وتعجبت عرس الرشيد لبهجتي
إذ شاهدتنـي يمـنة ويسـارا
ناديت يا امرأة الخليفة إن لـي
ثوباً من الريش العلي فخـارا
لو كان فوقي تنظرين عجائبـاً
تمحوا العنا وتـبـدد الأكـدارا
فاستفسرت عرس الخليفة أين ذا
فأجبت في دار الذي قـد دار
فانقض مسرور وأحضره لهـا
وإذا به قـد أشـرق الأنـوارا
فأخذته من كفه وفـتـحـتـه
ورأيت منه الجـيب والأزرارا
فدخلت فيه ثم أولادي مـعـي
وفردت أجنحتي وطرت فرارا
يا أم زوجي أخبـريه إذا أنـي
إن حب وصلي فليفـارق دارافلما فرغت من شعرها قالت لها السيدة زبيدة أما تنزلين عندنا حتى نتملى بحسنك يا سيدة الملاح فسبحان من أعطاك الفصاحة والصباحة قالت هيهات أن يرجع ما فات ثم قالت لأم الحزين المسكين: والله يا سيدتي يا أم حسن إنك توحشيني فإذا جاء ولدك وطالت عليه أيام الفراق واشتهى القرب والتلاق وهزته أرياح المحبة والأشواق فليجئني إلى جزائر واق الواق، ثم طارت هي وأولادها وطلبت بلادها فلما رأت أم حسن ذلك بكت ولطمت وجهها حتى غشي عليها.فلما أفاقت قالت لها السيدة زبيدة يا سيدتي الحاجة ما كنت أعرف أن هذا يجري ولو كنت أخبرتيني به ما كنت أتعرض لك وما عرفت أنها من الجن الطيارة إلا في هذا الوقت ولو عرفت أنها على هذه الصفة ما كنت مكنتها من لبس الثوب ولا كنت أخليها تأخذ أولادها ولكن يا سيدتي اجعليني في حلٍ فقالت العجوز وما وجدت في يدها حيلةٌ أنت في حل، ثم خرجت من قصر الخلافة ولم تزل سائرة حتى دخلت بيتها وصارت تلطم على وجهها حتى غشي عليها فلما أفاقت من غشيتها استوحشت إلى الصبية والى أولادها والى رؤية ولدها ثم قامت وحفرت في البيت ثلاثة قبورٍ وأقبلت عليها بالبكاء آناء الليل وأطراف النهار وحين طالت غيبة ولدها وزاد بها القلق والشوق والحزن أنشدت هذه الأبيات:
خيالك بين طابقة الـجـفـون
وذكرك في الخوافق والسكون
وحبك قد جرى في العظم منى
كجري الماء في ثمر الغصون
ويوم لا أراك يضيق صـدري
وتعذرني العواذل في شجوني
أيا من قد تملـكـنـي هـواه
وزاد على محبته جـنـونـي
خف الرحمن في وكن رحيمـاً
هواك أذاقني ريب المـنـونوأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثانية والخمسين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن أم حسن صارت تبكي آناء الليل وأطراف النهار لفراق ولدها وزوجته وأولادها هذا ما كان من أمرها وأما ما كان من أمر ولدها حسن فإنه لما وصل إلى البنات، حلفن عليه أن يقيم عندهن ثلاثة أشهرٍ ثم بعد ذلك جهزن له المال وهيأن له عشرة أحمالٍ خمسة من الذهب وخمسة من الفضة وهيأن له من الزاد حملاً واحداً وسفرنه وخرجن معه فحلف عليهن أن يرجعن فأقبلن على عناقه من أجل التوديع، فتقدمت إليه البنت الصغيرة وعانقته وبكت حتى غشي عليها وأنشدت هذين البيتين:
متى تنطفي نار الفراق بقربكـم
ويقضي بكم ربي ونبقى كما كنا
لقد راعني يوم الفراق وضر بي
وقد زادني التوديع يا سادتي هناثم تقدمت البنت الثانية وعانقته وأنشدت هذين البيتين:
وداعك مثل وداع الحياة
وفقدك يشبه فقد النـديم
وبعدك نارٌ كوت مهجتي
وقربك فيه جنات النعيمثم تقدمت البنت الثالثة وعانقته وأنشدت هذين البيتين:
ما تركنا الوداع يوم افترقـنـا
عن ملال ولا لوجه قـبـيح
أنت روحي على الحقيقة قطعاً
كيف أختار أن أودع روحـيثم تقدمت البنت الرابعة وعانقته وأنشدت هذين البيتين:
هو ذلك الدرر الذي أودعـتـه
في مسمعي أجريته من مدمعي
لم يبكني إلا حـديث فـراقـه
لما أسر بـه إلـى دمـوعـيثم تقدمت البنت الخامسة وعانقته وأنشدت هذين البيتين:
لا ترحلن فما لي عنكـم جـلـدٌ
حتى أطيق به توديع مرتـحـل
ولا من الصبر ما ألقى الفراق به
ولا من الدمع ما أذري على طلل
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 750
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 751
ثم تقدمت البنت السادسة وعانقته وأنشدت هذين البيتين:
قد قلت مذ سار السباق بهم
والشوق ينهب مهجتي نهبا
لو كان لي ملك أصول به
لأخذت كل سفينة غصبـاثم تقدمت البنت السابعة وعانقته وأنشدت هذين البيتين:
إذا رأيت الوداع فاصبر
ولا يهولنك الـبـعـاد
وانتظر العود عن قريبٍ
فإن قلب الوداع غادراثم إن حسناً ودعهن وبكى إلى أن غشي عليه بسبب فراقهم وأنشد هذه الأبيات:
ولقد جرت يوم الفراق سوافـحـي
درراً نظمت عقودها من أدمعـي
وحدا بهم حادي الركاب فلـم أجـد
جلداً ولا صبراً ولا قلبي مـعـي
ودعتهم ثم انثـنـيت بـحـسـرة
وتركت أنس معاهـدي والأربـع
فرجعت لا أدري الطريق ولم تطب
نفسي أني أراك بـمـرجـعـي
يا صاحبي أنصت لأخبار الـهـوى
حاشى لقلبك أن أقـول ولا يعـي
يا نفس منذ فارقتهن فـفـارقـي
طيب الحياة وفي البقاء لا تطمعيثم أنه جد في المسير ليلاً ونهاراً حتى وصل إلى بغداد دار السلام وحرم الخلافة العباسية ولم يدر بالذي جرى بعد سفره فدخل الدار على والدته وسلم عليها فرآها قد انتحل جسمها ورق عظمها من كثرة النواح والسهر والبكاء والعويل حتى صارت مثل الخلال ولم تقدر أن ترد الكلام فصرف النجائب وتقدم إليها فلما رآها على تلك الحالة قام في الدار، وفتش على زوجته وعلى أولادها فلم يجد لهم أثراً ثم إنه نظر في الخزانة فوجدها مفتوحة والصندوق مفتوحاً ولم يجد فيه الثوب، فعند ذلك عرف أنها تمكنت من الثوب الريش وأخذته وطارت وأخذت أولادها معها فرجع إلى أمه فرآها قد أفاقت من غشيتها فسألها عن زوجته وعن أولادها فبكت وقالت: يا ولدي عظم الله أجرك فيهم وهذه قبورهم الثلاثة، فلما سمع كلام أمه صرخ صرخة عظيمة وخر مغشياً عليه واستمر كذلك من أول النهار إلى الظهر فازدادت أمه غماً على غمها وقد يئست من حياته فلما أفاق بكي، ولطم على وجهه وشق ثيابه وصار دائراً في الدار متحيراً ثم أنشد هذين البيتين:
شكا ألم الفراق الناس قبلـي
وروع بالنوى حي ومـيت
وأما مثل ما ضمت ضلوعي
فأني لا سمعـت ولا رأيتفلما فرغ من شعره أخذ سيفه وسله وجاء إلى أمه وقال لها، إن لم تعلميني بحقيقة الحال ضربت عنقك وقتلت روحي فقالت له: يا ولدي لا تفعل ذلك وأنا أخبرك، ثم قالت له أغمد سيفك واقعد حتى أحدثك بالذي جرى، فلما أغمد سيفه وجلس إلى جانبها أعادت عليه القصة من أولها إلى آخرها وقالت له: يا ولدي لولا أني رأيتها بكت على طلب الحمام، وخفت منك أن تجيء وتشكو إليك فتغضب على ما كنت ذهبت بها إليه، ولولا أن السيدة زبيدة غضبت علي أخذت مني المفتاح قهراً ما كنت أخرجت الثوب ولو كنت أموت ويا ولدي أنت تعرف أن يد الخلافة لا تطاولها يد، فلما أحضروا لها الثوب أخذته وقبلته وكانت تظن أنه فقد منه شيء ففرحت وأخذت أولادها وشدتهم في وسطها ولبست الثوب الريش بعد ما قلعت لها الست زبيدة كل ما عليها إكراماً لها ولجمالها فلما لبست الثوب الريش انتفضت وصارت طيرة ومشت في القصر وهم ينظرون إليها ويتعجبون من حسنها وجمالها ثم طارت وصارت فوق القصر وبعد ذلك نظرت إلي وقالت لي إذا جاء ولدك وطالت عليه ليالي الفراق واشتهى القرب مني والتلاق وهزته رياح المحبة والأشواق فليفارق وطنه ويذهب إلى جزائر واق الواق، هذا ما كان من حديثهما في غيبتك.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثالثة والخمسين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن حسناً لما سمع كلام أمه حين حكت له جميع ما فعلت زوجته وقت ما طارت صرخ صرخة عظيمة ووقع مغشياً عليه ولم يزل كذلك إلى آخر النهار فلما أفاق لطم على وجهه وصار يتقلب على الأرض مثل الحية فقعدت أمه تبكي عند رأسه إلى نصف الليل فلما أفاق من غشيته بكى بكاء عظيماً، وأنشد هذه الأبيات:
قفوا وانظروا حال الذي تهجرونه
لعلكم بعد الجفاء ترحـمـونـه
فان تنظروه تنكروه لسـقـمـه
كأنكم واللـه لا تـعـرفـونـه
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 751
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 752
وما هو إلا ميت في هـواكـم
يعد من الأمـوات إلا أنـينـه
ولا تحسبوا أن التـفـرق هـين
يعز على المشتاق والموت دونه فلما فرغ من شعره قام وجعل يدور في البيت وينوح ويبكي وينتحب مدة خمسة أيام لم يذق فيها طعاماً ولا شراباً فقامت إليه أمه وحلفته وأقسمت عليه أن يسكت من البكاء فما قبل كلامها وما زال يبكي وينتحب وأمه تسليه وهولا يسمع منها شيئاً وما زال حسن على هذه الحالة يبكي إلى الصباح ثم غفلت عيناه فرأى زوجته حزينة وهي تبكي فقام من نومه وهو يصرخ وأنشد هذين البيتين:
خيالك عندي لـيس يبـرح سـاعة
جعلت له في القلب أشرف موضع
ولو رجاء الوصل ما عشت لحـظة
ولولا خيال الطيف لم أتـهـجـعفلما أصبح زاد نحيبه وبكاؤه ولم يزل باكي العين حزين القلب ساهر الليل قليل الأكل واستمر على هذه الحالة مدة شهر كامل فلما مضى ذلك الشهر خطر بباله أنه يسافر إلى أخواته لأجل أن يساعدنه على قصده من حصولها فأحضر النجائب ثم حمل خمسين هجينة من تحف العراق وركب واحدة منها ثم أوصى والدته على البيت وأودع جميع حوائجه إلا قليلاً أبقاه في الدار وسار متوجهاً إلى أخواته لعله أن يجد عندهن مساعدة على اجتماع زوجته ولم يزل سائراً حتى وصل إلى قصر البنات في جبل السحاب فلما دخل عليهن قدم إليهن الهدايا ففرحن بها وهنينه بالسلامة وقلن له يا أخانا ما سبب مجيئك بسرعة وما لك غير شهرين فبكى وأنشد هذه الأبيات:
أرى النفس في فكر لفقد حبيبها
فلا تتهنى بالحياة وطـيبـهـا
سقامي داء ليس يعرف طيبـه
وهل يبرئ الأسقام غير طيبها
فيا مانعي طيب المنام تركتنـي
اسائل عنك الريح عند هبوبها
قريبة عهد من حبيبي وقد حوى
محاسن تدعو مقلتي لحبيبهـا
فيا أيها الشخص والملم بأرضه
عسى نفحة تحيا القلوب بطيبها فلما فرغ من شعره صرخ صرخة عظيمة وخر مغشياً عليه وقعدت البنات حوله يبكين عليه حتى أفاق من غشيته فلما أفاق أنشد هذين البيتين:
عسى وأمل الدهر يلوي عنـانـه
ويأتيني بحبيبي والزمان غـيور
ويسعدني دهري فتنقضي حوائجي
وتحصل من بعد الأمور أمـورفلما فرغ من شعره بكى حتى غشي عليه فلما أفاق من غشيته أنشد هذه الأبيات:
أفي العشق والتبريح دنتم كمادنـا
وهل ودنا منكم كما ودكم مـنـا
ألا قاتل الله الـهـوى مـا أمـره
فيا ليت شعري ما يريد الهوى منا
وجوهكم الحسنى وإن شطت النوى
تمثل في أبصارنا أينـمـا كـنـا
فقلبي مشغول بتذكـار حـبـكـم
ويطربني صوت الحمام إذا غنى
ألا يا حـمـامـاً يدعـو ألـيفـه
لقد زدتني شوقاً وأصحبتني حزنا
تركت جفوني لا تمل من البـكـا
على سادة غابوا برؤيتهم عـنـا
أحن إليهـم كـل وقـت سـاعةٍ
وأشتاق في الليل إليهم إذا جـنـافلما سمعت كلامه أخته خرجت إليه فرأته راقداً مغشياً عليه فصرخت ولطمت فسمعها أخواتها فخرجن إليها فرأين حسناً راقداً مغشياً عليه فاحتطن به وبكين عليه ولم يخف عليهن حين رأينه ما حل به من الوجد والهيام والشوق والغرام فسألنه عن حاله فبكى وأخبرهن بما جرى في غيابه حيث طارت زوجته وأخذت أولادها معها فحزن عليها وسألنه عن الذي قالت عندما راحت قال يا أخواتي إنها قالت لوالدتي قولي لولدك إذ جاء وطالت عليه ليالي الفراق واشتهى القرب مني وهزته أرياح المحبة والأشواق فليجئ إلى جزائر واق الواق. فلما سمعن كلامه تغامزن وتذاكرن وصارت كل واحدة تنظر إلى أختها وحسن ينظر إليهن ثم أطرقن رؤوسهن إلى الأرض ساعة وبعد ذلك رفعنها وقلن لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ثم قلن له امدد يدك إلى السماء فان وصلت إلى السماء تصل إلى زوجتك.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الرابعة والخمسين بعد السبعمائة
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 752
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 753
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن البنات لما قلن لحسن امدد يدك إلى السماء فإذا وصلت إليها تصل إلى زوجتك وأولادك جرت دموعه على خديه مثل المطر حتى بلت ثيابه وأنشد هذه الأبيات:
قد هيجتني الخدود الحمـر والـحـدق
وفارق الصبر لـمـا أقـبـل الأرق
بيض نواعم أضنت بالجفـا جـسـدي
لم يبق منه لا يصار الـورى رمـق
جور يميس كغزلان النقـا سـفـرت
عن بهجة لو رآها الأولياء عـلـقـوا
يمشين مثل نسيم الأرض في سـحـر
يعشقهن عـراء الـهـم والـقـلـق
علقت منـهـم آمـالـي بـغـانـية
قلبي لها بلظى الـنـيران يحـتـرق
خدود نـاعـمة الأطـراف مــائسة
في وجهها الصبح وفي شعرها الغسق
قد هيجتني وكم في الحب من نـطـق
قد هيجته جفون البـيض والـحـدقفلما فرغ من شعره بكى وبكت البنات لبكائه وأخذتهن الشفقة والغيرة عليه وصرن به يصبرنه ويقمن له بجميع الضمل فأقبلت عليه أخته وقالت له يا أخي طب نفساً وقر عيناً واصبر تبلغ مرادك فمن صبر نال ما تمنى والصبر مفتاح الفرج فقد قال الشاعر:
دع المقادير تجري في أعنتها
ولا تبيتن إلا خالي الـبـال
ما بين غمضة عين وانتباهتها
يغير الله من حال إلى حالثم قالت له قو قلبك وشدد عزمك فان ابن عشرة لا يموت وهو في التاسعة والبكاء والحزن يمرض ويسقم واقعد عندنا تستريح وأنا أتحيل لك في الوصول إلى زوجتك وأولادك إن شاء الله تعالى وبكى بكاءً شديداً وأنشد هذين البيتين:
لئن عوفيت من مرض بجسمي
فما عوفيت بمرض بقلـبـي
وليس دواء أمراض التصابـي
سوى وصل الحبيب مع المحب ثم جلس إلى جانب أخته وصارت تحدثه وتسليه عن الذي كان سبباً في رواحها فأخبرها عن سبب ذلك فقالت له والله يا أخي إني أردت أن أقول لك أحرق الثوب الريش فإنساني الشيطان ذلك وصارت تحدثه وتلاطفه فلما طال عليه الأمر زاد به القلق وأنشد هذه الأبيات:
تمكن من قلبي حبيب ألـفـتـه
وليس لما قد قدر الله مـدفـع
من العرب قد حاز الملاحة كلها
غزال ولكن في فؤادي يرتـع
لئن عز صبري في هواه وحيلتي
بكيت على أن البكا ليس ينفـع
مليح له سبع وسـبـع كـأنـه
هلالٌ له خمس وخمس وأربـعفلما نظرت أخته إلى ما فيه من الوجد والهيام وتباريح الهوى والغرام قامت إلى أخواتها وهي باكية العين حزينة القلب وبكت بين أيديهن ورمت نفسها عليهن وقبلت أقدامهن وسألتهن مساعدة أخيها على قضاء حاجته واجتماعه بأولاده وزوجته وعاهدتهن على أن يدبرن أمراً يوصله إلى جزائر واق الواق وما زالت تبكي بين يدي أخواتها حتى أبكتهن وقلن لها طيبي قلبك بأننا مجتهدات في اجتماعه بأهله إن شاء الله تعالى ثم إنه قام عندهن سنة كاملة وعينه لم تمسك عن الدموع وكان لأخواتها عم أخو والدهن شقيقه وكان اسمه عبد القدوس وكان يحب البنت الكبيرة محبة كثيرة وكان في كل سنة يزورها مرة واحدة ويقضي حوائجها وكانت البنات قد حدثته بحديث حسن وما وقع له مع المجوس وكيف قدر على قتله ففرح عمهن بذلك ودفع للبنت الكبيرة صرة فيها بخور وقال لها يا بنت أخي إذا أهمك أمراً ونالك مكروه أو عرضت لك حاجة فألق هذا البخور في النار واذكريني فأنا أحضر لك بسرعة وأقضي حاجتك وكان هذا الكلام في أول يوم من السنة.فقالت البنت لبعض أخواتها إن السنة قد مضت بتمامها وعمي لم يحضر قومي اقدحي الزناد وائتني بعلبة البخور فقامت وهي فرحانة وأحضرت علبة البخور وفتحتها وأخذت منها شيء يسير وناولته لأختها فأخذته ورمته في النار وذكرت عمها فما فرغ البخور وإلا غبرة قد ظهرت من صدر الوادي ثم بعد ساعة انكشف الغبار فبان من تحته شيخ راكب على فيل وهو يصيح من تحته فلما نظرته البنات صار يشير إليهن بيديه ورجليه ثم بعد ساعة وصل إليهن فنزل عن الفيل ودخل عليهن فعانقنه وقبلن يديه وسلمن عليه ثم إنه جلس وصارت البنات يتحدثن معه ويسألنه عن غيابه.
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 753
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 754
فقال إني كنت في هذا الوقت جالساً أنا وزوجة عمكن فشممت البخور فحضرت إليكن على هذا الفيل فما تريدين يا بنت أخي? فقالت يا عم إننا اشتقنا إليك وقد مضت السنة وما عادتك أن تغيب عنا أكثر من سنة فقال لهن إني مشغولاً وكنت عزمت على أن أحضر إليكن غداً فشكرنه ودعون له وقعدن يتحدثن معه.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الخامسة والخمسين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن البنات قعدن يتحدثن مع عمهن قالت البنت الكبيرة يا عمي إننا كنا حدثناك بحديث حسن البصري الذي جاء به بهرام المجوسي وكيف قتله وحدثناك بالصبية بنت الملك الأكبر التي أخذها وما قاس من الأمور الصعاب والأهوال وكيف اصطاد بنت الملك وتزوج بها وكيف سافر إلى بلاده قال نعم فما حدث له بعد هذا قالت له إنها غدرت به وقد رزق منها بولدين فأخذتهما وسافرت بهما إلى بلادها وهو غائب وقالت لأمه إذا حضر ولدك وطالت عليه ليالي الفراق وأراد مني القرب والتلاقي به وهزته رياح المحبة والاشتياق فليجئني إلى جزائر واق الواق، فحرك رأسه وعض على إصبعه ثم أطرق رأسه إلى الأرض وصار ينكث في الأرض بإصبعه ثم التفت يميناً وشمالاً وحرك رأسه وحسن ينظره وهو متوار عنه.فقالت البنات لعمهن رد علينا الجواب فقد تفتت منا الأكباد فهز رأسه إليهن وقال لهن يا بناتي لقد أتعب هذا الرجل نفسه ورمى روحه في هول عظيم وخطر جسيم فإنه لا يقدر أن يقبل على جزائر واق الواق فعند ذلك نادت البنات حسناً فخرج إليهن وتقدم الشيخ عبد القدوس وقبل يده وسلم عليه ففرح به وأجلسه بجانبه فقالت البنات لعمهن يا عم بين لأخينا حقيقة ما قلته فقال له يا ولدي اترك عنك هذا العذاب الشديد فإنك لا تقدر أن تصل إلى جزائر واق الواق ولو معك الجن الطيارة والنجوم السيارة لأن بينك وبين الجزائر سبع أودية وسبع بحار وسبع جبال عظام وكيف أن تصل إلى هذا المكان ومن يصلك إليه بالله عليك أن ترجع من قريب ولا تتعب نفسك.فلما سمع حسن كلام الشيخ عبد القدوس بكى حتى غشي عليه وقعدت البنات حوله يبكين لبكائه وأما البنت الصغيرة فإنها شقت ثيابها ولطمت على وجهها حتى غشي عليها فلما رآهم الشيخ عبد القدوس على هذه الحالة من الهم والوجد والحزن رق لهم وأخذته الرأفة عليهم فقال اسكتوا ثم قال لحسن طيب قلبك وأبشر بقضاء حاجتك إن شاء الله تعالى ثم قال يا ولدي قم وشد حيلك واتبعني فقام حسن على حيله بعد أن ودع البنات وتبعه وقد فرح بقضاء حاجته ثم إن الشيخ عبد القدوس استدعى الفيل فحضر فركبه وأردف حسناً خلفه وسار به مدة ثلاثة أيام بلياليها مثل البرق الخاطف حتى وصل جبل عظيم أزرق وفي ذلك الجبل مغارة عليها باب من الحديد الصيني.فأخذ الشيخ بيد حسن وأنزله ثم نزل الشيخ وأطلق الفيل ثم تقدم إلى باب المغارة وطرقه فانفتح الباب وخرج إليه عبد أسود أحرود كأنه عفريت وبيده اليمنى سيف والأخرى ترس من بولاد فلما نظر الشيخ عبد القدوس رمى السيف والترس من يده وتقدم إلى الشيخ عبد القدوس وقبل يده ثم أخذ الشيخ بيد حسن ودخل هو وإياه وقفل العبد الباب خلفهما فرأى حسن المغارة كبيرة واسعة جداً أولها دهليز معقود ولم يزالوا سائرين مقدار ميل ثم انتهى بهم السير إلى فلاة عظيمة وتوجهوا إلى ركن فيه بابان عظيمان مسبوكان من النحاس الأصفر ففتح الشيخ عبد القدوس باباً منهما ودخل ورده وقال لحسن اقعد على هذا الباب واحذر أن تفتحه وتدخل حتى أدخل وأرجع إليك عاجلاً.
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 754
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 755
فلما دخل الشيخ غاب مدة ساعة فلكية ثم خرج ومعه حصان ملجم إن سار طار وإن طار لم يلحقه غبار فقدمه الشيخ لحسن وقال له اركب، ثم إن الشيخ فتح الباب الثاني فبان منه برية واسعة فركب حسن الحصان وخرج الاثنان من الباب وسار في تلك البرية، فقال الشيخ لحسن: يا ولدي خذ هذا الكتاب وسر على الحصان إلى الموضع الذي يوصلك إليه فإذا نظرته وقف على مغارة مثل هذه فانزل عن ظهره وأجعل عنانه في قربوس السرج وأطلقه فإنه يدخل المغارة فلا تدخل معه وقف على باب المغارة مدة خمسة أيام ولا تضجر فإنه في اليوم السادس يخرج إليك شيخ أسود عليه لباس أسود وذقنه طويلة نازلة إلى سرته، فإذا رأيته فقبل يديه وامسك ذيله واجعله على رأسك وابك بين يديه حتى يرحمك فإنه يسألك عن حاجتك فإذا قال لك ما حاجتك فادفع إليه هذا الكتاب فإنه يأخذه منك ولا يكلمك ويدخل ويخليك فقف مكانك خمسة أيام أخرى ولا تضجر، وفي اليوم السادس انتظره فإنه يخرج إليك فإن خرج إليك بنفسه فأعلم أن حاجتك تقضى وإن خرج إليك أحد من غلمانه فأعلم أن الذي خرج إليك يريد قتلك والسلام، وأعلم يا ولدي أن كل من خاطر بنفسه أهلك نفسه.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السادسة والخمسين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الشيخ عبد القدوس لما أعطى حسناً الكتاب أعلمه بما يحصل وقال له إن كل من خاطر بنفسه أهلك نفسه، فان كنت تخاف على نفسك فلا تلقي بها إلى الهلاك وإن كنت لا تخاف فدونك وما تريد فقد بينت لك الأمور، وإن شئت الرواح لصواحبك فهذا الفيل حاضر فانه يسير بك إلى بنات أخي وهن يوصلنك إلى بلادك ويرددنك إلى وطنك ويرزقك الله خيراً من البنت التي تعلقت بها.فقال حسن للشيخ: وكيف تطيب لي الحياة من غير أن أبلغ مرادي، والله إني لا أرجع أبداً حتى أبلغ مرادي من حبيبتي أو تدركني منيتي، ثم بكى وأنشد هذه الأبيات:
على فقد حبي مع تزايد صبـوتـي
وقفت أنـادي بـانـكـسـار وذلة
وقبلت تراب الربع شوقـاً لأجـلـه
ولم يجدني إلا تـزايد حـسـرتـي
رعى الله من باتوا وفي القلب ذكرهم
فوصلت آلامي وفارقـت لـذتـي
يقولون لي صبراً وقد رحـلـوا بـه
وقد أضرموا يوم الترحل زفرتـي
وما راعنـي إلا الـوداع وقـولـه
إذا غبت فاذكرني ولا تنسى صحبتي
لمن ألتجي من أرتجي بعد فقـدهـم
وكانوا رجائي في رخائي وشدتـي
فوا حسرتي لما رجعـت مـودعـاً
وسرت عداي المبغضون برجعتـي
فوا أسفا هذا الذي كـنـت حـاذراً
ويا لوعتي زيدي لهيباً بمهـجـتـي
فإن غاب أحبابي فلا أعيش بعدهـم
وإن رجعوا يا فرحتي ومسـرتـي
فوالله لم ينفض دمعي من الـبـكـا
على فقدهم بل عبرة بعـد عـبـرةفلما سمع الشيخ عبد القدوس إنشاده وكلامه علم أنه لا يرجع عن مراده وأن الكلام لا يؤثر فيه وتيقن أنه لا بد أن يخاطر بنفسه ولو تلفت مهجته فقال: اعلم يا ولدي أن جزائر واق الواق سبع جزائر فيها عسكر عظيم وذلك العسكر كله بنات أبكار وسكان الجزائر الجوانية شياطين ومردة وسحرة وأرهاط مختلفة وكل من دخل أرضهم لا يرجع وما حصل إليهم أحد قط ورجع، فبالله عليك أن ترجع إلى أهلك من قريب وأعلم أن البنت التي قصدتها بنت ملك هذه الجزائر كلها وكيف تقدر أن تصل إليها، فاسمع مني يا ولدي ولعل الله يعوضك خيراً منها.فقال: والله يا سيدي لو قطعت في هواها إرباً إرباً ما ازددت إلا حباً وطرباً ولا بد من رؤية زوجتي وأولادي والدخول في جزائر واق الواق وإن شاء الله ما أرجع إلا بها وبأولادي، فقال له الشيخ عبد القدوس حينئذ: لا بد لك من السفر? فقال نعم وإنما أريد منك الدعاء بالإسعاف والإعانة لعل الله يجمع شملي بزوجتي وأولادي عن قريب، ثم بكى من عظم شوقه وأنشد هذه الأبيات:
أنتم مرادي وأنتم أحسن البشـر
أحلكم في محل السمع والبصر
ملكتم القلب مني وهو منزلكـم
وبعد سادتي أصبحت في كدر
فلا تظنوا انتقالي عن محبتكـم
فحبكم صير المسكين في حذر
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 755
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 756
غبتم فغاب سروري بعد غيبتـكـم
وأصبح الصفو عندي غاية الكدر
تركتموني أراعي النجم مـن ألـمٍ
أبكي بدمع يحاكي هاطل المطر
يا ليل طلت على من بات في قلق
من شدة الوجد يرعى طلعة القمر
إن جزت يا ريح حياً فيه قد نزلوا
بلغ سلامي لهم فالعمر في قصر
وقل لهم بعض ما لاقيت من ألـم
إن الأحبة لا يدرن عن خـبـريفلما فرغ حسن من شعره بكى بكاءً شديداً حتى غشي عليه فلما أفاق قال له الشيخ عبد القدوس يا ولدي إن لك والدة فلا تذقها ألم فقدك فقال حسن للشيخ والله يا سيدي ما بقيت أرجع إلا بزوجتي أو تدركني منيتي ثم بكى وناح وأنشد هذه الأبيات:
وحتى الهوى ما غير البعد عهدكم
وما أنا بمن للـعـهـود يخـون
وعندي من الأشواق ما لو شرحته
إلى الناس قالوا قد عراه جنـون
فوجدٌ وحزنٌ وانتـحـاب لـوعةٍ
ومن حاله هذا فـكـيف يكـونفلما فرغ من شعره علم الشيخ أنه لا يرجع عما هو فيه ولو ذهبت روحه فناوله الكتاب ودعا له وأوصاه بالذي يفعله وقال له قد أكدت لك في الكتاب على أبي الريش ابن بلقيس بنت معين فهو شيخي ومعلمي وجميع الإنس والجن يخضعون له ويخافون منه ثم قال له توجه على بركة الله تعالى فتوجه وقد أرخى عنان الحصان فطار به أسرع من البرق ولم يزل حسن مسرعاً بالحصان مدة عشرة أيام حتى نظر أمامه شبحاً عظيماً أسود من الليل قد سد ما بين المشرق والمغرب فلما قرب حسن منه صهل الحصان تحته فاجتمعت خيول كثيرة مثل المطر لا يحصى لها عدد ولا يعرف لها مدد وصارت تتمسح في الحصان فخاف حسن وفزع.ولم يزل حسن سائراً والخيول حوله إلى أن وصل إلى المغارة التي وصفها له الشيخ عبد القدوس فوقف الحصان على بابها فنزل حسن من فوقه ووضع عنانه في سرجه فدخل الحصان المغارة ووقف حسن على الباب كما أمره الشيخ عبد القدوس وصار متفكراً في عاقبة أمره كيف يكون حيران ولهان لا يعلم الذي يجري له.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السابعة والخمسين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن حسناً لما نزل من فوق ظهر الحصان وقف على باب المغارة متفكراً في عاقبة أمره كيف يكون لا يعلم الذي يجري له ولم يزل واقفاً على باب المغارة خمسة أيام بلياليها وهو سهران حزنان حيران متفكراً حيث فارق الأهل والأوطان والأصحاب والخلان باكي العين حزين القلب ثم إنه تذكر والدته وتفكر فيما يجري له وفي فراق زوجته وأولاده فيما أساد فأنشد هذه الأبيات:
لديكم دواء القلب والقـلـب ذائبٌ
ومن سفح أجفاني دموع سواكب
فراق وحزن واشتـياق وغـربة
وبعد عن الأوطان والشوق غالب
وما أنا إلا عاشـق ذو صـبـابة
ببعد الذي يهدى دهته المصـائب
فإن كان عشقي قد رماني بنكـبة
فأي كريم لم تصبـه الـنـوائبفما فرغ حسن من شعره إلا والشيخ أبو الريش قد خرج له وهو أسود وعليه لباس أسود فلما نظر حسن عرفه بالصفات التي أخبره بها الشيخ عبد القدوس فرمى نفسه عليه ومرغ خديه على قدميه وأمسك ذيله وحطه على رأسه وبكى قدامه فقال الشيخ أبو الريش ما حاجتك يا ولدي فمد يديه بالكتاب وناوله للشيخ أبي الريش فأخذه منه ودخل المغارة لم يرد عليه جواباً فقعد حسن في موضعه على الباب مثل ما قاله الشيخ عبد القدوس وهو يبكي وما زال قاعداً مكانه مدة خمسة أيام وقد ازداد به القلق واشتد به الخوف ولازمه الأرق فصار يبكي ويتضجر من ألم البعاد وكثرة السهاد، ثم أنشد هذه الأبيات:
سبحان جبار السـمـا
أن المحب لفي عنـا
من لم يذق طعم الهوى
لم يدر ما جهد البـلا
لو كنت أحبس عبرتي
لوجدت أنهار الدمـا
كم من صديق قد قسا
قلباً وأولع بالشـقـا
فإذا تعطف لامـنـي
فأقول ما بي من بكا
لكن ذهبـت لأرتـدي
فأصابني عين الردى
بكت الوحوش لوحشتي
وكذلك سكان الهـوى
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 756
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 757
ولم يزل حسن يبكي إلى أن لاح الفجر وإذا بالشيخ أبو الريش قد خرج إليه وهو لابس لباساً أبيض وأومأ إليه بيده أن يدخل فدخل حسن فأخذه الشيخ من يده ودخل به المغارة ففرح وأيقن أن حاجته قد قضيت ولم يزل الشيخ سائراً وحسن معه مقدار نصف نهار ثم وصلا إلى باب مقنطر عليه باب من البولاد ففتح الباب ودخل هو وحسن في دهليز معقود بحجارة من الجزع المنقوش بالذهب ولم يزالا سائرين حتى وصل إلى قاعة كبيرة مرخمة واسعة في وسطها بستان فيه من سائر الأشجار والأزهار والأثمار والأطيار على الأشجار تناغي وتسبح الملك القهار وفي القاعة أربعة لواوين يقابل بعضها بعضاً وفي كل ليوان مجلس فيه فسقية وعلى كل ركن من أركان كل فسقيه صورة سبع من الذهب وفي كل مجلس كرسي وعليه شخص جالس وبين يديه كتب كثيرة جداً وبين أيديهم مجاهر من ذهب فيها آثار وبخور وكل شيخ منهم بين يديه طلبته يقرؤون عليه الكتب.فلما دخلا عليهم قاموا إليهما وعظموهما فأقبل عليهم وأشار لهم أن يصرفوا الحاضرين فصرفهم وقام أربعة مشايخ وجلسوا بين يدي الشيخ أبو الريش وسألوه عن حال حسن فعند ذلك أشار الشيخ أبو الريش إلى حسن وقال له حدث الجماعة بحديثك وبجميع ما جرى لك من أول الأمر إلى آخره فعند ذلك بكى حسن بكاءً شديداً بحديثه.فلما فرغ حسن من حديثه صاحت المشايخ كلهم وقالوا هل هذا هو الذي أطلعه المجوسي إلى جبل السحاب والنسور وهو في جلد الجمل فقال لهم حسن نعم فأقبلوا على الشيخ أبي الريش وقالوا له يا شيخنا إن بهرام نحيل في طلوعه على الجبل وكيف نزل وما الذي وراء فوق الجبل من العجائب فقال الشيخ أبو الريش يا حسن حدثهم كيف نزلت وأخبرهم بالذي رأيته من العجائب فأعاد لهم ما جرى له من أوله إلى آخره وكيف ظفر به وقتله وكيف غدرت به زوجته وأخذت أولاده وطارت وبجميع ما قاساه من الأهوال والشدائد فتعجب الحاضرون مما جرى له أقبلوا على الشيخ أبي الريش وقالوا له يا شيخ الشيوخ والله إن هذا الشاب مسكين فعساك أن تساعده على خلاص زوجته وأولاده.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثامنة والخمسين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن حسناً لما حكى للمشايخ قصته قالوا للشيخ أبي الريش هذا الشاب مسكين فعساك أن تساعده على خلاص زوجته وأولاده فقال لهم الشيخ أبو الريش يا أخواتي إن هذا أمر عظيم خطر وما رأيت أحداً يكره الحياة غير هذا الشاب وأنتم تعرفون أن جزائر واق الواق صعبة الوصول ما وصل إليها أحد إلا خاطر بنفسه وتعرفون قوتهم وأعوانهم وأنا حالف أني ما أدوس لهم أرضاً ولا أتعرض لهم في شيء وكيف يصل هذا إلى بنت الملك الأكبر ومن يقدر أن يوصله إليها أو يساعده على هذا الأمر.فقالوا يا شيخ الشيوخ إن هذا الرجل أتلفه الغرام وقد خاطر بنفسه، وحضر إليك بكتاب أخيك الشيخ عبد القدوس فحينئذ يجب عليك مساعدته فقام حسن وقبل قدم أبي الريش ورفع ذيله ووضعه على رأسه وبكى وقال له سألتك بالله أن تجمع بيني وبين أولادي وزوجتي ولو كان في ذلك ذهاب روحي ومهجتي فبكى الحاضرون لبكائه وقالوا للشيخ أبي الريش اغتنم أجر هذا المسكين وافعل معه جميل لأجل أخيك الشيخ عبد القدوس فقال إن هذا الشاب مسكين ما يعرف الذي هو قادم عليه، ولكن نساعده على قدر الطاقة.ففرح حسن لما سمع كلامه وقبل يديه وقبل أيادي الحاضرين واحداً بعد واحداً وسألهم المساعدة فعند ذلك أخذ أبو الريش ورقة ودواة وكتب كتاباً وختمه وأعطاه لحسن ودفع له خريطة من الآدم فيها بخور وآلات من نار من زناد وغيره وقال له احتفظ على هذه الخريطة ومتى وقعت في شدة فبخر بقليل منه واذكرني فإني أحضر عندك وأخلصك منها ثم أمر بعض الحاضرين أن يحضر له عفريتاً من الجن الطيارة في ذلك الوقت فحضر.
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 757
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 758
فقال له الشيخ ما اسمك قال عبدك دهنش ابن فقطش فقال له أبو الريش: ادن مني فدنا منه فوضع الشيخ أبو الريش فاه على أذن العفريت وقال له: كلاماً فحرك العفريت رأسه ثم قال الشيخ لحسن: يا ولدي قم اركب على كتف هذا العفريت دهنش الطيار، فإذا رفعك إلى السماء، وسمعت تسبيح الملائكة في الجو فلا تسبح فتهلك أنت وهو فقال حسن لا أتكلم أبداً ثم قال له الشيخ يا حسن إذا سار بك فإنه يضعك ثاني يوم في وقت السحر على أرض بيضاء نقية مثل الكافور، فإذا وضعك هناك فامشي عشرة أيام وحدك حتى تصل إلى باب المدينة، فإذا وصلت إليها فادخل واسأل على ملكها، فإذا اجتمعت به فسلم عليه وقبل يده وأعطه هذا الكتاب، ومهما أشار إليك فافهمه.فقال حسن سمعاً وطاعةً وقام مع العفريت وقام المشايخ ودعوا له ووصوا العفريت عليه فلما حمله العفريت على عاتقه ارتفع به إلى عنان السماء ومشى به يوماً وليلة حتى سمع تسبيح الملائكة في السماء، فلما كان الصبح وضعه في أرض بيضاء مثل الكافور وتركه وانصرف فلما أدرك حسن أنه على الأرض ولم يكن عنده أحد، سار في الليل والنهار مدة عشرة أيام إلى أن وصل إلى باب المدينة فدخل وسأل عن الملك فدلوه عليه وقالوا إن اسمه الملك حسون ملك أرض الكافور، وعنده من العسكر والجنود ما يملأ الأرض في طولها والعرض فاستأذن حسن فأذن له فلما دخل عليه وجده ملكاً عظيماً، فقبل الأرض بين يديه.فقال له الملك ما حاجتك فقبل حسن الكتاب وناوله إياه فأخذه وقرأه ثم حرك رأسه ساعة، ثم قال لبعض خواصه: خذ هذا الشاب وأنزله في دار الضيافة، فأخذه وسار حتى أنزله هناك، فأقام بها مدة ثلاثة أيام في أكل وشرب وليس عنده إلا الخادم الذي معه فصار ذلك الخادم يحدثه ويؤانسه ويسأله عن خبره وكيف وصل إلى هذه الديار، فأخبره بجميع ما حصل له وكل ما هو فيه. وفي اليوم الرابع أخذه الغلام وأحضره بين يدي الملك فقال له يا حسن أنت قد حضرت عندي تريد أن تدخل جزائر واق الواق كما ذكر لنا شيخ الشيوخ يا ولدي أنا أرسلك في هذه الأيام إلا أن في طريقك مهالك كثيرة وبراري معطشة كثيرة المخاوف ولكن اصبر ولا يكون إلا خيراً فلا بد أن أتحيل وأوصلك إلى ما تريد إن شاء الله تعالى.واعلم يا ولدي أن هنا عسكراً من الديلم يريدون الدخول في جزائر واق الواق مهيئين بالسلاح والخيل والعدد وما قدروا على الدخول ولكن يا ولدي لأجل شيخ الشيوخ أبي الريش أبي بلقيس بن معن ما أقدر أن أردك إليه إلا مقضي الحاجة، وعن قريب تأتي إلينا مراكب من جزائر واق الواق وما بقي لها إلا القليل فإذا حضرت واحدة منها أنزلتك فيها وأوصي البحرية عليك ليحفظوك ويرسلوك إلى جزائر واق الواق، وكل من سألك عن حالك وخبرك فقل له أنا صهر الملك حسون صاحب الكفور، وإذا رست المركب على جزائر واق الواق وقال لك الريس اطلع البر فاطلع ترى دكاً كثيرة في جميع جهات البر فاختر لك دكة واقعد تحتها ولا تتحرك.فإذا جاء الليل ورأيت عسكر النساء قد أحاط بالبضائع، فمد يدك وامسك صاحبة هذه الدكة التي أنت تحتها واستجر بها، واعلم يا ولدي إذا جارتك قضيت حاجتك فتصل إلى زوجتك وأولادك وإن لم تجرك فاحزن على نفسك وأيأس من الحياة وتيقن هلاك نفسك، واعلم يا ولدي أنك مخاطر بنفسك ولا أقدر لك على شيء غير هذا والسلام.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة التاسعة والخمسين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن حسناً لما قال له الملك حسون هذا الكلام وأوصاه بالذي ذكرناه وقال له أنا لا أقدر لك على شيء غير هذا قال بعد ذلك واعلم أنه لولا عناية رب السماء ما وصلت إلى هنا. فلما سمع حسن كلام الملك حسون بكى حتى غشي عليه فلما أفاق أنشد هذين البيتين:
لا بد من مـدة مـحـتـومة
فإذا انقضت أيامـهـا مـت
لو صارعتني الأسد في غاباتها
لقهرتها مـا دام لـي وقـت
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 758
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 759
فلما فرغ حسن من شعره قبل الأرض بين يدي الملك وقال له أيها الملك العظيم وكم بقي من الأيام حتى تأتي المراكب قال مدة شهر ويمكثون هنا لبيع ما فيها مدة شهرين، ثم يرجعون إلى بلادهم فلا تنتظر سفرك فيها إلا بعد ستة أشهر كاملة ثم إن الملك أمر حسن أن يذهب إلى دار الضيافة وأمر أن يحمل إليه كل ما يحتاج إليه من مأكول ومشروب وملبوس من الذي يناسب الملوك فأقام في دار الضيافة شهراً، وبعد الشهر حضرت المراكب، فخرج الملك والتجار وأخذ حسناً معه إلى المراكب، فرأى مركب فيها خلق كثير مثل الحصى ما يعلم عددهم إلا الذي خلقهم وتلك المركب في وسط البحر، ولها زوارق صغار تنقل ما فيها من البضائع إلى البر فأقام حسن عندهم حتى نزع أهلها البضائع منها إلى البر وباعوا واشتروا، وما بقي للسفر إلا ثلاثة أيام فأحضر حسناً بين يديه وجهز له ما يحتاج إليه وأنعم عليه إنعاماً عظيماً ثم بعد ذلك استدعى رئيس المركب وقال له خذ هذا الشاب معك في المركب ولا تعلم به أحداً وأوصله إلى جزائر واق الواق واتركه هناك ولا تأت به.فقال الريس سمعاً وطاعةً ثم إن الملك أوصى حسناً وقال له لا تعلم أحداً من الذين معك في المركب بشيء من حالك ولا تطلع أحداً على قصتك فتهلك قال سمعاً وطاعةً ثم ودعه بعد أن دعا له بطول البقاء والدوام والنصر على جميع الحساد والأعداء وشكره الملك على ذلك ودعا له بالسلامة وقضاء حاجته ثم سلمه للريس فأخذه وحطه في صندوق وأنزله في قارب، ولم يطلعه في المركب إلا والناس مشغولون في نقل البضائع، وبعد ذلك سافرت المركب ولم تزل مسافرة مدة عشرة أيام.فلما كان اليوم الحادي عشر وصلوا إلى البر فطلعه الريس من المركب فلما طلع من المركب إلى البر ورأى فيه دكاً لا يعلم عددها إلا الله، فمشى حتى وصل إلى دكة ليس لها نظير واختفى تحتها فلما أقبل الليل، جاء خلق كثير من النساء مثل الجراد المنشور وهن ماشيات على أقدامهن وسيوفهن مشهورة في أيديهن ولكنهن غائصات في الزرد فلما رأت النساء البضائع اشتغلن بها ثم بعد ذلك جلسن لأجل الاستراحة فجلست واحدة منهن على الدكة التي تحتها حسن فأخذ حسن طرف ذيلها وحطه فوق رأسه، ورمى نفسه عليها وصار يقبل يديها وقدميها وهو يبكي.فقالت له يا هذا قم واقفاً قبل أن يراك أحد فيقتلك، فعند ذلك خرج حسن من تحت الدكة ونهض قائماً على قدميه وقبل يديها وقال لها يا سيدتي أنا في جيرتك، ثم بكى وقال لها: ارحمي من فارق أهله وزوجته وأولاده وبادر إلى الاجتماع بهم وخاطر بروحه ومهجته، فارحميني وأيقني أنك تؤجرين على ذلك بالجنة، وإن لم تقبليني فأسألك بالله العظيم الستار أن تستري علي.فصار التجار شاخصين له وهو يكلمها، فلما سمعت كلامه ونظرت تضرعه رحمته ورق قلبها إليه وعلمت أنه ما خاطر بنفسه وجاء إلى هذا المكان إلا لأمر عظيم، فعند ذلك قالت لحسن: يا ولدي طب نفساً وقر عيناً وطيب قلبك وخاطرك وارجع إلى مكانك واختف تحت الدكة كما كنت أولاً إلى الليلة الآتية والله يفعل ما يريد، ثم ودعته ودخل حسن تحت الدكة كما كان ثم إن العساكر بتن يوقدون الشموع الممزوجة بالعود الند والعنبر الخام إلى الصباح.فلما طلع النهار رجعت المراكب إلى البر واشتغل التجار بنقل البضائع والأمتعة إلى أن أقبل الليل وحسن مختف تحت الدكة باكي العين حزين القلب ولم يعلم بالذي قدر له في الغيب، فبينما هو كذلك إذ أقبلت عليه المرأة التاجرة التي كان استجار بها وناولته زردية وسيفاً وحياصاً مذهباً ورمحاً ثم انصرفت عنه خوفاً من العسكر، فلما رأى ذلك علم أن التاجرة ما أحضرت له هذه العدة إلا ليلبسها، فقام حسن ولبس الزردية وشد الحياصة على وسطه وتقلد بالسيف تحت إبطه وأخذ الرمح بيده وجلس على تلك الدكة ولسانه لم يغفل عن ذكر الله تعالى بل يطلب منه الستر.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الستين بعد السبعمائة
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 759
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 760
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن حسناً لما أخذ السلاح الذي أعطته إياه الصبية التي استجار بها وقالت له اجلس تحت الدكة ولا تخل أحد يفهم حالك وتقلد به ثم جلس فوق الدكة ولسانه لم يغفل عن ذكر الله تعالى وصار يطلب من الله الستر، فبينما هو جالس إذ أقبلت المشاعل والفوانيس والشموع وأقبلت عساكر النساء واختلط بالعسكر وصار كواحدة منهن، فلما قرب طلوع الفجر توجهت العساكر وحسن معهن حتى وصلن إلى خيامهن ودخلت كل واحدة خيمتها فدخل حسن خيمة واحدة منهن وإذا هي خيمة صاحبته التي كان استجار بها، فلما دخلت خيمتها ألقت سلاحها وقلعت الزردية والنقاب وألقى حسن سلاحه فنظر إلى صاحبتها فوجدها زرقاء العينين كبيرة الأنف وهي داهية من الدواهي أقبح ما يكون في الخلق بوجه أجدر وحاجب أمعط وأسنان مكسرة وخدود معجرة وشعر شائب وفم بالريالة سائل وهي كما قال في مثلها الشاعر:
لها في زوايا الوجه تسع مصائب
فواحدة منهن تبدي جهـنـمـا
بوجه بشـيع ثـم ذات قـبـيحة
كصورة خنزير تراه مرمرمـاوهي بذات معطاء كحية رقطاء، فلما نظرت العجوز إلى حسن تعجبت وقالت: كيف وصل هذا إلى هذه الدار وفي أي المراكب حضر وكيف سلم وصارت تسأله عن حاله وتتعجب من وصوله، فعند ذلك وقع حسن على قدميها ومرغ وجهه على رجليها وبكى حتى غشي عليه، فلما أفاق أنشد هذه الأبيات:
متى الأيام تسمـح بـالـتـلاقـي
وتجمع شملنا بـعـد الـفـراق
وأحظى بالذي أرضـاه مـنـهـم
عتاباً ينقـضـي والـود بـاقـي
لو أن النيل يجري مثـل دمـعـي
لما خلى على الدنـيا شـراقـي
وفاض على الحجاز وأرض مصر
كذلك الشام مع أرض الـعـراق
وذاك لأجل صـدك يا حـبـيبـي
ترفق بي وواعد بـالـتـلاقـيفلما فرغ من شعره أخذ ذيل العجوز ووضعه فوق رأسه وصار يبكي ويستجير بها، فلما رأت العجوز احتراقه ولوعته وتوجعه وكربته حن قلبها إليه وأجارته وقالت له: لا تخف أبدا، ثم سألته عن حاله فحكى لها جميع ما جرى له من المبتدأ إلى المنتهى، فتعجبت العجوز من حكايته وقالت له: طيب قلبك وطيب خاطرك ما بقي عليك خوف وقد وصلت إلى مطلوبك وقضاء حاجتك إن شاء الله تعالى، ففرح حسن بذلك فرحاً شديداً، ثم إن العجوز أرسلت إلى قواد العسكر أن يحضروا وكان ذلك آخر يوم من الشهر، فلما حضروا بين يديها قالت لهم: اخرجوا ونادوا في جميع العسكر أن يخرجوا في غد بكرة النهار ولا يتخلف أحد منهم فإن تخلف أحد راحت روحه فقالوا سمعاً وطاعةً، ثم خرجوا ونادوا في جميع العسكر بالرحيل في غد بكرة النهار ثم عادوا وأخبروها بذلك فعلم حسن أنها رئيسة العسكر وصاحبة الرأي فيه وهي المقدمة عليه.ثم إن حسناً لم يقلع السلاح من فوق بدنه في ذلك النهار وكان اسم تلك العجوز التي هو عندها شواهي وتكنى بأم الدواهي، فما فرغت العجوز من أمرها ونهيها ألا وقد طلع الفجر فخرج العسكر من أماكنه ولم تخرج العجوز معهم، فلما سار العسكر وخلت منه الأماكن قالت شواهي لحسن ادن مني يا ولدي فدنا منها ووقف بين يديها فأقبلت عليه وقالت له: ما السبب في مخاطرتك بنفسك ودخولك إلى هذه البلاد وكيف رضيت نفسك بالهلاك فأخبرني بالصحيح عن جميع شأنك ولا تخبئ عني منه شيئاً ولا تخف فإنك قد صرت في عهدي وقد أجرتك ورحمتك ورثيت لحالك فإن أخبرتني بالصدق أعنتك على قضاء حاجتك ولو كان فيها رواح الأرواح وهلاك الأشباح وحيث وصلت إلي ما بقي عليك بأس ولا أخلي أحداً يصل إليك بسوء أبداً من كل ما في جزائر واق الواق.
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 760
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 761
فحكى لها قصته من أولها إلى آخرها وعرفها بشأن زوجته وبالطيور وكيف اصطادها من بين العشرة وكيف تزوج بها ثم أقام معها حتى رزق منها بولدين وكيف أخذت أولادها وطارت حين عرفت طريق الثوب الريش ولم يخف من حديثه شيئاً من أوله إلى يومه الذي هو فيه فلما سمعت العجوز كلامه حركت رأسها وقالت سبحان الله الذي سلمك وأوصلك إلى هنا، وأوقعك عندي ولو كنت وقعت عند غيري كانت روحك راحت ولم تقض لك حاجة ولكن صدق نيتك ومحبتك وفرط شوقك إلى زوجتك وأولادك هو الذي أوصلك إلى حصول بغيتك ولولا أنك لها محب وبها ولهان ما كنت خاطرت بنفسك هذه المخاطرة والحمد لله على السلامة وحينئذ يجب علينا أن نقضي لك حاجتك ونساعدك على مطلوبك حتى تنال بغيتك عن قريب إن شاء الله تعالى ولكن اعلم يا ولدي أن زوجتك في الجزيرة السابعة من جزائر واق الواق ومسافة ما بيننا وبينها سبعة أشهر ليلاً ونهاراً فإننا نسير من هنا حتى نصل إلى أرض يقال لها أرض الطيور ومن شدة صياح الطيور وخفقان أجنحتها لا يسمع بعضنا كلام بعض.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الواحدة والستين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن العجوز قالت لحسن إن زوجتك في الجزيرة السابعة من جزائر واق الواق، ومسافة ما بيننا وبينها سنة كاملة للراكب المجد في السير، وعلى شاطئ هذا النهر جبل آخر يسمى جبل واق وهذا الاسم علم على شجرة أغصانها تشبه رؤوس بني آدم فإذا طلعت الشمس عليها تصيح تلك الرؤوس جميعاً وتقول في صياحها واق واق سبحان الخلاق، فإذا سمعنا صياحها نعلم أن الشمس قد طلعت، وكذلك إذا غربت الشمس تصيح تلك الرؤوس وتقول في صياحها واق واق سبحان الملك الخلاق فنعلم أن الشمس غربت، ولا يقدر أحد من الرجال أن يقيم عندنا ولا يصل إلينا ولا يطأ أرضنا وبيننا ويبن الملكة التي تحكم على هذه الأرض مسافة شهر من هذا البر وجميع الرعية التي في ذلك البر تحت يد تلك الملكة وتحت يدها أيضاً قبائل الجان المردة والشياطين وتحت يدها من السحرة ما لا يعلم عددهم إلا الذي خلقهم.فإن كنت تخاف أرسلت معك من يوصلك إلى الساحل وأجيء بالذي يحملك معه في مركب ويوصلك إلى بلادك، وإن كان يطيب على قلبك الإقامة معنا فلا أمنعك وأنت عندي في عيني حتى تقضي حاجتك إن شاء الله تعالى فقال حسن: يا سيدتي ما بقيت أفارقك حتى اجتمع بزوجتي أو تذهب روحي. فقالت له: هذا أمر يسير فطيب قلبك وسوف تصل إلى مطلوبك إن شاء الله تعالى، ولا بد أن أطلع الملكة عليك حتى تكون مساعدة لك على بلوغ قصدك، فدعا لها حسن وقبل يديها ورأسها وشكرها على فعلها وفرط مروءتها وسار معها وهو متفكر في عاقبة أمره وأهوال غربته فصار يبكي وينتحب وجعل ينشد هذه الأبيات:
من كان الحب هـب نـسـيم
فتراني من فرط وجدي أهـيم
إن ليل الوصال صبح مضـيء
ونهار الفـراق لـيل بـهـيم
ووداع الحبيب صعـب شـديد
وفراق الأنيس خطب جسـيم
لست أشكـو جـفـاه إلا إلـيه
لم يكن في الورى صديق حميم
وسلوى عنكم محـال فـإنـي
ليس يسلي قلبي عذول ذمـيم
يا وحيد الجمال عشقـي وحـيد
يا عديم المثال قلـبـي عـديم
كل من يدعي المحـبة فـيكـم
ويهاب الملام فهـو مـلـومثم إن العجوز أمرت بدق طبل الرحيل وسار العسكر وسار حسن صحبة العجوز وهو غرقان في بحر الأفكار يتضجر وينشد الأشعار والعجوز تصبره وتسليه وهو لا يفيق ولا يعي لما تقول إليه ولم يزالوا سائرين إلى أن وصلوا إلى جزيرة من الجزائر السبعة وهي جزيرة الطيور فلما دخلوها ظن حسن أن الدنيا قد انقلبت من شدة الصياح وأوجعته رأسه وطاش عقله وعمي بصره وانسدت أذناه وخاف خوفاً شديداً وأيقن بالموت وقال في نفسه إذا كانت هذه أرض الطيور فكيف أرض الوحوش? فلما رأته العجوز المسماة بشواهي على هذه الحالة ضحكت عليه وقالت يا ولدي إذا كان هذا حالك من أول جزيرة فكيف بك إذا وصلت إلى بقية الجزائر، فسأل الله وتضرع إليه وطلب منه أن يعينه على ما بلاه وأن يبلغه مناه ولم يزالوا سائرين حتى قطعوا أرض الطيور وخرجوا منها ودخلوا في أرض الجان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق