السبت، 6 فبراير 2010

148


قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن حسناً الصائغ لما رأى المجوسي خفق قلبه وتغير لونه وضرب بكفيه، وقال بالله يا أخواتي أعينوني على قتل هذا الملعون فها هو حضر وصار في قبضتكن ومعه شاب مسلم أسير من أولاد الناس الأكابر وهو يعذبه بأنواع العذاب الأليم، وقصدي أن أقتله وأشفي فؤادي منه وأريح هذا الشاب من عذابه وأكسب الثواب ويرجع الشاب المسلم إلى وطنه فيجتمع شمله مع إخوانه وأهله وأحبابه ويكون ذلك صدقة عنكن وتفزن بالأجر من الله تعالى، فقالت له البنات السمع والطاعة لله ولك يا حسن ثم إنهن ضربنا لهن لثامات ولبسن أدوات آلات الحرب، وتقلدن بالسيوف وأحضرن لحسن جواداً من أحسن الخيل وهيأنه بعدة كاملة، وسلحنه سلاحاً مليحاً، ثم ساروا جميعاً فوجدوا المجوسي قد ذبح جملاً وسلخه وهو يعاقب الشاب ويقول له ادخل هذا الجلد، فجاء حسن من خلفه والمجوسي ما عنده علم به وصاح عليه فأذهله وخبله، ثم تقدم إليه وقال له أمسك يدك يا ملعون يا عدو الله وعدو المسلمين، يا كلب يا غدار يا عابد النار يا سالك طريق الفجار أتعبد النار والنور وتقسم بالظل والحر، فالتفت المجوسي فرأى حسناً فقال له يا ولدي كيف تخلصت ومن أنزلك إلى الأرض فقال له حسن خلصني الله الذي جعل قبض روحك على يد أعدائك كما عذبتني طول الطريق يا كافر يا زنديق قد وقعت في الضيق وزغت عن الطرق فلا أم تنفعك ولا أخ ولا صديق ولا عهد وثيق أنك قلت من يخون العيش والملح ينتقم الله منه وأنت خنت الخبز والملح فأوقعك الله في قبضتي وصار خلاصك مني بعيداً، فقال له المجوسي والله يا ولدي أنت أعز من روحي ومن نور عيني فتقدم إليه حسن وعجل عليه بضربة على عاتقه فخرج السيف يلمع من علائقه وعجل الله بروحه إلى النار وبئس القرار ثم إن حسناً أخذ الجراب الذي كان معه وفتحه وأخرج الطبل منه والزخمة وضرب بها على الطبل فجاءت النجائب مثل البرق إلى حسن فحل الشاب من وثاقه وأركبه نجيباً وحمل له الباقي زاداً وماء وقال له توجه إلى مقصدك فتوجه بعد أن خلصه الله من الضيق على يد حسن.ثم إن البنات لما رأين حسناً ضرب رقبة المجوسي فرحن فرحاً شديداً ودرن حوله وتعجبن من شجاعته ومن شدة بأسه وشكرنه على ما فعل، وهنأنه بالسلامة وقلن له يا حسن لقد فعلت فعلاً شفيت به الغليل وأرضيت به الجليل وسار هو والبنات إلى القصر، وأقام معهن وهو في أكل وشرب ولعب وضحك وطابت له الإقامة عندهن ونسي أمه.فبينما هو معهن في ألذ عيش إذ طلعت عليهم غبرة عظيمة من صدر البرية أظلم لها الجو، فقالت له البنات قم يا حسن وادخل مقصورتك واختف وإن شئت فادخل البستان وتوارى بين الشجر والكروم فما عليك بأس، ثم إنه قام ودخل واختفى في مقصورته وأغلقها عليه من داخل القصر، وبعد ساعة انكشف الغبار وبان من تحته عسكر جرار مثل البحر العجاج مقبلاً من عند الملك أبي البنات فلما وصل العسكر أنزلتهم أحسن منزل وضيفتهم ثلاثة أيام وبعد ذلك سألهم البنات عن حالهم وعن خبرهم، فقالوا إننا جئنا من عند الملك في طلبكن فقلن لهم وما يريد الملك منا، قالوا إن بعض الملوك يعمل فرحاً ويردي أن تحضرن ذلك الفرح ليتفرجن فقالت لهم البنات: وكم نغيب عن موضعنا فقالوا مدة الرواح والمجيء وإقامة شهرين، فقامت البنات ودخلن القصر على حسن وأعلمنه بالحال، وقلن له إن هذا الموضع موضعك وبيتك وبيتنا بيتك فطب نفساً وقر عيناً ولا تخف ولا تحزن، فإنه لا أحد يقدر أن يجيء إلينا في هذا المكان فكن مطمئن القلب منشرح الخاطر حتى نحضر إليك وهذه مفاتيح مقاصيرنا معك، ولكن يا أخانا نسأل لك بحق الأخوة أنك لا تفتح هذا الباب فإنه ليس لك بفتحه حاجة ثم إنهن ودعنه وانصرفن في صحبة العساكر وقعد حسن في القصر وحده وفرغ صبره وزاد كربه واستوحش وحزن لفراقهن حزناً عظيماً وضاق عليه القصر مع اتساعه فلما رأى نفسه وحيداً منفرداً تذكرهن.

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 738

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 739
وقالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن حسناً بعد ذهاب البنات من عنده قعد في القصر وحده فضاق صدره من فراقهن ثم إنه صار يذهب وحده إلى الصيد في البراري فيأتي به ويذبحه ويأكل وحده فزادت به الوحشة والقلق من انفراده فقام ودار في القصر وفتش جميع جهاته، وفتح مقاصير البنات فرأى فيها من الأموال ما يذهب عقول الناظرين وهو لا يلتذ بشيء من ذلك بسبب غيبتهن والتهبت في قلبه النار من الباب الذي أوصته أخته بعدم فتحه وأمرته أنه لا يقربه ولا يفتحه أبداً، فقال في نفسه ما أوصتني أختي بعدم فتح هذا الباب إلا لكونه فيه شيء تريد أن لا يطلع عليه أحد، والله إني لا أقوم وأفتحه وأنظر ما فيه ولو كان فيه المنية فأخذ المفتاح وفتحه فمل ير فيه شيئاً من المال، ولكنه رأى سلماً في صدر المكان معقود بحجر من جذع يماني فرقي على ذلك السلم وصعد إلى أن وصل إلى سطح القصر، فقال في نفسه هذا الذي منعتني أختي عنه ودار فوقه فاشرف على مكان تحت القصر مملوء بالمزارع والبساتين والأشجار والأزهار والوحوش والطيور، وهي تغرد وتسبح الله الواحد القهار وصار يتأمل في تلك المتنزهات فرأى بحراً عجاجاً متلاطماً بالأمواج، ولم يزل دائراً حول ذلك القصر يميناً وشمالاً حتى انتهى إلى القصر على أربعة أعمدة فرأى فيه مقعداً منقوشاً بسائر الأحجار كالياقوت والزمرد والبخلش وأصناف الجواهر وهو مبني طوبة من فضة وطوبة من ذهب وطوبة من ياقوت وطوبة من زمرد أخضر وفي تلك القصر بحيرة ملآنة بالماء وعليها مكعب من الصندل وعواميد، وهو مشبك بقضبان الذهب الأحمر والزمرد الأخضر مزركش بأنواع الجواهر واللؤلؤ الذي كل حبة منه قدر بيضة الحمامة وعلى جانب البحيرة تخت من العود الند مرصع بالدر والجوهر مشبك بالذهب الأحمر وفيه من سائر الفصوص الملونة والمعادن النفيسة، وهي في الترصيع يقبل بعضها بعضاً وحوله الأطيار تغرد بلغات مختلفة، وتسبح الله تعالى بحسن أصواتها واختلاف لغاتها وهذا القصر لم يملك مثله كسرى ولا قيصر، فاندهش حسن لما رأى ذلك وجلس فيه ينظر ما حوله.فبينما هو جالس فيه وهو متعجب من حسن صنعته ومن بهجة ما حواه من الدر والياقوت وما فيه من سائر الصناعات، ومتعجب من تلك المزارع والأطيار التي تسبح الله الواحد القهار ويتأمل في آثار من قدرة الله تعالى على عمارة هذا القصر العظيم فإنه عظيم الشأن وإذا هو بعشر طيور قد أقبلوا من جهة البر وهم يقصدون ذلك القصر وتلك البحيرة فعرف حسن أنهم يقصدون تلك البحيرة ليشربوا من مائها فاستتر منهم خوفاً أن ينظروه فيفروا منه ثم إنهم نزلوا على شجرة عظيمة مليحة وأداروا حولها، فنظر منهم طيراً عظيماً مليحاً وهو أحسن ما فيهم والبقية محتاطون به وهم في خدمته فتعجب حسن من ذلك وصار ذلك الطير ينقر التسعة بمنقاره ويتعاظم عليهم، وهم يهربون منه وحسن واقف عليهم من بعيد ثم إنهم جلسوا على السرير وشق كل طير منهم جلده بمخالبه وخرج منه فغدا هو ثوب من ريش وقد خرج من الثياب عشر بنات أبكار يفضحن بحسنهن بهجة الأقمار فلما تعرين من ثيابهن نزلن كلهن في البحيرة واغتسلن.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثانية والأربعين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن البنات لما نزلن كلهن في البحيرة واغتسلن وصرن يلعبن ويتمازحن، وصارت الطيرة الفائقة عليهن ترميهن وتغطسهن فيهربن منها ولا يقدرن أن يمددنا أيديهن إليها، فلما نظرها حسن غاب عن صوابه وانسلب عقله وعرف أن البنات ما نهينه عن فتح هذا الباب، إلا لهذا السبب فشغف حسن بها حباً لما رأى حسنها وجمالها وقدها واعتدالها وهي في لعب ومزاج ومراشة بالماء، وحسن واقف ينظر إليهن ويتحسر حيث لم يكن معهن وقد حار عقله من حسن الجارية الكبيرة، وتعلق قلبه بمحبتها ووقع في شرك هواها والعين ناظرة وفي القلب نار محرقة والنفس أمارة بالسوء فبكى حسن شوقاً لحسنها وجمالها وانطلقت في قلبه النيران من أجلها، وزاد به لهيب لا يطفأ شرره وغرام لا يخفى أثره.

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 739

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 740
ثم بعد ذلك طلعت البنات من تلك البحيرة، وحسن واقف ينظر إليهن وهن لا ينظرنه وهو يتعجب من حسنهن وجمالهن، ولطف معانيهن وظرف شمائلهن فحانت منه التفاتة، فنظر حسن إلى الجارية الكبيرة وهي عريانة فبان له ما بين فخذيها وهو قبة عظيمة مدورة بأربعة اركان كأنه طاسة من فضة أو بلور.فلما خرجن من الماء لبست كل واحدة ثيابها وحليها وأما الجارية الكبيرة فإنها لبست حلة خضراء ففاقت بجمالها ملاح الآفاق وزهت ببهجة وجهها على بدور الإشراق وفاقت على الغصون بحسن التثني وأذهلت العقول بوهم التمني.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثالثة والأربعين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن حسناً لما رأى البنات قد خرجن من البحيرة والكبيرة فيهن أخذت عقله بحسنها وجمالها، ثم إن البنات لما لبسن ثيابهن جلسن يتحدثن ويتضاحكن وحسن واقف ينظر إليهن. وهو غريق في بحر عشقه وتائه في وادي فكره، وهو يقول في نفسه والله ما أتعلق بإحداهن ثم إنه صار ينظر في محاسن هذه الجارية، وكانت أجمل ما خلق الله في وقتها وقد فاقت بحسنها جميع البشر لها فم كأنه خاتم سليمان وشعر أسود من الليل الصدود على الكئيب الولهان وغرة كهلال رمضان، وعيون تحاكي عيون الغزلان وأنف أقني كثير اللمعان وخدان كأنهما شقائق النعمان وشفتان كأنهما مرجان وأسنان كأنهما لؤلؤ منظوم في قلائد العقبان، وعنق كسبيكة فضة فوق قامة كغصن البان، وبطن طيات وأركان يبتهل فيها العاشق الولهان وسرة تسع أوقية مسك طيب الأردان، وأفخاذ غلاظ سمان كأنهما عواميد رخام، أو مخدتان محشوتان من ريش النعام وبينهما شيء كأنه أعظم العقبان وأرنب مقطوش الآذان وله سطوح وأركان هذه الصبية فاقت بحسنها وقدها على غصون البان وعلى قضيب الخيزران وهي كاملة.ثم إن البنات لم يزلن في ضحك ولعب وهو واقف على قدميه ينظر إليهن ونسي الأكل والشرب إلى أن قرب العصر، فقالت الصبية لصواحبها يا بنات الملوك إن الوقت أمسى علينا وبلادنا بعيدة، ونحن قد سئمنا من المقام هنا فقمن لنروح محلنا فقامت كل واحدة منهن ولبست ثوبها الريش فلما اندرجن في ثيابهن صرن طيوراً كما كن أولاً وطرن كلهن سوية وتلك الصبية في وسطهن فيئس حن منهن وأراد أن يقوم وينزل فلم يقدر أن يقوم وصار دمعه يجري على خده، ثم إن حسن مشى قليلاً وهو لا يهتدي إلى الطريق حتى نزل إلى أسفل القصر ولم يزل يزحف إلى أن وصل إلى باب المخدع فدخل وأغلقه عليه واضطجع عليلاً لا يأكل ولا يشرب وهو غريق في بحر أفكاره فبكى وناح على نفسه إلى الصباح.فلما طلعت الشمس فتح باب المخدع وطلع إلى المكان الذي كان فيه أولاً وجلس في مكان مقبال إلى أن أقبل الليل، فلم يحضر أحد من الطيور وهو جالس في انتظارهم فبكى بكاء شديداً حتى غشي عليه ووقع على الأرض مطروحاً فلما أفاق من غشيته زحف ونزل إلى أسفل القصر وقد أقبل الليل فضاقت عليه الدنيا باسرها وما زال يبكي وينوح على نفسه طول الليلة إلى أن أتى الصباح وطلعت الشمس على الروابي والبطاح، وهو لا يأكل ولا يشرب ولا ينام ولا يقر له قرار وفي نهاره حيران وفي ليله سهران مدهوش سكران من الفكر الذي هو فيه.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الرابعة والأربعين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن حسناً الصائغ لما زاد عشقه وهو في القصر وحده ولم يجد من يؤانسه، فبينما هو في شدة ولهه وإذا بغبرة قد طلعت من البر فقام يجري إلى أسفل واختفى وعرف أن أصحاب القصر أتوا فلم يكن غير ساعة، إلا والعسكر قد نزلوا وداروا بالقصر ونزلت السبع بنات ودخلن القصر فنزعن سلاحهن وما كان عليهن من آلات الحرب وأم البنت الصغيرة أخته فإنها لم تنزع ما عليها من آلة الحرب، بل جاءت إلى مقصورة حسن فلم تراه ففتشت عليه فوجدته في مخدع من المخادع وهو ضعيف نحيل قد كل جسمه ورق عظمه واصفر لونه وغابت عيناه في وجهه من قلة الأكل والشرب ومن كثرة الدموع بسبب تعلقه بالصبية وعشقه لها، فلما رأته أخته الجنية على هذه الحالة اندهشت، وغاب عنها عقلها فسألته عن حاله وما هو فيه وأي شيء اصابه وقالت له أخبرني يا أخي حتى أتحيل لك في كشف ضرك وأكون فداءك فبكى بكاء شديداً وأنشد يقول:

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 740

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 741
محب إذا ما بان عنه حبيبه
فليس له إلا الكآبة والضر
فباطنه سقم وظاهره جوى
وأوله ذكر وآخره فكـرفلما سمعت منه أخته ذلك، تعجبت من فصاحته ومن بلاغة قوله ومن حسن لفظه ومجاوبته لها بالشعر، فقالت له يا أخي متى وقعت في هذا الأمر الذي أنت فيه ومتى حصل لك فإني أراك تتكلم بالأشعار وترخي بالدموع الغزار فبالله عليك يا أخي وحرمة الحب الذي بيني وبينك أن تخبرني بحالك وتطلعني على سرك ولا تخف مني شيئاً مما جرى لك في غيابنا فإنه قد ضاق صدري وتكدر عيشي بسببك فتنهد وأرخى الدموع مثل المطر وقال أخاف يا أختي إذا أخبرتك لا تساعديني على مطلوبي، وتتركيني أموت كمداً بغصتي فقالت لا والله يا أخي ما أتخلى عنك ولو كانت روحي فحدثها بما جرى له وما عاينه حين فتح الباب، وأخبرها أن سبب الضرر والبلاء عشق الصبية التي رآها وإن له عشرة أيام ولم يستطعم بطعام ولا شراب، ثم إنه بكى بكاء شديداً.فبكت أخته لبكائه ورقت لحاله ورحمت غربته ثم قالت له يا أخي طب نفساً وقر عيناً فأنا أخاطر بنفسي معك وابذل روحي في رضاك وأدبر لك حيلة ولو كان فيها ذهاب نفائسي ونفسي حتى أقضي غرضك إن شاء الله تعالى ولكن أوصيك يا أخي بكتمان السر عن أخواتي فلا تظهر حالك على واحدة منهن لئلا تروح روحك وإن سألتك عن فتح الباب فقل لهن ما فتحته أبداً ولكن أنا مشغول القلب من أجل غيابكن عني ووحشتي إليكن وقعودي في القصر وحدي فقال لها نعم هذا هو الصواب ثم إنه قبل رأسها وطاب خاطره وانشرح صدره، وكان خائفاً من أخته بسبب فتح الباب فردت إليه روحه بعد أن كان مشرفاً على الهلاك من شدة الخوف، ثم إنه طلب من أخته شيئاً يأكله فقامت وخرجت من عنده ثم دخلت على أخواتها وهي حزينة باكية عليه فسألنها عن حالها فأخبرتهن أن خاطرها مشغول على أخيها وأنه مريض وله عشرة أيام ما نزل في بطنه زاد أبداً، فسألنها عن سبب مرضه.فقالت لهن سببه غيابنا لأننا أوحشناه فإن هذه الأيام التي غبنا عنه كانت عليه أطول من ألف عام، وهو معذور لأنه غريب ووحيد ونحن تركناه وحده وليس عنده من يؤانسه ولا من يطيب خاطره وهو شاب صغير على كل حال وربما تذكر أهله وأمه وهي امرأة كبيرة فظن أنها تبكي عليه أثناء الليل وأطراف النهار ولم تزل حزينة عليه وكنا نسليه بصحبتنا له.فلما سمع أخواتها كلامها بكين من شدة التأسف عليه وقلنا لها والله إنه معذور، ثم خرجن إلى العسكر وصرفنهم ودخلن على حسن فسلمن عليه، ورأينه قد تغيرت محاسنه واصفر لونه وانتحل جسمه، فبكين شفقة عليه وقعدن عنده وآنسنه وطيبن قلبه بالحديث، وحكين له جميع ما رأين من العجائب والغرائب وما جرى للعريس مع العروسة ثم إن البنات أقمن عنده مدة شهر كامل وهن يؤانسنه ويلاطفنه وهو كل يوم يزداد مرضاً على مرضه، وكلما راينه على هذه الحالة يبكين عليه بكاء شديداً وأكثرهن بكاء البنت الصغيرة ثم بعد الشهر اشتاقت البنات إلى الركوب للصيد والقنص فعزمن على ذلك وسألن أختهن الصغيرة أن تركب معهن.فقالت لهن والله يا أخواتي ما أقدر أن أخرج معكن وأخي على هذه الحالة حتى يتعافى ويزول عنه ما هو فيه من الضرر بل أجلس عنده لأعلله فلما سمعت كلامها شكرنها على مروءتها وقلن لها كل ما تفعلينه مع هذا الغريب تؤجرين عليه، ثم تركنها عنده في القصر وركبن وأخذن معهن زاد عشرين يوماً.ثم قالت بلغني أيها الملك السعيد، أن البنات لما ركبن ورحن إلى الصيد والقنص تركن أختهن الصغيرة قاعدة عند حسن، فلما بعدن عن القصر وعرفت أختهن أنهن قطعن مسافة بعيدة أقبلت على أخيها وقالت له يا أخي قم ارني هذا الموضع الذي رأيت فيه البنات.فقال باسم الله على الرأس وفرح بقولها وايقن ببلوغ مقصوده ثم إنه أراد أن يقوم معها ويريها المكان فلم يقدر على المشي فحملته في حضنها وجاءت إلى القصر فوقه أراها الموضع الذي رأى فيه البنات وأراها المقعد وبركة الماء.

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 741

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 742
فقالت له أخته صف لي يا أخي حالهن كيف جئن فوصف لها ما رأى منهن وخصوصاً البنت التي تعلق بها فلما سمعت وصفها عرفتها فاصفر وجهها وتغير حالها فقال لها يا أختي قد اصفر وجهك وتغيرت حالتك، فقالت له يا أخي اعلم أن هذه الصبية بنت ملك من ملوك الجان العظام الشأن قد ملك أبوها انساً وجاناً وسحرة وكهاناً وأرهاطاً وأعواناً وأقاليماً وبلداناً كثيرة وأموالاً عظاماً، وأبونا نائب من جملة نوابه فلا يقدر عليه أحد من كثرة عساكره واتساع مملكته وكثرة ماله.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الخامسة والأربعين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن أخته قالت له: وأبونا نائب من جملة نوابه فلا يقدر عليه من كثرة عساكره واتساع مملكته وكثرة ماله وقد جعل لأولاده البنات اللواتي رأيتهن مسيرة سنة كاملة طولاً وعرضاً وقد زاد على ذلك القطر نهر عظيم محيط به فلا يقدر أحد أن يصل إلى ذلك المكان لا من الانس ولا من الجان وله من البنات الضاربات بالسيوف الطاعنات بالرماح خمسة وعشرون ألفاً واحدة منهن إذا ركبت جوادها ولبست آلة حربها تقاوم ألف فارس من الشجعان وله سبع نبات فيهن من الشجاعة والفروسية ما في أخواتهن، وأزيد وقد ولى على هذا القطر الذي عرفتك به ابنته الكبرى وهي أكبر أخواتها وفيها من الشجاعة والفروسية والخداع والمكر والسحر ما تغلب به اهل مملكتها وأما البنات اللاتي معها فهن أربا دولتها وأعوانها وخواصها من ملكها وهذه الجلود الريش التي يطرن بها إنما هي صنعة سحرة الجان وإذا أردت أن تملك هذه الصبية وتتزوج بها فاقعد هنا وانتظرها لأنهن يحضرن على رأس كل شهر إلى هذا المكان فإذا رأيتهن قد حضرن فاختف وإياك أن تظهر فتروح أرواحنا جميعاً فاعرف الذي أقوله لك واحفظه في ذهنك واقعد في مكان يكون قريباً منهن بحيث إنك تراهن ولا يرونك فإذا قلعن ثيابهن فألق نظرك على الثوب الريش الذي هو للكبيرة التي في مرادك وخذه ولا تأخذ شيئاً غيره فإنه هو الذي يوصلها إلى بلادها فإنك إذا ملكته ملكتها وإياك أن تخدعك وتقول يا من سرق ثوبي رده علي وها أنا عندك وبين يديك وفي حوزتك فإنك إن أعطيتها إياه قتلتك وتخرب علينا القصور وتقتل إيانا فاعرف حالك كيف تكون فإذا رأى أخواتها أن ثوبها قد سرق طرن وتركنها قاعدة وحدها فادخل عليها وامسكها من شعرها واجذبها فإذا جذبتها إليك فقد ملكتا وصارت في حوزتك فاحتفظ بعد هذا على الثوب الريش فإنه ما دام عندك فهو قبضتك وأسرك لأنها لا تقدر أن تطير إلى بلادها إلا به فإذا أخذتها فاحملها وانزل بها إلى مقصورتك ولا تبين لها أنك أخذت الثوب.فلما سمع حسن كلام أخته اطمأن قلبه وسكن روعه وزال ما به من الألم ثم انتصب قائماً على قدميه وقبل رأس أخته وبعد ذلك قاما ونزلا من فوق القصر هو وأخته وناما ليلتهما وهو يعالج نفسه إلى أن أصبح الصباح فلما طلعت الشمس قام وفتح الباب وطلع إلى فوق ولم يزل قاعداً إلى العشاء فطلعت له أخته بشيء من الأكل والشرب وغير ثيابه ونام ولم تزل معه على هذه الحالة في كل يوم إلى أن هل الشهر فلما رأى الهلال صار يرتقبهن فبينما هو كذلك وإذا بهن قد أقبلن عليه مثل البرق فلما رآهن اختفى في مكان بحيث يراهن ولا يرينه فنزلت الطيور وقعدت كل طيرة منهن في مكان وقلعن ثيابهن وكذلك البنت التي يحبها وكان ذلك في مكان قريب من حسن ثم نزلت البحيرة مع أخواتها.فعند ذلك قام حسن ومشى قليلاً وهو مختف وستر الله عليه فأخذ الثوب ولم تنظره واحدة منهن بل كن يلعبن مع بعضهن فلما فرغن طلعن ولبسن كل واحدة منهن ثوبها الريش وجاءت محبوبته لتلبس ثوبها فلم تجده فصاحت ولطمت على وجهها وشقت ثيابها فأقبلت أخواتها وسالنها عن حالها فأخبرتهن أن ثوبها الريش قد فقد فبكين وصرخن ولطمن على وجوههن وحين أمسى عليهن الليل لم يقدرن أن يقعدن عندها فتركنها فوق القصر.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السادسة والأربعين بعد السبعمائة

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 742

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 743
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن حسناً لما أخذ ثوب البنت طلبته فلم تجده وطار أخواتها وتركنها وحدها فلما رآهن حسن طرن وغبن عنها أصغى إليها فسمعها تقول: يا من أخذ ثوبي وأعراني سألتك أن ترده علي وتستر عورتي فلا أذاقك الله حسرتي فلما سمع حسن هذا الكلام منها سلب عقله في عشقها وازدادت محبته لها ولم يطق أن يصبر عنها فقام من مكانه وصار يجري حتى هجم عليها وأمسكها ثم جذبها إليه ونزل بها إلى أسفل القصر وأدخلها مقصورته ورمى عليها عباءته وهي تبكي وتعض على يديها فأغلق عليها الباب وراح لأخته وأعلمها أنه حصلها وظفر بها ونزل بها إلى مقصورته وقال لها: إنها الآن قاعدة تبكي وتعض على يديها.فلما سمعت أخته كلامه قامت وتوجهت إلى المقصورة ودخلت عليها فرأتها تبكي وهي حزينة فقبلت الأرض بين يديها ثم سلمت عليها فقالت لها الصبية: يا بنت الملك أهكذا تفعل الناس مثلكم هذه الفعال الرديئة مع بنات الملوك وأنت تعرفين أن أبي ملك عظيم وأن جميع ملوك الجان تفزع منه وتخاف من سطوته وعنده من السحرة والحكماء والكهان والشياطين والمردة ما لا طاقة لأحد عليه وتحت يده خلق لا يعلم عددهم إلا الله تعالى وكيف يصلح لكم يا بنات الملوك أن تأوين رجال الإنس عندكم وتطلعنهن على أحوالنا وأحوالكن وإلا فمن أين يصل هذا الرجل إلينا.فقالت لها أخت حسن: يا بنت الملك إن هذا الإنسي كامل المروءة وليس قصده أمراً قبيحاً وربما هو يحبك وما خلقت النساء إلا للرجال ولولا أنه يحبك ما مرض لأجلك وكادت روحه أن تزهق في هواك وحكت لها جميع ما أخبرها به حسن من عشقه لها وكيف عملت البنات في طيرانهن واغتسالهن وأنه لم يعجبه من جميعهن غيرها لأنهن كلهن جوار لها وأنها كانت تغطسهن في البحيرة وليس واحدة منهن تقدر أن تمد يدها إليها.فلما سمعت كلامها يئست من الخلاص فعند ذلك قامت أخت حسن وخرجت من عندها وأحضرت لها بدلة فاخرة فألبستها إياها وأحضرت لها شيئاً من الأكل والشرب فأكلت هي وإياها وطيبت قلبها وسكنت روعها ولم تزل تلاطفها بلين ورفق وتقول لها: ارحمي من نظرك فأصبح قتيلاً في هواك ولم تزل تلاطفها وترضيها وتحسن لها القول والعبارة وهي تبكي إلى أن طلع الفجر فطابت نفسها وأمسكت عن بكائها لما علمت أنها وقعت ولا يمكن خلاصها وقالت لأخت حسن: يا بنت الملك بهذا حكم الله على ناصيتي من غربتي وانقطاعي عن بلدي وأهلي وأخواتي فصبر جميل على ما قضاه ربي ثم أن أخت حسن أخلت لها مقصورة في القصر لم يكن هناك أحسن منها ولم تزل عندها تسليها وتطيب خاطرها حتى رضيت وانشرح صدرها وضحكت وزال ما عندها من الكدر وضيق الصدر من فراق الأهل والأوطان وفراق أخواتها وأبويها وملكها.ثم أن أخت حسن خرجت إليه وقالت له: قم ادخل عليها في مقصورتها وقبل يديها ورجليها فدخل وفعل ذلك ثم قبلها بين عينيها وقال لها: يا سيدة الملاح وحياة الأرواح ونزهة الناظرين كوني مطمئنة القلب أنا ما أخذتك إلا لأجل أن أكون عبدك إلى يوم القيامة وأختي هذه جاريتك وأنا يا سيدتي ما قصدي إلا أن أتزوجك بسنة الله ورسوله وأسا فر إلى بلادي وأكون أنا وأنت في مدينة بغداد وأشتري لك الجواري والعبيد ولي والدة من خيار النساء تكون في خدمتك وليس هناك بلاد أحسن من بلادنا وكل ما فيها أحسن مما في غيره من سائر البلاد وأهلها وناسها ناس طيبون بوجوه صباح.فبينما هو يخاطبها ويؤانسها وهي لا تخاطبه بحرف واحد وإذا بدق يدق باب القصر فخرج حسن ينظر من بالباب فإذا هن البنات قد حضرن من الصيد والقنص ففرح بهن وتلقاهن وحياهن فدعون له بالسلامة والعافية ودعا هو الآخر ثم نزلن عن خيولهن ودخلن القصر ودخلت كل واحدة منهن مقصورتها ونزعت ما كان عليها من الثياب الرثة ولبست قماشاً مليحاً وقد اصطدن شيئاً كثيراً من الغزلان وبقر الوحوش والأرانب والسباع والضباع وغير ذلك وقدمن منه شيئاً إلى الذبح وتركن الباقي عندهن في القصر وحسن واقف بينهن مشدود الوسط يذبح لهن وهن يلعبن وينشرحن وقد فرحن بذلك فرحاً شديداً.

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 743

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 744
فلما فرغن من الذبح قعدن يعملن شيئاً ليتغدوا به فتقدم حسن إلى البنت الكبيرة وقبل رأسها وصار يقبل رأسهن واحدة بعد الأخرى فقلن له: لقد أكثرت التنزل إلينا يا أخانا وعجبنا من فرط توددك إلينا وأنت رجل آدمي ونحن من الجن فدمعت عيونه وبكى بكاءً شديداً فقلت: ما الخبر وما يبكيك قد كدرت عيشنا ببكائك في هذا اليوم كأنك اشتقت إلى والدتك والى بلادك فإن كان الأمر كذلك فنأخذك ونسافر بك إلى وطنك وأحبابك. فقال لهن: والله ما مرادي فراقكن فقلن له: وحينئذ من شوش عليك منا حتى تكدرت? فخجل أن يقول ما شوش علي إلا عشق الصبية خيفة أن ينكرن عليه فسكت ولم يعلمهن بشيء من حاله فقامت أخته وقالت لهن: اصطاد طيرة من الهواء ويريد منكن أن تعنه على تأهيلها فالتفتن إليه كلهن وقلن له: نحن كلنا بين يديك ومهما طلبته فعلناه لكن قص علينا خبرك ولا تكتم عنا شيئاً من حالك فقال لأخته: قص خبري عليهن فإني استحي منهن ولا أقدر أن أقابلهن بهذا الكلام. فقالت: بينما هو جالس يوماً من الأيام وإذا بعشر طيور إناث أقبلن عليه قاصدات القصر ولم يزلن سائرات حتى جلسن على البحيرة التي فوقها المنظرة فنظر إلى الطيرة التي هي أحسنهن وهي تنقرهن وما فيهن واحدة تقدر أن تمد يدها إليها، ثم جعلن لمخالبهن في أطواقهن فشققن الثياب الريش وخرجن منها وصارت كل واحدة منهن صبية مثل البدر ليلة تمامه، ثم خلعن ما عليهن وحسن واقف ينظر إليهن ونزلن الماء وصرن يلعبن والصبية الكبرى تغطسهن وليس منهن واحدة تقدر أن تمد يدها إليها وهي أحسنهن وجهاً وأعدلهن قداً وأنظفهن لباساً، ولم يزلن على هذه الحالة إلى أن قرب العصر ثم طلعن من البحيرة ولبسن ثيابهن ودخلن في القماش الريش والتففن فيه وطرن فاشتعل فؤاده واشتعل قلبه بالنار من أجل الطيرة الكبيرة وندم لكونه لم يسرق قماشها الريش فمرض وأقام فوق القصر ينظرها فامتنع من الأكل والشرب والنوم. ولم يزل كذلك حتى لاح الهلال فبينما هو قاعد وإذا بهن قد أقبلن على عادتهن فقلعن ثيابهن ونزلن البحيرة فسرق ثوب الكبيرة، فلما عرف أنها لا تقدر أن تطير إلا به أخذه وأخفاه خيفة أن يطلعن عليه فيقتلنه، ثم صبر حتى طرن فقام وقبض عليها ونزل بها من فوق القصر فقال لها أخواتها: وأين هي? قالت لهن: هي عنده في المخدع الفلاني فقلن: صفيها لنا يا أختي فقالت: هي أحسن من البدر ليلة تمامه ووجهها أضوأ من الشمس وريقها أحلى من الشراب وقدها أرشق من القضيب ذات طرف أحور ووجه أقمر وجبين أزهر وصدر كأنه جوهر ونهدين كأنهما رمانتان وخدين كأنهما تفاحتان، وبطن مطوي الأعكان وسرة كأنها حق عاج بالمسك ملآن وفخذين كأنهما من المرمر عامودان تأخذ القلوب بظرف كحيل ورقة خصر نحيل وردف ثقيل وكلام يشفي العليل، مليحة القوام حسنة الإبتسام كأنها بدر التمام.فلما سمعت البنات هذه الأوصاف التفتن إلى حسن وقلن له: أرنا إياها فقام معهن وهو ولهان إلى أن أتى بهن إلى المخدع الذي فيه بنت الملك وفتحه ودخل وهن خلفه، فلما رأينها وعاين جمالها قبلن الأرض بين يديها وتعجبن من حسن صورتها وظرف معانيها وسلمن عليها وقلن لها: والله يا بنت الملك الأعظم إن هذا شيء عظيم ولو سمعت بوصف هذا الإنسي عند النساء لكنت تتعجبين منه طول دهرك وهو متعلق بك غاية التعلق إلا أنه يا بنت الملك لم يطلب فاحشة وما طلبك إلا في الحلال، ولو علمنا أن البنات تستغني عن الرجال لكنا منعناه عن مطلوبه مع أنه لم يرسل إليك رسولاً بل أتى إليك بنفسه وأخبرنا أنه أحرق الثوب الريش وإلا كنا أخذناه منه.ثم أن واحدة من البنات اتفقت هي وإياها وتوكلت في العقد وعقدت عقدها على حسن وصافحها ووضع يده في يدها وزوجنها له بإذنها وعملن في فرحها ما يصلح لبنات الملوك وأدخلنه عليها فقام حسن وفتح الباب وكشف الحجاب وفض ختمها وتزايدت محبته فيها وتعاظم وجده شغفاً بها وحيث حصل مطلوبه هنأ نفسه وأنشد هذه الأبيات:
قوامك فتانٌ وطرفـك أحـورٌ
ووجهك من ماء الملاحة يقطر
تصورت في عيني أجل تصور
فنصفك ياقوت وثلثك جوهـر
وخمسك من مسك وسدسك عنبر
وأنت شبيه الدر بل أنت أزهر
وما ولدت حواء مثلـك واحـداً
ولا في جنان الخلد مثلك آخـر

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 744

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 745
فإن شئت تعذيبي فمن سنن الـهـوى
وإن شئت أن تعفي فأنت مـخـير
فيا زينة الدنيا ويا غـاية الـمـنـى
فمن ذا الذي عن حسنٍ وجهك يصبر وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السابعة والأربعين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن حسناً لما دخل على بنت الملك وأزال بكارتها والتذ بها لذة عظيمة وزادت محبته لها ووجده بها فأنشد فيها الأبيات المذكورة وكانت البنات واقفات على الباب فلما سمعن الشعر قلن لها يا بنت الملك اسمعي قول هذا الإنسي وكيف تلوميننا وقد أنشد الشعر في هواك فلما سمعت ذلك انبسطت وانشرحت وفرحت.ثم إن حسناً أقام معها أربعين يوماً في حظٍ وسرورٍ ولذةٍ وحبور والبنات يجددن له كل يوم فرحاً ونعمة وهدايا وتحفا وهو بينهن في سرورٍ وانشراحٍ وطاب لبنت الملك القعود بينهن ونسيت أهلها، ثم بعد الأربعين يوماً كان حسن نائماً فرأى والدته حزينة عليه وقد رق عظمها وانتحل جسمها واصفر لونها وتغير وكان هو في حالة حسنة.فلما رأته على هذه الحالة قالت له: يا ولدي يا حسن كيف تعيش في الدنيا منعماً وتنساني فانظر حالي بعدك وأنا ما أنساك ولا لساني يترك ذكرك حتى أموت وقد عملت لك قبراً عندي في الدار حتى لا أنساك أبداً، أترى أعيش يا ولدي وأنظرك عندي ويعود شملنا مجتمعاً كما كان، فانتبه حسن من نومه وهو يبكي وينوح ودموعه تجري على خديه مثل المطر وصار حزيناً كئيباً لا ترتفع دموعه ولم يجئه نوم ولا يقر له قرار ولم يبق عنده اصطبار، فلما أصبح دخلن عليه البنات وصبحن عليه وانشرحن معه على عادتهن فلم يلتفت إليهن فسألن زوجته عن حاله فقالت لهن: ما أدري فقلن لها: اسأليه عن حاله فتقدمت إليه وقالت له: ما الخبر يا سيدي? فتنهد وتضجر وأخبرها بما رآه في منامه ثم أنشد هذين البيتين:
قد بقين موسوسين حيارى
نطلب القرب ما إليه سبيل
فدواهي الهوى تزيد علينـا
ومقام الهوى علينا ثقـيلفأخبرتهن زوجته بما قاله لها، فلما سمعت البنات الشعر رفقن لحاله وقلن له: تفضل باسم الله ما نقدر أن نمنعك من زيارتها بل نساعدك على زيارتها بكل ما نقدر عليه ولكن ينبغي أن تزورنا ولا تنقطع عنا ولو في كل سنة مرة واحدة، فقال لهن سمعاً وطاعةً فقامت البنات من وقتهن وعملن له الزاد وجهزن له العروسة بالحلي والحلل وكل شيء غال يعجز عنه الوصف وهيأن له تحفاً تعجز عن حصرها الأقلام.ثم إنهن ضربن الطبل فجاءت النجائب إليهن من كل مكانٍ فاخترن منها ما يحمل جميع ما جهزته وأركبن الجارية وحسناً وحملن إليها خمسة وعشرين تختاً من الذهب وخمسين من الفضة، ثم سرن معهما ثلاثة أيام فقطعن فيها مسافة ثلاثة أشهر، ثم إنهن ودعنها وأردن الرجوع عنهما، هذا ما كان منهن. وأما ما كان من أمر حسن فإنه سار طول الليل والنهار يقطع مع زوجته البراري والقفار والأودية والأوعار في الهوا جر والأسحار وكتب الله تعالى لهما السلامة فسلما ووصلا إلى مدينة البصرة، ولم يزالا سائرين حتى أناخا على باب نجائبهما، ثم صرف النجائب وتقدم إلى الباب ليفتحه فسمع والدته وهي تبكي بصوت رقيق من كبد ذاق عذاب الحريق وهي تنشد هذه الأبيات:
وكيف يذوق النوم من عدم الكرى
ويسهـر لـيلاً والأنـام رقـود
وقد كان ذا مـال وأهـل عـزة
فأضحى غريب الدار وهو وحيد
له جمر بـين الـضـلـوع وأنة
وشوق شديد ما عـلـيه مـزيد
تولى عليه الوجد والوجد حاكـم
ينوح بما يلقـاه وهـو جـلـيد
وحالته في الحب تخـبـر أنـه
حزين كئيب والدموع شـهـودفبكى حسن لما سمع والدته تبكي وتندب، ثم طرق الباب طرقة مزعجة فقالت أمه: من بالباب? فقال لها: افتحي ففتحت الباب ونظرت إليه، فلما عرفته خرت مغشياً عليها، فما زال يلاطفها إلى أن فاقت فعانقها وعانقته وقبلته، ثم نقل حوائجه ومتاعه إلى داخل الدار والجارية تنظر إلى حسن وأمه، ثم إن أم حسن لما اطمئن قلبها وجمع الله شملها بولدها أنشدت هذه الأبيات:
رق الزمان لحالتـي
ورثى لطول تحرقي
وأنالني ما أشتـهـي
وأزال مما أتـقـي

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 745

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 746
فلأصفحن عما جنـى
من الذنوب السبـق
حتى جنايتـه بـمـا
فعل المشيب بمفرقي وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح
وفي الليلة الثامنة والأربعين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن والدة حسن قعدت وإياه يتحدثان وصارت تقول له: كيف حالك يا ولدي مع الأعجمي? فقال لها: يا أمي ما كان أعجمياً بل كان مجوسياً يعبد النار دون الملك الجبار، ثم أنه أخبرها بما فعل به من أنه سافر به وحطه في جلد الجمل وخيطه عليه وحملته الطيور وحطته فوق الجبل، وأخبرها بما رآه فوق الجبل من الخلائق الميتين الذين كان يحتال عليهم المجوسي ويتركهم فوق الجبل بعد أن يقضوا حاجته وكيف رمى روحه في البحر من فوق الجبل وسلمه الله تعالى وأوصله إلى قصر البنات ومؤاخات البنت له وقعوده عند البنات وكيف أوصل الله المجوسي إلى المكان الذي هو فيه وقتله إياه، وأخبرها بعشق الصبية وكيف اصطادها وبقصتها كلها إلى أن جمع الله شملهما ببعضهما فلما سمعت أمه حكايته تعجبت وحمدت الله تعالى على عافيته وسلامته، ثم قامت إلى تلك الحمول فنظرتها وسألته عنها فأخبرها بما فيها ففرحت فرحاً عظيماً، ثم تقدمت إلى الجارية تحدثها وتؤانسها فلما وقعت عينها عليها اندهش عقلها من ملاحتها وفرحت وتعجبت من حسنها وجمالها وقدها واعتدالها ثم قالت: يا ولدي الحمد لله على السلامة وعلى رجوعك بالسلامة ثم إن أمه قعدت جنب الصبية وآنستها وطيبت خاطرها ثم نزلت في بكرة النهار إلى السوق فاشترت عشر بدلاتٍ من أفخر ما في المدينة من الثياب وأحضرت لها الفرش العظيم وألبست الصبية وجملتها بكل شيء مليح، ثم أقبلت على ولدها وقالت: يا ولدي نحن بهذا المال لا نقدر أن نعيش في هذه المدينة وأنت تعرف أننا ناس فقراء والناس يتهموننا بعمل الكيمياء، فقم بنا نسافر إلى مدينة بغداد دار السلام لنقيم في حرم الخليفة وتقعد أنت في دكان فتبيع وتشتري وتتقي الله عز وجل فيفتح عليك بهذا المال.فلما سمع حسن كلامها استصوبه وقام من وقته وخرج من عندها وباع البيت وأحضر النجائب وحمل عليها جميع أمواله وأمتعته وأمه وزوجته وسار ولم يزل سائراً إلى أن وصل إلى الدجلة فاكترى مركباً لبغداد ونقل فيه جميع ماله وحوائجه ووالدته وزوجته وكل ما كان عنده، ثم ركب المركب فسار بهم في ريح طيبة مدة عشرة أيام حتى أشرفوا على مدينة بغداد، فلما أشرفوا عليها ودخل بهم المركب المدينة طلع من وقته وساعته إلى المدينة واكترى مخزناً في الخانات، ثم نقل حوائجه من المركب إليه وطلع وأقام ليلة في الخان فلما أصبح غير ما عليه من الثياب. فلما رآه الدلال سأله عن حاجته وعما يريد فقال: أريد دار تكون مليحة واسعة فعرض عليه الدور التي عنده فأعجبته دار كانت لبعض الوزراء فاشتراها منه بمائة ألف دينار من الذهب وأعطاه الثمن، ثم عاد إلى الخان الذي نزل فيه ونقل جميع ماله وحوائجه إلى الدار، ثم خرج إلى السوق وأخذ ما تحتاج إليه الدار من آنية وفرش وغير ذلك واشترى خدماً ومن جملتها عبداً صغيراً للدار وأقام مطمئناً مع زوجته في ألذ عيش وسرور مدة ثلاث سنين وقد رزق بغلامين سمى أحدهما ناصراً والآخر منصوراً.

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 746

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 747
وبعد هذه المدة تذكر أخواته البنات وتذكر إحسانهن إليه وكيف ساعدنه على مقصوده فاشتاق إليهن وخرج إلى أسواق المدينة فاشترى منها شيئاً من حلي وقماش نفيس ونقل وأشياء نادرة وغير موجودة عندهم، فسألته أمه عن سبب شراء تلك التحف فقال لها: إني عزمت على أن أسافر إلى أخواتي اللاتي فعلن معي كل جميل ورزقي الذي أنا أنعم فيه من خيرهن وإحسانهن، فإني أريد أن أسافر إليهن وأنظرهن وأعود قريباً إن شاء الله تعالى. فقالت له: يا ولدي لا تغب عني، فقال لها: اعلمي يا أمي كيف تكونين مع زوجتي وهذا ثوبها الريش مدفون في الأرض فاحرصي عليه لئلا تقع عليه فتأخذه وتطير هي وأولادها ويروحون وأبقى لا أقع لهم على خبر فأموت كمداً من أجلهم، واعلمي يا أمي أني أحذرك من أن تذكري لها واعلمي أنها بنت ملك الجان وما في ملوك الجان أكبر من أبيها ولا أكثر منه جنوداً ولا مالاً، واعلمي أنها سيدة قومها وأعز ما عند أبيها، فهي عزيزة النفس جداً فاخدميها أنت بنفسك ولا تمكنيها من أن تخرج من الباب أو تطل من الطاقة أو من حائط فإني أخاف عليها من الهواء إذا هب وإذا جرى عليها أمر من أمور الدنيا فأنا أقتل روحي من أجلها.فقالت أمه: أعوذ بالله من مخالفتك يا ولدي هل أنا مجنونة أن توصيني بهذه الوصية وأخالفك فيها، سافر يا ولدي وطب نفساً وسوف تحضر في خير وتنظرها إن شاء الله تعالى بخير وتخبرك بما جرى لها مني ولكن يا ولدي لا تقعد غير مسافة الطريق.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة التاسعة والأربعين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن حسناً لما أراد السفر إلى البنات وصى أمه على زوجته على حسب ما ذكرنا وكانت زوجته بالأمر المقدر تسمع كلامه وهما لا يعرفان ذلك ثم إن حسناً قام وخرج إلى خارج المدينة ودق الطبل فحضرت له النجائب فحمل عشرين من تحف العراق وودع والدته وزوجته وأولاده وكان عمر واحد من ولديه سنة والآخر سنتين ثم انه رجع إلى والدته وأوصاها ثانية ثم انه ركب إلى أخواته ولم يزل مسافراً ليلاً ونهاراً في أودية وجبال وسهول وأوعار مدة عشرة أيام وفي اليوم الحادي عشر وصل إلى القصر ودخل على أخواته ومعه الذي أحضره إليهن فلما رأينه فرحن به وهنينه بالسلامة وأما أخته فأنها زينت القصر ظاهره وباطنه ثم إنهن أخذن الهدايا وأنزلنه في مقصورة مثل العادة وسألنه عن والدته وزوجته فأخبرهن أنها ولدت منه ولدين ثم أن أخته الصغيرة لما رأته طيباً بخير فرحت فرحاً شديداً وأنشدت هذا البيت:
واسأل الريح عنكم كلما خـطـر
وغيركم في فؤادي قط ما خطرا ثم أنه أقام عندهن في الضيافة والكرامة مدة ثلاثة أشهر وهو في فرح وسرور وغبطة وحبور وصيد وقنص، هذا ما كان من حديثه. وأما ما كان من حديث أمه وزوجته فإنه لما سافر حسن أقامت زوجته يوماً وثانياً مع أمه وقالت لها في اليوم الثالث: سبحان الله هل أقعد معه ثلاث سنين ما أدخل الحمام وبكت فرقت أمه لحالها وقالت لها: يا ابنتي نحن غرباء وزوجك ما هو في البلد فلو كان حاضراً كان يقوم بخدمتك أما أنا فلا أعرف أحداً ولكن يا بنتي اسخن لك الماء واغسل رأسك في حمام البيت.فقالت لها: يا سيدتي لو قلت هذا القول لبعض الجواري كانت طلبت البيع في السوق وما كنت تقعد عندكم ولكن يا سيدتي إن الرجال معذورون فإن عندهم غيرة وعقولهم تقول لهم إن المرأة إذا خرجت من بيتها ربما تعمل فاحشة والنساء يا سيدتي ما كلهن سواء وأنت تعرفين أن المرأة إذا كان لها غرض في شيء ما يغلبها أحد ولا يقدر أن يحرص عليها ولا يصونها ولا يمنعها من الحمام ولا غيره ولا من أن تعمل كل ما تختاره ثم إنها بكت ودعت على نفسها وصارت تعدد على نفسها وغربتها فرقت لحالها أم زوجها وعلمت أن كل ما قالته لابد منه فقامت وهيأت حوائج الحمام التي يحتاجان إليها، وأخذتها وراحت إلى الحمام.

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 747

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 748
فلما دخلتا الحمام قلعت ثيابها فصار النساء جميعاً ينظرن ويسبحن الله عز وجل ويتأمل فيما خلق من الصورة البهية وصار كل من جاز من النساء على الحمام يدخل ويتفرج عليها وشاع في البلد ذكرها وازدحم النساء عليها وصار الحمام لا ينشق من كثرة النساء اللاتي فيه فاتفق بسبب ذلك الأمر العجيب أنه حضر إلى الحمام في ذلك اليوم جارية من جواري أمير المؤمنين هارون الرشيد ويقول لها تحفة العوادة فرأت النساء في زحمة والحمام لا ينشق من كثرة النساء والبنات فسألت عن الخبر فأخبرتها بالصبية فجاءت عندها ونظرت إليها وتأملت فيها فتحير عقلها من حسنها وجمالها وسبحت الله جل جلاله على ما خلق من الصور الملاح ولم تدخل ولم تغتسل وإنما صارت قاعدة وباهتة في الصبية إلى أن فرغت الصبية من الغسل وخرجت لبست ثيابها فزادت حسناً على حسنها.فلما خرجت من الحرارة قعدت على البساط والمساند وصارت النساء ناظرات إليها فالتفتت إليهن وخرجت فقامت تحفة العوادة جارية الخليفة، وخرجت معها حتى عرفت بيتها وودعتها ورجعت إلى قصر الخليفة وما زالت سائرة حتى وصلت بين أيادي السيدة زبيدة وقبلت الأرض بين يديها فقالت السيدة زبيدة يا تحفة ما سبب إبطائك في الحمام فقالت يا سيدتي رأيت أعجوبة ما رأيت مثلها في الرجال ولا في النساء وهي التي شغلتني وأدهشت عقلي وحيرتني حتى أنني ما غسلت رأسي فقالت وما هي يا تحفة.قالت يا سيدتي رأيت جارية في الحمام ومعها ولدان صغيران كأنهما قمران ما رأى أحد مثلها لا قبلها ولا بعدها في الدنيا بأسرها وحق نعمتك يا سيدتي إن عرفت بها أمير المؤمنين قتل زوجها وأخذها منه لأنه لا يوجد مثلها واحدة من النساء وقد سألت عن زوجها فقيل بأنه رجل تاجر اسمه حسن البصري وتبعتها عند خروجها من الحمام إلى أن دخلت بيتها فرأيته بيت الوزير الذي له بابان باب من جهة البحر وباب من جهة البر وأنا أخاف يا سيدتي أن يسمع بها أمير المؤمنين فيخالف الشرع ويقتل زوجها ويتزوج بها.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الخمسين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن جارية أمير المؤمنين لما رأت زوجة حسن البصري ووصفت حسنها للسيدة زبيدة وقالت يا سيدتي أني أخاف أن يسمع أمير المؤمنين فيخالف الشرع ويقتل زوجها ويتزوج بها فقالت السيدة زبيدة ويلك يا تحفة هل بلغت هذه الجارية من الحسن والجمال أن أمير المؤمنين يبيع دينه بدنياه ويخالف الشرع لأجلها والله لا بد لي من النظر إلى هذه الصبية فإن لم تكن كما ذكرت أمرت بضرب عنقك يا فاجرة إن في سراية أمير المؤمنين ثلثماية وستين جارية بعدد أيام السنة ما فيهن واحدة بالصفات التي تذكرينها فقالت يا سيدتي لا والله ولا في بغداد بأسرها مثلها بل ولا في العجم ولا في العرب ولا في خلق الله عز وجل مثلها.فعند ذلك دعت السيدة زبيدة بمسرور فحضر وقبل الأرض بين يديها فقالت له يا مسرور اذهب إلى دار الوزير التي ببابين باب على البحر وباب على البر وائت بالصبية التي هناك هي وأولادها والعجوز التي عندها بسرعة ولا تبطئ فقال مسرور السمع والطاعة فخرج من بين يديها حتى وصل إلى باب الدار فطرق الباب فخرجت له العجوز أم حسن وقالت من بالباب فقال لها مسرور خادم أمير المؤمنين ففتحت الباب ودخل فسلم عليها وسلمت عليه وسألته عن حاجته فقال لها إن السيدة زبيدة بنت القاسم زوجة أمير المؤمنين هارون الرشيد السادس من بني العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم تدعوك إليها وزوجة ابنك وأولادك فأن النساء أخبرنها عنها وعن حسنها.فقالت أم حسن: يا مسرور نحن ناس غرباء وزوج البنت ولدي ما هو في البلد ولم يأمرني بالخروج أنا ولا هي لأحد من خلق الله تعالى وأنا أخاف أن يجري أمر ويحضر ولدي فيقتل روحه فمن إحسانك يا مسرور أن تكلفنا ما لا نطيق، فقال مسرور: يا سيدتي لو علمت أن في هذا خوف عليكم ما كلفتكم الرواح وإنما مراد السيدة زبيدة أن تنظرها وترجع فلا تخالفي تندمي وكما آخذكما أردكما إلى هنا سالمين إن شاء الله تعالى، فما قدرت أم حسن أن تخالفه فدخلت وهيأت الصبية وأخرجتها هي وأولادها وساروا خلف مسرور وهو قدامهم إلى قصر الخليفة فطلع بهم حتى أوقفهم قدام السيدة زبيدة فقبلوا الأرض بين يديها ودعوا لها والصبية مستورة الوجه.

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 748

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 749
فقالت لها السيدة: أما تكشفين عن وجهك لأنظره فقبلت الصبية الأرض بين يديها وأسفرت عن وجه يخجل البدر في أفق السماء، فلما نظرتها شخصت إليها وسرحت فيها النظر وأضاء القصر من نور وجهها.واندهشت زبيدة من حسنها، وكذلك كل من في القصر وصار كل من رآها مجنوناً لا يقدر أن يكلم أحداً ثم إن السيدة زبيدة قامت وأوقفت الصبية وضمتها إلى صدرها وأجلستها معها على السرير وأمرت أن يزينوا القصر ثم أمرت بأن يحضر لها بدلة من أفخر الملبوس وعقداً من أنفس الجواهر وألبست الصبية إياهما، وقالت لها يا سيدة الملاح أنك عجبتيني وملأت عيني، أي شيء عندك من الذخائر.فقالت لها الصبية يا سيدتي لي ثوب ريش لو لبسته بين يديك لرأيت أحسن ما تتعجبين منه ويتحدث بحسنة كل من يراه جيلاً بعد جيل فقالت وأين ثوبك هذا قالت هو عند أم زوجي فاطلبيه لي منها فقالت السيدة زبيدة يا أمي بحياتي عندك أن تنزلي وتأتي لها بثوبها الريش حتى تفرجنا على الذي تفعله وخذيه ثانياً فقالت العجوز: يا سيدتي هذه كذابة هل رأينا أحداً من النساء له ثوب من الريش فهذا لا يكون إلا للطيور فقالت الصبية للسيدة: زبيدة وحياتك يا سيدتي لي عندها ثوب ريش، وهو في صندوق مدفون في الخزانة التي في الدار.فقلعت السيدة زبيدة من عنقها عقد جوهر يساوي خزائن كسرى وقيصر وقالت لها يا أمي خذي هذا العقد وناولتها إياه وقالت لها: بحياتي أن تنزلي وتأتي بذلك الثوب لنتفرج عليه وخذيه بعد ذلك فحلفت لها أنها ما رأت هذا الثوب ولا تعرف له طريقاً فصرخت السيدة زبيدة على العجوز وأخذت منها المفتاح ونادت مسروراً فقالت له: خذ هذا المفتاح واذهب إلى الدار وافتحها، وادخل الخزانة التي بابها كذا وكذا، وفي وسطها صندوقاً فأخرجه واكسره وهات الثوب الريش الذي فيه وأحضره بين يدي.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الواحدة والخمسين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن السيدة زبيدة لما أخذت المفتاح من أم حسن وأعطته لمسرور وقالت له: خذ هذا المفتاح وافتح الخزانة الفلانية وأخرج منها الصندوق واكسره، وأخرج منه الثوب الريش الذي فيه وأحضره بين يدي فقال: سمعاً وطاعةً، ثم أنه تناول المفتاح من يد السيدة زبيدة وسار فقامت العجوز أم حسن وهي باكية العين، ندمانة على مطاوعة الجارية ورواحها الحمام معها ولم تكن الصبية طلبت الحمام إلا مكيدة، ثم إن العجوز دخلت هي ومسرور وفتحت باب الخزانة فدخل وأخرج الصندوق وأخرج منه القميص الريش ولفه معه في فوطة وأتى به إلى السيدة زبيدة، فأخذته وقبلته وتعجبت من حسن صناعته ثم ناولته لها وقالت لها: هل هذا ثوبك الريش.قالت: نعم يا سيدتي ومدت الصبية يدها إليه وأخذته منها وهي فرحة ثم إن الصبية تفقدته فرأته صحيحاً كما كان عليه ولم يقع منه ريشة ففرحت به وقامت من جنب السيدة زبيدة وأخذت القميص وفتحته وأخذت أولادها في حضنها واندرجت فيه وصارت طيرة بقدرة الله عز وجل فتعجبت السيدة زبيدة من ذلك وكذلك كل من حضر وصار الجميع يتعجبون من فعلها ثم إن الصبية تمايلت وتمشت ورقصت ولعبت وقد شخص لها الحاضرون وتعجبوا من فعلها ثم قالت لهم بلسان يا سادتي هل هذا مليح.فقال لها الحاضرون نعم يا سيدتي الملاح كل ما فعلته مليح ثم قالت: وهذا الذي أعمله أحسن منه يا سيدتي وفتحت أجنحتها وطارت بأولادها وصارت فوق القبة ووقفت على سطح القاعة فنظروا إليها بالأحداق وقالوا لها: والله هذه صنعة غريبة مليحة ما رأيناها قط ثم إن الصبية لما أرادت أن تطير إلى بلادها تذكرت حسناً وقالت اسمعوا يا سادتي وأنشدت هذه الأبيات:
يا من خلا عن ذي الـديار وسـار
نحو الحبائب مـسـرعـاً فـرارا
أظن أني فـي نـعـيم بـينـكـم
والعيش منكـم لـم يكـن أكـدارا
لما أسرت وصرت في شرك الهوى
جعل الهوى سجني وشط مـزارا
لما اختفى ثوبـي تـيقـن أنـنـي
لم ادع فيه الـواحـد الـقـهـارا
قد صار يوصي أمه بـحـفـاظـه
في مخدع وعداً عـلـي وجـارا
فسمعت ما قالوه ثم حـفـظـتـه
ورجـوت خـيراً زائداً مـدرارا
فرواحي الحـمـام كـان وسـيلة
حتى غدت في العقـول حـيارى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق