السبت، 6 فبراير 2010

146


قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن سيف الملوك لما أراد أن يرمي نفسه في البحر منعته المماليك وقالت له: أي شيء يفيد هذا، فأنت فعلت بنفسك هذه الفعال ولكن هذا شيء مكتوب بإرادة بارئ النسم حتى يستوفي العبد ما كتب الله تعالى عليه وقد قال المنجمون لأبيك عند والدتك: إن ابنك هذا تجري عليه الشدائد كلها وحينئذ ليس عليه إلا الصبر حتى يفجر الله عنا الكرب الذي نحن فيه فقال سيف الملوك: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، لا مفر من قضاء الله تعالى ولا مهرب.ثم غرق في بحر الأفكار وجرت دموعه على خده كالمدرار، ونام ساعة من النهار، ثم استفاق وطلب شيئاً من الأكل فأكل حتى اكتفى ورفعوا الزاد من قدامه والزورق سائراً بهم، ولم يعلموا إلى أي جهة يتوجه بهم مع الأمواج والرياح ليلاً ونهاراً مدة مديدة من الزمان حتى فرغ منهم الزاد وذهبوا عن الرشاد وصاروا في أشد ما يكون من الجوع والعطش والقلق وإذا بجزيرة قد لاحت لهم على بعد فصارت الرياح تسوقهم إلى أن وصلوا إليها وأرسوا عليها وطلعوا من الزورق وتركوا فيه واحداً، ثم توجهوا إلى تلك الجزيرة فرأوا فيها فواكه كثيرة من سائر الألوان فأكلوا حتى اكتفوا، وإذا هم بشخص جالس على قطعة لباد سوداء فوق صخرة من الحجر، وحواليه الزنوج وهم جماعة كثيرة واقفون في خدمته. فجاء هؤلاء الزنوج وأخذوا سيف الملوك ومماليكه وأوقفوهم بين يدي ملكهم وقالوا: إنا لقينا هذه الطيور بين الأشجار وكان الملك جائعاً فأخذ من المماليك اثنين وذبحهما وأكلهما.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثالثة والعشرين بعد السبعمائة

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 715

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 716
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الزنوج لما أخذوا الملك سيف الملوك ومماليكه وأوقفوهم بين يدي ملكهم، وقالوا له: يا ملك إنا لقينا هذه الطيور بين الأشجار أخذ ملكهم مملوكين وذبحهما وأكلهما فلما رأى سيف الملوك هذا الأمر خاف على نفسه وبكى. فلما سمع الملك بكاءه وتعديده قال: إن هؤلاء الطيور مليحة الصوت والنغمة قد أعجبتني أصواتهم فاجعلوا كل واحد منهم في قفص فحطوا كل واحد منهم في قفص، وعلقوهم على راس الملك ليسمع أصواتهم ومماليكه في الأقفاص والزنوج يطعمونهم ويسقونهم، وهم ساعة يبكون وساعة يضحكون وساعة يتكلمون وساعة يسكتون كل هذا وملك الزنوج يتلذذ بأصواتهم ولم يزالوا على تلك الحالة مدة من الزمان وكان للملك بنت متزوجة في جزيرة أخرى فسمعت أن أباها عنده طيور لها أصوات مليحة، فأرسلت جماعة إلى أبيها تطلب منه شيئاً من الطيور، فأرسل إليها أبوها سيف الملوك وثلاثة مماليك في أربعة أقفاص مع القاصد الذي جاء في طلبهم. فلما وصلوا إليها ونظرتهم أعجبوها، فأمرت أن يطلعهم في موقع فوق رأسها فصار سيف الملوك يتعجب مما جرى له ويتفكر ما كان فيه من العز وصار يبكي على نفسه والمماليك الثلاثة يبكون على أنفسهم، كل هذا وبنت الملك تعتقد أنهم يغنون وكانت عادة بنت الملك إذا وقع عندها أحد من بلاد مصر، أو من غيرها وأعجبها يصير له عندها منزلة عظيمة وكان بقضاء الله تعالى وقدره أنها لما رأت سيف الملوك أعجبها حسنه وجماله وقده واعتداله فأمرت بإكرامهم واتفق أن اختلت يوماً من الأيام بسيفي الملوك وطلبت منه أن يجامعها فأبى سيف الملوك ذلك وقال لها: يا سيدتي أنا رجل غريب وبحب الذي أهواه كئيب وما أرضى بغير وصاله فصارت بنت الملاك تلاطفه وتراوده فامتنع منها ولم تقدر أن تدنو منه ولا أن تصل إليه بحال من الأحوال، فلما أعياها أمره غضبت عليه وعلى مماليكه، وأمرتهم أن يخدموها وينقلوا الماء والحطب فمكثوا على هذه الحالة أربع سنوات، فأعيا الملك سيف ذلك الحال وأرسل يتشفع الملكة، عسى أن تعتقهم ويمضوا إلى حال سبيلهم ويستريحوا مما هم فيه، فأرسلت أحضرت سيف الملوك وقالت: إن وافقتني على غرضي أعتقك من الذي أنت فيه وتروح لبلادك سالماً غانماً وما زالت تتضرع إليه وتأخذ بخاطره فلم يجبها إلى مقصودها فأعرضت عنه مغضبة وسار سيف الملوك والمماليك عندها في الجزيرة على تلك الحالة وعرف أهلها أنهم طيور بنت الملك فلم يتجاسر أحد من اهل المدينة أن يضرهم بشيء وصار قلب بنت الملك مطمئناً عليهم، وتحققت أنهم ما بقي لهم خلاص من هذه الجزيرة فصاروا يغيبون عنها ليومين والثلاثة ويدورون في البرية ليجمعوا الحطب من جوانب الجزيرة ويأتوا به إلى مطبخ بنت الملك، فمكثوا على هذه الحالة خمس سنوات، فاتفق أن سيف الملوك قعد هو ومماليكه يوماً من الأيام على ساحل البحري يتحدثون فيما جرى فالتفت سيف الملوك فرأى نفسه فيهذا المكان هو ومماليكه فتذكر أمه وأباه وأخاه ساعداً وتذكر العز الذي كان فيه، فبكى وزاد في البكاء والنحيب وكذلك المماليك بكوا مثله.

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 716

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 717
ثم قال له المماليك: يا ملك الزمان إلى متى تبكي، والبكاء لا يفيد وهذا أمر مكتوب على جباهنا بتقدير الله عز وجل، وقد جرى القلم بما حكم وما ينفعنا إلا الصبر، لعل الله سبحانه وتعالى الذي ابتلانا بهذه الشدة يفرجها عنا فقال لهم سيف الملوك: يا اخواني كيف نعمل في خلاصنا من هذه الملعونة ولا أرى لنا خلاصاً إلا أن يخلصنا الله منها بفضله، ولكن خطر ببالي أننا نهرب ونستريح من هذا التعب، فقالوا له: يا ملك الزمان أين نروح من هذه الجزيرة وهي كلها غيلان يأكلون بني آدم وكل موضع توجهنا إليه وجدونا فيه فإما أن يأكلونا وإما أن يأسرونا ويردونا إلى موضعنا وتغضب علينا بنت الملك، فقال سيف الملوك: أنا أعمل لكم شيئاً لعل الله تعالى يساعدنا به على الخلاص ونخلص من هذه الجزيرة فقالوا له: كيف تعمل? فقال: نقطع من هذه الأخشاب الطوال ونفتل من قشرها حبالاً، ونربط بعضها في بعض ونجعلها فلكاً ونرميه في البحر ونملؤه من تلك الفاكهة، ونعمل له مجاذيف وننزل فيه لعل الله تعالى أن يجعل لنا فرجاً فإنه على كل شيء قدير، وعسى الله أن يرزقنا الريح الطيب الذي يرسلنا إلى بلاد الهند ونخلص من هذه الملعونة فقالوا له: هذا رأي حسن وفرحوا به فرحاً شديداً وقاموا في الوقت والساعة يقطعون الأخشاب لعمل الفلك ثم فتلوا الحبال لربط الأخشاب في بعضها واستمروا على ذلك مدة شهر وكل يوم في آخر النهار يأخذون شيئاً من الحطب، ويروحون به إلى مطبخ بنت الملك ويجعلون بقية لنهار لأشغالهم في صنع الفلك إلى أن أتموه.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الرابعة والعشرين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن سيف الملوك ومماليكه لما قطعوا الأخشاب من الجزيرة وفتلوا الحبال وربطوا الفلك الذي عملوه، فلما فرغوا من عمله رموه في البحر وسقوه من الفواكه التي في الجزيرة من تلك الأشجار وتجهزوا في آخر يومهم ولم يعلموا أبداً بما فعلوا، ثم ركبوا في ذلك الفلك وساروا في البحر مدة أربعة أشهر، ولم يعلموا أين يذهب بهم وفرغ منهم الزاد وصاروا في أشد ما يكون من الجوع والعطش، وإذا بالبحر قد أرغى وأزبد وطلع منه أمواج عالية، فأقبل عليهم تمساح هائل ومد يده وخطف مملوكاً من المماليك وبلعه، فلما رأى سيف الملوك ذلك التمساح فعل بالمملوك ذلك الفعل بكى بكاء شديداً، وصار في الفلك هو والمملوك الباقي وحدهما وبعدا عن مكان التمساح وهما خائفان، ولم يزالا كذلك حتى ظهر لهما يوماً من الأيام جبل عظيم هائل عال شاهق في الهواء ففرحا به وظهر لهما بعد هذه الجزيرة فجدا في السير إليها وهما مستبشران بدخولهما الجزيرة.فبينما هما على تلك الحالة، وإذا بالبحر هاج وعلت أمواجه وتغيرت حالاته، فرفع التمساح رأسه ومد يده فأخذ المملوك الذي بقي من مماليك سيف الملوك وبلعه، فصار سيف الملوك وحده حتى وصل إلى الجزيرة وصال يعالج إلى أن صعد فدق الجبل، ونظر فرأى غابة فدخل الغابة ومشى بين الأشجار وصار يأكل من الفواكه فرأى الأشجار وقد طلع فوقها ما يزيد عن عشرين قرداً راكباً كل واحد منهم أكبر من البغل، فلما رأى سيف الملوك هذه القرود حصل له خوف شيديد، ثم نزلت القرود واحتاطوا به من كل جانب وبعد ذلك ساروا أمامه وأشاروا إليه أن يتبعهم ومشوا، فمشى سيف الملوك خلفهم وما زالوا سائرين وهو تابعهم حتى أقبلوا على قلعة عالية البنيان مشيدة الأركان، فدخلوا تلك القلعة ودخل سيف الملوك وراءهم فرأى فيها من سائر التحف والجواهر والمعادن ما يكل عن وصفه اللسان، ورأى في تلك القلعة شاباً لا نبات بعارضه لكنه طويل زائد الطول.

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 717

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 718
فلما رأى سيف الملوك ذلك الشاب استأنس به، ولم يكن في تلك القلعة غير ذلك الشاب من البشر، ثم إن الشاب لما رأى سيف الملوك أعجبه غاية الإعجاب، فقال له: ما اسمك ومن أي البلاد أنت وكيف وصلت إلى هنا? فأخبرني بحديثك ولا تكتم شيئاً فقال له سيف الملوك: أنا والله ما وصلت إلى هنا بخاطري ولا كان هذا المكان مقصودي، وأنا ما أزال أسير من مكان إلى مكان آخر حتى أنال مطلوبي أو يكون سعيي إلى مكان فيه أجلي فأموت، ثم إن الشاب التفت إلى قرد وأشار إليه، فغاب القرد ساعة ثم أتى ومعه قرود مشددة الوسط بالفوط الحرير وقدموا السماط ووضعت عليه نحو مائة صحفة من الذهب والفضة وفيها من سائر الأطعمة وصارت القرود واقفة على عادة الأتباع بين يدي الملوك ثم أشار للحجاب بالقعود فقعدوا ووقف الذي عاته الخدم ثم أكلوا حتى اكتفوا، ثم رفعوا السماط وأتوا بطشوت وأباريق من الذهب فغسلوا أيديهم ثم جاؤوا بأواني الشراب نحو أربعين آنية فيها أنواع من الشراب فشربوا وتلذذوا وطربوا وطاب لهم وقتهم وجميع القرود يرقصون ويلعبون وقت اشتغال الآكلين بالأكل، فلما رأى سيف الملوك ذلك تعجب منهم ونسي ما جرى له من الشدائد.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الخامسة والعشرين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن سيف الملوك لما رأى فعل القرود ورقصهم تعجب منهم ونسي ما جرى له من الغربة وشدائدها فلما كان الليل أوقدوا الشموع ووضعوها في الشمعدانات الذهبية والفضية، ثم أتوا بأواني النقل والفاكهة فأكلوا ولما جاء وقت النوم فرشوا لهم الفرش وناموا، فلما أصبح الصباح قام الشاب على عادته ونبه سيف الملوك وقال له: اخرج رأسك من الشباك وانظر إلى أي شيء هذا الواقف تحت الشباك فنظر فرأى قروداً قد ملأت الفلا الواسع والبرية كلها وما يعلم عدد القرود إلا الله تعالى فقال سيف الملوك هؤلاء قرود كثيرون قد ملأوا الفضاء ولأي شيء اجتمعوا في هذا الوقت فقال له الشاب: إن هذه عادتهم وجميع ما في الجزيرة قد أتى وبعضهم جاء من سفر يومين أو ثلاثة فإنهم يأتون في كل يوم سبت ويقفون هنا حتى أنتبه من منامي وأخرج رأسي من هذا الشباك فحين يبصرونني يقبلون الأرض بين يدي ثم ينصرفون إلى أشغالهم.وأخرج رأسه من الشباك حتى راوه فلما نظروه قبلوا الأرض بين يديه وانصرفوا ثم إن سيف الملوك قعد عند الشاب مدة شهر كامل وبعد ذلك ودعه وسافر فأمر الشاب نفراً من القرود نحو المائة قرد بالسفر معه، فسافروا في خدمة سيفالملوك مدة سبعة أيام حتى أوصلوه إلى آخر جزائرها ثم ودعوه ورجعوا إلى أماكنهم وسافر سيف الملوك وحده في الجبال والتلال والبراري والقفار مدة أربعة أشهر يوماً يجوع ويوماً يشبع ويوماً يأكل الحشائش، ويوماً يأكل من ثمر الأشجار وصار يتندم على ما فعل بنفسه وعلى خروجه من عند ذلك الشاب وأراد أن يرجع إليه على أثره فرأى شبحاً أسود يلوح على بعد فقال في نفسه: هل هذه هي بلدة سوداء أم كيف الحال ولكن لا ارجع حتى أنظر أي شيء هذا الشبح.

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 718

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 719
فلما قرب منه رآه قصراً عالي البنيان وكان الذي بناه يافج بن نوح عليه السلام وهو القصر الذي ذكره الله تعالى في كتابه العزيز وبقوله وبئر معطلة وقصر مشيد. ثم إن سيف الملوك جلس على باب القصر وقال في نفسه: يا ترى ما شأن داخل هذا القصر ومن فيه من الملوك? فمن يخبرني بحقيقة الأمر وهل سكانه من الإنس أو من الجن? فقعد يتفكر ساعة زمانية ولم يجد أحداً بداخله ولا يخرج منه فقام يمشي وهو متوكل على الله تعالى حتى دخل القصر فوجد في طريقه سبعة دهاليز فلم ير أحد ونظر على يمينه ثلاثة أبواب وقدامه باب عليه ستارة مسبولة فتقدم إلى ذلك الباب ورفع الستارة بيده ومشى داخل الباب وإذا هو بإيوان كبير مفروش بالبسط الحرير وفي صدر ذلك الإيوان تخت من الذهب وعليه بنت جالسة وجهها مثل القمر، وعليها ملبوس الملوك وهي كالعروس في ليلة زفافها وتحت التخت اربعون سماطاً وعليها صحاف الذهب والفضة وكلها ملآنة بالأطعمة الفاخرة فلما رآها سيف الملوك أقبل عليها وسلم فردت عليه السلام وقالت له: هل أنت من الإنس أو من الجن? فقال: أنا من خيار الإنس وإني ملك ابن ملك فقالت له: وأي شيء تريد دونك وهذا الطعام وبعد ذلك حدثني بحديثك من أوله إلى آخره وكيف وصلت إلى هذا الموضع فجلس سيف الملوك على السماط، وكشف المكبة عن السفرة وكان جائعاً وأكل من تلك الصحاف حتى شبع، وغسل يديه وطلع على التخت وقعد عند البنت فقالت له: من أنت? وما اسمك? ومن أين جئت? ومن أوصك إلى هنا? فقال لها سيف الملوك: أما أنا فحديثي طويل، فقالت: قل لي: من أين وما سبب مجيئك إلى هنا وما مرادك? فقال لها: أخبريني أنت ما شأنك وما اسمك ومن جاء بك إلى هنا ولأي شيء أنت قاعدة في هذا المكان وحدك? فقالت البنت: أنا اسمي دولة خاتون بنت ملك الهند، وأبي ساكن في مدينة سرنديب ولبي بستان مليح كبير في بلاد الهند وأقطارها أحسن منه، فيه حوض كبير، فدخلت في ذلك البستان يوماً من الأيام مع جواري وتعريت أنا وجواري ونزلنا في ذلك الحوض وصرنا نلعب وننشرح فلم اشعر إلا وشيء مثل السحاب نزل علي وخطفني من بين الجواري وطار بي بين الأرض والسماء وهو يقول: دولة خاتون لاتخافي وكوني مطمئة القلب.ثم طار بي مدة قليلة وبعد ذلك أنزلني في هذا القصر، ثم انقلب من وقته وساعته فإذا هو شاب مليح حسن الشباب نظيف الثياب، وقال لي: أتعرفينني? فقلت: لا يا سيدي، فقال: أنا ابن الملك الأزرق ملك الجان وأبي ساكن في قلعة القلزوم وتحت يده ستمائة ألف من الجن الطيارة والغواصين واتفق لي أني كنت عابراً في طريقي ومتوجهاً إلى حال سبيلي فرأيتك وعشقتك ونزلت عليك وخطفتك من بين الجواري وجئت بك إلى هذا القصر المشيد، وهو موضعي ومسكني، فلا أحد يصل إليه قط لا من الجن ولا من الإنس ومن الهند إلى هنا مسير مائة وعشرين سنة، فتحققي أنك لا تنظرين بلاد أبيك وأمك أبداً فاقعدي عندي في هذا المكان مطمئنة القلب والخاطر، وأنا أحضر بين يديك كل ما تطلبينه ثم بعد ذلك عانقني وقبلني.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السادسة والعشرين بعد السبعمائة

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 719

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 720
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن البنت قالت لسيف الملوك: ثم إن ابن الجان بعد أن أخبرني عانقني وقبلني وقال لي: اقعدي هنا ولا تخافي من شيء ثم تركني وغاب عني ساعة وبعد ذلك أتى ومعه هذا السماط والفرش والبسط، ولكن لم يجيء إلا في كل يوم ثلاثاء وعند مجيئه يأكل ويشرب معي ويعانقني ويقبلني وأنا بنت بكر على الحالة التي خلقني الله عليها، ولم يفعل بي شيئاً وأبي اسمه تاج الملوك ولم يعلم أني بخير ولم يقع لي على اثر وهذا حديثي فحدثني أنت بحديثك، فقال لها سيف الملوك: إن حديثي طويل وأخاف أن أحدثك به يطول الوقت علينا فيجيء العفريت، فقالت له: إنه لم يسافر من عندي إلا قبل دخولك بساعة، ولا يأتي إلا في يوم الثلاثاء فاقعد واطمئن وطيب خاطرك وحدثني بما جرى لك من الأول إلى الآخر، فقال سيف الملوك سمعاً وطاعة ثم ابتدأ بحديثه حتى أكمله من الأول إلى الآخر فلما وصل إلى آخر حكاية بديعة الجمال تغرغرت عيناه بالدموع الغزار، وقالت: ما هو ظني فيك يا بديعة الجمال آه من الزمان يا بديعة الجمال، ما تذكرينني وتقولين أين راحت أختي دولة خاتونن ثم إنها زادت في البكاء وصارت تتأسف حيث لم تذكرها بديعة الجمال فقال لها سيف الملوك: يا دولة خاتون إنك إنسية وهي جنية فمن أين تكون هذه أختك? فقالت له: إنها أختي من الرضاع وسبب ذلك أن أمي نزلت تتفرج في البستان فجاءها الطلق، فولدتني في البستان وكانت أم بديعة الجمال في البستان هي وأعوانها، فجاءها الطلق فنزلت في طرف البستان وولدت بديعة الجمال، وأرسلت بعض جواريها إلى أمي تطلب منها طعاماً وحوائج الولادة فبعثت إليها أمي ما طلبته وعزمت عليها فقامت وأخذت بديعة الجمال وأتت إلى أمي فأرضعت أمي بديعة الجمال، ثم أقامت أمها وهي معها عندنا في البستان مدة شهرين، وبعد ذلك سافرت إلى بلادها وأعطت أمي حاجة وقالت لها: إذا احتجت إلي أجيئك في وسط البستان وكانت تأتي بديعة الجمال مع أمها في كل عام، ويقيمان عندنا مدة من الزمان ثم يرجعان إلى بلادهما فلو كنت أنا عند أمي يا سيف الملوك ونظرتك عندنا في بلادنا ونحن مجتمع شملنا مثل العادة كنت أتحيل عليها بحيلة حتى أوصلك إلى مرادك ولكن أنا في هذا المكان ولا يعرفون خبري، فلو عرفوا خبري وعلموا أني هنا كانوا قادرين على خلاصي من هذا المكان ولكن الأمر إلى الله سبحانه وتعالى وأي شيء أعمل? فقال سيف الملوك: قومي وتعالي معي نهرب ونسير إلى حيث يريد الله تعالى فقالت له: لا نقدر على ذلك والله لو هربنا مسيرة سنة لجاء هذا الملعون في سرعة ويهلكنا فقال سيف الملوك: أنا أختفي في موضع وإذا جاز علي أضربه بالسيف فأقتله، فقالت له: ما تقدر أن تقتله إلا إن قتلت روحه، فقال لها سيف الملوك وروحه في أي مكان? فقالت: أنا سألته عنها مرات عديدة فلم يقر لي بمكانها، فاتفق أني ألححت عليه يوماً من الأيام، فاغتاظ مني وقال لي: كم تسألينني عن روحي ما سبب سؤالك عن روحي? فقلت له: يا حاتم أنا ما بقي لي أحد غيرك إلا الله وأنا مادمت بالحياة لم أزل معانقة لروحك وإن كنت أنا ما أحفظ لروحك وأحطها في وسط عيني فكيف تكون حياتي بعدك، وإذا عرفت روحك حفظتها مثل عيني اليمين فعند ذلك قال لي: حين ولدت أخبر المنجمون أن هلاك روحي يكون على يد أحد من أولاد الملوك الأنسية فأخذت روحي ووضعتها في حوصلة عصفور وحبست العصفور في حق ووضعت الحق في علبة ووضعت العلبة داخل سبع علب في سبع صناديق ووضعت الصناديق في طابق من رخام في جانب هذا البحر المحيط لأن هذا الجانب بعيد عن بلاد الإنس وما يقدر أحد من الإنس أن يصل إليه وها أنا قلت لك ولا تقولي لأحد على هذا فإنه سر بيني وبينك.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السابعة والعشرين بعد السبعمائة

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 720

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 721
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن دولة خاتون لما أخبرت سيف الملوك بروح الجني الذي خطفها وبينت له ما قاله الجني إلى أن قال لها: وهذا سر بيننا قالت: فقلت له: ومن أحدثه به وما يأتيني أحد غيرك حتى أقول له ثم قلت له: والله إنك جعلت روحك في حصن عظيم لا يصل إليه أحد، فكيف يصل إلى ذلك أحد من الإنس حتى لو فرض المحال وقدر الله مثل ما قال المنجمون فكيف يكون أحد من الإنس يصل إلى هذا? فقال: ربما كان أحد منهم في اصبعه خاتم سليمان بن داود عليه السلام، ويأتي إلى هنا ويضع يده بهذا الخاتم على وجه الماء ثم يقلو: بحق هذه الأسماء أن تطلع روح فلان فيطلع التابوت فيكسره والصناديق كذلك والعلب وخيرج العصفور من الحق ويخنقه فأموت أنا، فقال سيف الملوك: هو أنا ابن الملك وهذا خاتم سليمان بن داود عليه السلام في اصبعي، فقومي بنا إلى شاطئ البحر حتى نبصر هل كلامه هذا كذب أم صدق، فعند ذلك قام الاثنان ومشيا إلى أن وصلا إلى البحر ووقفت دولة خاتون على جانب البحر ودخل سيف الملوك في الماء إلى وسطه وقال: بحق ما في هذا الخاتم من الأسماء والطلاسم وبحق سليمان عليه الصلاة والسلام أن تخرج روح فلان ابن الملك الأزرق الجني فعند ذلك هاج البحر وطلع التابوت فأخذه سيف الملوك وضربه على الحجر فكسره وكسر الصناديق والعلب وأخرج العصفور من الحق وتوجها إلى القصر وطلعا فوق التخت وإذا بغبرة هائلة وشيء عظيم طائر وهو يقول: ابقني يا ابن الملك ولا تقتلني واجعلني عتيقك وأنا أبلغك مقصودك.فقالت له دولة خاتون: قد جاء الجني فاقتل العصفور لئلا يدخل هذا الملعون القصر ويأخذه منك ويقتلك ويقتلني بعدك، فعند ذلك خنق العصفور فمات فوقع الجني على الأرض كوم رماد أسود، فقالت له دولة خاتون: قد تخلصنا من يد هذا الملعون وكيف نعمل? فقال سيف الملوك: المستعان بالله تعالى الذي بلانا فإنه يدبرنا ويعيننا على خلاصنا مما نحن فيه، ثم قام سيف الملوك وقلع من أبواب القصر نحو عشرة أبواب، وكانت تلك الأبواب من الصندل والعود ومساميرها من الذهب والفضة ثم أخذا حبالاً كانت هناك من الحرير والابرسيم وربطا الأبواب بعضها في بعض وتعاون هو ودولة خاتون إلى أن وصلا بها إلى البحر ورمياها فيه بعد أن صارت فلكاً وربطوه على الشاطئ ثم رجعا إلى القصر وحملا الصحاف الذهب والفضة وكذلك الجواهر واليواقيت والمعادن النفيسة ونقلا جميع ما في القصر من الذي خف حمله وغلا ثمنه وحطاه في ذلك الفلك وركبا فيه متوكلين على الله تعالى الذي من توكل عليه كفاه ولا يخيبه وعملا لهما خشبتين على هيئة المجاذيف ثم حلا الحبال وتركا الفلك يجري بهما في البحر ولم يزالا سائرين على تلك الحالة مدة أربعة أشهر حتى فرغ منهما الزاد واشتد عليهما الكرب وضاقت أنفسهما، فطلبا من الله أن يرزقهما النجاة مما هما فيه وكان سيف الملوك في مدة سيرهم إذا نام يجعل دولة خاتون خلف ظهره فإذا انقلب كان السيف بينهما، فبينما هما على تلك الحالة ليلة من الليالي فاتفق أن سيف الملوك كان نائماً ودولة خاتون يقظانة وإذا بالفلك مال إلى طرف البر وجاء إلى الميناء وفي تلك الميناء مراكب فنظرت دولة خاتون المراكب وسمعت رجلاً يتحدث مع رئيس الرؤوساء وكبيرهم. فلما سمعت دولة خاتون صوت الرئيس علمت أن هذا البر ميناء مدينة من المدن وأنهما وصلا إلى العمار ففرحت فرحاً شديداً ونبهت سيف الملوك من النوم وقالت له: قم واسأل هذا الريس عن اسم هذه المدينة وعن هذا الميناء فقام سيف الملوك وهو فرحان وقال له: يا أخي ما اسم هذه المدينة? وما يقال لهذا الميناء وما اسم ملكها? فقال له الريس: يا صاقع الوجه يا بارد اللحية إذا كنت لا تعرف الميناء ولا هذه المدينة فكيف جئت إلى هنا? فقال سيف الملوك: أنا غريب وقد كنت في سفينة من سفن التجار فانكسرت وغرقت بجميع من فيها وطلعت على لوح فوصلت إلى هنا فسألتك والسؤال ما هو عيب فقال الريس: هذه مدينة عمارية وهذا الميناء يسمى ميناء كمين البحرين، فلما سمعت دولة خاتون هذا الكلام فرحت فرحاً شديداً وقالت: الحمد لله، فقال سيف الملوك: ما الخبر? فقالت: يا سيف الملوك أبشر بالفرج القريب فإن ملك هذه المدينة عمي أخو أبي.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثامنة والعشرين بعد السبعمائة

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 721

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 722
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن دولة خاتون لما قالت لسيف الملوك أبشر بالفرج القريب فإن ملك هذه المدينة عمي أخو أبي واسمه عالي الملوك ثم قالت له: اسأله وقل له: هل سلطان هذه المدينة عالي الملوك طيب فسأله عن ذلك فقال له الريس وهو مغتاظ منه: ألست تقول عمري ما جئت إلى هنا وإنما أنا رجل غريب فمن عرفك باسم صاحب هذه المدينة? ففرحت دولة خاتون وعرفت الريس وكان اسمه معين الدين وهو من رؤوساء أبيها وإنما خرج ليفتش عليها حين فقدت فلم يجدها ولم يزل دائراً حتى وصل إلى مدينة عمها ثم قالت لسيف الملوك: قل له: يا ريس معين الدين تعال كلم سيدتك فناداه بما قالته له فلما سمع الريس كلام سيف الملوك اغتاظ غيظاً شديداً وقال له: يا كلب من أنت وكيف عرفتني? ثم قال لبعض البحرية ناولوني عصاً من الشوم حتى أروح إلى هذا النحس وأكسر رأسه فأخذ العصا وتوجه إلى سيف الملوك فرأى الفلك ورأى فيه شيئاً عجيباً بهيجاً فاندهش عقله، ثم تأمل وحقق النظر فرأى دولة خاتون وهي جالسة مثل فلقة القمر، فقال له الريس: ما الذي عندك? فقال له: عندي بنت تسمى دولة خاتون.فلما سمع الريس هذا الكلام وقع مغشياً عليه حين سمع باسمها وعرف أنها سيدته وبنت ملكه، فلما أفاق ترك الفلك وما فيه وتوجه إلى المدينة وطلع قصر الملك فاستأذن عليه فدخل الحاجب إلى الملك وقال: إن الريس معين جاء إليك ليبشرك فأذن له بالدخول فدخل على الملك وقبل الأرض بين يديه وقال: يا ملك عندك البشارة فإن بنت أخيك دولة خاتون وصلت إلى المدينة طيبة بخير وهي في الفلك وصحبتها شاب مثل القمر ليلة تمامه.فلما سمع الملك خبر بنت أخيه فرح وخلع على الريس خلعة سنية وأمر من ساعته أن يزينوا المدينة لسلامة بنت أخيه وأرسل إليها وأحضرها عنده هي وسيف الملوك وسلم عليهما وهنأهما بالسلامة ثم إنه أرسل إلى أخيه ليعلمه أن ابنته وجدت وهي عنده، ثم إنه لما وصل إليه الرسول تجهز واجتمعت العساكر وسافر تاج الملوك أبو دولة خاتون حتى وصل إلى أخيه عالي الملوك واجتمع ببنته دولة خاتون وفرحوا فرحاً شديداً وقعد تاج الملوك عند أخيه جمعة من الزمان ثم إنه أخذ بنته وكذلك سيف الملوك وسافروا حتى وصلوا إلى سراديب بلاد ابيها واجتمعت دولة خاتون بأمها وفرحوا بسلامتها واقاموا الأفراح وكان ذلك يوماً عظيماً لا يرى مثله، وأما الملك فإنه أكرم سيف الملوك وقال له: يا سيف الملوك إنك فعلت معي ومع ابنتي هذا الخير كله وأنا لا أقدر أن أكافئك عليه وما يكافئك إلا رب العالمين، ولكن أريد منك أن تقعد على التخت في موضعي وتحكم في بلاد الهند فإني قد وهبت ملكي وتختي وخزانتي وخدامي وجميع ذلك يكون هبة مني لك، فعند ذلك قام سيف الملوك وقبل الأرض بين يدي الملك وشكره وقال: يا ملك الزمان قبلت جميع ما وهبته لي وهو مردود مني إليك هدية أيضاً، وأنا يا ملك الزمان ما أريد مملكة ولا سلطنة وما أريد إلا أن الله تعالى يبلغني مقصودي.فقال له الملك هذه خزائني بين يديك يا سيف الملوك مهما طلبته منها خذه ولا تشاورني فيه وجزاك عني خيراً، فقال سيف الملوك أعز الله الملك لا حظ في الملك ولا في المال حتى أبلغ مرادي ولكن غرضي الآن أن أتفرج في هذه المدينة وأنظر شوارعها وأسواقها، فأمر تاج الملوك أن يحضروا له فرساً من جياد الخيل فأحضروا له فرساً مسرجاً ملجماً من جياد الخيل فركبها وطلع إلى السوق وشق في شوارع المدينة فبينما هو ينظر يميناً وشمالاً إذ رأى شاباً ومعه قباء وهو ينادي عليه بخمسة عشر ديناراً، فتأمله فوجده يشبه أخاه ساعداً وفي نفس الأمر هو بعينه، إلا أنه تغير لونه وحاله من طول الغربة ومشقات السفر ولم يعرفه ثم قال لمن حوله هاتوا هذا الشاب لأستخبره فأتوا به إليه.

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 722

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 723
فقال خذوه وأوصلوه إلى القصر الذي أنا فيه وخلوه عندكم إلى أن أرجع من الفرجة، فظنوا أنه قال لهم خذوه وأوصلوه إلى السجن وقالوا لعل هذا مملوك من مماليكه هرب منه فأخذوه وأوصلوه إلى السجن وقيدوه وتركوه قاعداً، فرجع سيف الملوك من الفرجة وطلع القصر ونسي أخاه ساعداً ولم يذكره له أحد فصار ساعداً في السجن، ولما خرجوا بالأسرى إلى أشغال العمارات أخذوا ساعداً معهم وصار يشتغل مع الأسرى وكثر عليه الوسخ ومكث ساعداً على هذه الحالة مدة شهر وهو يتذكر في أحواله ويقول في نفسه ما سبب سجني وقد اشتغل سيف الملوك بما هو فيه من السرور وغيره فاتفق أن سيف الملوك جلس يوماً من الأيام وتذكر ساعداً فقال المماليك الذين كانوا معه أين المملوك الذي كان معكم في اليوم الفلاني فقالوا أما قلت لنا أوصلوه إلى السجن، فقال سيف الملوك أنا ما قلت لكم هذا الكلام وإنما قلت لكم أوصلوه إلى القصر الذي أنا فيه ثم إنها أرسل الحجاب إلى ساعد فأتوا به وهو مقيد ففكوه من قيده وأوقفوا بين يدي سيف الملوك فقال له يا شاب من أي بلاد أنت فقال له أنا من مصر واسمي ساعد بن الوزير فارس.فلما سمع سيف الملوك كلامه نهض من فوق التخت وألقى نفسه عليه وتعلق برقبته ومن فرحه صار يبكي بكاء شديداً وقال يا أخي الحمد لله حيث عشت ورأيتك فأنا أخوك سيف الملوك بن الملك عاصم فلما سمع أخيه كلامه وعرفه تعانقا مع بعضهما وتباكيا، فتعجب الحاضرون منهما ثم أمر سيف الملوك أن يأخذوا ساعداً ويذهبوا به إلى الحمام، وعند خروجه من الحمام ألبسوه ثياباً فاخرة وأتوا به إلى مجلس سيف الملوك فأجلسه معه على التخت ولما علم ذلك تاج الملوك فرح فرحاً شديداً باجتماع سيف الملوك وأخيه ساعد وحضر وجلس الثلاثة يتحدثون فيما جرى لهم من الأول إلى الآخر، ثم إن ساعداً قال يا أخي يا سيف الملوك لما غرقت المركب وغرقت المماليك طلعت أنا وجماعة من المماليك على لوح خشب وسار بنا في البحر مدة شهر كامل ثم بعد ذلك رمانا الريح بقدرة الله تعالى على جزيرة فطلعنا ونحن جياع فدخلنا بين الأشجار وأكلنا من الفواكه واشتغلنا بالأكل، فلم نشعر إلا وقد خرج علينا أقوام مثل العفاريت، فوثبوا علينا وركبوا فوق أكتافنا وكانوا نحو المائتين فقلنا لبعضنا ما يكفي هؤلاء أن يركبونا حتى يأكلونا أيضاً فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ولكن نحن نقوي عليهم السكر، ثم نقتلهم ونستريح منهم ونخلص من أيديهم، فنبهناهم وصرنا نملأ لهم تلك الجماجم ونسقيهم فيقولون هذا مر فقلنا لهم لأي شيء تقولون هو مر، وكل من قد قال ذلك إن لم يشرب منه عشر مارت فإنه يموت من يومه فخافوا من الموت وقالوا لنا اسقونا تمام العشر مرات، فلما شربوا العشر مرات سكروا وزاد عليهم السكر وهمدت قوتهم فجررناهم من أيديهم، ثم إننا جمعنا من حطب تلك الكروم شيئاً كثيراً وجعلنا حولهم وفوقهم وأوقدنا النار في الحطب ووقفنا من بعيد ننظر ما يكون منهم.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة التاسعة والعشرين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن ساعداً قال لما أوقدت النار في الحطب أنا ومن معي من المماليك وصارت الغيلان في وسطها، وقفنا من بعيد لننظر ما يكون منهم ثم قدمنا إليهم بعد أن خمدت النار فرأيناهم صاروا كوم رماد فحمدنا الله تعالى الذي خلصنا منهم وخرجنا من تلك الجزيرة وطلبنا ساحل البحر، ثم افترقنا عن بعضنا فأما أنا واثنان من المماليك فمشينا حتى وصلنا إلى غابة كثيرة الأشجار فاشتغلنا بالأكل، وإذا بشخص طويل القامة طويل اللحية طويل الأذنين بعينين كأنهما مشعلان وقدامه غنم كثيرة يرعاها وعنده جماعة أخرى في كيفيته.

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 723

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 724
فلما رآنا استبشر وفرح ورحب بنا وقال أهلاً وسهلاً، تعالوا عندي حتى أذبح لكم شاة من هذه الأغنام وأشويها وأطعمكم فقلنا له وأين موضعك فقال قريب ن هذا الجبل، فاذهبوا إلى هذه الجهة حتى تروا مغرة فادخلوا فإن فيها ضيوفاً كثيرين مثلكم، فروحوا واقعدوا حتى نجهز لكم الضيافة فاعتقدنا أن كلامه حق فسرنا إلى تلك الجهة ودخلنا تلك المغارة، فرأينا الضيوف التي فيها كلهم عمياناً، فحين دخلنا عليهم قال واحد منهم أنا مريض وقا الآخر أنا ضعيف، فقلنا لهم أي شيء هذا القول الذي تقولونه? وما سبب ضعفكم ومرضكم فقالوا لنا من أنتم فقلنا لهم نحن ضيوف، قالوا لنا ما الذي أوقعكم في يد هذا الملعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، هذا غول يأكل بني آدم وقد أعمانا ويريد أن يأكلنا، فقلنا لهم كيف أعماكم هذا الغول فقالوا لنا: في هذا الوقت يعميكم مثلنا، فقلنا لهم وكيف يعمينا فقالوا لنا إنه يأتيكما بأقداح من اللبن ويقول لكم: أنتم تعبتم من السفر فخذوا هذا اللبن واشربوا فحين تشربوا منه تصيروا مثلنا، فقلت في نفسي ما بقي لنا خلاص إلا بحيلة فحفرت حفرة في الأرض وجلست عليها، ثم بعد ساعة دخل الملعون الغول علينا ومعه أقداح من اللبن، فناولني قدحاً وناول من معي كل واحد قدحاً وقال لنا أنتم جئتم من البر عطاشاً فخذوا هذا اللبن واشربوا منه حتى أشوي لكم اللحم، فأما أنا فأخذت القدح وقربته من فمي ودلقته في الحفرة وصحت آه قد راحت عيني وعميت وأمسكت عيني بيدي وصرت أبكي وأصيح وهو يضحك ويقول لا تخف وأما الاثنان رففقاي فإنهما شربا اللبن فعميا فقام الملعون من وقته وساعته وهو يسعى خلفي، فقلت للعميان الذين عنده: كيف العمل مع هذا الملعون? فقال واحد منهم يا ساعد انهض واصعد إلى هذه الطاقة تجد فيها سيفاً صقيلاً فخذه وتعال عندي حتى أقول لك كيف تعمل فصعدت إلى الطاقة وأخذت السيف، وأتيت عند ذلك الرجل فقال خذه واضربه في وسطه فإنه يموت في الحال، فقمت وجريت خلفه وقد تعب من الجري فجاء إلى العميان ليقتلهم، فجئت إليه وضربته بالسيف في وسطه فصار نصفين، فصاح علي وقال لي يا رجل حيث أردت قتلي فاضربني ضربة ثانة فهممت أن أضربه ضربة ثانية، فقال الذي دلني على السيف لا تضربه ضربة ثانية فإنه لا يموت بل يعيش ويهلكنا.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثلاثون بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن ساعداً قال لما ضربت الغول بالسيف قال لي يا رجل حيث ضربتني وأردت قتلي فاضربني ضربة ثانية، فهممت أن اضربه، فقال لي الذي دلني على السيف لا تضربه ضربة ثانية، فإنه لا يموت بل يعيش ويهلكنا فامتثلت أمر ذلك الرجل ولم أضربه، فمات الملعون فقال لي الرجل، قم افتح المغارة ودعنا نخرج منها لعل الله يساعدنا ونستريح من هذا الموضع فقلت له ما بقي علينا ضرر، ثم إننا تزودنا من الجزيرة بشيء من الفواكه التي فيها، ثم نزلنا المركب وسار بنا في ريح طيبة مدة ثلاثة أيام، وبعد ذلك سارت علينا ريح وازداد ظلام الجو، فما كان غير ساعة واحدة حتى جذبت الريح المركب في جبل فانكسر وتمزقت ألواحه فقد الله العظيم أني تعلقت بلوح منه فركبته فسار بي يومين، وقد أتت بي ريح طيبة فسرت فوق اللوح أقذف برجلي ساعة زمانية حتى أوصلني الله تعالى إلى البر بالسلامة فطلعت إلى هذه المدينة وقد صرت غريباً فريداً وحيداً لا أدري ما أصنع وقد أضرني الجوع وحصل لي الجهد الأكبر، فأتيت إلى سوق المدينة وقد تواريت وقلعت القباء وقلت في نفسي أبيعه وآكل بثمنه حتى يقضي الله ما هو قاض ثم إني يا أخي أخذت القباء في يدي والناس ينظرونه ويتزايدون في ثمنه حتى أتيت أنت ونظرتني وأمرت بي إلى القصر فأخذني الغلمان وسجنوني ثم إنك تذكرتني بعد هذه المدة فأحضرتني عندك وقد أخبرتك بما جرى لي والحمد لله على الاجتماع.

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 724

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 725
فلما سمع سيف الملوك، وتاج الملوك أبي دولة خاتون حديث الوزير ساعد تعجبا من ذلك عجباً شديداً وقد أعد تاج الملوك أبو دولة خاتون مكاناً مليحاً لسيف الملوك وأخيه وصارت دولة خاتون تأتي لسيف الملوك وتتحدث معه وتشكره على إحسانه فقال الوزير ساعد: أيتها الملكة المراد منك المساعدة على بلوغ غرضه، فقالت نعم أسعى في مراده حتى يبلغ مراده إن شاء الله تعالى ثم التفت إلى سيف الملوك وقالت له طب نفساً وقر عيناً. هذا ما كان من أمر سيف الملوك ووزيره ساعد.وأما ما كان من أمر الملكة بديعة الجمال، فإنها وصلت إليها الأخبار برجوع أختها دولة خاتون إلى أبيها ومملكتها فقالت لابد من زيارتها والسلام عليها في زينة بهية وحلي وحلل فتوجهت إليها، فلما قربت من مكانها قابلتها الملكة دولة خاتون وسلمت عليها، وعانقتها وقبلتها بين عينيها وهنتها الملكة بديعة الجمال باسلامة ثم جلستا تتحدثان، فقالت بديعة الجمال لدولة خاتون أي شيء جرى لك في الغربة، فقالت دولة خاتون يا أختي لا تسأليني جرى لي من الأمور يا ما تقاسي الخلائق من الشدائد فقالت لها بديعة الجمال وكيف ذلك? قالت: يا أختي إني كنت في القصر المشيد وقد احتوى على فيه ابن الملك الأزرق ثم حدثنا ببقية الحديث من أوله إلى آخره وحديث سيف الملوك وما جرى له في القصر وما قاسى من الشدائد والأهوال حتى وصل إلى القصر المشيد وكيف قتل ابن الملك الأزرق، وكيف قلع الأبواب وجعلها فلكاً لها مجاذف وكيف دخل إلى ههنا فتعجبت بديعة الجمال ثم قالت: والله يا أختي إن هذا من أغرب الغرائب فقالت دولة خاتون: أريد أن أخبرك بأصل حكايته لكن يمنعني الحياء من ذلك فقالت لها بديعة الجمال: ما سبب الحياء وأنت أختي ورفيقتي وبيني وبينك شيء كثير، وأنا أعرف أنك ما تطلبين إلا الخير فمن أي شيء تستحين مني فأخبريني بما عندك ولا تستحي مني ولا تخفي عني شيئاً من ذلك، فقالت لها دولة خاتون: إن صورتك في القباء الذي ارسله أبوك إلى سليمان بن داود عليه السلام، فلم يفتحه ولم ينظر ما فيه بل أرسله إلى الملك عاصم بن صفوان ملك مصر في جملة الهدايا والتحف التي أرسلها إليه والملك عاصم أعطاه لولده سيف الملوك قبل أن يفتحه، فلما أخذه سيف الملوك فتحه وأراد أن يلبسه رأى فيه صورتك فعشقها وخرج في طلبك وقاسى هذه الشدائد كلها من أجلك.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الواحدة والثلاثين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن دولة خاتون أخبرت بديعة الجمال بأصل محبة سيف الملوك لها وعشقه إياها، وإن سببها القباء الذي فيه صورتها وحين عاين الصورة خرج من ملكه هائماً وغاب عن أهله من أجلها وقالت لها: إنه قاسى من الأهوال ما قاساه من أجلك، فقالت بديعة الجمال وقد احمر وجهها وخجلت من دولة خاتون: إن هذا شيء لا يكون أبداً، فإن الإنس لا يتفقون مع الجان فصارت دولة خاتون تصف لها سيف الملوك وحسن صورته وسيرته وفروسيته ولم تزل تثني عليه وتذكر لها حتى قالت: يا أختي لأجل الله تعالى ولأجلي تحدثي معه ولو كلمة واحدة، فقالت بديعة الجمال: إن هذا الكلام الذي تقولينه لا أسمعه ولا أطيعك فيه وكأنها لم تسمع منها شيئاً ولم يقع في قلبها شيء من محبة سيف الملوك وحسن صورته وسيرته وفروسيته ثم إن دولة خاتون صارت تتضرع لها وتقبل رجليها وتقول: يا بديعة الجمال بحق اللبن الذي رضعناه أنا وأنت وبحق النقش الذي على خاتم سليمان عليه السلام أن تسمعي كلامي هذا فإني تكفلت له في القصر المشيد بأني أريه وجهك فبالله عليك أن تريه صورتك مرة واحدة لأجل خاطري وأنت الأخرى تنظرينه وصارت تبكي لها وتتضرع إليها وتقبل يديها ورجليها حتى رضيت وقالت: لأجلك أريه وجهي مرة واحدة، فعند ذلك طاب قلب دولة خاتون وقبلت يديها ورجليها وخرجت وجاءت إلى القصر الأكبر الذي في البستان وأمرت الجواري أن يفرشنه وينصبن فيه تختاً من الذهب، ويجعلن أواني الشراب مصفوفة، ثم إن دولة خاتون قامت ودخلت على سيف الملوك وساعد وزيره وهما جلسان في مكانيهما وبشرت سيف الملوك ببلوغ اربه وحصول مراده وقالت له: توجه إلى البستان أنت وأخوك وادخلا القصر واختفيا عن أعين الناس بحيث لا ينظركما أحد ممن في القصر حتى أجيء أنا وبديعة الجمال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق