فلما رآها حسن خاف وندم على دخوله فيها معهم ثم استعان بالله تعالى وسار معهم، فعند ذلك خلصوا من أرض الجان ووصلوا إلى النهر فنزلوا تحت جبل عظيم شاهق ونصبوا خيامهم على شاطئ النهر ووضعت العجوز لحسن دكة من المرمر مرصعة بالدرر والجواهر وسبائك الذهب الأحمر في جنب النهر فجلس عليها وتقدمت العساكر فعرضتهم عليه ثم بعد ذلك نصبوا خيامهم حوله واستراحوا ساعة ثم أكلوا وشربوا وناموا مطمئنين لأنهم وصلوا إلى بلادهم وكان حسن واضعاً على وجهه لثاماً بحيث لا يظهر منه غير عينه وإذا بجماعة من البنات مشين إلى قرب النهر ثم قلعن ثيابهن ونزلن في النهر فصار حسن ينظر إليهن وهن يغتسلن فصرن يلعبن وينشرحن ولا يعلمن أنه ناظر إليهن لأنهن ظنن أنه من بنات الملوك.فاشتد على حسن وتره حيث كان ينظر إليهن وهن مجردات من ثيابهن، وقد رأى ما بين أفخاذهن أنواع مختلفة ما بين ناعم ومقبقب وسمين مربرب وغليظ المشافر وكامل وبسيط ووافر ووجوههن كالأقمار وشعورهن كليل على نهار لأنهن من بنات الملوك ثم إن العجوز نصبت له سريراً وأجلسته فوقه، فلما خلصن طلعن من النهر وهن متجردات كالقمر ليلة البدر وقد اجتمع جميع العسكر قدام حسن لأن العجوز أمرت أن ينادي في جميع العسكر أن يجتمعن قدام خيمته ويتجردن من ثيابهن وينزلن في النهر ويغتسلن فيه لعل زوجته أن تكون فيهن فيعرفها وصارت العجوز تسأله عنهن طائفة بعد طائفة فيقول ما هي في هؤلاء يا سيدتي. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثانية والستين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن العجوز كانت تسأل حسن عن البنات طائفة بعد طائفة لعله يعرف زوجته بينهن وكلما سألته عن طائفة يقول ما هي في هؤلاء يا سيدتي ثم بعد ذلك تقدمت جارية في آخر الناس وفي خدمتها ثلاثون خادمة كلهن نهداً بكار فنزعن عنهن ثيابهن ونزلن معها في النهر فصارت تتدلل عليهن وترميهن في البحر وتغطسهن ولم تزل معهن على هذا الحال ساعةً زمانيةً ثم طلعن من النهر وقعدن فقدمن إليها مناشف من حريرٍ مزركشة بالذهب فأخذتها وتنشفت بها ثم قدموا إليها ثياباً وحللاً وحلياً من عمل الجن فأخذتها ولبستها وقامت تخطر بين العسكر هي وجواريها فلما رآها حسن طار قلبه وقال هذه أشبه الناس بالطيرة التي رأيتها في البحيرة، في قصر أخواتي البنات وكانت تتدلل على أتباعها مثلها.فقالت العجوز: يا حسن هذه زوجتك? فقال: لا وحياتك يا سيدتي ما هذه زوجتي ولا مثل قدها واعتدالها وحسنها وجمالها. فقالت: صفها لي وعرفني بجميع أوصافها حتى تكون في ذهني فإني أعرف كل بنت في جزيرة واق الواق لأني نقيبة عسكر البنات والحاكمة عليهن وإن وصفتها لي عرفتها وتحيلت لك في أخذها. فقال لها حسن: إن زوجتي صاحبة وجه مليح وقد رجيح أسيلة الخد قائمة النهد دعجاء العينين ضخمة الساقين بيضاء الأسنان حلوة اللسان ظريفة الشمائل كأنها غصن مائل بديعة الصفة حمراء الشفة بعيون كحال وشفايف رقاق على خدها الأيمن شامة، وعلى بطنها من تحت سرتها علامة ووجهها منير كالقمر مستدير وخصرها نحيل وردفها ثقيل وريقها يشفي العليل كأنه الكوثر أو السلسبيل.فقالت العجوز: زدني في أوصافها بياناً زادك الله تعالى فيها افتتاناً، فقال لها حسن إن زوجتي ذات وجه جميل وعنق طويل وطرف كحيل وخدود كالشقائق وفم كخاتم عقيق وثغر لامع البريق يغني عن الكأس والإبريق في هيكل اللطافة وبين فخذيها تخت الخلافة ما مثل حومة بين المشاعر كما قال في حقه الشاعر:
اسم الذي حيرني حروفه مشتهره
أربعة في خمسةٍ وستةٍ في عشرة ثم بكى حسن وغنى بهذا الموال:
وجدي بكم وجد هندي ضيع القـصـعة
أو وجد ساعي وفي رجله اليمين قصعه
أو وجد مضني عليل بجروح متسـعـه
أو وجد من حرر السبعة على العشرين
ولعنة الله على من يتبع الـتـسـعـه
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 762
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 763
أطرقت العجوز برأسها إلى الأرض ساعة من الزمان ثم رفعت رأسها إلى حسن وقالت: سبحان الله العظيم الشأن إني بليت بك يا حسن فيا ليتني ما كنت عرفتك لأن المرأة التي وصفتها لي على أنها زوجتك فإني قد عرفتها بصفتها وهي بنت الملك الأكبر الكبيره، التي تحكم على جزائر واق الواق بأسرها فافتح عينك ودبر أمرك وإن كنت نائماً فانتبه فإنه لا يمكنك الوصول إليها أبداً وإن وصلت إليها لا تقدر على تحصيلها، لأن بينك وبينها مثل ما بين السماء والأرض، فارجع يا ولدي من قريب، ولا ترم نفسك في الهلاك وترميني معك فإني أظن أنه ليس لك فيها نصيب وارجع من حيث أتيت لئلا تروح أرواحنا وخافت على نفسها وعليه.فلما سمع حسن كلام العجوز بكى بكاءً شديداً حتى غشي عليه فما زالت العجوز ترش على وجهه الماء حتى أفاق من غشيته، وصار يبكي حتى بل ثيابه بالدموع من عظم ما لحقه من الهم والغم من كلام العجوز، وقد يئس من الحياة ثم قال للعجوز: يا سيدتي وكيف أرجع بعد أن وصلت إلى هنا وما كنت أظن في نفسي أنك تعجزين عن تحصيل غرضي خصوصاً، وأنت نقيبة عسكر للبنات والحاكمة عليهن، قالت: بالله يا ولدي أن تختار لك بنتاً من هؤلاء البنات وأنا أعطيك إياها عوضاً عن زوجتك لئلا تقع في يد الملوك فلا يبقى لي في خلاصك حيلة فبالله عليك أن تسمع مني وتختار لك واحدة من هؤلاء البنات غير تلك البنت وترجع إلى بلادك من قريب سالماً ولا تجرعني غصتك والله لقد رميت نفسك في بلاء عظيم وخطر جسيم، لا يقدر أحد أن يخلصك منه فعند ذلك أطرق حسن رأسه وبكى بكاءً شديداً، وأنشد هذه الأبيات:
فقلت لعذالي لا تعـذلـونـي
لغير الدمع ما خلقت جفوني
مدامع مقلتي طفحت ففاضت
على خدي وأحبابي جفونـي
دعوني في الهوى قدر جسمي
لأني في الهوى أهوى جنوني
ويا أحباب قد زاد اشتـياقـي
إليكم مالكم لا ترحـمـونـي
جفوتم بعد ميثاقي وعـهـدي
وخنتم صحبتي وتركتمونـي
ويوم البين لما قد رحلتم سقيت
من الصدود شـراب هـون
فيا قلبي عليهم ذاب غـرامـاً
وجودي بالمدامع يا عيونـيوأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثالثة والستين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن العجوز لما قالت لحسن بالله عليك يا ولدي أن تسمع كلامي، وتختار لك واحدة من هؤلاء البنات غير زوجتك وترجع إلى بلادك من قريب سالماً، فأطرق رأسه وبكي بكاءً شديداً، فأنشد الأبيات المذكورة فلما فرغ من شعره بكي حتى غشي عليه فما زالت العجوز ترش على وجهه الماء حتى أفاق من غشيته ثم أقبلت عليه وقالت له يا سيدي ارجع إلى بلادك فإني متى سافرت بك إلى المدينة راحت روحك وروحي لأن الملكة إذا علمت بذلك تلومني على دخولي بك إلى بلادها وجزائرها التي لم يصلها أحد من بني آدم، وتقتلني حيث حملتك معي، وأطلعتك على هؤلاء الأبكار التي رأيتهن في البحر مع أنه لم يمسهن فحل ولم يقربهن بعل، فحلف حسن أنه ما نظر إليهن نظرة سوء قط فقالت له: يا ولدي ارجع إلى بلادك وأنا أعطيك من المال والذخائر والتحف ما تستغني به عن جميع النساء فاسمع كلامي وارجع من قريب ولا تخاطر بنفسك فقد نصحتك، فلما سمع كلامها بكى ومرغ خديه على أقدامها وقال: يا سيدتي ومولاتي وقرة عيني كيف أرجع بعدما وصلت إلى هذا المكان ولم أنظر من أريد وقد قربت من دار الحبيب وترجيت اللقاء عن قريب لعله أن يكون لي في الاجتماع نصيب ثم أنشد هذه الأبيات:
يا ملوك الجمال رفقاً بـأسـري
لجفون تملكت ملك كـسـرى
قد غلبتم روائح المسك طـيبـاً
وبهرتم محاسن الـورد زهـرا
ونسيم النعيم حـيث حـلـلـتـم
فالصبا من هناك تعبق نـشـرا
عاذلي كف عن ملامي ونصحي
إنما جئت بالنصـيحة نـكـرا
ما على صبوتي من العذل واللوم
إذا لم تحـط بـذلـك خـبـرا
أسرتني العيون وهي مـراض
ورمتني في الحب عنفاً وقهرا
أنثرا الدمع حين أنظم شـعـري
هاك مني الحديث نظماً وشعرا
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 763
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 764
حمرة الخد قـد أذابـت فـؤادي
فتلظت مني الجوارح جـمـرا
خبراني متى تركـت حـديثـي
فبأي الحـديث أشـرح صـدرا
طول عمري أهوى الحسان ولكن
يحدث الله بـعـد ذلـك أمـرافلما فرغ حسن من شعره رقت له العجوز ورحمته وأقبلت عليه وطيبت خاطره وقالت له طب نفساً وقر عيناً واخل فكرك من الهم والله لأخطرن معك بروحي حتى تبلغ مقصودك أو تدركني منيتي فطاب قلب حسن وانشرح صدره وجلس يتحدث مع العجوز إلى آخر النهار فلما أقبل الليل تفرقت البنات كلهن فمنهن من دخلت قصرها في البلد ومنهن من باتت في الخيام ثم إن العجوز أخذت حسناً معها ودخلت به إلى البلد فأخلت له مكاناً وحده لئلا يطلع عليه أحد فيعلم الملكة فتقتله وتقتل من أتى به ثم صارت تخدمه بنفسها وتخوفه من سطوة الملك الأكبر أبا زوجته وهو يبكي بين يديها ويقول يا سيدتي قد اخترت الموت لنفسي وكرهت الدنيا إن لم أجتمع بزوجتي وأولادي فأنا أخاطر بروحي إما أن أبلغ مرادي وإما أن أموت.فصارت العجوز تتفكر في كيفية وصوله واجتماعه بزوجته وكيف تكون الحيلة في أمر هذا المسكين الذي رمى روحه في الهلاك ولم ينزجر عن قصده بخوف ولا غيره وقد سلا جسمه وصاحب المثل يقول العاشق لا يسمع كلام خلى وكانت تلك البنت ملكة الجزيرة التي هم نازلون فيها وكان اسمها نور الهدى وكان لهذه الملكة سبع أخوات بنات أبكار مقيمات عند أبيهن الملك الأكبر الذي هو حاكم على السبع جزائر وأقطار واق الواق وكانت تخت ذلك الملك في المدينة التي هي أكبر مدن ذلك البر وكانت بنته الكبيرة وهي نور الهدى هي الحاكمة على تلك المدينة التي فيها حسن وعلى سائر أقطارها ثم إن العجوز لما رأت حسناً محترقاً على الاجتماع بزوجته وأولاده قامت وتوجهت إلى قصر الملكة نور الهدى فدخلت عليها وقبلت الأرض بين يديها وكان للعجوز فضل عليها لأنها ربت بنات الملك جميعهن ولها على الجميع سلطنة وهي مكرمة عندهم عزيزة عند الملك.فلما دخلت العجوز على الملكة نور الهدى قامت لها وعانقتها وأجلستها جنبها وسألتها عن سفرتها فقالت لها والله يا سيدتي إنها كانت سفرة مباركة وقد استصحبت لك معي هدية سأحضرها بين يديك ثم قالت لها يا ابنتي يا ملكة العصر والزمان إني أتيت معي بشيء عجيب وأريد أن أطلعك عليه لأجل أن تساعديني على قضاء حاجته فقالت لها وما هو فأخبرتها بحكاية حسن من أولها إلى آخرها وهي ترتعد كالقصبة في مهب الريح العاصف حتى وقعت بين يدي الملك وقالت لها يا سيدتي قد استجار بي شخص على الساحل كان مختفياً تحت الدكة فأجرته وأتيت به معي بين عسكر البنات وهو حامل السلاح بحيث لا يعرفه أحد وأدخلته البلد وقد خوفته من سطوتك وعرفته ببأسك وقوتك وكلما أخوفه يبكي وينشد الأشعار ويقول لا بد لي من رؤية زوجتي وأولادي أو أموت ولا أرجع إلى بلادي من غيرهم وقد خاطر بنفسه وجاء إلى جزائر واق الواق ولم أر عمري آدمياً أقوى قلباً منه ولا أشد بأساً منه لأن الهوى قد تمكن منه غاية التمكن وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الرابعة والستين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن العجوز لما حكت للملكة نور الهدى حكاية حسن قالت لها وما رأيت أقوى قلباً منه لأن الهوى قد تمكن منه غاية التمكن، فلما سمعت الملكة كلامها وفهمت قصة حسن غضبت غضباً شديداً وأطرقت برأسها إلى الأرض ساعة ثم رفعت رأسها ونظرت إلى العجوز وقالت لها يا عجوز النحس هل بلغ من خبثك أنك تحملين الذكور وتأتين بهم معك إلى جزائر واق الواق وتدخلين بهم علي ولا تخافي من سطوتي وحق رأس الملك لولا ما لك علي من التربية لقتلتك أنت وإياه في هذه الساعة أقبح قتلة حتى يعتبر المسافرون بك يا ملعونة لئلا يفعل أحد مثل ما فعلت من هذه الفعلة العظيمة التي لا يقدر أحد عليها ولكن اخرجي واحضريه في هذه الساعة حتى أنظره.
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 764
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 765
فخرجت العجوز من بين يديها وهي مدهوشة لا تدري أين تذهب وتقول كل هذه المصيبة ساقها الله لي من هذه الملكة على يد حسن ومضت إلى أن دخلت على حسن فقالت له قم كلم الملكة يا من آخر عمره قد دنا فقام معها ولسانه لا يفتر عن ذكر الله تعالى ويقول اللهم الطف بي في قضائك وخلصني من بلائك فسارت حتى أوقفته بين يدي الملكة نور الهدى وأوصته العجوز في الطريق بما يتكلم به معها فلما تمثل بين يدي نور الهدى رآها ضاربة لثاماً فقبل الأرض بين يديها وسلم عليها وأنشد هذين البيتين:
أدام الله عزك في سرورٍ
وخولك الإله بما حبـاك
وزادك ربنا عزاً ومجداً
وأيدك القدير على عداك فلما فرغ من شعره أشارت الملكة إلى العجوز أن تخاطبه قدامها لتسمع فجاوبته فقالت العجوز إن الملكة ترد عليك السلام وتقول لك ما اسمك ومن أي البلاد أتيت وما اسم زوجتك وأولادك الذين جئت من أجلهم وما اسم بلادك فقال لها وقد ثبت جنانه وساعدته المقادير يا ملكة العصر والأوان ووحيدة الدهر والزمان أما أنا فاسمي حسن الكثير الحزن وبلدي البصرة وأما زوجتي فلا أعرف لها اسماً وأما أولادي فواحد اسمه ناصر والآخر منصور فلما سمعت الملكة كلامه وحديثه قالت فمن أين أخذت أولادها فقال لها يا ملكة من مدينة بغداد من قصر الخلافة فقالت وهل قالت لكم شيئاً عندما طارت? قال: إنها قالت لوالدتي إذا جاء ولدك وطالت عليه أيام الفراق واشتهى القرب مني والتلاقي وهزته رياح المحبة والاشتياق فليجئني إلى جزائر واق الواق فحركت الملكة نور الهدى رأسها ثم قالت له: لو كانت ما تريدك ما قالت لأمك هذا الكلام وتشتهي قربك ما كانت أعلمتك بمكانها ولا طلبتك إلى بلادها فقال حسن: يا سيدة الملوك والحاكمة على كل ملك وصعلوك إن الذي جرى أخبرتك به ولا أخفيت منه شيئاً وأنا أستجير بالله وبك أن لا تظلميني فارحميني وأريحي أجري وثوابي وساعديني على الاجتماع بزوجتي وأولادي وردي لهفتي وقري عيني بأولادي وأسعفيني برؤيتهم ثم بكى وحن واشتكى وأنشد هذين البيتين:
لأشكرنك مـا نـاحـت مـطـوقة
جهدي وإن كنت لا أقضي الذي وجبا
فما تقلبت في نـعـمـاء سـابـغة
إلا وجدتك فيها الأصل والسـبـبـافأطرقت الملكة نور الهدى رأسها إلى الأرض وحركتها زماناً طويلاً ثم رفعتها وقالت له: قد رحمتك ورثيت لك وقد عزمت على أن أعرض عليك كل بنت في المدينة وفي بلاد جزيرتي فإن عرفت زوجتك سلمتها إليك وإن لم تعرفها قتلتك وصلبتك على باب دار العجوز فقال لها حسن: قبلت تلك منك يا ملكة الزمان ثم أنشد هذه الأبيات:
أقمتم غرامي في الهوى وقعدتم
وأسهرتم جفني القريح ونمتـم
وعاهدتموني أنكم لن تماطلـوا
فلما أخذتم بالقـياد غـدرتـم
عشقتكم طفلاً ولم أدر الهـوى
فلا تقتلوني إنني متـظـلـم
أما تتقون الله في قتل عاشـقٍ
يبيت يراعي النجم والناس نوم
فبالله يا قومي إذا مت فاكتبـوا
على لوح قبري إن هذا متـيم
لعل فتى مثلي أضر به الهوى
إذا ما رأى قبري علي يسلـمفلما فرغ من شعره قال: رضيت بالشرط الذي اشترطيه ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فعند ذلك أمرت الملكة نور الهدى أن لا تبقى بنت في المدينة إلا وتطلع القصر وتمر أمامه، ثم إن الملكة أمرت العجوز شواهي أن تنزل بنفسها إلى المدينة وتحضر كل بنت في المدينة إلى الملكة في قصرها، وصارت الملكة تدخل البنات على حسن مائة بعد مائة حتى لم يبق في المدينة بنت إلا وعرضتها على حسن فلم ير زوجته فيهن، فسألته الملكة وقالت له: هل رأيتها في أولئك? فقال لها: وحياتك يا ملكة ما هي بينهن، فاشتد غضب الملكة عليه وقالت للعجوز: ادخلي وأخرجي كل من في القصر واعرضيه عليه.
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 765
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 766
فلما عرضت عليه كل من في القصر ولم ير زوجته فيهن قال للملكة: وحياة رأسك يا ملكة ما هي فيهن، فغضبت وصرخت على من حولها وقالت: خذوه واسحبوه على وجهه فوق الأرض واضربوا عنقه لئلا يخطر بنفسه أحد بعده ويطلع على حالنا ويجوز علينا في بلادنا ويطأ أرضنا وجزائرنا، فسحبوه على وجهه ورفعوا ذيله وغمضوا عينيه ووقفوا بالسيوف على رأسه ينتظرون الإذن، فعند ذلك تقدمت شواهي إلى الملكة وقبلت الأرض بين يديها وأمسكت ذيلها ورفعته فوق رأسها وقالت لها: يا ملكة لا تعجلي عليه خصوصاً وأنت تعرفين أن هذا المسكين غريب قد خاطر بنفسه وقاسى أموراً ما قاساها أحد قبله ونجاه الله تعالى عز وجل من الموت لطول عمره. لقد سمع بعدلك فدخل بلادك وحماك فإن قتلتيه تنشر الأخبار عنك مع المسافرين بأنك تبغضين الأغراب وتقتلينهم وهو على كل حال تحت قهرك ومقتول سيفك إن لم تظهر زوجته في بلدك وأي وقت تشتهين حضوره فأنا قادرة على رده إليك، وأيضاً فأنا ما أجرته إلا طمعاً في كرمك بسبب ما لي عليك من التربية حتى ضمنت له أنك توصليه إلى بغيته لعلي بعدلك وشفقتك ولولا أني أعلم منك هذا ما كنت أدخلته بلدك وقلت في نفسي إن الملكة تتفرج عليه وعلى ما يقول من الأشعار والكلام المليح الفصيح الذي يشبه الدر المظلوم، وهذا قد دخل بلادنا وأكل زادنا فوجب إكرامه علينا.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الخامسة والستين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الملكة نور الهدى لما أمرت غلمانها بأخذ حسن وضرب عنقه صارت العجوز تتعطف بخاطرها وتقول لها إنه دخل بلادنا وأكل من زادنا فوجب علينا إكرامه، خصوصاً وقد وعدته بالاجتماع بك وأنت تعرفين أن الفراق صعب وتعرفين أن الفراق قتال خصوصاً فراق الأولاد وما بقي علينا من النساء واحدة إلا أنت فأريه وجهك فتبسمت الملكة وقالت: من أين له أن يكون زوجي وخلف مني أولاد حتى أريه وجهي، ثم أمرت بحضوره فأدخلوه عليها وأوقفوه بين يديها فكشفت عن وجهها، فلما رآها حسن صرخ صرخة عظيمة وخر مغشياً عليه فلم تزل العجوز تلاطفه حتى أفاق من غشيته وأنشد هذه الأبيات:
يا نسيماً هب من أرض العراق
في زوايا أرض من قـال واق
بلغ الأحبـاب عـنـي أنـنـي
مت من طعم الهوى مر المذاق
يا أهيل الحب منوا واعطـفـوا
ذاب قلبي من تباريح الفـراقفلما فرغ من شعره قام ونظر الملكة وصاح صيحة عظيمة كاد منها القصر أن يسقط على من فيه، ثم وقع مغشياً عليه، فما زالت العجوز تلاطفه حتى أفاق وسألته عن حاله فقال: إن هذه الملكة إما زوجتي وإما أشبه الناس بزوجتي.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السادسة والستين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن العجوز لما سألته عن حاله قال لها: إن هذه الملكة إما زوجتي وإما أشبه الناس بزوجتي: فقالت الملكة للعجوز: ويلك يا داية إن هذا الغريب مجنون أو مختل لأنه ينظر إلى وجهي ويحملق إلي، فقالت لها العجوز: يا ملكة إن هذا معذور فلا تؤاخذيه فإنه قيل في المثل: مريض الهوى ما له دواء وهو والمجنون سواء، ثم إن حسناً بكى بكاءً شديداً وأنشد هذين البيتين:
أرى آثارهم فأذوب شـوقـاً
وأسكب في مواطنهم دموعي
وأسأل من بفرقتهم بـلانـي
يمن علي منهم بالـرجـوعثم إن حسناً قال للملكة: والله ما أنت زوجتي ولكنك أشبه الناس بها فضحكت الملكة نور الهدى حتى استلقت على قفاها ومالت على جنبها ثم قالت: يا حبيبي تمهل على روحك وميزني وجاوبني عن الذي أسألك عنه ودع عنك الجنون والحيرة والذهول فإنه قد قرب لك الفرج، فقال حسن: يا سيدة الملوك وملجأ كل غني وصعلوك إني حين نظرتك جننت لأنك إما تكونين زوجتي وإما أشبه الناس بزوجتي فاسأليني الآن عما تريدين.
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 766
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 767
فقالت: أي شيء في زوجتك يشبهني? فقال جميع ما فيك من الحسن والجمال والظرف والدلال كاعتدال قوامك وعذوبة كلامك وحمرة خدودك وبروز نهودك وغير ذلك مما يشبهها. ثم إن الملكة التفتت إلى شواهي أم الدواهي وقالت لها: يا أمي أرجعيه إلى موضعه الذي كان فيه عندك واخدميه أنت بنفسك حتى أتفحص عن أمره، فإن كان هذا الرجل صاحب مروءة بحيث أنه يحفظ الصحبة والود وجب علينا مساعدته على قضاء حاجته خصوصاً وقد نزل أرضنا وأكل طعامنا مع ما تحمله من مشقات الأسفار ومكابدة أهوال الأخطار، ولكن إذا أوصلتيه إلى بنتك فأوصي عليه أتباعك وارجعي إلي بسرعة وإن شاء الله لا يكون إلا خيراً.فعند ذلك خرجت العجوز وأخذت حسناً ومضت به إلى منزلها وأمرت جواريها وخدمها وحشمها بخدمته وأمرتهم أن يحضروا له جميع ما يحتاج إليه وأن لا يقصروا في حقه، ثم عادت إلى الملكة بسرعة فأمرتها أن تحمل سلاحها وتأخذ معها ألف فارس من الشجعان فامتثلت العجوز شواهي أمرها ولبست درعها وأحضرت الألف فارس، ولما وقفت بين يديها وأخبرتها بإحضار الألف فارس أمرتها أن تسير إلى مدينة الملك الأكبر أبيها وتنزل عند بنته منار السنا أختها وتقول لها البسي ولديك الدرعين اللذين عملتيهما لهما وأرسليهما إلى خالتهما فإنها مشتاقة إليهما.وقالت لها: أوصيك يا أمي بكتمان أمر حسن، فإذا أخذتيهما منها فقولي لها: إن أختك تستدعيك إلى زيارتها فإذا أعطتك ولديها وخرجت بهما قاصدة الزيارة بهما سريعاً وخليها تحضر على مهلها وتعالي من طريق غير الطريق التي تجيء هي منها ويكون سفرك ليلاً ونهاراً، واحذري أن يطلع على هذا الأمر أحد أبداً، ثم إني أحلف بجميع الأقسام إن طلعت أختي زوجته وظهر أن ولديها هما ولداه فلن أمنعه من أخذها ولا من السفر معه بأولادها. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السابعة والستين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الملكة قالت: إني أحلف بالله وأقسم بجميع الأقسام أنها إن طلعت أختي زوجته لا أمنعه من أخذها بل أساعده على أخذها وعلى سفرها معه إلى بلاده فوثقت العجوز بكلامها، ولم تعلم بما أضمرته في نفسها وقد أضمرت العاهرة في نفسها أنها إن لم تكن زوجته ولا أولادها يشبهونه تقتله، ثم إن الملكة قالت للعجوز: يا أمي إن صدق حزري تكون زوجته أختي منار السنا والله أعلم فإن هذه الصفات صفاتها وجميع الأوصاف التي ذكرها من الجمال البارع والحسن البارع لا يوجد في أحد غير أخوتي خصوصاً الصغيرة ثم إن العجوز قبلت يدها ورجعت إلى حسن وأعلمته بما قالته الملكة فطار عقله من الفرح وقام إلى العجوز وقبل رأسها فقالت له: يا ولدي لا تقبل رأسي وقبلني في فمي، واجعل هذه القبلة حلاوة السلامة وطب نفساً وقر عيناً ولا يكن صدرك إلا منشرحاً ولا تستكره أن تقبلني في فمي فإني أنا السبب في اجتماعك بها فطيب قلبك وخاطرك، ولا تكن إلا منشرح الصدر قرير العين مطمئن النفس ثم ودعته وانصرفت فأنشد حسن هذين البيتين:
لي في محبتكم شـهـود أربـع
وشهود كـل قـضـية اثـنـان
خفقان قلبي واضطراب جوارحي
ونحول جسمي وانعقاد لسـانـيثم أنشد أيضاً هذين البيتين:
شيئان لو بكت الدماء عليهمـا
عيناي حتى تؤذنا بذهـابـي
لم يقضيا المعشار من حقيهما
شرخ الشباب وفرقة الأحباب
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 767
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 768
ثم إن العجوز حملت سلاحها، وأخذت معها ألف فارس حاملين السلاح وتوجهت إلى تلك الجزيرة التي فيها أخت الملكة وسارت إلى أن وصلت إلى أخت الملكة وكان بين مدينة نور الهدى وبين مدينة أختها ثلاثة أيام، فلما وصلت شواهي إلى المدينة وطلعت إلى أخت الملكة منار السنا سلمت عليها وبلغتها السلام من أختها نور الهدى، وأخبرتها باشتياقها إليها وإلى أولادها وعرفتها أن الملكة نور الهدى تعتب عليها بسبب عدم زيارتها إياها فقالت لها الملكة منار السنا إن الحق على أختي وأنا مقصرة بعدم زيارتي لها ولكن أزورها الآن ثم أمرت بإخراج خيامها إلى خارج المدينة وأخذت لأختها معها ما يصلح لها من الهدايا والتحف، ثم إن الملك أباها نظر من شباك القصر فرأى الخيام منصوبة فسأل عن ذلك فقالوا له: إن الملكة منار السنا نصبت خيامها بتلك الطريق لأنها تريد زيارة أختها نور الهدى، فلما سمع الملك بذلك جهز لها عسكراً يوصلها إلى أختها وأخرج من خزائنه من الأموال ومن المأكل والمشرب ومن التحف والجواهر ما يعجز عنه الوصف، وكانت بنات الملك السبعة أشقاء من أب واحد وأم واحدة إلا الصغيرة، وكان اسم الكبيرة نور الهدى والثانية نجم الصباح والثالثة شمس الضحى والرابعة شجرة الدر والخامسة قوت القلوب والسادسة شرف البنات والسابعة منار السنا وهي الصغيرة فيهن وهي زوجة حسن وكانت أختهن من أبيهن فقط، ثم إن العجوز تقدمت وقبلت الأرض بين يدي منار السنا فقالت لها منار السنا: هل لك حاجة يا أمي? فقالت لها: إن الملكة نور الهدى أختك تأمرك أن تغير لولديك وتلبسيهما الدرعين الذين فصلتيهما لهما وأن ترسليهما معي إليها فآخذهما وأسبقك بهما وأكون المبشرة بقدومك عليها، فلما سمعت منار السنا كلام العجوز أطرقت رأسها إلى الأرض وتغير لونها ولم تزل مطرقة زماناً طويلاً ثم حركت رأسها ورفعته إلى العجوز وقالت لها: يا أمي قد ارتجف فؤادي وخفق قلبي عندما ذكرت أولادي فإنهم من حين ولادتهم لم ينظر أحداً وجوههم من الجن والبشر ولا أنثى ولا ذكر وأنا أغار عليهم من النسيم إذا سرى فقالت العجوز: أي شيء هذا الكلام يا سيدتي أتخافين عليهم من أختك.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثامنة والستين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن العجوز لما قالت للسيدة منار السنا أي شيء هذا الكلام يا سيدتي أتخافين عليهم من أختك سلامة عقلك، وإن خالفت الملكة في هذا الأمر، لا يمكنك المخالفة فإنها تعتب عليك، ولكن يا سيدتي أولادك صغار وأنت معذورة في الخوف عليهم والمحب مولع بسوء الظن ولكن يا بنتي أنت تعلمين شفقتي ومحبتي لك ولأولادك وقد ربيتكم قبلهم وأنا أتسلمهم وآخذهم وأفرش لهم حدي وافتح قلبي وأجعلهم في داخله ولا أحتاج إلى الوصية عليهم في هذا الأمر فطيبي نفساً وقري عيناً وارسليهم لها وأكثر ما أسبقك به يوماً واحداً ويومان، ولم تزل تلح عليها حتى لان جانبها وخافت من غيظ أختها، ولم تدر ما هو مخبوء لها في عالم الغيب، فسمحت بإرسالهم مع العجوز ثم أنها دعت بهم وأدخلتهم الحمام وهيأتهم وغيرت لهم وألبستهم الدرعين وسلمتهم للعجوز.فسارت بهم مثل الطير على غير الطريق التي تسير فيها أمهم، مثل ما أوصتها الملكة نور الهدى، ولم تزل تجد في السير وهي خائفة عليهم إلى أن وصلت بهم إلى مدينة الملكة نور الهدى خالتهم، فعدت بهم البحر، ودخلت المدينة وتوجهت بهم إلى الملكة نور الهدى خالتهم، فلما رأتهم فرحت بهم وعانقتهم وضمتهم إلى صدرها وأجلست واحداً على فخذها الأيمن والثاني على فخذها الأيسر ثم التفتت إلى العجوز وقالت لها: احضري الآن حسنا فأنا قد أعطيته ذمامي وأجرته من حسامي وقد تحصن بداري ونزل في جواري بعد أن قاسى الأهوال والشدائد وتعدى أسباب الموت التي همها متزايد مع أنه إلى الآن لم يسلم من شرب كأسه وقطع أنفاسه. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة التاسعة والستين بعد السبعمائة
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 768
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 769
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، إن الملكة نور الهدى لما أمرت العجوز بإحضار حسن قالت لها: إنه قاسى الأهوال والشدائد وتعدى أسباب الموت التي همها متزايد مع أنه إلى الآن لم يسلم من شرب كأسه وقطع أنفاسه وأنا أقسم بخالق السماء وبانيها وساطح الأرض وداحيها وخالق الخلق ومحصيها إن لم يكونوا أولاده لأقتلنه وأنا الذي أضرب عنقه بيدي ثم أنها صرخت على العجوز فوقعت من الخوف وأغرت عليها الحاجب وعشرين مملوكاً وقالت لهم: امضوا مع هذه العجوز وائتوني بالصبي الذي عندها في بيتها بسرعة.فخرجت العجوز مع الحاجب والمماليك، وقد اصفر لونها، وارتعدت فرائصها ثم سارت إلى منزلها ودخلت على حسن فلما دخلت عليه قام إليها وقبل يديها وسلم عليها فلم تسلم عليه وقالت له: قم كلم الملكة أما قلت لك ارجع إلى بلادك ونهيتك عن هذا كله فما سمعت قولي وقلت لك أعطيك شيئاً لا يقدر عليه أحد وارجع إلى بلادك من قريب فما أطعتني ولا سمعت مني بل خالفتني واخترت الهلاك لي ولك، فدونك وما اخترت فإن الموت قريب، قم كلم هذه الفاجرة العاهرة الظالمة الغاشمة فقام حسن وهو مكسور الخاطر حزين القلب خائف ويقول يا سلام سلم اللهم الطف بي فيما قدرته علي من بلائك واسترني يا أرحم الراحمين وقد يئس من الحياة وتوجه مع العشرين مملوكاً والحاجب والعجوز، فدخلوا على الملكة بحسن فوجد ولديه ناصراً ومنصوراً جالسين في حجرها وهي تلاعبهما وتؤانسهما، فلما وقع نظره عليهما عرفهما وصرخ صرخة عظيمة ووقع على الأرض مغشياً عليه لشدة الفرح بولديه. فلما أفاق عرف ولديه وعرفاه فحركتهما المحبة الغريزية فتخلصا من حجر الملكة ووقفا عند حسن وانطقهما الله عز وجل بقولهما: يا أبانا، فبكت العجوز والحاضرون رحمة لهما وشفقة عليهما وقالوا: الحمد لله الذي جمع شملكما بأبيكما، فلما أفاق حسن من غشيته عانق أولاده ثم بكى حتى غشي عليه، فلما أفاق من غشيته أنشد هذه الأبيات:
وحقكم إن قلبي لـم يعـلـق جـلـداً
على الفراق ولو كان الوصـال ردى
يقول لي طيفكـم إن الـلـقـاء غـداً
وهل أعيش على رغم الـعـداة غـدا
وحقكم سادتي مـن يوم فـرقـتـكـم
ما لذ لي طيب عيش بـعـدكـم أبـدا
وإن قضى الله نحبي في محـبـتـكـم
أموت في حبكم من أعظم الـشـهـدا
وظبية في زوايا القلب مـرتـعـهـا
وشخصها كالكرى عن مقلتـي شـردا
وإن أنكرت في مجال الشرع سفك دمي
فإنه فـوق خـديهـا لـقـد شـهـدافلما تحققت الملكة أن الصغار أولاد حسن وأن أختها السيدة منار السنا زوجته التي جاء في طلبها غضبت غضباً شديداً ما عليه من مزيد. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.وفي الليلة السبعين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الملكة نور الهدى لما تحققت إن الصغار أولاد حسن وإن أختها منار السنا زوجته التي جاء في طلبها غضبت عليها غضباً شديداً ما عليه من مزيد وصرخت في وجه حسن فغشي عليه فلما أفاق من غشيته أنشد هذه الأبيات:
بعدتم وأنتم أقرب الناس في الحشا
وغبتم وأنتم في الفؤاد حضـور
فو الله ما مال الفؤاد لغـيركـم
وإني على جور الزمان صبور
تمر الليالي في هواكم وتنقضـي
وفي القلب مني زفرة وسعـير
وكنت فتى لا أرتضي البعد ساعة
فكيف وقد مرت علي شهـور
أغار إذا ذهبت عليكم نـسـيمة
وإني على الغيد الملاح غـيور
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 769
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 770
فلما فرغ حسن من شعره خر مغشيا عليه، فلما أفاق رآهم قد أخرجوه مسحوبا على وجهه فقام يمشي ويتعثر في أذياله، وهو لا يصدق بالنجاة مما قاساه منها فعز على العجوز شواهي ولم تقدر أن تخاطب الملكة في شأنه من قوة غضبها، فلما خرج حسن من القصر صار متحيراً لا يعرف أين يروح ولا يجيء ولا أين يذهب وضاقت عليه الأرض بما رحبت ولم يجد من يحدثه ويؤانسه ولا من يسليه ولا يستشيره ولا من يقصده ويلجأ إليه فأيقن بالهلاك لأنه لا يقدر على السفر ولا يعرف من يسافر معه ولا يعرف الطريق ولا يقدر أن يجوز على وادي الجان وأرض الوحوش وجزائر الطيور فيئس من الحياة ثم بكى على نفسه حتى غشي عليه فلما أفاق تفكر أولاده وزوجته وقدومها على أختها وتفكر فيما يجري لها مع الملكة أختها ثم ندم على حضوره في هذه الديار وعلى كونه لم يسمع كلام أحد فأنشد هذه الأبيات:
دعوا مقلتي تبكي على فقد من أهـوى
فقد عز سلواني وزادت بي البـلـوى
وكأس صروف البين صرفاً شربتـهـا
فمن ذا على فقد الأحـبة قـد يقـوى
بسطتهم بساط العتب بينـي وبـينـكـم
ألا يا بساط العتب عني متى تـطـوى
سهرت ونمتم إذ زعـمـتـم بـأنـنـي
سلوت هواكم إذ سلوت عن السـلـوى
إلا أن قلبـي مـولـعٌ بـوصـالـكـم
وأنتم أطبائي حـفـظـتـم مـن الأدوا
ألم تنظروا ما حل بي مـن صـدودكـم
ذللت لمن يسوى ومن لم يكـن يسـوى
كتمـت هـواكـم والـغـرام يذيعـه
وقلبي بنيران الـهـوى أبـداً يكـوى
فرقوا لحالي وارحـمـونـي لأنـنـي
حافظت على الميثاق في السر والنجوى
فيا هل ترى الأيام تجمـعـنـي بـكـم
فأنتم مني قلبي وروحي لكـم تـهـوى
فؤادي جريح بالـفـراق فـلـيتـكـم
تفيدوننا عن حـبـكـم خـبـراً يروىثم أنه لما فرغ من شعره، ولم يزل ذاهباً إلى أن خرج إلى ظاهر المدينة فوجد النهر فسار على جانبه وهو لا يعلم أين يتوجه، هذا ما كان من أمر حسن. وأما ما كان من أمر زوجته منار السنا فإنها أرادت الرحيل في اليوم الثاني الذي رحلت فيه العجوز فبينما هي عازمة على الرحيل إذ دخل عليهما حاجب الملك أبيها وقبل الأرض بين يديها.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح
وفي الليلة الواحدة والسبعين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن منار السنا بينما هي عازمة على الرحيل إذ دخل عليها حاجب الملك أبيها وقبل الأرض بين يديها وقال لها: يا ملكة إن أباك الملك الأكبر يسلم عليك ويدعوك إليه فنهضت متوجهة مع الحاجب إلى أبيها تنظر حاجته فلما رآها أبوها أجلسها إلى جانبه فوق السرير وقال لها: يا ابنتي اعلمي إني رأيت في هذه الليلة رؤيا وأنا خائفٌ عليك منها وخائفٌ أن يصل لك من سفرك هذا همٌ طويل فقالت له: لأي شيء يا أبتي? وأي شيء رأيت في المنام? قال: رأيت كأني دخلت كنزاً فرأيت فيه أموالاً عظيمة وجواهر ويواقيت كثيرة وكأنه لم يعجبني من ذلك الكنز ولا من تلك الجواهر جميعها إلا سبع حباتٍ وهي أحسن ما فيه فاخترت من السبع جواهر واحدة وهي أصغرها وأحسنها وأعظمها نورا وكأني أخذتها في كفي لما أعجبني حسنها وخرجت بها من الكنز فلما خرجت من بابه فتحت يدي وأنا فرحان وقبلت الجوهرة وإذا بطائر غريب قد أقبل من بلاد بعيدة ليس من طيور بلادنا قد انقض علي من السماء وخطف الجوهرة من يدي ورجع بها إلى المكان الذي أتيت بها منه فلحقني الهم والحزن والضيق وفزعت فزعاً عظيماً أيقظني من المنام فانتبهت وأنا حزين متأسف على تلك الجوهرة فلما انتبهت من النوم دعوت بالمعبرين والمفسرين وقصصت عليهم منامي فقالوا إن ذلك سبع بنات تفقد الصغيرة منهن وتؤخذ منك قهراً بغير رضاك وأنت يا ابنتي أصغر بناتي وأعزهن عندي وأكرههن علي وها أنت مسافرة إلى أختك ولا أعلم ما يجري عليك منها فلا تروحي وأرجعي إلى قصرك.
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 770
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 771
فلما سمعت منار السنا كلام أبيها خفق قلبها وخافت على أولادها وأطرقت برأسها إلى الأرض ساعة ثم رفعته إلى أبيها وقالت له: يا أيها الملك إن الملكة نور الهدى قد هيأت لي ضيافة وهي في انتظار قدومي عليها ساعة بعد ساعة ولها أربع سنين ما رأتني وإن قعدت عن زيارتها تغضب علي ومعظم قعودي عندها شهر زمان وأحضر عندك من هذا الذي يطرق بلادنا ويصل إلى جزائر واق الواق ومن يقدر أن يصل إلى الأرض البيضاء والجبل الأسود ويصل إلى جزيرة الكافور وقلعة الطيور وكيف يقطع وادي الطيور ثم وادي الوحوش ثم وادي الجان ثم يدخل جزائرنا ولو دخل إليها غريب لغرق في بحار الهلكات فطب نفساً وقر عيناً من شأن سفري فإنه لا قدرة لأحد على أن يدوس أرضنا ولم تزل تستعطفه حتى أنعم عليها بالأذن في المسير.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثانية والسبعين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أنها لم تزل تستعطفه حتى أنعم عليها بالأذن في المسير ثم أنه أمر ألف فارس أن يسافروا معها ليوصلوها إلى النهر ثم يقيموا مكانهم حتى تصل إلى مدينة أختها وتدخل قصرها، وأمرهم أن يقيموا عندها حتى يأخذوها ويحضروها إلى أبيها وأوصاها أبوها أن تقعد عند أختها يومين ثم تعود بسرعة، فقالت سمعاً وطاعةً ثم أنها نهضت وخرجت وخرج معها أبوها وودعها وقد أثر كلام أبيها في قلبها فخافت على أولادها ولا ينفع التحصن بالحذر من هجوم القدر فجدت في المسير ثلاثة أيام بلياليها حتى وصلت إلى النهر وضربت خيامها على ساحله ثم عدت النهر ومعها بعض غلمانها وحاشيتها ووزرائها ولما وصلت إلى مدينة الملكة نور الهدى طلعت القصر ودخلت عليها فرأت أولادها يبكون عندها ويصيحون: يا بابا فجرت الدموع من عينيها وبكت ثم ضمت أولادها إلى صدرها وقالت لهم: هل رأيتم أباكم فلا كانت الساعة التي فارقته ولو عرفت أنه في دار الدنيا لكنت وصلتكم إليه ثم ناحت على نفسها وعلى زوجها وعلى بكاء أولادها، وأنشدت هذه الأبيات:
أأحبابنا إني على البعد والجفا
أحن إليكم حيث كنتم وأعطف
وطرفي إلى أوطانكم متلفـت
وقلبي على أيامكم متلهـف
وكم ليلةٍ بتنا على غـير ريبةٍ
محبين يهنينا الوفا والتلطـففلما رأتها قد ضمت أولادها وقالت: أنا التي فعلت بنفسي وبأولادي هكذا وأخرجت بيتي فلم تسلم عليها أختها نور الهدى بل قالت لها: يا عاهرة من أين لك هذه الأولاد? هل تزوجت بغير علم أبيك أو زنيت فإن كنت زنيت وجب تنكيلك وإن كنت تزوجت من غير علمنا فلأي شيء فارقت زوجك وأخذت أولادك وفرقت بينهم وبين أبيهم وجئت بلادنا? وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثالثة والسبعين بعد السبعمائة
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 771
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 772
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الملكة نور الهدى قالت لأختها منار السنا: وإن كنت تزوجت من غير علمنا فلأي شيء فارقت زوجك وأخذت أولادك وفرقت بينهم وبين أبيهم وجئت بلادنا وقد أخفيت أولادك عنا? أتظنين أننا لا ندري بذلك والله تعالى علام الغيوب قد أظهر لنا أمرك وكشف حالك وبين عوراتك ثم بعد ذلك أمرت أعوانها أن يمسكوا فقبضوا عليها فكتفتها وقيدتها بالقيود الحديد وضربتها ضرباً وجيعاً حتى شرحت جسدها وصلبتها من شعرها ووضعتها في السجن وكتبت كتاباً إلى الملك الأكبر أبيها تخبره بخبرها وتقول له: إنه ظهر بلادنا رجل من الإنس وأختي منار السنا تدعي أنها تزوجته في الحلال وجاءت منه بولدين وقد أخفتهما عنا وعنك ولم تظهر عن نفسها شيئاً إلى أن أتانا ذلك الرجل الذي من الأنس وهو يسمى حسناً وأخبرنا أنه تزوج بها وقعدت عنده مدة طويلة من الزمان، ثم أخذت أولادها وأتت من غير علمه وأخبرت والدته عند مجيئها وقالت لها: قولي لولدك إذا حصل له اشتياق أن يجيئني إلى جزائر واق الواقي فقبضنا على ذلك الرجل عندنا وأرسلت إليها العجوز شواه تحضرها عندي هي وأولادها فجهزت نفسها وحضرت وقد كنت أمرت العجوز أن تحضر لي أولادها فتسبق بهم إلي قبل حضورها فجاءت العجوز بأولادها فأرسلت إلي الرجل الذي أدعى أنها زوجته فلما دخل علي ورأى الأولاد عرفهم فتحققت أن الأولاد أولاده وأنها زوجته وعلمت أن كلام الرجل صحيح وليس عنده عيب ورأيت أن القبح والعيب عند أختي فخفت من هتك عرضنا عند أهل جزائرنا فأدخلت على هذه الفاجرة الخائنة غضبت عليها وضربتها ضرباً وجيعاً وسلبتها من شعرها وقد أعلمتك بخبرها والأمر أمرك فالذي تأمرنا به نفعله وأنت تعلم أن هذا الأمر فيه هتيكة لنا وعيب في حقنا وحقك وربما تسمع أهل الجزيرة بذلك فنصير بينهم مثلاً فينبغي لنا جواباً سريعاً. ثم أعطت المكتوب للرسول فسار به إلى الملك، فلما قرأه الملك الأعظم اغتاظ غيظاً شديداً على ابنته منار السنا وكتب إلى ابنته نور الهدى مكتوباً يقول لها فيه: أنا فوضت أمرها إليك وحكمت في دمها فإن كان الأمر كما ذكرت فأقتليها ولا تشاوريني في أمرها فلما وصل إليها كتاب أبيها وقرأته أرسلت إلى منار السنا وأحضرتها بين يديها وهي غريقة في دمها مكتفة بشعرها مقيدة بقيدٍ ثقيلٍ من حديد وعليها اللباس الشعر ثم أوقفوها بين يدي الملكة فوقفت حقيرة ذليلة فلما رأت نفسها في هذه المذلة العظيمة والهوان الشديد تفكرت ما كانت فيه من العز وبكت بكاءً شديداً وأنشدت هذين البيتين:
يا رب إن العدا يسعون في تلفي
ويزعمون بأني لست بالنـاحـي
وقد رجوتك في أبطال ما صنعوا
يا رب أنت ملاذ الخائف الراجي ثم بكت بكاءً شديداً حتى وقعت مغشياً عليها، فلما أفاقت أنشدت هذين البيتين:
ألف الحوادث مهجتي وألفتها
بعد التنافر والكريم ألـوف
ليس الهموم علي صنفاً واحداً
عندي بحمد الله من ألـوفثم أنشدت هذين البيتين:
ولرب نازلة يضيق لها الفتى
درعاً وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها
فرجت وكنت أظنها لا تفرج وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الرابعة والسبعين بعد السبعمائة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق