السبت، 6 فبراير 2010

143


قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن جلنار البحرية لما سألها الملك شهرمان حكت له قصتها من أولها إلى آخرها، فلما سمع كلامها شكرها وقبلها بين عينيها وقال لها: والله يا سيدتي ونور عيني إني لا أقدر على فراقك ساعة واحدة وإن فارقتيني مت من ساعتي فكيف يكون الحال? فقالت: يا سيدي قد قرب أوان ولادتي ولابد من حضور أهلي لأجل أن يباشروني لأن نساء البر لا يعرفن طريقة ولادة بنات البحر، وبنات البحر لا يعرفن طريقة ولادة بنات البر فإذا حضر أهلي انقلب معهم وينقلبون معي، فقال لها الملك: كيف يمشون في البحر? فقالت: أنا نمشي في البحر كما أنتم تمشون في البر ببركة الأسماء المكتوبة على خاتم سليمان بن داود عليه السلام، ولكن أيها الملك إذا جاء أهلي وإخوتي فإني أعلمهم أنك اشتريتني بمالك وفعلت معي الجميل والإحسان فينبغي أن تصدق كلامي عندهم ويشاهدون حالك بعيونهم ويعلمون أنك ملك ابن ملك فعند ذلك قال الملك: يا سيدتي افعلي ما بدا لك مما تحبين فإني مطيع لك في جميع ما تفعلينه فقالت الجارية: اعلم يا ملك الزمان أنا نسير في البحر وعيوننا مفتوحة وننظر ما فيه وننظر الشمس والقمر والنجوم والسماء كأننا على وجه الأرض ولا يضرنا ذلك واعلم أيضاً أن في البحر طوائف كثيرة وأشكالاً مختلفة من سائر الأجناس التي في البر، واعلم أيضاً أن جميع ما في البر بالنسبة لما في البحر شيء قليل جداً، فتعجب الملك من كلامها ثم إن الجارية أخرجت من كتفها قطعتين من العود القماري، وأخذت منه جزءاً وأوقدت مجمرة النار وألقت ذلك الجزء فيها وصفرت صفرة عظيمة وجعلت تتكلم بكلام لا يفهمه أحد فطلع دخان عظيم والملك ينظر، ثم قالت للملك: يا مولاي قم واختف في مخدع حتى أريك أخي وأمي وأهلي من حيث لا يرونك فإني أريد أن أحضرهم وتنظر في هذا المكان في هذا الوقت فقام الملك من وقته وساعته ودخل مخدعاً وصار ينظر ما تفعل، فصارت تبخر وتعزم إلى أن أزبد البحر واضطرب وخرج منه شاب مليح الصورة بهي المنظر كأنه البدر في تمامه بجبين أزهر وخد أجمر وشعر كأنه الدر والجوهر، وهو أشبه بأخته ولسان الحال في حقه ينشد هذين البيتين:
البدر يكمل كل شهـر مـرة

وجمال وجهك كل يوم يكمل
وحلوله في قلب برج واحـد

ولك القلوب جميعهن المنزل
ثم خرجت من البحر عجوز شمطاء.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الواحدة والتسعين بعد الستمائة






ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 684





Haut du formulaire
Bas du formulaire
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 685

قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن جلنار لما صفرت خرج من البحر أخوها وعجوز معها خمس جوار كأنهن الأقمار وعليهن شبه من الجارية التي اسمها جلنار ثم إن الملك رأى الشاب والعجوز والجواري يمشين على وجه الماء حتى قدموا على الجارية فلما قربوا من الشباك ونظرتهم جلنار قامت لهم وقابلتهم بالفرح والسرور، فلما رأوها عرفوها ودخلوا عندها وعانقوها وبكوا بكاء شديداً ثم قالوا لها: يا جلنار كيف تتركيننا أربع سنين ولم نعلم الذي أنت فيه والله إنها ضاقت علينا الدنيا من شدة فراقك ولا نلتذ بطعام ولا شراب يوماً من الأيام ونحن نبكي بالليل والنهار من فرط شوقنا إليك ثم إن الجارية صارت تقبل يد الشاب أخيها ويد أمها وكذلك بنات عمها جلسوا عندها ساعة وهم يسألونها عن حالها وما جرى لها وعما هي فيه. فقالت لهم: اعلموا أني لما فارقتكم وخرجت من البحر جلست على طرف جزيرة، فأخذني رجل وباعني لرجل تاجر فأتى بي التاجر إلى هذه المدينة وباعني لملكها بعشرة آلاف دينار، ثم إنه احتفل بي وترك جميع سراريه ونسائه ومحاظيه من أجلي واشتغل بي عن جميع ما عنده وما في مدينته، فلما سمع أخوها كلامها قال: الحمد لله الذي جمع شملنا بك لكن قصدي يا أختي أن تقومي وتروحي معنا إلى بلادنا وأهلنا، فلما سمع الملك كلام أخيها طار عقله خوفاً على الجارية أن تقبل كلام أخيها ولا يقدر هو أن يمنعها مع أنه مولع بها بحبها فصار متحيراً شديد الخوف من فراقها. وأما الجارية جلنار فلما سمعت كلام أخيها قالت: والله يا أخي إن الرجل الذي اشتراني ملك هذه المدينة وهو ملك عظيم ورجل عاقل كريم جيد في غاية الجود وقد أكرمني وهو صاحب مروءة ومال كثير، وليس له ولد ذكر ولا أنثى وقد أحسن إلي وصنع معي كل خير ومن يوم ما جئته إلى هذا الوقت، ما سمعت منه كلمة رديئة تسوء خاطري، ولم يزل يلاطفني ولا يفعل شيئاً إلا بمشاورتي وأنا عنده في أحسن الأحوال وأتم النعم، وأيضاً متى فارقته يهلك فإنه لا يقدر على فراقي أبداً ولا ساعة واحدة، وإن فارقته أنا الأخرى مت من شدة محبتي إياه بسبب فرط إحسانه لي مدة إقامتي عنده، فإنه لو كان أبي حياً ما كان لي مقام عنده مثل مقامي عند هذا الملك العظيم الجليل المقدار وقد رأيتموني حاملة منه، والحمد لله الذي جعلني بنت ملك البحر وزوجي أعظم ملوك البر، ولم يقطع الله تعالى بي وعوضني خيراً.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثانية والتسعين بعد الستمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن جلنار البحرية لما حكت لأخيها جميع حكايتها وقالت: إن الله تعالى لم يقطع بي وعوضني خيراً، وإن الملك ليس له ذكر ولا أنثى، واطلب من الله تعالى أن يرزقني بولد ذكر والقصور والأملاك فلما سمع أخوها وبنات عمها كلامها قرت أعينهن بذلك الكلام وقالوا لها: يا جلنار أنت تعلمين منزلتك عندنا وتعرفين محبتنا إياك وتحققين أنك أعز الناس جميعاً عندنا وتعتقدين أن قصدنا لك الراحة من غير مشقة ولا تعب، فإن كنت في غير راحة فقومي معنا إلى بلادنا وأهلنا، وإن كنت مرتاحة هنا في معزة وسرور فهذا هو المراد والمنى لأننا لا نريد إلا راحتك على كل حال، فقالت جلنار: والله إني في غاية الراحة والهناء والعز والمنى.





ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 685





Haut du formulaire
Bas du formulaire
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 686

فلما سمع الملك منها ذلك الكلام، فرح واطمأن قلبه وشكرها على ذلك وازداد فيها حباً ودخل حبها في صميم قلبه، وعلم منها أنها تحبه كما يحبها وأنها تريد القعود عنده حتى يرى ولده منها، ثم إن الجارية التي هي جلنار البحرية أمرت جواريها أن يقدمن الموائد والطعام من سائر الألوان، وكانت جلنار هي التي باشرت الطعام في المطبخ، فقدمت لهن الجواري الطعام والحلويات والفواكه، ثم إنها أكلت هي وأهلها وبعد ذلك قالوا لها: يا جلنار إن سيدك رجل غريب منا وقد دخلنا بيته من غير اذنه ولم يعلم بنا وأنت تشكرين لنا فضله، وأيضاً أحضرت لنا طعامنا فأكلنا ولم نجتمع به ولم نره ولم يرنا، ولا حضرنا ولا أكل معنا حتى يكون بيننا وبينه خبز وملح وامتنعوا كلهم من الأكل واغتاظوا عليها وصارت النار تخرج من أفواههم كالمشاعل، فلما رأى الملك ذلك طار عقله من شدة الخوف منهم ثم إن جلنار قامت إليهم وطيبت خواطرهم ثم بعد ذلك تمشت إلى أن دخلت المخدع الذي فيه الملك سيدها وقالت: يا سيدي هل رأيت وسمعت شكري فيك وثنائي عليك عند أهلي وسمعت ما قالوه لي من أنهم يريدون أن يأخذوني إلى أهلي وبلادي، فقال لها الملك: سمعت ورأيت وجزاك الله عني خيراً، والله ما علمت قدر محبتي عندك إلا في هذه الساعة المباركة ولم أشك في محبتك إياي، فقالت له: سيدي ما جزاء الإحسان إلا الإحسان وأنت قد أحسنت إلي وتكرمت علي بجلائل النعم وأراك تحبني غاية المحبة وعملت معي كل جميل واخترتني على جميع من تحب وتزيد فكيف يطيب قلبي على فراقك والرواح من عندك وكيف يكون ذلك وأنت تحسن وتتفضل علي فأريد من فضلك أن تأتي وتسلم على أهلي وتراهم ويروك ويحصل الصفاء والود بينكم ولكن اعلم يا ملك الزمان أن أخي وأمي وبنات عمي قد أحبوك محبة عظيمة لما شكرتك لهم، وقالوا: ما نروح إلى بلادنا من عندك حتى نجتمع بالملك ونسلم عليه، فيريدون أن ينظروك ويأتنسوا بك فقال الملك لها سمعاً وطاعة فإن هذا هو مرادي ثم إنه قام من مقامه وسار إليهم وسلم عليهم بأحسن سلام، فبادروا إليه بالقيام وقابلوه أحسن مقابلة فجلس معهم في القصر وأكل معهم على المائدة وأقام معهم مدة ثلاثين يوماً، ثم بعد ذلك أرادوا التوجه إلى بلادهم ومحلهم فأخذوا بخاطر الملك والملكة جلنار البحرية، ثم ساروا من عندهما بعد أن أكرمهم الملك غاية الإكرام وبعد ذلك استوفت جلنار أيام حملها وجاء أوان الوضع فوضعت غلاماً كأنه البدر في تمامه، فحصل للملك بذلك غاية السرور لأنه ما رزق بولد ولا بنت في عمره فأقاموا الأفراح والزينة مدة سبعة أيام، وهم في غاية السرور والهناء، وفي اليوم السابع حضرت أم الملكة جلنار وأخوها وبنات عمها الجميع لما علموا أن جلنار قد وضعت.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثالثة والتسعين بعد الستمائة






ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 686





Haut du formulaire
Bas du formulaire
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 687

قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن جلنار لما وضعت وجاء إليها أهلها قابلهم الملك وفرح بقدومهم وقال لهم: أنا قلت ما أسمي ولدي حتى تحضروا وتسموه أنتم بمعرفتكم فسموه بدر باسم واتفقوا جميعاً على هذا الاسم، ثم إنهم عرضوا الغلام على خاله صالح، فحمله على يديه وقام به من بينهم وتمشى في القصر يميناً وشمالاً ثم خرج به من القصر ونزل به البحر المالح ومشى حتى اختفى عن عين الملك فلما رآه الملك أخذ ولده وغاب عنه في قاع البحر يئس منه وصار يبكي وينتحب، فلما رأته جلنار على هذه الحالة قالت له: يا ملك الزمان لا تخف ولا تحزن على ولدك فأنا أحب ولدي أكثر منك وإن ولدي مع أخي فلا تبال من البحر ولا تخشى عليه من الغرق، ولو علم أخي أنه يحصل للصغير ضرر ما فعل الذي فعله به وفي هذه الساعة يأتيك بولدك سالماً إن شاء الله تعالى فلم يكن غير ساعة إلا والبحر قد اختبط واضطرب وطلع منه خال الصغير ومعه ابن الملك سالماً، وطار من البحر إلى أن وصل إليهم والصغير على يديه وهو ساكت ووجهه كالقمر في ليلة تمامه ثم إن خال الصغير نظر إلى الملك وقال له: لعلك خفت على ولدك من ضرر الماء لما نزلت به في البحر وهو معي فقال الملك: نعم يا سيدي خفت عليه وما ظننت أنه يسلم منه قط، فقال له: يا ملك البر إنا كحلناه بكحل نعرفه وقرأنا عليه بالأسماء المكتوبة على خاتم سليمان بن داود عليه السلام فإن المولود إذا ولد عندنا صنعنا به ما ذكرت لك فلا تخف عليه من الغرق ولا الخنق ولا من سائر البحار إذا نزل فيها ومثل ما تمشون أنتم في البر نمشي نحن في البحر ثم أخرج من جيبه محفظة مكتوبة ومختومة ففض ختامها ونثرها فنزل منها جواهر منظومة من سائر أنواع اليواقيت والجواهر، وثلاثمائة قضيب من الزمرد، قصبة من الجواهر الكبار التي هي قدر بيض النعام نورها أضوأ من نور الشمس والقمر وقال: يا ملك الزمان هذه الجواهر واليواقيت هدية مني إليك لأننا ما أتيناك بهدية قط وما نعلم موضع جلنار ولا تعرف لها أثراً ولا خبراً، فلما رأيناك اتصلت بها وقد صرنا كلنا شيئاً واحداً أتيناك بهذه الهدية وبعد كل قليل من الأيام نأتيك بمثلها إن شاء الله تعالى لأن هذه الجواهر واليواقيت عندنا أكثر من الحصى في البر، ونعرف جيدها ورديئها وجميع طرقها وموضعها، وهي سهلة علينا.فلما نظر الملك إلى تلك الجواهر واليواقيت اندهش عقله وطار لبه وقال: إن جوهرة من هذه الجواهر تعادل ملكي، ثم إن الملك شكر فضل صالح البحري ونظر إلى الملكة جلنار.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الرابعة والتسعين بعد الستمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك شكر صالح البحري ونظر إلى الملكة جلنار وقال لها: أنا استحيت من أخيك لأنه تفضل علي وهداني هذه الهدية السنية التي يعجز عنها أهل الأرض فشكرته جلنار وأخاها على ما فعل فقال أخوها: يا ملك الزمان إن لك علينا حقاً قد سبق، وشكرك علينا قد وجب، لأنك قد أحسنت إلى أختي ودخلنا إلى منزلك وأكلنا زادك وقد قال الشاعر:
فلو قبل مبكاها بكيت صبـابة

بعدي شفيت النفس قبل التندم
ولكن بكت قبلي فهيج لي البكا

بكاها فقلت الفضل للمتقـدم
ثم قال صالح: ولو وقفنا في خدمتك يا ملك الزمان ألف سنة على وجوهنا ما قدرنا أن نكافئك وكان ذلك في حقك قليلاً فشكره الملك شكراً بليغاً وأقام صالح عند الملك وأمه وبنات عمه أربعين يوماً ثم إن صالحاً أخا جلنار قام وقبل الأرض بين يدي الملك زوج أخته، فقال له: ما تريد يا صالح? فقال صالح: يا ملك الزمان قد تفضلت علينا، ومرادي من إحسانك أن تتصدق علينا وتعطينا إذناً فإذا اشتقنا إلى وبلادنا وأقاربنا وأوطاننا ونحن ما بقينا نتقطع عن خدمتك ولا عن أختي ولا عن ابن أختي فوالله يا ملك الزمان ما يطيب لقلبي فراقكم، ولكن كيف العمل ونحن قد تربينا في البحر وما يطيب لنا البر?





ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 687





Haut du formulaire
Bas du formulaire
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 688

فلما سمع الملك كلامه نهض قائماً على قدميه وودع صالحاً البحري وأمه وبنات عمه وتباكوا للفراق ثم قالوا له: عن قريب نكون عندكم ولا نقطعكم أبداً وبعد كل قليل من الأيام نزوركم، ثم إنهم طاروا وقصدوا البحر حتى صاروا فيه وغابوا عن العين فأحسن الملك إلى جلنار وأكرمها إكراماً زائداً ونشأ الصغير منشأً حسناً وصار خاله وجدته وبنات عم أمه وبعد كل قليل من الأيام يأتون محل الملك ويقيمون عنده الشهر والشهرين ثم يرجعون إلى أماكنهم ولم يزل الولد يزداد بزيادة السن حسناً وجمالاً إلى أن صار عمره خمسة عشر عاماً وكان فريداً في كماله وقده واعتداله وقد تعلم الخط والقراءة والأخبار والنحو واللغة والرمي بالنشاب وتعلم اللعب بالرمح وتعلم الفروسية وسائر ما يحتاج إليه أولاد الملوك، ولم يبق أحد من أولاد أهل المدينة من الرجال والنساء إلا وله حديث بمحاسب ذلك الصبي، لأنه كان بارع الجمال والكمال متصفاً بمضمون قول الشاعر:
كتب العذارى بعنبر فـي لـؤلـؤ

سطرين من سبح علـى تـفـاح
القتل في الحدق المراض إذا رنت

والسكر في الوجنات لا في الراح
فكان الملك يحبه محبة عظيمة ثم إن الملك أحضر الوزراء والأمراء وأرباب الدولة وأكابر المملكة وحلفهم الأيمان الوثيقة أنهم يجعلون بدر باسم ملكاً عليهم بعد أبيه فحلفوا له الأيمان الوثيقة وفرحوا بذلك فاتفق أن والد الولد بدر باسم مرض يوماً من الأيام فخفق قلبه وأحس بالانتقال إلى دار البقاء، ثم ازداد به المرض حتى أشرف على الموت، فأحضر ولده ووصاه بالرعية ووصاه بوالدته وبسائر أرباب دولته وبجميع الأتباع، وحلفهم وعاهدهم على طاعة ولده ثاني مرة واستوثق منهم بالأيمان، ثم مكث بعد ذلك أياماً قلائل وتوفي إلى رحمة الله تعالى فحزن عليه ولده بدر باسم وزوجته جلنار والأمراء والوزراء وأرباب الدولة وعملوا له تربة ودفنوه فيها ثم إنهم قعدوا في عزائه شهراً كاملاً وأتى صالح أخو جلنار وأمها وبنات عمها وعزوهم بالملك وقالوا: يا جلنار إن كان الملك مات فقد خلف هذا الغلام الماهر ومن خلف مثله ما مات وهذا هو العديم النظير الأسد الكاسر.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الخامسة والتسعين بعد الستمائة






ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 688





Haut du formulaire
Bas du formulaire
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 689

قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن أخا جلنار صالحاً وأمه وبنات عمها قالوا لها: إن كان الملك قد مات فقد خلف هذا الغلام العديم النظير الأسد الكاسر والقمر الزاهر ثم إن أرباب الدولة والأكابر دخلوا على الملك بدر باسم وقالوا له: يا ملك لا بأس بالحزن على الملك ولكن الحزن لا يصلح إلا للنساء، فلا تشغل خاطرك وخاطرنا بالحزن على والدك فإنه قد مات وخلفك، ومن خلف مثلك ما مات ثم إنهم لاطفوه وسلوه وبعد ذلك أدخلوه الحمام فلما خرج من الحمام لبس بدلة فاخرة منسوجة بالذهب مرصعة بالجواهر والياقوت، ووضع تاج الملك على رأسه، وجلس على سرير ملكه وقضى أشغال الناس وأنصف الضعيف من القوي وأخذ للفقير حقه من الأمير، فأحبه الناس حباً شديداً ولم يزل كذلك مدة سنة كاملة وبعد كل مدة قليلة تزوره أهله البحرية فطاب عيشه وقربت عينه ولم يزل على هذه الحالة مدة مديدة فاتفق أن خاله دخل ليلة من الليالي على جلنار وسلم عليها، فقامت له وعانقته وأجلسته إلى جانبها وقالت له: يا أخي كيف حالك وحال والدتي وبنات عمي? فقال لها: يا أختي إنهم طيبون بخير وحظ عظيم وما ينقص عليهم إلا النظر إلى وجهك ثم إنها قدمت له شيئاً من الطعام فأكل ودار الحديث بينهما، وذكروا الملك بدر باسم وحسنه وجماله وقده واعتداله وفروسيته وعقله وأدبه، وكان الملك بدر باسم متكئاً، فلما سمع أمه وخاله يذكرانه ويتحدثان في شأنه أظهر أنه نائماً وصار يسمع حديثهما. فقال صالح لأخته جلنار: إن عمر ولدك سبعة عشر عاماً ولم يتزوج وبخاف أن يجري له أمر ولا يكون له ولداً، فأريد أن أزوجه بملكة من ملكات البحر تكون في حسنه وجماله، فقالت جلنار: اذكرهن لي فإني أعرفهن فصار يعدهن لها واحدة بعد واحدة وهي تقول: ما أرضى هذه لولدي ولا أزوجه إلا بمن تكون مثله في الحسن والجمال والعقل والأدب والمروءة والملك والحسب والنسب، فقال لها: ما بقيت أعرف واحدة من بنات الملوك البحرية وقد عددت لك أكثر من مائة بنت وأنت ما يعجبك واحدة منهن ولكن انظري يا أختي هل ابنك نائم أو لا? فجسته فوجدت عليه آثار النوم، فقالت له: إنه نائم فما عندك من الحديث وما قصدك بنومه? فقال لها: يا أختي اعلمي أني قد تذكرت بنتاً من بنات ملوك البحر تصلح لابنك وأخاف أن أذكرها فيكون ولدك منتبهاً فيتعلق قلبه بمحبتها وربما لا يمكننا الوصول إليها، فيتعب هو ونحن وأربا دولته ويصير لنا شغل بذلك وقد قال الشاعر:
العشق أول ما يكون مجاجة

فإذا تحكم صار بحراً واسعا
فلما سمعت أخته كلامه.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السادسة والتسعين بعد الستمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن أخت صالحاً لما سمعت كلامه قالت له: قل لي ما شأن هذه البنت واما اسمها? فأنا أعرف بنات البحر من ملوك وغيرهم فإذا رأيتها تصلح له خطبتها من أبيها ولو أني صرفت جميع ما تملكه يدي عليها فأخبرني بها ولا تخشى شيئاً فإن ولدي نائم، فقال لها: أخاف أن يكون يقظان وقد قال الشاعر:
عشقته عندما أوصافه ذكرت

والأذن تعشق قبل العين أحيانا
فقالت له جلنار: قل وأوجز ولا تخف يا أخي فقال: والله يا أختي ما يصلح لابنك إلا الملكة جوهرة بنت الملك السمندل وهي مثله في الحسن والجمال والبهاء والكمال، ولا يوجد في البحر ولا في البر ألطف ولا أحلى شمائل منها لأنها ذات حسن وجمال وقد وخد أحمر وجبين أزهر وشعر كأنه الجوهر وطرف أحور وردف ثقيل وخصر نحيل ووجه جميل إن التفت تخجل المها والغزلان، وإن خطرت يغار منها غصن البان، وإذا سفرت تخجل الشمس والقمر وتسبي كل من نظر، عذبة المراشف لينة المعاطف، فلما سمعت كلام أخيها قالت له: صدقت يا أخي والله إني رأيتها مراراً عديدة وكانت صاحبتي ونحن صغار وليس لنا اليوم معرفة ببعضنا لموجب البعد ولي اليوم ثمانية عشر عاماً ما رأيتها والله ما يصلح لولدي إلا هي، فلما سمع بدر باسم كلامهما وفهم ما قالاه من أوله إلى آخره في وصف البنت التي ذكرها خاله صالح وهي جوهرة بنت الملك السمندل عشقها بالسماع، وأظهر لهم أنه نائم وصار في قلبه من أجلها لهيب النار وغرق في بحر لا يدرك له ساحل ولا قرار.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السابعة والتسعين بعد الستمائة






ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 689





Haut du formulaire
Bas du formulaire
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 690

قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك بدر باسم لما سمع كلام خاله صالح وأمه جلنار في وصف بنت الملك السمندل صار في قلبه من أجلها لهيب النار وغرق في بحر لا يدرك له ساحل ولا قرار ثم إن صالحاً نظر إلى أخته جلنار وقال: والله يا أختي ما في ملوك البحر أحمق من أبيها ولا أقوى سلطة منه فلا تعلمي ولدك بحديث هذه الجارية حتى نخطبها له من أبيها فإن أنعم بإجابتها حمدنا الله تعالى وإن ردنا ولم يزوجها لابنك فنستريح ونخطب غيرها، فلما سمعت جلنار كلام أخيها صالح قالت: نعم الرأي الذي رأيته، ثم إنهما سكتا وباتا تلك الليلة، والملك بدر باسم في قلبه لهيب النار من عشق الملكة جوهرة وكتم حديثه ولم يقل لأمه ولا لخاله شيئاً عن خبرها مع أنه صار من حبها على مقالي الجمر فلما أصبحوا دخل الملك هو وخاله الحمام واغتسلا، ثم خرجا وشربا الشراب وقدموا بين أيديهم الطعام فأكل الملك بدر باسم وأمه وخاله حتى اكتفوا ثم غسلوا أيديهم وبعد ذلك قام صالح على قدميه وقال للملك: بدر باسم وأمه جلنار: عن إذنكما قد عزمت على الرواح إلى الوالدة فإن لي عندكم مدة وخاطرهم مشغول علي وهم في انتظاري، فقال الملك بدر باسم لخاله صالح: اقعد عندنا هذا اليوم فامتثل لكلامه ثم إنه قال لك قم بنا يا خال واخرج بنا إلى البستان وصارا يتفرجان ويتنزهان، فجلس الملك بدر باسم تحت شجرة مظلة وأراد أن يستريح وينام، فتذكر ما قاله خاله صالح من وصف الجارية وما فيها من الحسن والجمال، فبكى بدموع غزار وأنشد هذين البيتين:
لو قيل لي ولهيب النـار مـتـقـد

والنار في القلب والأحشاء تضطرم
أهم أحب إليك أن تـشـاهـدهـم

أم شربة من زلال الماء قلت لهـم
ثم شكى وأن وبكى وأنشد هذين البيتين:
من مجيري من عشق ظبية أنس

ذات وجه كالشمس بل هو أجمل
كان قلبي من حبها مستـريحـا

فتلظى بحب بنت السـمـنـدل
فلما سمع خاله صالح مقاله دق يداً على يد وقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ثم قال: هل سمعت يا ولدي ما تكلمت به أنا وأمك من حديث الملكة جوهرة وذكرنا لأوصافها? فقال بدر باسم، نعم يا خال وعشقتها على السماع حين سمعت ما قلتم من الكلام، فلما سمع صالح كلام ابن أخته حار في أمره وقال: استعنت بالله تعالى على كل حال ثم إن خاله صالحاً لما رآه على هذه الحالة وعلم أنه لا يحب أن يرجع إلى أمه بل يروح معه وأخرج من إصبعه خاتماً منقوشاً عليه أسماء من أسماء الله تعالى وناول الملك بدر باسم إياه وقال له: اجعل هذا في إصبعك تأمن من الغرق ومن غيره ومن شر دواب البحر وحيتانه فأخذ الملك بدر باسم الخاتم من خاله صالح وجعله في إصبعه ثم إنهما غطسا في البحر.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثامنة والتسعين بعد الستمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك بدر باسم وخاله صالحاً لما غطسا في البحر وسارا ولم يزالا سائرين حتى وصلا إلى قصر صالح فدخلاه فرأته جدته أم أمه وهي قاعدة وعندها أقاربها فلما دخلا عليهم قبلا أيديهم فلما رأته جدته قامت إليه واعتنقته وقبلته بين عينيه وقالت له: قدوم مبارك يا ولدي كيف خلفت أمك جلنار? قال لها: طيبة بخير وعافية وهي تسلم عليك وعلى بنات عمها، ثم إن صالحاً أخبر أمه بما وقع بينه وبين أخته جلنار وأن الملك بدر باسم عشق الملكة جوهرة بنت الملك السمندل على السماع وقص لها القصة من أولها إلى آخرها وقال: إنه ما أتى إلا ليخطبها.فلما سمعت جدة الملك بدر باسم كلام صالح اغتاظت عليه غيظاً شديداً وانزعجت واغتمت وقالت له: يا ولدي لقد أخطأت بذكر الملكة جوهرة بنت السمندل قدام ابن أختك لأنك تعلم أن الملك السمندل أحمق جبار قليل العقل شديد السطوة بخيل بابنته جوهرة على خطابها فإن سائر ملوك البحر خطبوها منه فأبى ولم يرض بأحد منهم بل ردهم، وقال لهم: ما أنتم أكفاء لها في الحسن والجمال ولا في غيرهما ونخاف أن نخطبها من أبيها فيردنا كما رد غيرنا ونحن أصحاب مروءة فنرجع مكسورين الخاطر.





ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 690





Haut du formulaire
Bas du formulaire
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 691

فلما سمع صالح كلام أمه قال لها: يا أمي كيف يكون العمل، فإن الملك بدر باسم قد عشق هذه البنت لما ذكرتها لأختي جلنار وقال: لابد أن أخطبها من أبيها ولو بذل جميع ملكه وزعم أنه إن لم يتزوج بها يموت فيها عشقاً وغراماً، ثم إن صالحاً قال لأمه: اعلمي أن ابن أختي أحسن وأجمل منها وأن أباه كان ملك العجم بأسره وهو الآن ملكهم، ولا تصلح جوهرة إلا له وأخطبها منه فإن احتج بأنه ملك فهو أيضاً ملك ابن ملك وإن احتج علينا بالجمال فهو أجمل منها وإن احتج علينا بسعة المملكة فهو أوسع مملكة منها ومن أبيها وأكثر أجناداً وأعواناً فإن ملكه أكبر من ملك أبيها ولابد أن أسعى في قضاء حاجة ابن أختي ولو أن روحي تذهب لأني كنت سبب هذه القضية مثل ما رميته في بحار عشقها أسعى في زواجه بها والله تعالى يساعدني على ذلك، فقالت له أمه: افعل ما تريد وإياك أن تغلط عليه بالكلام إذا كلمته فإنك تعرف حماقته وسطوته وأخاف أن يبطش بك لأنه لا يعرف قدر أحد فقال لها: السمع والطاعة ثم إنه نهض وأخذ معه جرابين ملآنين من الجواهر واليواقيت وقضبان الزمرد ونفائس المعادن من سائر الأحجار وحملها لغلمانه وسار بهم هو وابن أخته إلى قصر الملك السمندل، واستأذن في الدخول عليه فأذن له فلما دخل قبل الأرض بين يديه وسلم بأحسن سلام، فلما رآه الملك السمندل قام إليه وأكرمه غاية الإكرام وأمره بالجلوس فجلس فلما استقر به الجلوس، قال له الملك: قدوم مبارك أوحشتنا يا صالح ما حاجتك حتى أنك أتيت إلينا? فأخبرني بحاجتك حتى أقضيها لك، فقام صالح وقبل الأرض ثاني مرة وقال: يا ملك الزمان حاجتي إلى الله وإلى الملك الهمام والأسد الضرغام الذي بمحاسن ذكره سارت الركبان وشاع خبره في الأقاليم والبلدان بالجود والإحسان والعفو والصفح والامتنان ثم إنه فتح الجرابين وأخرج منهما الجواهر وغيرها ونشرها قدام الملك السمندل، وقال له: يا ملك الزمان عساك تقبل هديتي وتتفضل علي وتجبر قلبي بقبولها مني.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة التاسعة والتسعين بعد الستمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن صالحاً قدم الهدية إلى الملك السمندل وقال له: القصد من الملك أن يتفضل علي ويجبر قلبي بقبولها مني، قال له الملك السمندل: لأي سبب أهديت لي هذه الهدية? قل لي قصتك وأخبرني بحاجتك فإن كنت قادراً على قضائها قضيتها لك في هذه الساعة ولا أحوجك إلى تعب وإن كنت عاجزاً عن قضائها فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فقام وقبل الأرض ثلاث مرات وقال: يا ملك الزمان إن حاجتي أنت قادر على قضائها وهي تحت حوزتك وأنت مالكها، ولم أكلف الملك مشقة ولم أكن مجنوناً حتى أخاطب الملك في شيء لا يقدر عليه فبعض الحكماء قال: إذا أردت أن تطاع فسل ما يستطاع فأما حاجتي التي جئت في طلبها فإن الملك حفظه الله قادر عليها، فقال له الملك: اسأل حاجتك واشرح قصتك واطلب مرادك، فقال له: يا ملك الزمان اعلم أني قد أتيتك خاطباً راغباً في الدرة اليتيمة والجوهرة المكنونة الملكة جوهرة بنت مولانا فلا تخيب أيها الملك قاصدك.فلما سمع الملك كلامه ضحك حتى استلقى على قفاه استهزاء به وقال يا صالح كنت أحسبك رجلاً عاقلاً وشاباً فاضلاً لا تسعى إلا بسداد ولا تنطق إلا برشاد وما الذي أصاب عقلك ودعاك إلى هذا الأمر العظيم والخطب الجسيم حتى أنك تخطب بنات الملوك وأصحاب البلدان والأقاليم وهل بلغ قدرك أنك انتهيت إلى هذه الدرجة العالية وهل نقص عقلك إلى هذه الغاية حتى تواجهني بهذا الكلام، فقال صالح: أصلح الله الملك إني لم أخطبها لنفسي ولو خطبتها لنفسي لكنت كفؤاً لها قل أكثر لأنك تعلم أن أبي ملك من ملوك البحر وإن كنت اليوم ملكنا ولكن أنا ما خطبتها إلا للملك بدر باسم صاحب أقاليم العجم وأبوه الملك شهرمان.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السبعمائة






ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 691





Haut du formulaire
Bas du formulaire
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 692

قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن صالح قال للملك: أنا ما خطبت بنتك إلا للملك بدر باسم ابن الملك شهرمان، وأنت تعرف سطوته وإن زعمت أنك ملك عظيم فالملك بدر باسم أعظم وإن ادعيت أن ابنتك جميلة فالملك بدر باسم أجمل منها وأحسن صورة وأفضل حسباً ونسباً فإنه فارس زمانه فإن أجبت إلى ما سألتك تكن يا ملك الزمان قد وضعت الشيء في محله، وإن تعاظمت علينا فإنك ما أنصفتنا ولا سلكت بنا الطريق المستقيم وأنت تعلم أيها الملك أن هذه الملكة جوهرة بنت مولانا الملك لابد لها من الزواج فإن الحكيم يقول: لابد للبنت من الزواج أو القبر، فإن كنت عزمت على زواجها فإن ابن أختي أحق بها من سائر الناس، فلما سمع الملك كلام صالح اغتاظ غيظاً شديداً وكاد عقله أن يذهب وكادت روحه أن تخرج من جسده وقال له: يا كلب الرجال وهل مثلك يخاطبني بهذا الكلام وتذكر ابنتي في المجالس وتقول أن ابن أختك جلنار كفء لها فمن أنت ومن هي أختك ومن هو ابنها ومن هو أبوه حتى تقول هذا الكلام وتخاطبني بهذا الخطاب فهل أنتم بالنسبة إليها إلا كلاب، ثم صاح على غلمانه وقال: يا غلمان خذوا راس هذا العلق، فأخذوا السيوف وجردوها فولى هارباً ولباب القصر طالباً.فلما وصل إلى باب القصر رأى أولاد عمه وقرابته وعشيرته وغلمانه وكانوا أكثر من ألف فارس غارقين في الحديد والزرد والنضيد وبأيديهم الرماح وبيض الصفاح، فلما رأوا صالحاً على تلك الحالة وقالوا له: ما الخبر? فحدثهم بحديثه وكانت أمه قد أرسلتهم إلى نصرته، فلما سمعوا كلامه علموا أن الملك أحمق شديد السطوة فترجلوا عن خيولهم وجردوا سيوفهم ودخلوا على الملك السمندل فرأوه جالساً على كرسي مملكته غافلاً عن هؤلاء وهو شديد الغيظ على صالح ورأوا خدامه وغلمانه وأعوانه غير مستعدين، فلما رآهم وبأيديهم السيوف مجردة صاح على قومه وقال: يا ويلكم خذوا رؤوس هؤلاء الكلاب، فحملوا على بعضهم فلم يكن غير ساعة حتى انهزم قوم الملك السمندل وركنوا إلى الفرار وكان صالح وأقاربه قد قبضوا على الملك السمندل وكتفوه.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الواحدة بعد السبعمائة






ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 692





Haut du formulaire
Bas du formulaire
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 693

قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن صالحاً وأقاربه كتفوا الملك السمندل ثم إن جوهرة لما انتبهت علمت أن أباها قد أسر وأن أعوانه قد قتلوا فخرجت من القصر هاربة إلى بعض الجزائر، ثم إنها قصدت شجرة عالية واختفت فوقها ولما اقتتل هؤلاء الطائفتان فر بعض غلمان الملك السمندل هاربين فرآهم بدر باسم فسألهم عن حالهم فأخبروه بما وقع، فلما سمع أن الملك السمندل قبض عليه ولى هارباً وخاف على نفسه وقال في قلبه: إن هذه الفتنة كانت من أجلي وما المطلوب إلا أنا أولي هارباً وللنجاة طالباً، وصار لا يدري أين يتوجه فساقته المقادير الأزلية إلى تلك الجزيرة التي فيها جوهرة بنت الملك السمندل، فأتى عند الشجرة وانطرح مثل القتيل وأراد الراحة بانطراحه ولا يعلم إن كل مطلوب لا يستريح، ولا يعلم أحد ما خفي له في الغيب من المقادير، فلما وقع بصره نحو الشجرة وقعت عينه في عين جوهرة فنظر إليها فرآها كالبدر إذا أشرق فقال: سبحان خالق هذه الصورة وهو خالق كل شيء وهو على كل شيء قدير، سبحان الله العظيم الخالق الباري المصور والله صدقته حذري تكون هذه جوهرة بنت الملك السمندل، وأظنها لما سمعت بوقوع الحرب بينهما هربت وأتت إلى هذه الجزيرة واختفت فوق هذه الشجرة وإن لم تكن هذه الملكة جوهرة فهذه أحسن منها، ثم إنه صار متفكراً في أمرها، وقال في نفسه لأقوم أمسكها وأسألها عن حالها فإن كانت هي فإني أخطبها من نفسها وهذه بغيتي فانتصب قائماً على قدميه، وقال لجوهرة: يا غاية المطلوب من أنت ومن أتى بك إلى هذا المكان? فنظرت جوهرة إلى بدر باسم فرأته كأنه الدر إذا ظهر من تحت الغمام الأسود، وهو رشيق القوام مليح الابتسام فقالت له: يا مليح الشمائل أنا الملكة جوهرة بنت الملك السمندل قد هربت إلى هذا المكان لأن صالحاً وجنوده تقاتلوا مع أبي وقتلوا جنده وأسروه هو وبعض جنده فهربت أنا خوفاً على نفسي، ثم إن الملكة جوهرة قالت للملك بدر باسم: وأنا ما أتيت إلى هذا المكان إلا هاربة خوفاً من القتل ولم أدر ما فعل الزمان بأبي، فلما سمع الملك بدر باسم كلامها تعجب غاية العجب من هذا الاتفاق الغريب وقال: لاشك أني نلت غرضي بأسر أبيها، ثم إنه نظر إليها وقال لها: انزلي يا سيدتي فإني قتيل هواك وأسرتني عيناك وعلى شأني وشأنك كانت هذه الفتنة وهذه الحروب، واعلمي أني أنا بدر باسم ملك العجم وأن صالحاً هو خالي، وهو الذي أتى إلى أبيك وخطبك منه وأنا قد تركت ملكي لأجلك واجتماعنا في هذا الوقت من عجائب الاتفاق، فقومي وانزلي عندي حتى أروح أنا وأنت إلى قصر أبيك، واسأل أخي صالحاً في إطلاقه وأتزوج بك في الحلال.فلما سمعت جوهرة كلام بدر باسم، قالت في نفسها: على شأن هذا العلق اللئيم كانت هذه القضية وأسر أبي وقتل حجابه وحشمه وشتتني أنا عن قصري وخرجت أنا مسبية في تلك الجزيرة، فإن لم أعمل معه حيلة أحسن منه تمكن مني ونال غرضه لأنه عاشق والعاشق مهما فعل لا يلام عليه فيه، ثم إنها خادعته بالكلام ولين الخطاب وهو لا يدري ما أضمرته له من المكايد وقالت له: يا سيدي ونور عيني هل أنت الملك بدر باسم ابن الملكة جلنار? فقال لها: نعم يا سيدتي.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثانية بعد السبعمائة






ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 693





Haut du formulaire
Bas du formulaire
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 694

قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن جوهرة بنت الملك السمندل قالت للملك بدر باسم: هل أنت يا سيدي الملك بدر باسم ابن الملكة جلنار? قال لها: نعم يا سيدتي، فقالت: قطع الله أبي وأزال ملكه ولا جبر له قلباً ولا رد له غربة إن كان يريد أحسن منك وأحسن من هذه الشمائل الظريفة والله إنه قليل العقل والتدبير ثم قالت له: يا ملك الزمان لا تؤاخذ أبي بما فعل وإن كنت أحببتني شبراً فأنا أحببتك ذراعاً، وهذا وقعت في شرك هواك وصرت من جملة فلاك وقد انتقلت المحبة التي كانت عندك وصارت عندي، ما بقي عندك منها إلا معشار ما عندي، ثم إنها نزلت من فوق الشجرة وقربت منه وأتت إليه واعتنقته وضمته إلى صدرها وصارت تقبله، فلما رأى الملك بدر باسم فعلها فيه ازدادت محبته لها واشتد غرامه بها وظن أنها عشقته ووثق بها وصار يضمها ويقبلها، ثم إنه قال لها: يا ملكة والله لم يصف لي خالي ربع ما أنت عليه من الجمال ولا ربع قيراط من أربعة وعشرين قيراطاً، ثم إن جوهرة ضمته إلى صدرها وتكلمت بكلام لا يفهم وتفلت في وجهه وقالت له: اخرج من هذه الصورة البشرية إلى صورة طائر، أحسن الطيور أبيض الريش أحمر المنقار والرجلين فما تمت كلامها حتى انقلب الملك بدر باسم إلى صورة طائر أحسن نما يكون من الطيور وانتفض ووقف على رجليه، وصار ينظر إلى جوهرة وكان عندها جارية من جواريها تسمى مرسينة، فنظرت إليها وقالت: والله لولا أني أخاف من كون أبي أسيراً عند خاله لقتلته، فلا جزاه الله خيراً فما أضام قدومه علينا فهذه الفتنة كلها من تحت رأسه ولكن يا جارية خذيه واذهبي به إلى الجزيرة المعطشة واتركيه هناك حتى يموت عطشاً، فأخذته الجارية وأوصلته إلى الجزيرة وأرادت الرجوع من عنده ثم قالت في نفسها: والله إن صاحب هذا الحسن والجمال لا يستحق أن يموت عطشاً ثم إنها أخرجته من الجزيرة المعطشة وأتت به إلى جزيرة كثيرة الأشجار والأثمار والأنهار، فوضعته فيها، ورجعت إلى سيدتها وقالت لها: وضعته في الجزيرة المعطشة.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثالثة بعد السبعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الجارية رجعت إلى سيدتها وقالت: وضعته في الجزيرة المعطشة. هذا ما كان من أمر بدر باسم.وأما ما كان من أمر صالح خال الملك بدر باسم فإنه لما احتوى على الملك السمندل وقتل أعوانه وخدمه وصار تحت أسره طلب جوهرة بنت الملك فلم يجدها، فرجع إلى قصره عند أمه وقال: يا أمي أين ابن أختي الملك بدر باسم? فقالت: يا ولدي والله ما لي به علم ولا أعرف أين ذهب، فإنه لما بلغه أنك تقاتلت مع الملك السمندل وجرت بينكم الحروب والقتال فزع وهرب.فلما سمع صالح كلام أمه حزن على ابن أخته، وقال: يا أمي والله إننا قد فرطنا في الملك بدر باسم وأخاف أن يهلك، أو يقع به أحد من جنود الملك السمندل أو تقع به ابنة الملك جوهرة فيحصل لنا من أمه خجل ولا يحصل لنا منها خير لأني قد أخذته بغير اذنها ثم إنه بعث خلفه الأعوان والجواسيس إلى جهة البحر وغيره فلم يقفوا له على خبر فرجعوا وعلوا صالحاً بذلك فزاد همه وغمه وقد ضاق صدره على الملك بدر باسم. هذا ما كان من أمر الملك بدر باسم وخاله صالح، وأما ما كان من أمر أمه الملكة جلنار البحرية فإنها لما نزل ابنها بدر باسم مع خاله صالح انتظرته فلم يرجع إليها وأبطأ خبره عنها فقعدت أياماً عديدة في انتظارهما ثم قامت ونزلت في البحر وأتت أمها، فلما نظرتها أمها قامت إليها وقبلتها واعتنقتا وكذلك بنات عمها، ثم إنها سالت أمها عن الملك بدر باسم فقالت لها: يا بنتي قد أتى هو وخاله ثم إن خاله قد أخذ يواقيت وجواهر، وتوجه بها هو وإياه إلى الملك السمندل وخطب ابنته فلم يجبه وشدد على أخيك في الكلام فأرسلت إلى أخيك نحو ألف فارس ووقع الحرب بينهم وبين الملك السمندل فنصر الله أخاك عليه وقتل أعوانه وجنوده وأسر الملك السمندل فبلغ ذلك الخبر ولدك فكأنه خاف على نفسه فهرب من عندنا بغير اختيارنا ولم يعد إلينا بعد ذلك ولم نسمع له خبراً، ثم إن جلنار سألتها عن أخيها صالح فأخبرتها أنه جالس على كرسي المملكة في محل الملك السمندل وقد أرسل إلى جميع الجهات بالتفتيش على ولدك وعلى الملكة جوهرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق