السبت، 6 فبراير 2010

157


فعند ذلك أخذت السيدة مريم الحصانين وركبت واحداً منهما وقبضت الآخر في يدها ورجعت على عقبها تفتش على نور الدين فلقيته راقدا في المكان الذي واعدته بالاجتماع فيه والمقاود في يده وهو نائمٌ يغط في نومه ولم يعرف يديه من رجليه فنزلت عن ظهر الحصان ولكزته بيدها فانتبه من نومه مرعوباً وقال لها: يا سيدتي الحمد لله على مجيئك سالمة فقالت له: قم اركب هذا الحصان وأنت ساكتٌ فقام وركب الحصان والسيدة مريم ركبت الحصان الثاني وخرجا من المدينة وسارا ساعةً زمانيةً وبعد ذلك التفتت مريم إلى نور الدين وقالت له: أما قلت لك لا تنم فإنه لا أفلح من ينام? فقال: يا سيدتي أنا ما نمت إلا من برد فؤادي بميعادك وأي شيءٍ جرى يا سيدتي? فأخبرته بحكاية العبد من المبتدأ إلى المنتهى.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السابعة والستين بعد الثمانمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن السيدة مريم لما أخبرت نور الدين بحكاية العبد من المبتدأ إلى المنتهى فقال لها نور الدين: الحمد لله على السلامة ثم جدا في إسراع المسير وقد أسلما أمرهما إلى اللطيف الخبير وصارا يتحدثان حتى وصلا إلى العبد الذي قتلته السيدة مريم فرآه مرمياً في التراب كأنه عفريتٌ فقالت مريم لنور الدين: أنزل جرده من ثيابه وخذ سلاحه فقال لها: يا سيدتي والله أنا لا أقدر أن أنزل عن ظهر الحصان ولا أقف عنده ولا أقترب منه وتعجب نور الدين من خلقته وشكر السيدة مريم على فعلها وتعجب من شجاعتها وقوة قلبها.ثم سارا ولم يزالا سائرين سيراً عنيفاً بقية الليل إلى أن أصبح الصباح وأضاء بنوره ولاح وانتشرت الشمس على الروابي والبطاح فوصلا إلى مرجٍ فسيحٍ فيه الغزلان تمرح وقد أخضرت منه الجوانب وتشكلت فيه الأثمار من كل جانب وأزهاره كبطون الحيات والطيور فيه عاكفات وجداوله تجري مختلفة الصفات فعند ذلك نزلت السيدة مريم هي ونور الدين ليستريحا في ذلك الوادي فأكلا من أثماره وشربا من أنهاره وأطلقا الحصانين يأكلان في المرعى فأكلا وشربا من ذلك الوادي وجلس نور الدين هو ومريم يتحدثان ويتذكران حكايتهما وما جرى لهما وكلٌ منهما يشكوا لصاحبه ما لاقاه من ألم الفراق وما قاسها من الإشتياق فبينما هما كذلك وإذا بغبار قد ثار حتى سد الأقطار وسمعا صهيل الخيل وقعقعة السلاح وكان السبب في ذلك أن الملك لما زوج ابنته للوزير ودخل عليها في تلك الليلة وأصبح الصباح أراد الملك أن يصبح عليها كما جرت به عادة الملوك في بناتهم فقام وأخذ معه أقمشة الحرير وتبر الذهب والفضة ليتخاطفها الخدمة والمواشط ولم يزل الملك يتمشى هو وبعض الغلمان إلى أن وصل إلى القصر الجديد فوجد الوزير مرمياً على الفراش لا يعرف رأسه من رجليه فالتفت الملك في القصر يميناً وشمالاً فلم ير ابنته فيه فتكدر حاله وانشغل باله وأمر بإحضار الماء الساخن والخل البكر والكندر فلما أحضر له ذلك خلطهم ببعضهم وسمط الوزير بهم ثم هزه فخرج البنج من جوفه كقطع الجبن ثم أن الملك سمط الوزير بذلك ثاني مرة فانتبه فسأله عن حاله وعن حال ابنته فقال له: أيها الملك الأعظم لا علم لي بها غير أنها أسقتني قدحاً من الخمر بيدها فمن ذلك الوقت ما عرفت روحي إلا في هذه الساعة ولا أعلم ما كان من أمرها.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثامنة والستين بعد الثمانمائة

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 836

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 837
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الوزير قال للملك: إن مريم من ساعة ما أعطتني قدح الخمر ما عرفت روحي إلا في هذا الوقت ولا أعلم ما كان من أمرها فلما سمع الملك كلام الوزير صار الضياء في وجهه ظلاماً وسحب السيف وضرب به الوزير على رأسه فخرج يلمع من أضراسه ثم أن الملك أرسل من وقته وساعته إلى الغلمان والسياس فلما حضروا طلب منهم الحصانين فقالوا له: أيها الملك إن الحصانين فقدا في هذه الليلة وكبيرنا فقد معهما أيضاً فإننا أصبحنا وجدنا الأبواب كلها مفتوحةً فقال الملك: وحق ديني وما يعتقده يقيني ما أخذ الحصانين إلا ابنتي هي والأسير الذي كان يخدم الكنيسة وكان قد أخذها في المرة الأولى وعرفته حق المعرفة ولم يخلصه من يدي إلا هذا الوزير الأعور وقد جوزي بفعله، ثم أن الملك دعا في الوقت بأولاده الثلاثة وكانوا أبطالاً وشجعاناً كل واحدٍ منهم يقوم بألف فارسٍ في حومة الميدان ومقام الضرب والطعان ثم صاح الملك عليهم وأمرهم بالركوب فركبوا وركب الملك بجملتهم مع خواص بطارقته وأرباب دولته وأكابرهم وصاروا يتبعون أثرهما فلحقوهما في ذلك الوادي فلما رأتهم مريم نهضت وركبت جوادها وتقلدت بسيفها وحملت آلة سلاحها وقالت لنور الدين: ما حالك وكيف قلبك في القتال والحرب والنزال? فقال لها: إن ثباتي في النزال مثل ثبات الوتد في النخال ثم أنشد وقال:
يا مريم أطرحي أليم عـتـابـي
لا تقصدي قتلي وطول عذابـي
من أين لي أني أكون محـاربـاً
إني لأفزع من نعـاق غـراب
وإذا نظرت الفأر أفـزع خـيفةً
وأبول من خوفي على أثوابـي
أنا لا أحب الطعـن إلا خـلـوةً
والكس يعرف سطوة الأزبـاب
هذا هو الرأي السديد ومـا يرى
من دون هذا الرأي غير صواب فلما سمعت مريم من نور الدين هذا الكلام والشعر والنظام أظهرت له الضحك والإبتسام وقالت له: يا سيدي نور الدين استقم مكانك وأنا أكفيك شرهما ولو كانوا عدد الرمل، ثم أنها تهيأت من وقتها وساعتها وركبت ظهر جوادها وأطلقت من يدها طرف العنان وأدارت الرمح جهة السنان فخرج ذلك الحصان من تحتها كأنه الريح الهبوب، أو الماء إذا اندفق من ضيق الأنبوب وقد كانت مريم أشجع أهل زمانها وفريدة عصرها وأوانها لأن أباها علمها وهي صغيرة الركوب على ظهور الخيل والخوض بحومة الميدان في ظلام الليل وقالت لنور الدين: اركب جوادك وكن خلف ظهري وإذا انهزمنا فأحرص على نفسك من الوقوع فإن جوادك ما يلحقه لاحق.فلما نظر الملك إلى ابنته مريم عرفها غاية المعرفة والتفتت إلى ولده الأكبر وقال له: يا برطوط يا ملقب برأس القلوط إن هذه أختك مريم لا شك فيها ولا ريب وقد حملت علينا وطلبت حربنا وقتالنا فأبرز أليها وأحمل عليها وحق المسيح والدين الصحيح أنك أن ظفرت بها لا تقتلها حتى تعرض عليها دين النصارى فإن رجعت إلى دينها القديم فأرجع بها أسيرةً وإن لم ترجع إليها فأقتلها أقبح قتلة ومثل بها أشنع مثلة وكذلك هذا الملعون الذي معها مثل به أقبح مثلة، فقال له برطوط: السمع والطاعة.ثم بين لأخته مريم من وقته وساعته وحمل عليها فلاقته وحملت عليه ودنت منه وتقربت إليه، فقال لها برطوط: يا مريم ألا يكفي ما جرى منك حيث تركت دين الآباء والأجداد واتبعت دين السياحين في البلاد يعني دين الإسلام? ثم قال: وحق المسيح والدين الصحيح إن لم ترجعي إلى دين آبائك وأجدادك من الملوك وتسلكي فيه أحسن السلوك لأقتلنك أشر قتلة وأمثل بك أقبح مثلةً فضحكت مريم من كلام أخيها وقالت: هيهات أن يعود ما فات أو يعيش من مات بل أجرعك أشد الحسرات وأنا والله لسب براجعة عن دين محمد بن عبد الله الذي عم هداه فإنه هو الدين الحق فلا أترك الهدى ولو سقيت كؤوس الردى.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة التاسعة والستين بعد الثمانمائة

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 837

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 838
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن مريم قالت لأخيها: هيهات أن أرجع عن دين محمد بن عبد الله الذي عم هداه فإنه دين الهدى ولو سقيت كؤوس الردى، فلما سمع الملعون برطوط من أخته هذا الكلام صار الضياء في وجهه ظلاماً وعظم ذلك عليه وكبر لديه والتحم بينهما القتال واشتد الحرب والنزال وغاص الإثنان في الأودية العراض الطوال وصبرا على الشدائد وشخصت لهما الأبصار فأخذهما الإنبهار ثم تجاولا ملياً واعتركا طويلاً وصار برطوط كلما يفتح لأخته مريم بابا من الحرب تبطله عليه وتسده بحسن صناعتها وقوة براعتها ومعرفتها وفروسيتها ولم يزالا على تلك الحالة حتى انعقد على رؤوسهما الغبار وغاب الفارسان عن الأبصار ولم تزل مريم تحاوله وتسد عليه طرائقه حتى كّل وبطلت همته واضمحل عزمه وضعفت قوته فضربته بالسيف على عاتقه فخرج يلمع من علائقه وعجل الله بروحه إلى النار وبئس القرار ثم أن مريم جالت في حومة الميدان وموقف الحرب والطعان، وطلبت البراز وسألت الإنجاز وقالت: هل من مقاتل? هل من مناجز لا يبرز لي اليوم كسلانٌ ولا عاجزٌ، لا يبرز لي إلا أبطال أعداء الدين لأسقيهم كأس العذاب المهين يا عبدة الأوثان وذوي الكفر والطغيان هذا يوم تبيض فيه وجوه أهل الإيمان وتسود فيه وجوه أهل الكفر بالرحمن، فلما رأى الملك ولده الكبير قتل لطم على وجهه وشق أثوابه وصاح على ولده الوسطاني، وقال له: يا برطوس يا ملقب بجزء السوس أبرز يا ولدي بسرعة إلى قتال أختك مريم وخذ ثأر أخيك برطوط وائتني بها أسيرة ذليلة حقيرة فقال لها: يا أبت السمع والطاعة.ثم أنه برز لأخته مريم وحمل عليها، فلاقته وحملت عليه فتقاتلت هي وإياه قتالا شديدا أشد من الأول فرأى أخوها الثاني نفسه عاجزاً عن قتالها فأراد الفرار والهروب فلم يمكنه ذلك من شدة بأسها لأنه كلما ركن إلى الفرار تقربت منه ولاصقته وضايقته ثم ضربته بالسيف على رقبته فخرج يلمع من ليته وألحقته بأخيه وبعد ذلك جالت في حومة الميدان وموقف الحرب والطعان وقالت: أين الفرسان والشجعان? أين الوزير الأعور الأعرج? فعند ذلك صاح أبوها بقلبٍ جريحٍ وطرفٍ من الدمع قريحٍ وقال: إنها قتلت ولدي الأوسط وحق المسيح والدين الصحيح، ثم أنه صاح على ولده الصغير وقال له: يا فسيان يا ملقب بسلخ الصبيان أخرج يا ولدي إلى قتال أختك وخذ منها ثأر أخويك وصادمها أما لك أو عليك وأن ظفرت بها فأقتلها أقبح قتلة فعند ذلك برز لها أخوها الصغير وحمل عليها، فنهضت إليه ببراعتها وحملت عليه بحسن صناعتها ومعرفتها بالحرب وفروسيتها، وقالت له: يا عدو الله وعدو المسلمين لالحقنك بأخويك وبئس مثوى الكافرين.ثم أنها جذبت سيفها من غمده وضربته فقطعت عنقه وذراعيه وألحقته بأخويه وعجل الله بروحه إلى النار وبئس القرار فلما رأى البطارقة والفرسان الذين كانوا ركبين مع أبيها أولاده الثلاثة قد قتلوا وكانوا أشجع أهل زمانها وقع في قلوبهم الرعب من السيدة مريم وأدهشتهم الهيبة ونكسوا رؤوسهم إلى الأرض وأيقنوا بالهلاك والدمار والذل والبوار واحترقت قلوبهم من الغيظ بلهيب النار فولوا الأدبار وركنوا إلى الفرار.فلما نظر الملك إلى أولاده وقد قتلوا وإلى عساكره وقد انهزموا أخذته الحيرة والإنبهار واحترق قلبه بلهيب النار وقال في نفسه: إن السيدة مريم قد استقلت بنا وأن جازفت بنفسي وبرزت إليها وحدي، ربما غلبت علي وقهرتني فتقتلني أشنع قتلة وتمثل بي أقبح مثلة كما قتلت أخوتها لأنها لم يبق لها فينا رجاءٌ ولا لنا في رجوعها طمعٌ، والرأي عندي أن أحفظ حرمتي وأرجع إلى مدينتي.

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 838

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 839
ثم أن الملك أرخى عنان فرسه ورجع إلى مدينته فلما استقر في قصره انطلقت في قلبه النار من أجل قتل أولاده الثلاثة، وانهزام عسكره وهتك حرمته فما استقر نصف ساعة حتى طلب أرباب دولته وكبراء مملكته وشكا إليهم فعل ابنته مريم معه من قتلها لأخواتها وما لاقاه من القهر والحزن واستشارهم فأشاروا عليه كلهم أن يكتب كتاباً إلى خليفة الله في أرضه أمير المؤمنين هارون الرشيد، ويعلمه بهذه القضية فكتب إلى الرشيد مكتوباً مضمونه: بعد السلام على أمير المؤمنين، أن لنا بنتاً اسمها مريم الزنارية قد أفسدها علينا أسيرٌ من أسرى المسلمين اسمه نور الدين علي ابن التاجر تاجر الدين المصري وأخذها ليلاً وخرج بها إلى ناحية بلاده وأنا أسأل من فضل مولانا أمير المؤمنين أن يكتب إلى سائر بلاد المسلمين بتحصيلها وإرسالها إلينا مع رسولٍ أمينٍ.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثمانين بعد الثمانمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن ملك إفرنجة لما كتب إلى الخليفة أمير المؤمنين هارون الرشيد كتاباً يتضرع فيه ويطلب ابنته مريم ويسأله من فضله أن يكتب إلى سائر بلاد المسلمين بتحصيلها وإرسالها مع رسولٍ أمينٍ من خدام حضرة أمير المؤمنين ومن جملة مضمون ذلك الكتاب أننا نجعل لكم نظير مساعدتكم لنا على هذا الأمر نصف مدينة رومة الكبرى، لتبنوا فيها مساجد للمسلمين، ونجعل إليكم خراجها.وبعد أن كتب الكتاب برأي أهل مملكته وكبراء دولته وطواه ودعا بوزيره الذي جعله وزيراً مكان الوزير الأعور وأمره أن يختم الكتاب بختم الملك وكذلك ختمه أرباب دولته بعد أن وضعوا خطوط أيديهم فيه، ثم قال لوزيره: إن انتهيت بها فلك عندي إقطاع أميرين وأخلع عليك خلعة بطرازين، ثم ناوله الكتاب وأمره أن يسافر إلى مدينة بغداد دار السلام ويوصل الكتاب إلى أمير المؤمنين من يده إلى يده، ثم سافر الوزير بالمكتوب وسار يقطع الأودية والقفار حتى وصل إلى مدينة بغداد، فلما دخلها مكث فيها ثلاثة أيامٍ حتى استقر واستراح ثم سأل عن قصر أمير المؤمنين هارون الرشيد فدلوه عليه، فلما وصل إليه طلب إذنا من أمير المؤمنين في الدخول عليه فأذن له في ذلك فدخل عليه وقبل الأرض بين يديه وناوله الكتاب الذي من ملك إفرنجة وصحبته من الهدايا والتحف العجيبة ما يليق بأمير المؤمنين.فلما فتح الخليفة المكتوب وقرأه وفهم مضمونه أمر وزرائه من وقته أن يكتبوا المكاتيب إلى سائر بلاد المسلمين ففعلوا ذلك وبينوا في المكاتيب صفة مريم وصفة نور الدين واسمه واسمها وأنهما هاربان فكل من وجدهما فليقبض عليهما ويرسلهما إلى أمير المؤمنين وحذرهم من أن يعطوا في ذلك إمهالاً أو إهمالاً أو غفلةً، ثم ختمت الكتب وأرسلت مع السعاة فبادروا في إمتثال الأمر وساروا يفتشون في سائر البلاد على من يكون بهذه الصفة.هذا ما كان من أمر هؤلاء الملوك وأتباعهم، وأما ما كان من أمر نور الدين المصري ومريم الزنارية ابنة ملك إفرنجة فإنهما ركبا بعد انهزام الملك وعساكره من وقتهما وساعتهما وسارا إلى بلاد الشام وقد ستر عليهما الرحمن فوصلا إلى مدينة دمشق وكانت الطلائع التي أرسلها الخليفة قد سبقتهما إلى دمشق الشام بيومٍ، فعلم أمير دمشق أنه مأمورٌ بالقبض عليهما متى وجدهما ليحضرهما بين الخليفة.فلما كان يوم دخولهما إلى دمشق أقبل عليهما الجواسيس فسألوهما عن اسميهما فأخبراهما بالصحيح وقصا عليهم قصتهما وجميع ما جرى معهما، فعرفوهما وقبضوا عليهما وأخذوهما وساروا بهما إلى أمير دمشق فأرسلهما إلى الخليفة بمدينة بغداد دار السلام، فلما وصلوا إليها استأذنوا في الدخول على أمير المؤمنين هارون الرشيد فأذن لهم، فلما دخلوا عليه قبلوا الأرض بين يديه.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الواحدة والثمانين بعد الثمانمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الجواسيس دخلوا على أمير المؤمنين وقالوا له: يا أمير المؤمنين إن هذه مريم الزنارية ابنة ملك إفرنجة وهذا نور الدين ابن التاجر تاج الدين المصري الذي أفسدها على أبيها وسرقها من بلاده ومملكته وهرب بها إلى دمشق فوجدناهما حين دخولهما دمشق وسألناهما عن اسميهما فأجابانا بالصحيح فعند ذلك أتينا بهما وأحضرناهما بين يدك.

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 839

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 840
فنظر أمير المؤمنين إلى مريم الزنارية فرآها رشيقة القد والقوام فصيحة الكلام مليحة أهل زمانها فريدة عصرها وأوانها حلوة اللسان ثابتة الجنان قوية القلب. فلما وصلت إليه قبلت الأرض بين يديه ودعت له بدوام العز والنعم وزوال البؤس والنقم، فأعجب الخليفة حسن قوامها وعذوبة ألفاظها وسرعة جوابها فقال لها: هل أنت مريم الزنارية ابنة ملك إفرنجة? قالت: نعم يا أمير المؤمنين وأمام الموحدين وحامي حرمة الدين وابن عم سيد المرسلين، فعند ذلك التفت الخليفة فرأى علياً نور الدين شاباً مليحاً حسن الشكل كأنه البدر المنير في ليلة تمامه فقال له الخليفة: هل أنت نور الدين الأسير ابن التاجر تاج الدين المصري? قال: نعم يا أمير المؤمنين وعمدة القاصدين، فقال الخليفة: كيف أخذت هذه الصبية من مملكة أبيها وهربت بها? فصار نور الدين يحدث الخليفة بجميع ما جرى له من أول الأمر إلى آخره، فلما فرغ من حديثه تعجب الخليفة.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثانية والثمانين بعد الثمانمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الخليفة هارون الرشيد لما سأل نور الدين عن قصته وأخبره بجميع ما جرى له من المبتدأ إلى المنتهى، فتعجب الخليفة من ذلك غاية العجب وقال: ما أكثر ما تقاسيه الرجال، ثم إنه التفت إلى السيدة مريم وقال: يا مريم اعلمي أن والدك ملك إفرنجة قد كاتبنا في شأنك فما تقولين? قالت: يا خليفة الله في أرضه وقائماً بسنة نبيه وفرضه خلد الله عليك النعم وأجارك من البؤس والنقم أنت خليفة الله في أرضه قد دخلت دينكم لأنه هو الدين القويم الصحيح وتركت ملة الكفره الذين يكذبون على المسيح وقد صرت مؤمنة بالله الكريم ومصدقة بما جاء به رسوله الرحيم أعبد سبحانه وتعالى وأوحده وأسجد خاضعةً إليه وأمجده وأنا قائلة بين يدي الخليفة: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، فهل في وسعك يا أمير المؤمنين أن تقبل كتاب الملحدين وترسلني إلى بلاد الكافرين الذين يشركون بالملك الغلام ويعظمون الصليب ويعبدون الأصنام ويعتقدون إلهية عيسى وهو مخلوقٌ فإن فعلت بي ذلك يا خليفة الله أتعلق بأذيالك يوم العرض على الله وأشكوك إلى ابن عمك رسول الله يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.فقال أمير المؤمنين: يا مريم معاذ الله أن أفعل ذلك أبداً، كيف أرد امرأةً مسلمةً موحدةً بالله ومصدقة برسوله إلى ما نهى الله عنه ورسوله فقالت مريم: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، فقال لها أمير المؤمنين: يا مريم بارك الله فيك وزادك هدايةً إلى الإسلام حيث كنت مسلمةً موحدةً بالله، فقد صار لك علينا حقٌ واجبٌ وهو أنني لا أفرط فيك أبداً ولو بذل لي من أجلك ملء الأرض جواهر وذهباً فطيبي نفساً وقري عيناً وانشرحي صدراً ولا يكن خاطرك إلا طيباً، فهل رضيت أن يكون هذا الشاب نور الدين المصري لك بعلاً وتكوني له أهلاً.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثالثة والثمانين بعد الثمانمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن أمير المؤمنين قال لمريم: هل رضيت أن يكون نور الدين المصري لك بعلاً وتكوني له أهلاً? فقالت مريم: يا أمير المؤمنين كيف لا أرضى أن يكون لي بعلاً وقد اشتراني بماله وأحسن إلي غاية الإحسان ومن تمام إحسانه أنه خاطر بروحه من أجلي مراراً عديدةً فزوجها به أمير المؤمنين وعمل لها مهراً وأحضر القاضي والشهود وأكابر دولته يوم زواجها عند كتب الكتاب وكان يوماً مشهوداً.

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 840

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 841
ثم بعد ذلك التفت أمير المؤمنين من وقته وساعته إلى وزير ملك الروم وكان حاضراً في تلك الساعة وقال له: هل سمعت كلامها كيف أرسلها إلى أبيها الكافر وهي مسلمةً موحدةً بالله وربما أساءها وأغلظ عليها خصوصاً وقد قتلت أولاده فأتحمل أنا ذنبها يوم القيامة وقد قال الله تعالى: )ولن يجعل الله الكافرين على المؤمنين سبيلاً(. فأرجع إلى ملكك وقل له: ارجع عن هذا الأمر ولا تطمع فيه، وكان ذلك الوزير أحمقٌ فقال للخليفة: يا أمير المؤمنين وحق المسيح والدين الصحيح أني لا يمكنني الرجوع بدون مريم ولو كانت مسلمة لأني لو رجعت إلى أبيها بدونها يقتلني فقال الخليفة: خذوا هذا الملعون واقتلوه وأنشد هذا البيت:
هذا جزاء من عصى
من فوقه وعصيانهثم أمر بضرب عنق الوزير الملعون وحرقه فقالت السيدة مريم: يا أمير المؤمنين لا تنجس سيفك بدم الملعون ثم جردت سيفها وضربته به فأطاحت رأسه عن جثته فذهب إلى دار البوار ومأواه جهنم وبئس القرار، فتعجب الخليفة من صلابة ساعدها وقوة جنانها ثم خلع على نور الدين خلعةً سنيةً وأفرد لهما مكاناً في قصره هي ونور الدين ورتب لهما المرتبات والجوامك والعلوفات وأمر بأن ينقل إليهما جميع ما يحتاجان إليه من الملابس والمفارش والأواني النفسية وأقاما في بغداد مدةً في الزمان وهما في أرغد عيش وأهناه.وبعد ذلك اشتاق نور الدين إلى أمه وأبيه فعرض الأمر على الخليفة وطلب منه إذناً في التوجه إلى بلاده وزيارة أقاربه فدعا بمريم وأحضرها بين يديه وأجازه بالتوجه وأتحفه بالهدايا والتحف الثمينة وأوصى مريم ونور الدين ببعضهما، ثم أمر بالمكاتيب إلى أمراء مصر المحروسة وعلمائها وكبرائها بالوصية على نور الدين هو ووالديه وجاريته وإكرامهم غاية الإكرام.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الرابعة والثمانين بعد الثمانمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن أمير المؤمنين كتب إلى أمراء مصر وعلمائها وكبرائها بالوصية على نور الدين ووالديه وجاريته وإكرامهم غاية الإكرام، فلما وصلت الأخبار إلى مصر فرح التاجر تاج الدين بعودة ولده نور الدين وكذلك أمه فرحت بذلك غاية الفرح وتوجه للقائه الأكابر والأمراء وأرباب الدولة من أجل وصية الخليفة فلاقوا نور الدين وكان لهم يومٌ مشهودٌ مليحٌ عجيبٌ اجتمع فيه المحب والمحبوب واتصل الطالب بالمطلوب وصارت الولائم كل يوم على واحدٍ من الأمراء وفرحوا بهم فرحاً عظيماً وأكرموهما الإكرام المتصاعد.فلما اجتمع نور الدين بوالدته ووالده فرحوا ببعضهم غاية الفرح وزال عنهم الهم والترح وكذلك فرحوا بالسيدة مريم وكرموها غاية الإكرام ووصلت إليهم الهدايا والتحف من سائر الأمراء والتجار العظام وصاروا كل يومٍ في انشراح جديدٍ وسرورٍ أعظم من سرور العيد، ولم يزالوا في فرحٍ ولذات ونعمٍ جزيلةٍ وأكلٍ وشربٍ وسرورٍ مدةً من الزمان إلى أن أتاهم هادم اللذات ومفرق الجماعات ومخرب الدور والقصور ومعمر بطون القبور فانتقلوا من الدنيا بالممات وصاروا في عداد الأموات، فسبحان الحي الذي لا يموت وبيده مقاليد الملك والملكوت.
حكاية الشاب البغدادي مع جاريته التي اشتراها يحكى أنه كان في قديم الزمان رجلٌ بغدادي من أولاد أهل النعم ورث عن أبيه مالاً جزيلاً وكان يعشق جاريةً اشتراها وكانت تحبه كما يحبها ولم يزل ينفق عليها إلى أن ذهب جميع ماله ولم يبق منه شيء فطلب شيئاً من أسباب المعاش يتعيش فيه فلم يقدر، وكان ذلك الفتى في أيام غناه يحضر مجالس العرفين بصناعة الغناء فبلغ فيها الغاية القصوى، فاستشار أحد إخوانه فقال له: أنا لا أعرف لك صنعةً أحسن من أن تغني أنت وجاريتك فتأخذ على ذلك المال الكثير وتأكل وتشرب، فكره ذلك هو والجارية.

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 841

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 842
فقالت له جاريته: قد رأيت لك رأياً، قال: ما هو? قالت: تبيعني ونخلص من هذه الشدة أنا وأنت وأكون في نعمةٍ، فإن مثلي لا يشتريه إلا ذو نعمةٍ وبذلك أكون سبباً في رجوعي إليك، فأطلعها إلى السوق فكان أول من رآها رجلٌ هاشمي من أهل البصرة وكان ذلك الرجل أديباً ظريفاً كريم النفس فاشتراها بألف وخمسمائة دينار وذلك الفتى صاحب الجارية فلما قبضت الثمن ندمت وبكت أنا والجارية وطلبت الإقامة فلم يرض، فوضعت الدنانير في الكيس وأنا لا أدري أين أذهب لأن بيتي أصبح موحشاً بعد غيابها وحصل لي من البكاء واللطم والنحيب ما لم يحصل لي قطٌ من قبل، فدخلت بعض المساجد وقعدت أبكي فيه واندهشت حتى صرت لا أعلم بنفسي، فنمت ووضعت الكيس تحت رأسي كالمخدة فلم أشعر إلا وإنسان قد سحبه من تحت رأسي فانتبهت فزعاً مرعوباً فلم أجد الكيس فقمت أجري خلفه وإذا برجلي مربوطةٌ في حبل، فوقعت على وجهي وصرت أبكي وألطم وقلت في نفسي: فارقتك روحك وضاع مالك.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الخامسة والثمانين بعد الثمانمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن ذلك الفتى لما ضاع منه الكيس قال: قلت في نفسي فارقتك روحك وضاع مالك وزادني الحال فجئت إلى الدجلة وحملت ثوبي على وجهي وألقيت نفسي في البحر ففطن بي الحاضرون وقالوا إن ذلك لعظيم همٍ حصل له فرموا أرواحهم خلفي وأطلعوني وسألوني عن أمري فأخبرتهم بما حصل لي فتأسفوا لذلك ثم جاءني شيخ منهم وقال: قد ذهب مالك وكيف تتسبب في ذهاب روحك فتكون من أهل النار قم معي حتى أرى منزلك ففعلت ذلك فلما وصلنا إلى منزلي قعد عندي ساعةً حتى سكن ما بي فشكرته عن ذلك ثم انصرف فلما خرج من عندي كدت أن أقتل روحي فتذكرت الآخرة والنار فخرجت من بيتي هارباً إلى بعض الأصدقاء فأخبرته بما جرى لي فبكى رحمةً لي وأعطاني خمسين ديناراً وقال لي: أقبل رأيي وأخرج في هذه الساعة من بغداد وأجعل هذه نفقة لك، إلى أن يشتغل قلبك عن حبها وتسلوها وأنت من أهل الإنشاء والكتابة وخطك جيداً وأدبك بارع فاقصد من شئت من العمال وأطرح نفسك عليه لعل الله يجمعك بجاريتك فسمعت منه وقد قوى عزمي وأزال عني بعض الهموم وعزمت على أني أقصد أرض واسط لأن فيها أقارب فخرجت إلى ساحل البحر فرأيت سفينةً رأسيةً والبحرية ينقلون إليها أمتعة وقماشاً فاخراً فسألتهم أن يأخذوني معهم فقالوا: إن هذه السفينة لرجل هاشمي ولا يمكننا أخذك على هذه الصورة فرغبتهم في الأجرة فقالوا: إن كان ولا بد فاقلع هذه الثياب الفاخرة التي عليك وألبس ثياب الملاحين وأجلس معنا كأنك واحدٌ منا فرجعت واشتريت شيئاً من ثياب الملاحين ولبسته وجئت إلى السفينة وكانت متوجهةً إلى البصرة فنزلت معهم، فما كان إلا ساعةً حتى رأيت جاريتي بعينها ومعها جاريتان يخدمانها فسكن ما كان عندي من الغيظ وقلت في نفسي: ها أنا أراها وأسمع غناءها إلى البصرة فما أسرع إن جاء الهاشمي راكباً ومعه جماعة فنزلوا في تلك السفينة وانحدرت بهم وأخرج الطعام فأكل هو والجارية، وأكل الباقون في وسط السفينة.ثم قال الهاشمي للجارية: كم هذا التمنع من الغناء ولزوم الحزن والبكاء ما أنت أول من فارق من يحب فعلمت ما كان عندها من أمر حبي ثم ضرب سائراً على الجارية في جانب السفينة واستدعى الذين كانوا في ناحيتي وجلس معهم خارج الستارة فسألت عنهم فإذا هم أخوته ثم أخرج لهم ما يحتاجون إليه من الخمر والنقل ولم يزالوا يحثون الجارية على الغناء إلى أن استدعت بالعود وأصلحته وأخذت تغني فأنشدت هذين البيتين:
بان الخليط بمن أحب فادلجـوا
وعن السرى بمنأى لم يتحرجوا
والصب بعد أن اسقتل ركابهـم
جمر الغضى في قلبه يتأجـجوأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السادسة والثمانين بعد الثمانمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الجارية بعدما أنشدت بيتين من الشعر غلبها البكاء ورمت العود وقطعت الغناء فتنغص القوم ووقعت أنا مغشياً علي فظن القوم أني قد صرعت فصار بعضهم يقرأ في أذني ولم يزالوا يلاطفونها ويطلبون منها الغناء إلى أن أصلحت العود وأخذت تغني فأنشدت:
فوقفت أندب طاعنين تحمـلـوا
هم في الفؤاد وأن نأوا وترجلوا وقالت أيضاً:

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 842

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 843
ووقفت بالأطلال أسأل عنهم
والدار قفر والمنازل بلقعثم وقعت مغشياً عليها وارتفع البكاء من الناس وصرخت أنا ووقعت مغشياً علي وضح الملاحون مني فقال بعض غلمان الهاشمي: كيف حملتم هذا الجنون? ثم قال بعضهم لبعض: إذا وصتلم إلى بعض القرى فأخرجوه وأريحونا منه فحصل لي من ذك همٌ عظيمٌ وعذابٌ أليمٌ فتجلدت غاية الجلد وقلت في نفسي: لا حيلة لي في الخلاص من أيديهم إلا أن أعلمهم بمكاني من السفينة لتمنع من إخراجي ثم صرنا حتى وصلنا إلى قرب ضيعةٍ فقال صاحب السفينة: اصعدوا بنا الشاطئ فطلع القوم وكان ذلك وقت المساء فقمت حتى صرت خلف الستارة وأخذت العود وغيرت الطرق طريقةً بعد طريقة، وضربت على الطريقة التي تعلمتها مني ورجعت إلى موضعي من السفينة.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السابعة والثمانين بعد الثمانمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الفتى قال: ثم رجعت إلى موضعي من السفينة وبعد ذلك نزل القوم من الشاطئ ورجعوا إلى مواضعهم في السفينة وقد انبسط القمر على البر والبحر فقال الهاشمي للجارية: بالله عليك لا تنغصي علينا عيشنا فأخذت العود وجسته بيدها وشهقت، فظنوا أن روحها قد خرجت ثم قالت: والله إن أستاذي معنا في هذه السفينة فقال الهاشمي: والله لو كان معنا ما ضيعته من معاشرتنا لأنه ربما كان يخفف ما بك فننتفع بغنائك ولكن كونه في السفينة أمر بعيد فقالت: لا أقدر على ضرب العود وتقليب الأهوية ومولاي معنا، قال الهاشمي: نسأل الملاحين فقالت: أفعل، فسألهم وقال: هل حملتم معكم أحداً? فقالوا له: لا، فخفت أن ينقطع السؤال فضحكت وقلت: نعم أنا أستاذها وعلمتها حين كنت سيدها فقالت: والله إن هذا كلام مزري فجاءني الغلمان وأخذوني إلى الهاشمي فلما رآني عرفني فقال: ويحك ما هذا الذي أنت فيه وما أصابك حتى صرت في هذه الحالة? فحكيت له ما جرى من أمري وبكيت وعلا نحيب الجارية من خلف الستارة، وبكى الهاشمي هو وأخوته بكاءً شديداً رأفةً بي ثم قال: والله ما دنوت من هذه الجارية ولا وطئتها ولا سمعت لها غناء إلا اليوم وأنا رجلٌ قد وسع الله علي وإنما وردت بغداد لسماع الغناء وطلب أرزاقي من أمير المؤمنين وقد بلغت الأمرين، ولما أردت الرجوع إلى بلادي أحببتن أن اصطحب معي جاريةً من عندكم لكي أسمع شيئاً من غناء بغداد فاشتريت هذه الجارية ولم أعلم أنكما على هذه الحالة فأنا أشهد الله على أن هذه الجارية إذا وصلت إلى البصرة أعتقها وأزوجك إياها وأجري لكما ما يكفيكما وزيادة ولكن على شرط أني إذا أردت السماع يضرب لها ستارة وتغني من خلف الستارة وأنت من جملة أخواني وندمائي ففرحت بذلك ثم أن الهاشمي أدخل رأسه في الستارة وقال لها: أيرضيك ذلك? فأخذت تدعو له وتشكره.ثم استدعى بغلام له وقال له: خذ بيد هذا الشاب وانزع ثيابه وألبسه ثياباً فاخرةً وبخره وقدمه إلينا فأخذني الغلام وفعل بي ما أمره به سيده وقدمني إليه فوضع بين يدي الشراب مثل ما وضعه بين أيديهما ثم اندفعت الجارية تغني بأحسن النغمات وتنشد هذه الأبيات:
عيروني بأن سكبـت دمـوعـي
حين جاء الحبـيب لـلـتـوديع
لم يذوقوا طعم الـفـراق ولا مـا
أحرقت لوعة الأسى من ضلوعي
إنمـا يعـرف الـغـرام كـئيبٌ
ساقط القلب بين تلـك الـربـوعقال: فطرب القوم من ذلك طرباً شديداً وزاد فرح الفتى بذلك ثم أخذ العود من الجارية وضرب به على أحسن النغمات وأنشد هذه الأبيات:
اسأل العرف أن سألت كريماً
لم يزل يعرف الغني واليسارا
فسؤال الكـريم يورث عـزاً
وسؤال اللـئيم يورث عـارا
وإذا لم يكن مـن الـذل بـدٌ
فالق بالذل إن سألت الكبـارا
ليس إجلالك الـكـريم بـذلٍ
إنما الذل أن أتجل الصغـارا

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 843

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 844
ففرح القوم بي وزاد فرحهم ولم يزالوا في فرحٍ سرورٍ، وأنا أغني ساعةٍ والجارية ساعة إلى أن جئنا إلى بعض السواحل فرست السفينة هناك وصعد كل من فيها وصعدت أنا أيضاً وكنت سكراناً فعدت أبول فغلبني النوم فنمت ورجعت الركاب إلى السفينة وانحدرت بهم ولم يعلموا بي لأنهم كانوا سكارى وكنت دفعت النفقة إلى الجارية ولم يبق معي شيءٌ ووصلوا إلى البصرة ولم انتبه إلا من حر الشمس فقمت من ذلك المكان فما رأيت أحدا ونسيت أن اسأل الهاشمي عن اسمه وأين داره بالبصرة وبأي شيءٍ يعرف وبقيت حيراناً وكأن ما كنت فيه من الفرح بلقاء الجارية منام ولم أزل متحيراً حتى اجتازت بي ومكثت معي فقلت فيها ودخلت البصرة وما أعرف بها أحداً ولا أعرف بيت الهاشمي فجئت إلى بقال وأخذت منه دواةً وورقة.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثامنة والثمانين بعد الثمانمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن البغدادي صاحب الجارية لما دخل البصرة صار حيران وهو لا يعرف أحداً ولا يعرف دار الهاشمي قال: فجئت إلى بقال وأخذت منه دواةً وورقةً وقعدت أكتب فاستحسن خطي ورأى ثوبي دنساً فسألني عن أمري فأخبرته أني غريبٌ فقيرٌ فقال: أتقيم عندي ولك في كل يوم نصف درهم وأكلك وكسوتك وتضبط لي حساب دكاني? فقلت: نعم، وأقمت عنده وضبطت أمره ودبرت له دخله وخرجه فلما كان بعد شهر رأى الرجل دخله زائداً وخرجه ناقصاً فشكرني على ذلك ثم أنه جعل لي في كل يوم درهماً إلى أن حال الحول فدعاني أن أتزوج ابنته ويشاركني في الدكان فأجبته إلى ذلك ودخلت بزوجتي ولزمت الدكان إلا أني منكسر الخاطر والقلب ظاهر الحزن فمكثت على تلك الحالة مدة سنتين فبينما أنا في الدكان وإذا بجماعةٍ معهم طعامٌ وشرابٌ فسألت البقال عن القضية فقال: هذا يوم المتنعمين يخرج فيه أهل الطرب واللعب والفتيان من ذوي النعمة إلى شاطئ البحر يأكلون ويشربون بين الأشجار على نهر الآيلة فدعتني نفسي إلى الفرجة على هذا الأمر وقلت في نفسي: لعلي إذ شاهدت هؤلاء الناس اجتمع بمن أحب فقلت للبقال: إني أريد ذلك.فقال: شأنك والخروج معهم ثم جهز لي طعاماً وشراباً وسرت حتى وصلت إلى نهر الآيلة، فإذا الناس ينصرفون فأردت الإنصراف معهم وإذا برئيس السفينة التي كان فيها الهاشمي والجارية بعينها وهو سائر في نهر الآيلة فصحت عليهم فعرفني هو ومن معه وأخذوني عندهم وقالوا لي: هل أنت حيٌ وعانقوني وسألوني عن قصتي فأخبرتهم بها فقالوا: إنا ظننا أنه قوي عليك السكر، وغرقت في الماء فسألتهم عن حال الجارية فقالوا: إنها لما علمت بفقدك مزقت ثيابها وأحرقت العود وأقامت على اللطم والنحيب فلما رجعنا مع الهاشمي إلى البصرة قلنا لها: اتركي هذا البكاء والحزن فقالت: أنا ألبس السواد وأجعل لي قبراً في جانب هذه الدار فأقيم عند ذلك القبر وأتوب عن الغناء فمكناها من ذلك وهي في تلك الحالة إلى الآن ثم أخذوني معهم.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة التاسعة والثمانين بعد الثمانمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن البغدادي قال: فأخذوني معهم فلما وصلت إلى الدار رأيتها على تلك الحالة فلما رأتني شهقت شهقةً عظيمةً حتى ظننتها أنها ماتت فاعتنقتها عناقاً طويلاً.ثم قال لي الهاشمي: خذها فقلت: نعم ولكن أعتقها كما وعدتني وزوجني بها ففعل ذلك ودفع إلينا أمتعةً نفيسةً وثياباً كثيرةً وفرشاً وخمسمائة دينارٍ، وقال: هذا مقدار ما أردت إعطائه لكما في كل شهرٍ، ولكن بشرط المنادمة وسماع الجارية ثم أخلى لنا دار وأمر بأن ينقل إليها جميع ما نحتاج إليه فلما توجهت إلى تلك الدار وجدتها قد غمرت بالفرش والقماش وحملت إليها الجارية ثم أنني جئت إلى البقال وأخبرته بجميع ما حصل لي وسألته أن يجعلني في حلٍ من طلاق ابنته من غير ذنبٍ ودفعت إليها ما يلزمني وأقمت مع الهاشمي على ذلك سنتين وصرت صاحب نعمةٍ عظيمةٍ وعادت لي حالتي التي كنت فيها أنا والجارية في بغداد وقد فرج الله الكريم عنا وأسبغ جزيل النعم علينا وجعل مآل صبرنا إلى الظفر بالمراد فلله الحمد في المبدأ والمعاد، والله أعلم.
حكاية ورد خان بن الملك جليعاد

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 844

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 845
ومما يحكى أيضاً أنه كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان ملكٌ من بلاد الهند وكان ملكاً عظيماً طويل القامة حسن الصورة حسن الخلق كريم الطبائع محسناً للفقراء محباً للرعية ولجميع أهل دولته وكان اسمه جليعاد وكان تحت يده في مملكته اثنان وسبعون ملكاً ولبلاده ثلثمائة وخمسون قاضياً وكان له سبعون وزيراً وقد جعل على كل عشرة من عسكره رئيساً وكان أكبر وزرائه شخصاً يقال له شماس وكان عمره مائتي وعشرون سنة وكان حسن الخلق والطباع لطيفاً في كلامه ليناً في جوابه حاذقاً في جميع أموره حكيماً مدبراً رئيساً مع كبر سنه عارفاً بكل حكمةٍ وأدبٍ وكان الملك يحبه محبةً عظيمةً ويميل إليه لمعرفته بالفصاحة والبلاغة وأحوال السياسة ولما أعطاه الله من الرحمة وحفظ النجاح للرعية.وكان ذلك الملك عادلاً في مملكته حافظاً لرعيته مواصلاً كبيرهم وصغيرهم بالإحسان وما يليق بهم من الرعاية والعطايا والأمان والطمأنينة مخففاً للخراج عن كامل الرعية وكان محباً لهم كبيراً وصغيراً ومعاملاً لهم بالإحسان إليهم والشفقة عليهم وأتى في حسن بينهم بما لم يأت به أحدٌ قبله ومع هذا كله لم يرزقه الله تعالى بولدٍ فشق ذلك عليه وعلى أهل مملكته فاتفق أن الملك كان مضطجعاً في ليلةٍ من الليالي وهو مشغول البال والفكر في عاقبة أمر مملكته، ثم غلب عليه النوم فرأى في منامه كأنه يصب ماء في أصل شجرة.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة التسعين بعد الثمانمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الملك رأى في منامه كأنه يصب ماء في أصل شجرة وحول تلك الشجرة أشجار كثيرة وإذا بنارٍ قد خرجت من تلك الشجر وأحرقت جميع ما كان حولها من الأشجار، فعند ذلك انتبه الملك من منامه فزعاً مرعوباً واستدعى أحد غلمانه وقال له: اذهب بسرعة وأتني بشماس الوزير عاجلاً فذهب الغلام إلى الوزير شماس وقال له: إن الملك يدعوك في هذه الساعة لأنه انتبه من نومه مرعوباً فأرسلني إليك لتحضر عنده عاجلاً فلما سمع الوزير شماس كلام الغلام قام من وقته وساعته وتوجه إلى الملك ودخل عليه فرآه قاعداً على فراشه فسجد بين يديه داعياً له بدوام العز والنعم وقال له: لا أحزنك الله أيها الملك ما الذي أقلقك في هذه الليلة وما سبب طلبك إياي بسرعةٍ? فأذن الملك بالجلوس فجلس وصار الملك يقص عليه ما رأى قائلاً: إني رأيت في ليلتي هذه مناماً هالني وهو كأني أصب ماء في أصل شجرة وحول تلك الشجرة أشجار كثيرة فبينما أنا في هذه الحالة وإذا بنارٍ خرجت من أصل تلك الشجرة وأحرقت جميع ما حولها الأشجار ففزعت من ذلك وأخذني الرعب فانتبهت عند ذلك وأرسلت دعوتك لكثرة معرفتك ولما أعلمه من اتساع علمك وغزارة فهمك فأطرق الوزير شماس رأسه ساعةً ثم تبسم فقال له الملك: ماذا رأيت يا شماس أصدقني الخبر ولا تخف عني شيئاً? فأجابه الوزير شماس وقال له: أيها الملك إن الله تعالى خولك وأقر عينك وأمر هذه الرؤيا يؤول إلى كل خير وهو أن الله تعالى يرزقك ولداً ذكراً يكون وارثاً للملك عنك من بعد طول عمرك غير أنه يكون فيه شيء لا أحب تفسيره في هذا الوقت لأنه غير موافق لتفسيره ففرح الملك بذلك فرحاً عظيماً وزاد سروره وذهب عنه فزعه وطابت نفسه وقال: إن كان الملك كذلك من حسن تأويل المنام فكمل لي تأويله إذا جاء الوقت الموافق لكمال تأويله فالذي لا ينبغي تأويله الآن ينبغي أن تؤوله لي إذا آن أوانه لأجل أن يكمل فرحي لأني لا أبتغي بذلك غير رضا الله سبحانه وتعالى.

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 845

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 846
فلما رأى شماس من الملك أنه صمم على تمام تفسيره احتج له بحجة دافع بها عن نفسه فعند ذلك دعا الملك بالمنجمين وجميع المعبرين للأحلام الذين في مملكته فحضروا جميعاً بين يديه وقص عليهم ذلك المنام وقال لهم أريد منكم أن تخبروني بصحة تفسيره فتقدم واحداً منهم وأخذ إذناً من الملك بالكلام فلما أذن له قال: اعلم أيها الملك أن شماس وزيرك ليس بعاجزٍ عن تفسير ذلك وإنما هو احتشم منك وسكن روعك ولم يظهر لك جميع التأويل بالكلية ولكن إذا أذنت لي بالكلام تكلمت فقال له الملك: تكلم أيها المفسر بلا احتشام وأصدق في كلامك فقال المفسر: أعلم أيها الملك أنه يظهر منك غلام يكون وارثاً للملك عنك بعد طول حياتك ولكنه لا يسير في الرغبة بسيرك بل يخالف رسومك ويجور على رعيتك ويصيبه ما أصاب الفأر مع السنور، فاستعاذ الملك بالله تعالى وقال: وما حكاية السنور والفأر? فقال المفسر: أطال الله عمر الملك أن السنور هو القط سرح سرحة من الليالي إلى شيءٍ يفترسه في بعض الغيطان فما وجد شيئاً وضعف من شدة البرد والمطر اللذين حصلا في تلك الليلة فأخذ يحتال لنفسه بشيءٍ فبينما هو دائر على تلك الحالة إذ رأى وكراً في أسفل شجرة فدنا منه وصار يشمشم ويدندن حتى أحس أن داخل الوكر فأراً فحوله وهم بالدخول عليه لكي يأخذه فلما أحس به الفأر أعطاه قفاً وصار يزحف على يديه ورجليه لكي يسد باب الوكر عليه فعند ذلك صار السنور يصوت صوتاً ضعيفاً ويقول: لم تفعل ذلك يا أخي وأنا ملتجيءٌ إليك لتفعل معي رحمة بأن تقربي في وكرك هذه الليلة لأني ضعيف الحال من كبر سني وذهاب قوتي ولست أقدر على الحركة وقد توغلت في هذا الغيط هذه الليلة وكم دعوت بالموت على نفسي لكي أستريح وها أنا على بابك طريح من البرد والمطر وأسألك بالله من صدقتك أن تأخذ بيدي وتدخلني عندك وتأويني في دهليز وكرك لأني غريبٌ ومسكينٌ وقد قيل: من أوى بمنزله غريباً مسكيناً كان مأواه الجنة يوم الدين فأنت يا أخي حقيق بأن تكسب أجري وتأذن لي في أن أبيت عندك هذه الليلة إلى الصباح ثم أروح إلى حال سبيلي.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الواحدة والتسعين بعد الثمانمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن السنور قال للفأر: ائذن لي أن أبيت عندك هذه الليلة ثم أروح إلى حال سبيلي، فلما سمع الفأر كلام السنور قال له: كيف تدخل وكري وأنت عدو لي بالطبع ومعاشك من لحمي وأخاف أن تغدر بي لأن ذلك من شيمتك لأنه لا عهد لك وقد قيل: لا ينبغي الأمان للرجل الزاني على المرأة الحسناء ولا الفقير العائل على المال وكالنار على الحطب وليس بواجب علي أن استأمنك على نفسي وقد قيل: عداوة الطبع لا ضعف صاحبها دنت أقوى، فأجاب السنور قائلاً بأحسن صوت وأسوأ حال: إن الذي قلته من المواعظ حق ولست أنكر عليك ولكن أسألك الصفح عما مضى من العداوة الطبيعية التي بيني وبينك لأنه قد قبل من صفح عن مخلوق مثله صفح خالقه عنه وقد كنت قبل ذلك عدواً لك وها أنا اليوم طالب صداقتك وقد قيل: إذا أردت أن يكون عدوك لك صديقاً فافعل معه خيراً، وأنا يا أخي أعطيك عهد الله وميثاقه إني لا أضربك أبداً ومع هذا ليس لي قدرةٌ على ذلك فثق بالله وأفعل خيراً وأقبل عهدي وميثاقي.فقال الفأر: كيف أقبل عهد من تأسست العداوة بيني وبينه وعادته أن يغدر بي ولو كانت العداوة بيننا على شيءٍ من الأشياء غير الدم لهان علي ذلك، ولكنها عداوة طبيعية بين الأرواح وقد قيل: من استأمن عدوه على نفسه كان كمن أدخل يده في فم الأفعى فقال السنور وهو ممتلئ غيظاً قد ضاق صدري وضعفت نفسي وها أنا في النزاع وبعد قليل أموت على بابك ويبقى إثمي عليك لأنك قادرٌ على نجاتي مما أنا فيه وهذا آخر كلامي معك فحصل للفأر خوف من الله تعالى ونزلت في قلبه الرحمة وقال في نفسه: من أراد المعونة من الله تعالى على عدوه فليصنع معه رحمةً وخيراً وأنا متوكل على الله في هذا الأمر وأنقذ هذا السنور من الهلاك لأكسب أجره.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق