجميع أطرافها، وقال للآخر وهو الخامس: رح أنت إلى بلاد الشام ومصر وأعمالها وأقاليمها. ثم إن التاجر اختار لهم يوماً سعيداً وقال لهم: سافروا في هذا اليوم، واجتهدوا في تحصيل حاجتي ولا تتهاونوا ولو كان فيها بذل الأرواح فودعوه وساروا وكل واحد منهم ذهب إلى الجهة التي أمره بها فمنهم أربعة أنفس غابوا أربعة أشهر، وفشلوا فلم يجدوا شيئاً فضاق صدر التاجر حسن لما رجع إليه الأربعة مماليك وأخبروه أنهم فتشوا المدائن والبلاد والأقاليم على مطلوب سيدهم فلم يجدوا شيئاً منه وأما المملوك الخامس فإنه سافر إلى أن دخل بلاد الشام ووصل إلى مدينة دمشق فوجدها مدينة طيبة أمينة ذات أشجار وأنهار وأثمار وأطيار تسبح الله الواحد القهار الذي خلق الليل والنهار فأقام فيها أياماً وهو يسأل عن حاجة سيده فلم يجبه أحد، ثم إنه أراد أن يرحل منها ويسافر إلى غيرها، وإذا هو بشاب يجري ويتعثر في أذياله. فقال له المملوك: ما بالك تجري وأنت مكروب وإلى أين تقصد? فقال له: هنا شيخ فاضل كل يوم يجلس على كرسي في مثل هذا الوقت ويحدث حكايات وأخباراً واسماراً ملاحاً لم يسمع أحد مثلها وأنا أجري حتى أجد لي موضعاً قريباً منه وأخاف أني لا احصل لي موضعاً من كثرة الخلق، فقال له المملوك: خذني معك، فقال له الفتى: أسرع في مشيتك فغلق بابه واسرع في السير معه حتى وصل إلى الموضع الذي فيه الشيخ بين الناس، فرأى لذلك الشيخ صبيح الوجه وهو جالس على كرسي يحدث الناس فجلس قريباً منه وأصغى ليسمع حديثه فلما جاء وقت غروب الشمس فرغ الشيخ من الحديث وسمع الناس ما تحدث به وانفضوا من حوله فعند ذلك تقدم إليه المملوك وسلم عليه فرد عليه السلام وزاد في التحية والإكرام.

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 704

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 705
فقال له المملوك: إنك يا سيدي الشيخ رجل مليح محتشم وحديثك مليح وأريد أن أسألك عن شيء فقال له: اسأل عما تريد? فقال له المملوك: هل عندك قصة سمر سيف الملوك وبديعة الجمال? فقال له الشيخ ومن سمعت هذا الكلام ومن الذي أخبرك بذلك? فقال المملوك: أنا ما سمعت ذلك من أحد ولكن أنا من بلاد بعيدة وجئت قاصداً لهذه القصة، فمهما طلبت من ثمنها أعطيتك إن كانت عندك وتنعم وتتصدق علي بها وتجعلها من مكارم أخلاقك صدقة عن نفسك ولو أن روحي في يدي وبذلتها لك فيها لطاب خاطري بذلك، فقال له الشيخ: طب نفساً وقر عيناً وهي تحضر لك ولكن هذا سمر لا يتحدث به أحد على قارعة الطريق ولا أعطي هذه القصة لكل واحد، فقال له المملوك: بالله يا سيدي لا تبخل علي بها واطلب مني مهما أردت، فقال له الشيخ: إن كنت تريد هذه القصة، فأعطني مائة دينار وأنا أعطيك إياها ولكن بخمس شروط، فلما عرف أنها عند الشيخ وأنه سمح له بها فرح فرحاً شديداً وقال له: أعطيك مائة دينار ثمنها وعشرة جعالة وآخذها بالشروط التي تذكرها.فقال له الشيخ: رح هات الذهب وخذ حاجتك فقام المملوك وقبل يدي الشيخ وراح إلى منزله فرحاً مسروراً، وأخذ في يده مائة دينار وعشرة ووضعها في كيس كان معه، فلما أصبح الصباح قام ولبس ثيابه وأخذ الدنانير وأتى بها إلى الشيخ فرآه جالساً على باب داره فسلم عليه فرد عليه السلام فأعطاه المائة دينار وعشرة، فأخذها منه الشيخ وقام ودخل داره وأدخل المملوك وأجلسه في مكان وقدم له دواة وقلماً وقرطاساً وقدم له كتاباً وقال له: اكتب الذي أنت طالبه من هذا الكتاب من قصة سمر سيف الملوك فجلس المملوك يكتب هذه القصة إلى أن فرغ من كتابتها ثم قرأها على الشيخ وصححها وبعد ذلك قال له: اعلم يا ولدي أن أول شرط أنك لا تقول هذه القصة على قارعة الطريق ولا عند النساء والجواري ولا عند العبيد والسفهاء ولا عند الصبيان وإنما تقرؤها عند الأمراء والملوك والوزراء وأهل المعرفة من المفسرين وغيرهم فقبل المملوك الشروط وقبل يد الشيخ وودعه وخرج من عنده.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الخامسة عشرة بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن مملوك حسن لما نقل القصة من كتاب الشيخ الذي بالشام وأخبره بالشروط وودعه وخرج من عنده وسافر في يومه فرحاً مسروراً ولم يزل مجداً في السير من كثرة الفرح الذي حصل له بسبب تحصيله لقصة سمر سيف الملوك حتى وصل إلى بلاده ثم إن التاجر أخذ القصة وكتبها بخطه مفسرة وطلع إلى الملك، وقال له: أيها الملك السيعد إني جئت بسمر وحكايات مليحة نادرة لم يسمع مثلها أحد قط.فلما سمع الملك كلام التاجر حسن أمر في وقته وساعته بأن يحضر كل أمير عاقل وكل عالم فاضل وكل فطن وأديب وشاعر ولبيب، وجلس التاجر حسن وقرأ هذه السيرة عند الملك، فلما سمعها الملك وكل من كان حاضراً تعجبوا جميعاً واستحسنوها، وكذلك استحسنها الذين كانوا حاضرين ونثروا عليه الذهب والفضة والجواهر، ثم أمر الملك للتاجر حسن بخلعة سنية من أفخر ملبوسه وأعطاه مدينة كبيرة بقلاعها وضياعها وجعله من أكابر وزرائه وأجلسه على يمينه ثم أمر الكتاب أن يكتبوا هذه القصة ويجعلوها في خزانته الخاصة وصار المللك كلما ضاق صدره يحضر التاجر حسن فيقرأها.ومضمون هذه القصة أنه كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان في مصر ملك يسمى عاصم بن صفوان وكان ملكاً سخياً جواداً صاحب هيبة ووقار وكانت له بلاد كثيرة وقلاع وحصون وجيوش وعساكر وكان له وزير يسمى فارس ابن صالح وكانوا جميعاً يعبدون الشمس والنار دون الملك الجبار الجليل القهار ثم إن هذا الملك صار شيخاً كبيراً قد أضعفه الكبر والسقم والهرم لأنه عاش مائة وثمانين سنة ولم يكن له ولد ذكر ولا أنثى وكان بسبب ذلك في هم وغم ليلاً نهاراً.

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 705

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 706
فاتفق أنه كان جالساً يوماً من الأيام على سرير ملكه والأمراء والوزراء والمقدمون وارباب الدولة في خدمته على جري عادتهم وعلى قدر منازلهم وكل من دخل عليه من الأمراء ومعه ولد وولدان يحسده الملك ويقول في نفسه: كل واحد مسرور فرحان بأولاده وأنا ما لي ولد وفي غد أموت وأترك ملكي وتختي وضياعي وخزائني وأموالي وتأخذها الغرباء وما يذكرني أحد قط ولا يبقى لي ذكر في الدنيا إن الملك عاصماً استغرق في بحر الفكر فلم يتكلم ولم يفتح فاه ولم يرفع رأسه وما زال يبكي ويصوت بصوت عال وينوح نوحاً زائداً ويتأوه والوزير صابر له ثم بعد ذلك قال الوزير: إن لم تقل لي ما سبب ذلك، وإلا قتلت نفسي بين يديك من ساعتي وأنت تنظر ولا أراك مهموماً، ثم إن الملك عاصماً رفع رأسه ومسح دموعه وقال: أيها الوزير الناصح خلني بهمي وغمي فالذي في قلبي من الأحزان يكفيني، فقال له الوزير: قل لي أيها الملك ما سبب هذا البكاء لعل الله يجعل لك الفرج على يدي.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السادسة عشرة بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الوزير لما قال للملك عاصم: قل لي ما سبب هذا البكاء لعل الله يجعل لك الفرج على يدي، قال له الملك: يا وزير إن بكائي ما هو على مال ولا على خيل ولا على شي، ولكن أنا بقيت رجلاً كبيراً وصار عمري نحو مائة وثمانين سنة ولا رزقت ولداً ذكراً ولا أنثى فإذا مت يدفنوني ثم ينمحي رسمي وينقطع اسمي يأخذ الغرباء تختي وملكي ولا يذكرني أحد أبداً.فقال الوزير: يا ملك الزمان أنا أكبر منك بمائة سنة ولا رزقت بولد قط ولم أزل ليلاً ونهاراً في هم وغم وكيف نفعل أنا وأنت، ولكن سمعت بخبر سليمان بن داود عليه السلام وأن له رباً عظيماً قادراً على كل شيء فينبغي أن أتوجه إليه بهدية وأقصده في أن يسأل ربه لعله يرزق كل واحد منا بولد، ثم إن الوزير تجهز للسفر وأخذ هدية فاخرة وتوجه بها إلى سليمان بن داود عليه السلام. هذا ما كان من أمر الوزير.

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 706

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 707
وأما ما كان من أمر سليمان بن داود عليه السلام فإن الله سبحانه وتعالى أوحى إليه وقال: يا سليمان إن ملك مصر أرسل إليك وزيره الكبير بالهدايا والتحف وهي كذا وكذا فأرسل إليه وزيرك آصف بن برخيا لاستقباله بالإكرام والزاد في موضع الإقامات، فإذا حضر بين يديك فقل له: إن الملك أرسلك تطلب كذا وكذا، وإن حاجتك كذا وكذا ثم اعرض عليه الإيمان فحينئذ أمر سليمان وزيره آصف أن يأخذ معه جماعة من حاشيته للقائهم بالإكرام والزاد الفاخر في موضع الإقامات، فخرج آصف بعد أن جهز جميع اللوازم إلى لقياهم وسار حتى وصل إلى فارس وزير ملك مصر فاستقبله وسلم عليه وأكرمه هو ومن معه إكراماً زائداً وصار يقدم إليهم الزاد والعلوفات في موضع الإقامات وقال لهم: أهلاً وسهلاً ومرحباً بالضيوف القادمين فأبشروا بقضاء حاجتكم وطيبوا نفساً وقروا عيناً وانشرحوا صدوراص، فقال الوزير في نفسه: من أخبرهم بذلك? ثم إنه قال لآصف: إن سليمان بن داود عليه السلام هو الذي أخبرنا بهذا فقال الوزير فارس: ومن أخبر سيدنا سليمان? قال: أخبره رب السموات والأرض وإله الخلق أجمعين. فقال له الوزير فارس: ما هذا إلا إله عظيم فقال له آصف بن برخيا: وهل أنتم لا تعبدونه? فقالفارس وزير ملك مصر: نحن نعبد الشمس ونسجد لها، فقال له آصف: يا وزير فارس إن الشمس كوكب من جملة الكواكب المخلوقة لله سبحانه وتعالى وحاشى أن تكون رباً لأن الشمس تظهر أحياناً وتغيب أحياناً وربنا حاضر لا يغيب وهو على كل شيء قدير، ثم إنهم سافروا قليلاً حتى وصلوا إلى قرب تخت الملك سليمان بن داود عليه السلام فأمر سليمان بن داود عليه السلام جنوده من الإنس والجن وغيرهما أن يصطفوا في طريقهم صفوفاً، فوقفت وحوش البحر والفيلة والنمور والفهود جميعاً واصطفوا في الطريق صفين وكل جنس انحازت أنواعه وحدها وكذلك الجان كل منهم ظهر للعيون من غير خفاء على صورة هائلة مختلفة الأحوال، فوقفوا جميعاً صفين والطيور نشرت أجنحتها لتظلهم وصارت الطيور تناغي بعضها بسائر اللغات والألحان فلما وصل أهل مصر إليهم هابوا ولم يجسروا على المشي فقال لهم آصف: ادخلوا بينهم وامشوا ولا تخافوا منهم فإنهم رعايا سليمان ابن داود وما يضركم منهم أحد ثم إن آصف دخل بينهم فدخل وراءه الخلق أجمعون ومن جملتهم جماعة وزير ملك مصر وهم خائفون ولم يزالوا سائرين حتى وصلوا إلى المدينة فأنزلوهم في دار الضيافة وأكرموهم غاية الإكرام وأحضروا لهم الضيافات الفاخرة مدة ثلاثة أيام، ثم أحضروهم بين يدي سليمان بن داود نبي الله عليه السلام.فلما دخلوا عليه أرادوا أن يقبلوا الأرض بين يديه فمنعهم من ذلك سليمان بن داود، وقال لا ينبغي أن يسجد إنسان على الأرض إلا لله عز وجل خالق السماوات والأرض وغيرهما ومن أراد منكم أن يقف فليقف، ولكن لا يقف أحد منكم في خدمتي فامتثلوا وجلس الوزير وبعض خدامه ووقف في خدمته بعض الأصاغر فلما استقر بهم الجلوس مدوا لهم الأسمطة فأكل العالم أجمعون من الطعام حتى اكتفوا، ثم إن سليمان أمر وزير مصر أن حاجته ستقضى وقال له: تكلم ولا تخف شيئاً مما جئت بسببه لأنك ما جئت إلا لقضاء حاجة وأنا أخبرك بها وهي كذا وكذا، وإن ملك مصر الذي أرسلك اسمه عاصم وقد صار شيخاً كبيراً هرماً ضعيفاً، ولم يرزقه الله تعالى بولد ذكر ولا أنثى فصار في الغم والهم والفكر ليلاً ونهاراً، حتى اتفق له أنه جلس على كرسي مملكته يوماً من الأيام ودخل عليه الوزراء وأكابر دولته، فرأى بعضهم له ولدان وبعضهم له ثلاثة أولاد، وهم يدخلون ومعهم أولادهم ويقفون في الخدمة فتذكر في نفسه، وقال من فرط حزنه: يا ترى من يأخذ مملكتي بعد موتي وهل يأخذها إلا رجل غريب? وأصير أنا كأني لم أكن فغرق في بحر الفكر بسبب هذا، ولم يزل متفكراً حزيناً حتى فاضت عيناه بالدموع فغطى وجهه بالمنديل وبكى بكاء شديداً ثم قام من فوق سريره وجلس على الأرض يبكي وينتحب ولو يعلم ما في قلبه إلا الله تعالى وهو جالس على الأرض.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السابعة عشرة بعد السبعمائة

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 707

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 708
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن نبي الله سليمان بن داود عليه السلام لما أخبر الوزير فارساً بما حصل للملك من الحزن والبكاء، وما حصل بينه وبين وزيره فارس من أوله إلى آخره، قال بعد ذلك الوزير فارس: هل هذا الذي قلته لك يا وزير صحيح? فقال الوزير فارس: يا نبي الله إن الذي قلته حق وصدق ولكن يا نبي الله ما كنت أتحدث أنا والملك في هذه القضية ولم يكن عندنا أحد قط ولم يشعر بخبرنا أحد من الناس فمن أخبرك بهذه الأمور كلها? قال له: أخبرني ربي الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فحينئذ قال الوزير فارس: يا نبي الله ما هذا إلا رب كريم عظيم على كل شيء قدير ثم أسلم الوزير فارس هو ومن كان معه، فقال نبي الله سليمان للوزير: إن معك كذا وكذا من التحف والهدايا، قال الوزير: نعم فقال له سليمان: قد قبلت منك الجميع ولكني وهبتها لك فاسترح أنت ومن معك في المكان الذي نزلتم فيه حتى يزول عنكم تعب السفر، وفي غد إن شاء الله تقضي حاجتك على أتم ما يكون بمشيئة الله تعالى رب السماء والأرض وخالق الخلق أجمعين، ثم إن الوزير فارساً ذهب إلى موضعه وتوجه إلى السيد سليمان ثاني يوم، فقال له نبي الله سليمان: إذا وصلت إلى الملك عاصم بن صفوان واجتمعت أنت وإياه فاطلعنا فوق الشجرة الفلانية واقعدا ساكتين فإذا كان بين الصلاتين وقد برد حر القائلة فانزلا إلى أسفل الشجرة وانظرا هناك تجدا ثعبانين يخرجان، رأس أحدهما كراس القرود ورأس الآخر كرأس العفريت فإذا رأيتماهما فارمياهما بالنشاب واقتلاهما، ثم ارميا من جهة رؤوسهما قدر شبر واحد من جهة أذيالهما كذلك فتبقى لحومهما، فاطبخاهما وأتقنا طبخهما وأطعماهما زوجتيكما وناما معهما تلك الليلة فإنهما يحملان بإذن الله تعالى بأولاد ذكور.ثم إن سليمان عليه السلام أحضر خاتماً وسيفاً وبقجة فيها قباآن مكللان بالجواهر وقال: ياوزير فارس: إذا كبر ولداكما وبلغا مبلغ الرجال فأعطوا كل واحد منهما قباء من هذين القباءين، ثم قال للوزير فارس: باسم الله تعالى قضيت حاجتك وما بقي لك إلا أن تسافر على بركة الله تعالى، فإن الملك تقدم لنبي الله سليمان بن داود عليه السلام وودعه وخرج من عنده بعد أن قبل يديه وسافر بقية يومه وهو فرحان بقضاء حاجته وجدفي السير ليلاً ونهاراً، ولم يزل مسافراً حتى وصل إلى قرب مصر فارسل بعض خدامه ليعلم الملك عاصماً بذلك.فلما سمع الملك عاصم بقدومه وقضاء حاجته فرح فرحاً شديداً، هو وخواصه وأرباب مملكته وجميع جنوده وخصوصاً بسلامة الوزير فارس فلما تلاقى الملك والوزير ترجل الوزير وقبل الأرض بين يديه، وبشر الملك بقضاء حاجته أتم الوجوه وعرض عليه الإيمان بالإسلام، فأسلم الملك عاصم وقال للوزيرفارس رح بيتك واسترح أيضاً جمعة من الزمان داخل الحمام، وبعد ذلك تعال عندي حتى أخبرك بشيء نتدبر فيه، فقبل الأرض وانصرف هو وحاشيته وغلمانه وخدمه إلى داره واستراح ثمانية أيام. ثم بعد ذلك توجه إلى الملك وحدثه بجميع ما كان بينه وبين سليمان بن داود عليه السلام ثم إنه قال للملك: قم وحدك وتعال معي فقام هو والوزير وأخذا قوسين ونشابين وطلعا فوق الشجرة وقعدا ساكتين إلى أن مضى وقت القائلة ولم يزالا إلى قرب العصر ثم نزلا ونظرا فرأيا ثعبانين خرجا من أسفل تلك الشجرة فنظرهما الملك وأحبهما لأنهما أعجباه حين رأهما بالأطواق الذهب وقال: يا وزير إن هذين الثعبانين مطوقان بالذهب، والله إن هذا شيء عجيب خلنا نمسكهما ونجعلهما، قفص ونتفرج عليهما، فقال الوزير: هذان خلقهما الله لمنفعتهما فارم أنت واحد بنشابة وارم أنا واحد بنشابة، فرمى الاثنان عليهما النشاب فقتلاهما وقطعا من جهة رؤوسهما شبراً ومن جهة أذنابهما شبراً ورمياه ثم ذهبا بالباقي إلى بيت الملك وطلبا الطباخ وأعطياه ذلك اللحم، وقالا له: اطبخ هذا اللحم طبخاً مليحاً بالتقلية والأباريز واغرفه في زبدتين وهاتهما وتعال هنا في الوقت الفلاني والساعة الفلانية ولا تبطئ.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثامنة عشر بعد السبعمائة

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 708

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 709
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك والوزير لما أعطيا الطباخ لحم الثعبانين وقالا له: اطبخه واغرفه في زبدتين وهاتهما هنا ولا تبطئ، فأخذ الطباخ اللحم وذهب به وطبخه وأتقن طبخه بتقلية عظيمة، ثم غرفه في زبدتين وأحضرهما بين يدي الملك والوزير فأخذ الملك زبدية والوزير زبدية وأطعماهما لزوجتيهما وباتا تلك الليلة معهما، فبإرادة الله سبحانه وتعالى وقدرته ومشيئته حملتا تلك الليلة، فمكث الملك بعد ذلك ثلاثة أشهر وهو متشوش الخاطر يقول في نفسه: يا ترى هذا الأمر صحيح ثم إن زوجته كانت جالسة يوماً من الأيام، فتحرك الولد في بطنها فعلمت أنها حامل فتوجعت وتغير لونها، وطلبت واحداً من الخدام الذين عندها وهو أكبرهم وقالت له: اذهب إلى الملك في أي موضع يكون وقل له: يا ملك الزمان أبشرك أن سيدتنا ظهر حملها والولد قد تحرك في بطنها فخرج الخادم سريعاً وهو فرحان فرأى الملك وحده ويده على خده وهو متفكر في ذلك، فأقبل عليه الخادم وقبل الأرض بين يديه وأخبره بحمل زوجته. فلما سمع الملك كلام الخادم نهض قائماً على قدميه ومن شدة فرحه قبل يد الخادم وراسه وخلع ما كان عليه وأعطاه إياه، وقال لمن كان حاضراً في مجلسه: من كان يحبني فلينعم عليه، فأعطوه من الأموال والجواهر واليواقيت والخيل والبغال والبساتين شيئاً لا يعد ولا يحصى. ثم إن الوزير دخل على الملك وقال: يا ملك الزمان أنا في هذه الساعة كنت قاعداً في البيت وحدي وأنا مشغول الخاطر متفكراً في شأن الحمل وأقول في نفسي: يا ترى هل هو حق أن خاتون تحبل أم لا? وإذا بالخادم دخل علي وبشرني بأن زوجتي خاتون حامل وأن الولد قد تحرك في بطنها وتغير لونها فمن فرحتي خلعت جميع ما كان علي من القماش وأعطيت الخادم إياه وأعطيته ألف دينار وجعلته كبير الخدام ثم إن الملك عاصماً قال: يا وزير إن الله تبارك وتعالى أنعم علينا بفضله وإحسانه وجوده وامتنانه بالدين القويم وأكرمنا بكرمه وفضله. وقد أخرجنا من الظلمات إلى النور وأريد أن أخرج على الناس وأفرحهم، فقال الوزير: افعل ما تريد، فقال: يا وزير انزل في هذا الوقت واخرج كل من كان في الحبس من أصحاب الجرائم ومن عليهم ديون وكل من وقع منه ذنب، بعد ذلك تجازيه بما يستحقه ونرفع عن الناس الخراج ثلاث سنوات، وانصب في دائرة هذه المدينة مطبخاً حول الحيطان، وأعطى الأمر للطباخين بأن يعلقوا عليه جميع أنواع القدور وأن يطبخوا سائر أنواع الطعام ويديموا الطبخ الليل والنهار وكل من كان في هذه المدينة، وما حولها من البلاد البعيدة والقريبة يأكلون ويشربون ويحملون إلى بيوتهم وأمرهم أن يفرحوا ويزينوا المدينة سبعة أيام، ولا يقفلوا حوانيتهم ليلاً ونهاراً.

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 709

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 710
فخرج الوزير من وقته وساعته وفعل ما أمره به الملك عاصم وزينوا المدينة والقلاع والأبراج أحسن الزينة ولبسوا أحسن ملبوس وصار الناس في أكل وشرب ولعب وانشراح إلى أن حصل الطلق لزوجة الملك بعد انقضاء أيامها فوضعت ولداً ذكراً كالقمر ليلة تمامه فسماه سيف الملوك. وكذلك زوجة الوزير وضعت ولداً كالمصباح فسماه ساعداً فلما بلغا رشدهما صار الملك عاصم كلما ينظرهما يفرح بهما الفرح الشديد فلما صار عمرهما عشرين سنة طلب الملك وزيره فارساً في خلوة، وقال له: يا وزير قد خطر ببالي أمر أريد أن أفعله ولكن أستشيرك فيه فقال له الوزير: مهما خطر ببالك افعله، فإن رأيك مبارك، فقال الملك عاصم: يا وزير أنا صرت رجلاً كبيراً شيخاً هرماً لأني طعنت في السن وأريد أن أقعد في زاوية لأعبد الله تعالى وأعطي ملكي وسلطتي لولدي سيف الملوك فإنه صار شاباً مليحاً كامل الفروسية والعقل والأدب والحشمة والرياسة فما تقول أيها الوزير في هذا الرأي? فقال الوزير: نعم الرأي الذي رأيته، وهو راي مبارك سعيد، فإذا فعلت أنت هذا فأنا الآخر أفعل مثلك ويكون ولدي ساعداً وزيراً له لأنه شاب مليح ذو معرفة ورأي ويصير الاثنان مع بعضهما ونحن ندبر شأنهما ولا نتهاون في أمرهما بل ندلهما على الطريق المستقيم، ثم قال الملك عاصم لوزيره: اكتب الكتب وأرسلها مع السعاة إلى جميع الأقاليم والبلاد والحصون والقلاع التي تحت أيدينا، وأمر أكابرها أن يكونوا في الشهر الفلاني حاضرين في ميدان الفيل، فخرج الوزير فارساً من وقته وساعته وكتب إلى جميع العمال وأصحاب القلاع، ومن كان تحت حكم الملك عاصم أن يحضروا جميعهم في الشهر الفلاني وأمر أن يحضروا كل من في المدينة من قاص ودان. ثم إن الملك عاصماً بعد مضي تلك المدة، أمر الفراشين أن يضربوا القباب في وسط الميدان وأن يزينوها بأفخر الزينة وأن ينصبوا التخت الكبير الذي لا يقعد عليه الملك إلا في الأعياد ففعلوا في الحال جميع ما أمرهم به ونصبوا التخت وخرجت النواب والحجاب والأمراء والوزراء وأصحاب الأقاليم والضياع إلى ذلك الميدان ودخلوا في خدمة الملك على جري عادتهم واستقروا كلهم في مراتبهم، فمنهم من قعد ومنهم من وقف إلى أن اجتمعت الناس جميعهم وأمر الملك أن يمدوا السماط، فمدوه وأكلوا وشربوا ودعوا للملك ثم امر الملك الحجاب أن ينادوا في الناس بعدم الذهاب فنادوا وقالوا في المناداة: لا يذهب منكم أحد حتى يسمع كلام الملك، ثم رفعوا الستور فقال الملك: من أحبني فليمكث حتى يسمع كلامي، فقعد الناس جميعهم مطمئني النفوس بعد أن كانوا خائفين، ثم قام الملك على قدميه وحلفهم أن لا يقوم أحد من مقامه وقال لهم: أيها الأمراء والوزراء وأرباب الدولة كبيركم وصغيركم ومن حضر من جميع الناس هل تعلمون أن هذه المملكة لي وراثة من آبائي وأجدادي? قالوا له: نعم أيها الملك كلنا نعلم ذلك فقال لهم: أنا وأنتم كنا كلنا نعبد الشمس والقمر ورزقنا الله تعالى الإيمان وأنقذنا من الظلمات إلى النور، وهدانا الله سبحانه وتعالى إلى دين الإسلام واعلموا أني الآن صرت رجلاً كبيراً شيخاً هرماً عاجزاً وأريد أن أجلس في زاوية أعبد الله فيها وأستغفره من الذنوب الماضية، وهذا ولدي سيف الملوك حاكم، وتعرفون انه شاب مليح فصيح خبير بالأمور عاقل فاضل عادل، فأريد في هذه الساعة أن أعطيه مملكتي وأجعله ملكاً عليكم عوضاً عني وأجلسه سلطاناً في مكاني وأتخلى أنا لعبادة الله تعالى في زاوية وابني سيف الملوك يتولى الحكم ويحكم بينكم، فأي شيء قلتم كلكم بأجمعكم? فقاموا كلهم وقبلوا الأرض بين يديه، وأجابوا بالسمع والطاعة وقالوا: يا ملكنا وحامينا لو أقمت علينا عبداً من عبيدك لأطعناه وامتثلنا أمرك فكيف بولدك سيف الملوك فقد قبلناه ورضيانه على العين والراس فقام الملك عاصم بن صفوان ونزل من فوق سريره، وأجلس ولده على التخت الكبير ورفع التاج فوق رأس ولده وشد وسطه بمنطقة الملك، وجلس الملك عاصم على كرسي مملكته بجانب ولده فقام الأمراء والوزراء وأكابر الدولة وجميع الناس وقبلوا الأرض بين يديه، وصاروا وقوفاً يقولون لبعضهم: هو حقيق بالملك وهو أولى به من الغير ونادوا بالأمان ودعوا له بالنصر والإقبال ونثر سيف الملوك الذهب والفضة على رؤوس الناس أجمعين.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 710

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 711
وفي الليلة التاسعة عشرة بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن عاصماً لما أجلس ولده سيف الملوك على التختودعا له كامل الناس بالنصر والإقبال نثر الذهب والفضة على رؤوس الناس أجمعين وخلع الخلع ووهب وأعطى، ثم بعد لحظة قام الوزير فارساً وقبل الأرض وقال: يا أمراء.. يا أرباب الدولة، هل تعرفون أني وزير ووزارتي قديمة قبل أن يتولى الملك عاصم بن صفوان، وهو الآن قد خلع نفسه من الملك وولى ولده عوضاً عنه? قالوا: نعم نعرف وزارتك أباً عن جد، فقال: والآن أخلع نفسي وأولي ولدي ساعداً هذا، فغنه عاقل فطن خبير فأي شيء تقولون بأجمعكم? فقالوا: لا يصلح وزيراً للملك سيف الملوك إلا ولدك ساعداً فإنهما يصلحان لبعضهما، فعند ذلك قام الوزراء قدامه أيضاً وقالت الحجاب والأمراء: إنه يستحق الوزارة، فعند ذلك قام الملك عاصم والوزير فارس وفتحا الخزائن وخلعا الخلع السنية على الملوك والأمراء وأكابر الدولة والناس أجمعين وأعطيا النفقة والأنعام وكتبا لهم المناشير الجديدة والمراسيم بعلامة سيف الملوك وعلامة الوزير ساعد بن الوزير فارس وأقام الناس في المدينة جمعة وبعدها كل منهم سافر إلى بلاده ومكانه، ثم إن الملك عاصماً أخذ ولده سيف الملوك وساعداً ولد الوزير ثم دخلوا وطلعوا القصر وأحضروا الخازندار، وأمروه بإحضار الخواتم والسيف والبقجة وقال الملك عاصم: يا أولادي تعالوا كل واحد منكم يختار من هذه الهدية شيئاً ويأخذه، فأول من مد يده سيف الملوك فأخذ البقجة والخاتم ومد ساعد يده فأخذ السيف والمهر وقبلا يد الملك وذهبا إلى منازلهما، فلما أخذ سيف الملوك البقجة لم يفتحه ولم ينظر ما فيها بل رماها فوق التخت الذي ينام عليه بالليل هو وساعد وزيره، وكان من عادتهما أن يناما مع بعضهما ثم إنهما فرشوا لهما فراش النوم ورقدا الاثنان مع بعضهما على فراشهما والشموع تضيء عليهما واستمرا إلى نصف الليل ثم انتبه سيف الملوك من نومه فرأى البقجة عند رأسه، فقال في نفسه: يا ترى أي شيء في هذه البقجة? التي أهداها لنا الملك من التحف فأخذها وأخذ الشمعة ونزل من فوق التخت وترك ساعداً نائماً ودخل الخزانة وفتح البقجة فرأى فيها قباء من شغل الجان ففتح القباء وفرده فوجد على البطانة التي من داخل في جهة ظهر القباء صورة بنت منقوشة بالذهب ولكن جمالها شيء عجيب.فلما رأى هذه الصورة طار عقله من رأسه وصار مجنوناً بعشق تلك الصورة ووقع على الأرض مغشياً عليه وصار يبكي وينتحب ويلطم على وجهه، فلما رآه ساعداً على هذه الحالة قال: أنا وزيرك وأخوك وتربيت أنا وإياك وإن لم تبين لي أمورك وتطلعني على سرك فعلى من تخرج سرك وتطلع عليه? ولم يزل ساعداً يتضرع ويقبل الأرض ساعة زمانية وسيف الملوك لا يلتفت إليه ولا يكلمه كلمة واحدة بل يبكي، فلما رأى ساعداً حاله وأعياه أمره خرج من عنده وأخذ سيفاً ودخل الخزانة التي فيها سيف الملوك وحط ذبابة على صدر نفسه وقال لسيف الملوك: انتبه يا أخي، إن لم تقل لي أي شيء جرى لك قتلت روحي ولا أراك في هذه الحالة فعند ذلك رفع سيف المولك رأسه إلى وزيره ساعداً وقال له: يا أخي أنا استحيت أن أقول لك وأخبرك بالذي جرى لي. فقال له ساعداً: سألتك بالله رب الأرباب ومعتق الرقاب ومسبب الأسباب الواحد التواب الكريم الوهاب أن تقول لي ماذا جرى لك ولا تستحي مني، فأنا عبدك ووزيرك ومشريك في الأمور كلها، فقال سيف الملوك: تعال وانظر إلى هذه الصورة فلما رأى ساعد تلك الصورة تأمل فيها ساعة زمانية ورأى مكتوباً على رأس الصورة باللؤلؤ المنظوم: هذه الصورة، صورة بديعة الجمال بنت شماخ بن شاروخ ملك من ملوك الجان المؤمنين الذين هم نازلون في مدينة بابل وساكنون في بستان أرم بن عاد الأكبر.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة العشرين بعد السبعمائة

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 711

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 712
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك سيف الملوك بن الملك عاصم والوزير ساعد بن الوزير فارس لما قرأا الكتابة التي على القباء ورأيا فيها صورة بديعة الجمال بنت شامخ بن شاروخ ملك بابل من ملوك الجان المؤمنين النازلين بمدينة بابل الساكنين في بستان ارم بن عاد الأبر قال الوزير ساعد للملك سيف: يا أخي أتعرف من صاحبة هذه الصورة من النساء حتى نفتش عليها فقال سيف الملوك: والله يا أخي ما أعرف صاحبة هذه الصورة، فقال ساعد: تعال اقرأ هذه الكتابة فتقدم سيف الملوك وقرأ الكتابة التي على التاج وعرف مضمونها فصرخ من صميم قلبه وقال: آه، آه، آه، فقال له ساعد: يا أخي إن كانت صاحبة هذه الصورة موجودة واسمها بديعة الجمال وهي في الدنيا، فأنا أسرع في طلبها من غير مهلة حتى تبلغ مرادك، فبالله يا أخي أن تترك البكاء لأجل أن تدخل أهل الدولة في خدمتك فإذا كان ضحوة النهار فاطلب التجار والفقراء والسواحين والمساكين، واسألهم عن صفات هذه المدينة لعل أحداً ببركة الله سبحانه وتعالى وعونه يدلنا عليها وعلى بستان ارم.فلما أصبح الصباح قام سيف الملوك وطلع فوق التخت وهو معانق للقباء لأنه صار لا يقوم ولا يقعد ولا يأتيه نوم إلا وهو معه، فدخلت عليه الأمراء والوزراء والجنود وأرباب الدولة، فلما تم الديوان وانتظم الجمع، قال الملك سيف الملوك لوزيره ساعد: ابرز لهم وقل إن الملك حصل له تشويش والله ما بات البارحة إلا وهو ضعيف فبلغ الوزير ساعد وأخبر الناس بما قاله الملك سيف فلما سمع الملك عاصم ذلك لم يهن عليه ولده فعند ذلك دعا الحكماء والمنجمين ودخل بهم على ولده سيف الملوك فنظروا إليه ووصفوا له الشراب واستمر في موضعه مدة ثلاثة أشهر، فقال الملك عاصم للحكماء الحاضرين وهو مغتاظ عليهم: ويلكم يا كلاب هل عجزتم كلكم عن مداواة ولدي فإن لم تداووه في هذه الساعة أقتلكم جميعاً، فقال رئيسهم الكبير: يا ملك الزمان إننا نعلم أن هذا ولدك وأنت تلعم أننا لا نتساهل في مداواة الغريب فكيف بمداواة ولدك ولكن ولدك به مرض صعب إن شئت معرفته نذكره لك ونحدثك به، قال الملك عاصم: أي شيء ظهر لكم من مرض ولدي? فقال له الحكيم الكبير: يا ملك الزمان إن ولدك الآن عاشق ويحب من لا سبيل إلى وصاله، فاغتاظ الملك عليهم وقال لهم: من أين علمتم أن ولدي عاشق ومن أين جاء العشق لولدي? فقالوا له: اسأل أخاه ووزيره ساعداً فإنه هو الذي يعلم حاله فعند ذلك قام الملك عاصم ودخل في خزانة وحده ودعا بساعد وقال: اصدقني بحقيقة مرض أخيك فقال له: ما أعلم حقيقته فقال الملك للسياف: خذ ساعداً واربط عينيه واضرب رقبته، فخاف ساعد على نفسه وقال له: يا ملك الزمان أعطني الأمان فقال له: قل لي ولك الأمان فقال له ساعد: إن ولدك عاشق فقال له الملك: ومن معشوقته? فقال ساعد: بنت ملك من ملوك الجان فإنه رأى صورتها في قباء من البقجة التي أهداها إليكم سليمان نبي الله.

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 712

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 713
فعند ذلك قام الملك ودخل على ابنه سيف الملوك وقال له: يا ولدي أي شيء دهاك وما هذه الصورة التي عشقتها? ولأي شيء لم تخبرني? فقال سيف الملوك: يا أبت كنت أستحي منك وما كنت أقدر أن أذكر لك ذلك، ولا أقدر أن أظهر أحداً على شيء منه أبداً، والآن قد علمت بحالي فانظر كيف تعمل في مداواتي، فقال له أبوه: كيف تكون الحيلة لو كانت هذه من بنات الإنس كنا دبرنا حيلة في الوصول إليها، ولكن هذه من بنات ملوك الجن ومن يقدر عليها إلا إذا كان سليمان بن داود فإنه هو الذي يقدر على ذلك، ولكن يا ولدي قم في هذه الساعة واشتغل بالأكل والشرب واصرف الهم والغم عن قلبك، وأنا أجيء لك بمائة بنت من بنات الملوك وما لك ببنات الجان التي ليس لنا قدرة عليهم ولا هم من جنسنا، فقال له: أنا لا أتركها ولا أطلب غيرها، فقال له الملك: كيف يكون العمل يا ولدي? فقال له ابنه: أحضر لنا جمعي التجار والمسافرين والسواحين في البلاد لنسألهم عن ذلك لعل الله يدلنا على بستان أرم وعلى مدينة بابل، فأمر الملك عاصم أن يحضر كل تاجر في المدينة وكل غريب فيها وكل رئيس في البحر، فلما حضروا سألهم عن مدينة بابل وعن جزيرتها وعن بستان ارم فما أحد منهم عرف هذه الصفة ولا أخبر عنهابخبر وعند انفضاض المجلس قال واحد منهم: يا ملك الزمان إن كنت تريد أن تعرف فعليك ببلاد الصين فإنها مدينة كبيرة ولعل أحداً نمهم يدلك على مقصودك، ثم إن سيف الملوك قال: يا أبي جهز لي مركباً للسفر إلى بلاد الصين، فقال له أبوه: يا ولدي اجلس أنت على كرسي مملكتك واحكم في الرعية وأنا أسافر إلى بلاد الصين وأمضي إلى هذا الأمر بنفسي فقال سيف الملوك: يا أبي إن هذا الأمر يتعلق بي وما يقدر أحد أن يفتش عليه مثلث وأي شيء يجري إذا كنت تعطيني اذناً بالسفر فاسافر وأتغرب مدة من الزمان، فإن وجدت لها خبراً حصل المراد وإن لم أجد لها خبراً يكون في السفر انشراح صدري ونشاط خاطري ويهون أمري بسبب ذلك وإن عشت رجعت إليك سالماً.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الواحدة والعشرين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن سيف الملوك قال لوالده الملك عاصم: جهز لي مركباً لأسافر فيها إلى بلاد الصين حتى أفتش على مقصودي فإن عشت رجعت إليك سالماً، فنظر الملك إلى ابن فلم ير له حيلة غير أنه يعمل له الذي يرضيه فأعطاه اذناً بالسفر وجهز له أربعين مركباً وعشرين ألف مملوك غير الاتباع وأعطاه أموالاً وخزائن وكل شيء يحتاج إليه من آلات الحرب وقال له: سافر يا ولدي في خير وعافية وسلامة وقد استودعتك من لا تضيع عنده الودائع فعند ذلك ودعه أبوه وأمه وشحنت المراكب بالماء والزاد والسلاح والعساكر ثم سافروا ولم يزالوا مسافرين حتى وصلوا إلى مدينة الصين.

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 713

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 714
فلما سمع أهل الصين أنه وصل إليهم أربعون مركباً مشحوناً بالرجال والعدد والسلاح والذخائر اعتقدوا أنهم أعداء جاؤا إلى قتالهم وحصارهم فقفلوا أبواب المدينة وجهزوا المنجنيقات، فلما سمع الملك سيف الملوك ذلك أرسل إليهم مملوكين من مماليكه الخواص، وقال لهم: امضيا إلى ملك الصين وقولوا له إن هذا سيف الملوك بن الملك عاصم جاء إلى مدينتك ضيفاً ليتفرج في بلادك مدة من الزمان ولا يقاتل ولا يخاصم فإن قبلته ضيفاً ليتفرج في بلادك مدة من الزمان ولا يقاتل ولا يخاصم فإن قبلته نزل عندك وإن لم تقبله رجع ولا يشوش عليك ولا على أهل مدينتك، فلما وصل المملوكين إلى المدينة قالوا: نحن رسل الملك سيف الملوك ففتحوا لهم الباب وذهبوا بهم وأحضروهم عند ملكهم وكان اسمه قعفوشاه، وكان بينه وبين الملك عاصم قبل تاريخه معرفة، فلما سمع أن الملك القادم عليه سيف الملوك بن الملك عاصم خلع على الرسل وأمر بفتح الأبواب وجهز الضيافات وخرج بنفسه مع خواص دولته وجاء إلى سيف الملوك وتعانقا، وقال له: أهلاً وسهلاً ومرحباً بمن قدم علينا وأنا مملوكك ومملوك أبيك ومدينتي بين يديك، وكل ما تطلبه يحضر إليك وقدم له الضيوفات والزاد في مواضع الإقامات، وركب سيف الملوك وساعد وزيره ومعهم خواص دولته وبقية العساكر وساروا في ساحل البحر إلى أن دخلوا المدينة وضربت الكاسات ودقت البشائر وأقاموا فيها أربعين يوماً في ضيافات حسنة، ثم بعد ذلك قال له: يا ابن أخي كيف حالك هل أعجبتك بلادي? فقال له سيف الملوك: يا ملك أدام الله تعالى تشريفها بك أيها الملك قعفوشاه: ما جاء بك إلى حاجة طرأت لك، وأي شيء تريده من بلادي فأنا أقضيه لك، فقال له الملك سيف: يا ملك إن حديثي عجيب وهو أني عشقت صورة بديعة الجمال فبكى ملك الصين رحمة له وشفقة عليه وقال: ما تريد الآن يا سيف الملوك? فقال له: أريد منك أن تحضر لي جميع السواحين والمسافرين ومن له عادة بالأسفار حتى أسألهم عن صاحبة هذه الصورة لعل أحداً منهم يخبرني بها فأرسل الملك قعفوشاه إلى النواب والحجاب والأعوان وأمرهم أن يحضروا جميع من في البلاد من السواحين والمسافرين فأحضروهم وكانوا جماعة كثيرة فاجتمعوا عند الملك قعفوشاه، ثم سألهم الملك سيف الملوك عن مدينة بابل وعن بستان أرم فلم يرد عليه أحداً منهم جواباً فتحير الملك سيف الملوك في أمره ثم بعد ذلك قال واحد من رؤساء البحرية: ايها الملك إن أردت أن تعلم هذه المدينة وذاك البستان فعليك بالجزائر التي في بلاد الهند، فعند ذلك أمر سيف الملوك أن يحضروا المراكب ففعلوا ونقلوا فيها الماء والزاد وجميع ما يحتاجون إليه وركب سيف الملوك وساعد وزيره بعد أن ودعوا الملك قعفوشاه وسافروا في البحر مدة أربعة أشهر في ريح طيبة سالمين مطمئنين فاتفق أنه خرج عليهم ريح في يوم من الأيام وجاءهم الموج من كل مكان ونزلت عليهم الأمطار وتغير البحر من شدة الريح، ثم ضربت المراكب بعضها بعضاً من شدة الريح فانكسرت جميعها، وكذلك الزوارق الصغيرة وغرقوا جميعهم وبقي سيف الملوك مع جماعة من مماليكه في زورق صغير، ثم سكت الريح وسكن بقدرة الله تعالى وطلعت الشمس ففتح سيف الملوك عينيه، فلم ير شيئاً من المراكب ولم ير غير السماء والماء وهو ومن معه في الزورق الصغير فقال لمن معه من مماليكه: أين المرابك والزوارق الصغيرة وأين أخي ساعد? فقالوا له: يا ملك الزمان لم يبق مراكب ولا زوارق ولا من فيها فإنهم غرقوا كلهم وصاروا طعاماً للسمك، فصرخ سيف الملوك وقال كلامة لا يخجل قائلها وهي: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصار يلطم على وجهه وأراد أن يرمي نفسه في البحر، فمنعه المماليك وقالوا له: يا ملك أي شيء يفيدك هذا فأنت الذي فعلت بنفسك هذه الفعلا ولو سمعت كلام أبيك ما كان جرى عليك من هذا شيء ولكن كل هذا مكتوب من القدم بإرادة باري النسم.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثانية والعشرين بعد السبعمائة

ألف ليلة وليلة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق