السبت، 6 فبراير 2010

147


فقام سيف الملوك وساعد وتوجها إلى المكان الذي دلتهما عليه دولة خاتون فلما دخلاه رأيا تختاً من الذهب منصوباً وعليه الوسائد وهناك الطعام والشراب فجلسا ساعة من الزمان، ثم إن سيف الملوك تذكر معشوقته فضاق صدره وهاج عليه الشوق والغرام، فقام ومشى حتى خرج من دهليز القصر فتبعه أخوه ساعد فقال له: يا أخي اقعد أنت مكانك ولا تتبعني حتى أجيء إليك، فقعد ساعد ونزل سيف الملوك ودخل البستان وهو سكران من خمر الغرام وحيران من فرط العشق والهيام وقد هزه الشوق وغلب عليه الوجد.ثم اجتمع سيف الملوك وساعد أخوه وصارا يتفرجان في البستان ويأكلان من الفواكه. هذا ما كان من امر ساعد وسيف الملوك، وأما ما كان من أمر دولة خاتون فإنها لما أتت هي وبديعة الجمال إلى القصر دخلتا فيه بعد أن أتحفته الخدام بأنواع الزينة وفعلوا فيه جميع ما أمرتهم به دولة خاتون وقد أعدوا لبديع الجمال تختاً من الذهب لتجلس عليه، فلما رأت بديعة الجمال ذلك التخت جلست عليه وكان بجانبها طاقة تشرف على البستان وقدا أتت الخدام بأنواع الطعام الفاخرة فأكلت بديعة الجمال هي ودولة خاتون وصارت دولة خاتون تلقمها حتى اكتفت ثم دعت بأنواع الحلويات فأحضرتها الخدام وأكلتا منها بحسب الكفاية وغسلتا أيديهما، ثم إنها هيأت الشراب وآلات المدام وصفت الأباريق والكاسات وصارت دولة خاتون تملأ وتسقي بديعة الجمال ثم تملأ الكأس وتشرب هي ثم إن بديعة الجمال نظرت من الطاقة التي بجانبها إلى ذلك البستان ورأت ما فيه من الأثمار والأغصان، فلاحت منها التفاتة إلى جهة سيف الملوك ينشد الأشعار وهو يذري الدموع الغزار، فلما نظرته نظرة أعقبتها تلك النظرة ألف حسرة.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثانية والثلاثين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن بديعة الجمال لما رأت سيف الملوك وهو دائر في البستان نظرته نظرة أعقبتها ألف حسرة فالتفتت إلى دولة خاتون وقد لعب الخمر بأعطافها وقالت لها يا أختي من هذا الشاب الذي أراه في البستان وهو حائر ولهان كئيب فقالت لها دولة خاتون هل تأذنين في حضوره عندنا حتى نراه قالت لها إن أمكنك أن تحضريه فاحضريه فعند ذلك نادته دولة خاتون وقالت له يا ابن الملك اصعد إلينا واقدم بحسنك وجمالك علينا فعرف سيف الملوك صوت دولة خاتون فصعد إلى القصر، فلما وقع نظره على بديعة الجمال خر مغشياً عليه، فرشت عليه دولة خاتون قليلاً من ماء الورد فأفاق من غشيته ثم نهض وقبل الأرض قدام بديعة الجمال فبهتت من حسنه وجماله وقالت دولة خاتون: اعلمي أيتها الملكة أن هذا سيف الملوك الذي كانت نجاتي بقدرة الله على يديه وهو الذي جرى عليه كامل المشقات من أجلك وقصدي أن تشمليه بنظرك، فقامت بديعة الجمال وقد ضحكت وقالت من بقي بالعهود حتى بقي بها هذا الشاب لأن الانس ليس لهم مودة فقال سيف الملوك أيتها الملكة إن عدم الوفاء لا يكون عندي أبداً وما كل الخلق سواء.فقالت له بديعة الجمال يا ابن الملك إني أخاف أن أقبل عليك بالكلية فلا أجد منك ألفة ولا محبة فإن الانس ربما كان خيرهم قليلاً وغدرهم جليلاً واعلم أن السيد سليمان بن داود عليهما السلام أخذ بلقيس بالمحبة، فلما رأى غيرها أحسن منها أعرض عنها فقال لها سيف الملوك يا عيني ويا روحي ما خلق الله كل الانس سواء وأنا إن شاء الله أفي بالعهد وأموت تحت أقدامك وسوف تبصرين ما أفعل موافقاً لما أقول والله على ما أقول وكيل، فقالت له بديعة الجمال اقعد واطمئن واحلف لي على قدر دينك ونتعاهد على أننا لا نخون بعضنا ومن خان صاحبه ينتقم الله تعالى منه فلما سمع سيف الملوك منها ذلك الكلام قعد ووضع كل منهما يده في يد صاحبه وتحالفا أن كلاً منهما لا يختار على احبه أحد من الانس ولا من الجن ثم إنهما تعانقا ساعة زمانية وتباكيا من شدة فرحهما.وبعد أن تحالفت بديعة الجمال هي وسيف الملوك قام سيف الملوك يمشي وقامت بديعة الجمال تمشي أيضاً ومعها جاريتها حالمة شيئاً من الأكل وقنينة ملآنة خمراً ثم قعدت بديعة الجمال ووضعت الجارية بين يديها الأكل والمدام فلم تمكثها غير ساعة إلا وسيف الملوك قد أقبل فلاقته بالسلام وتعانقا وقعدا.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 726

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 727
وفي الليلة الثالثة والثلاثين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن بديعة الجمال لما أحضرت الطعام والشراب وجاء سيف الملوك فلاقته بالسلامة ثم قعدا يأكلان ويشربان مدة ساعة، فقالت بديعة الجمال يا ابن الملك إذا دخلت بستان ارم ترى خيمة كبيرة منصوبة وهي من أطلس أحمر وبطانتها من حرير أخضر فادخل الخيمة وقو قلبك فإنك ترى عجوزاً جالسة على تخت من الذهب الأحمر مرصع بالدر والجواهر فإذا دخلت فسلم عليها بأدب واحتشام وانظر إلى جهة التخت تجد تحته نعالاً منسوجة بقضبان الذهب مزركشة بالمعادن فخذ تلك النعل وقبلها وضعها على رأسك، ثم حطها تحت إبطك اليمين وقف قدام العجوز وأنت ساكت مطرق الرأس فإذا سألتك وقالت لك من أين جئت، وكيف وصلت إلى هنا ومن عرفك هذا المكان? ومن شأن أي شيء أخذت هذه النعال فاسكت أنت حتى تدخل جاريتي هذه، وتتحدث معها وتستعطفها عليك وتسترضي خاطرها بالكلام، لعل الله تعالى يعطف قلبها عليك وتجيبك ما تريد، ثم إنها نادت الجارية وكان اسمها مرجانة وقالت لها بحق محبتي أن تقضي هذه الحاجة في هذا اليوم ولا تتهاوني في قضيتها في هذا اليوم فأنت حرة لوجه الله تعالى، ولك الإكرام ولا يكون عندي أعز منك ولا أظهر سري إلا عليك، فقالت يا سيدتي ونور عيني قولي لي ما حاجتك حتى أقضيها لك على رأسي وعيني، فقالت لها أن تجعلي هذا الأنسي على أكتافك وتوصليه إلى بستان ارم عند جدتي أم أبي، وتوصليه إلى خيمتها وتحتفظي عليه، وإذا دخلت الخيمة أنت وإياه ورأيته أخذ النعال وخدمها وقالت له من أين أنت ومن أي طريق أتيت ومن أوصلك إلى هذا المكان، ومن أي شيء أخذت هذه النعال وأي شيء حاجتك حتى أقضيها لك، فعند ذلك ادخلي بسرعة وسلمي عليها وقولي لها، يا سيدتي أنا التي جئت به هنا وهو ابن ملك مصر وهو الذي راح إلى القصر المشيد وقتل ابن الملك الأزرق وخلص الملكة دولة خاتون وأوصلها إلى أبيها سالمة، وقد أوصلته إليك لأجل أن يخبرك ويبشرك بسلامتها فتنعمي عليه، ثم بعد ذلك قولي لها بالله عليك يا سيدتي أما هذا الشاب مليح يا سيدتي فتقول نعم فعند ذلك قولي لها يا سيدتي إ،ه كامل العرض والمروءة والشجاعة وهو صاحب مصر وملكها، وقد حوى سائر الخصال الحميدة فإذا قالت لك أي شيء حاجته فقولي لها سيدتي تسلم عليك، وتقول لك إلى متى هي قاعدة في البيت عازبة بلا زواج فقد طالت عليها المدة فما مرادكم بعدم زواجها ولأي شيء ما تزوجينها في حياتك وحياة أمها مثل البنات فإذا قالت لك وكيف نعمل في زواجها فإن كانت هي تعرف أحداً ووقع في خاطرها أحد تخبرنا عنه، ونحن نعمل لها على مرادها على غاية ما يمكن.فعند ذلك قولي لها يا سيدتي إن ابنتك تقول لك إنكم كنتم تريدون تزويجي بسليمان عليه السلام وصورتم له صورتي في القباء، فلم يكن له نصيب في وقد أرسله إلى ملك مصر فأعطاه لولده فرأى صورتي منقوشة فيه، فعشقني وترك ملك أبيه وأمه وأعرض عن الدنيا وما فيها، وخرج هاجعاً في الدنيا على وجهه وقاسى أكبر الشدائد والأهوال من أجلي.ثم إن الجارية حملت سيف الملوك وقالت له غمض عينيك ففعل، فطارت به إلى الجو ثم بعد ساعة قالت يا ابن الملك افتح عينيك ففتح فنظر البستان وهو بستان ارم، فقالت له مرجانة ادخل يا سيف الملوك هذه الخيمة فذكر الله ودخل ومد عينيه بالنظر في البستان فرأى العجوز قاعدة على التخت وفي خدمتها الجواري فقرب منها بأدب واحتشام وأخذ النعال وقبلها وفعل ما وصفته له بديعة الجمال، فقالت له العجوز من أنت ومن أين جئت ومن أين أقبلت ومن أي البلاد أنت ومن جاء بك إلى هذا المكان ولأي شيء أخذت هذه النعال وقبلتها ومتى قلت لي حاجة ولم أقضها لك، فعند ذلك دخلت الجارية مرجانة وسلمت عليها بأدب واحتشام، ثم تحدثت جارية بديعة الجمال الذي قالته لها، فلما سمعت العجوز هذا الكلام صرخت عليها واغتاظت منها وقالت من أين يحصل بين الإنس والجن اتفاق.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الرابعة والثلاثين بعد السبعمائة

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 727

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 728
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن العجوز لما سمعت الكلام من الجارية اغتاظت وقالت من أين للانس مع الجن اتفاق، فقال سيف الملوك أنا أتفق معها وأكون غلامها وأموت على حبها وأحفظ عهدها ولا أنظر غيرها وسوف تنظرين صدقي وعدم كذبي وحسن مروءتي معها إن شاء الله تعالى، ثم إن العجوز تفكرت ساعة زمانية وهي مطرقة رأسها، ثم رفعت رأسها وقالت أيها الشاب هل تحفظ العهد والميثاق فقال لها نعم وحق من رفع السماء وبسط الأرض على الماء إني أحفظ العهد فعند ذلك قالت العجوز أنا أقضي لك حاجتك إن شاء الله تعالى ولكن رح في هذه الساعة إلى البستان وتفرج فيه وكل من الفواكه التي لا نظير لها ولا في الدنيا مثلها، حتى أبعث إلى ولدي شهيال فيحضر وأتحدث معه في شأن ذلك وأزوجك بنته بديعة الجمال، فطب نفساً فإنها تكون زوجة لك يا سيف الملوك، فلما سمع منها ذلك الكلام شكرها وقبل يديها ورجليها وخرج من عندها متوجهاً إلى البستان، وأما العجوز فإنها التفتت إلى تلك الجارية وقالت لها اطلعي فتمشي على ولدي شهيال وانظريه في أي الأقطار والأماكن وأحضريه عندي فراحت الجارية وفتشت على الملك شهيال فاجتمعت به وأحضرت عند أمه هذا ما كان من أمرها.وأما ما كان من أمر سيف الملوك فإنه صار يتفرج في البستان، وإذا بخمسة من الجن وهم من قوم الملك الأزرق قد نظروه، فقالوا من أين هذا ومن جاء به إلى هذا المكان ولعله الذي قتل ابن الملك الأزرق، ثم قالوا لبعضهم إننا نحتال عليه بحيلة ونسأله ونستخبر منه، ثم صاروا يتمشون قليلاً قليلاً إلى أن وصلوا إلى سيف الملوك في طرف البستان، وقعدوا عنده وقالوا له أيها الشاب المليح ما قصرت في قتل ابن الملك الأزرق وخلاص دولة خاتون منه فإنه كلب غدار قد مكر بها ولولا أن قيضك لها ما خلصت أبداً وكيف قتلته فنظر إليهم سف الملوك وقال لهم قد قتلته بهذا الخاتم الذي في إصبعي فثبت عندهم أنه هو الذي قتله فقبض اثنان على يديه واثنان على رجليه والآخر على فمه حتى لا يصيح فيسمعه قوم الملك شهيال فينقذونه من أيديهم، ثم إنهم حملوه وطاروا به، ولم يزالوا طائرين حتى نزلوا عند ملكهم وأوقفوه بين يديه وقالوا يا ملك الزمان قد جئناك بقاتل ولدك، فقال وأين هو قالوا هذا فقال له الملك الأزرق هل قتلت ولدي وحشاشة كبدي ونور بصري بغير حق وبغير ذنب فعله معك فقال له سيف الملوك نعم أنا قتلته ولكن لظلمه وعدوانه لأنه كان يأخذ أولاد الملوك ويذهب بهم إلى بئر المعطلة والقصر المشيد ويفرق بينهم وبين أهليهم ويفسق فيهم، وقتلته بهذا الخاتم الذي في إصبعي وعجل الله بروحه إلى النار وبئس القرار فثبت عند الملك الأزرق أن هذا هو قاتل ولده بلاشك، فعند ذلك دعا وزيره وقال له هذا قاتل ولدي ولا محالة من غير شك فماذا تشير في أمره فهل أقتله اقبح قتلة وأعذبه أصعب عذاب أو كيف أعمل فقال الوزير الأكبر اقطع منه عضواً، وقال آخر اضربه كل يوم ضرباً شديداً، وقال آخر اقطعوا وسطه، وقال آخر اقطعوا أصابعه جميعاً واحرقوها بالنار، وقال آخر اصلبوه، وصار كل واحد منهم يتكلم بحسب رأيه، وكان عبد الملك الأزرق أمير كبي له خبرة بالأمور ومعرفة بأحوال الدهور فقال له يا ملك الزمان إني أقول لك كلاماً والرأي لك في سماع ما أشير به عليك وكان هو مشير مملكته ورئيس دولته وكان الملك يسمع كلامه ويعمل برأيه ولا يخالفه في شيء فقام على قدميه وقبل الأرض بين يديه وقال له يا ملك الزمان إذا أشرت عليك برأي في شأن هذا الأمر هل تتبعه وتعطيني الأمان فقال له الملك بين رأيك وعليك الأمان.فقال يا ملك إن أنت قتلت هذا ولم تقبل نصحي ولم تعقل كلامي فإن قتله في هذا الوقت غير صواب لأنه تحت يدك وفي حماك وأسيرك ومتى طلبته وجدته وتفعل به ما تريد، فاصبر يا ملك الزمان فإن هذا قد دخل بستان ارم وتزوج بديعة الجمال بنت الملك شهيال وصار منهم واحد وجماعتك قبضوا عليه وأتوا به إليك وما أخفى حلاه منهم ولا منك، فإذا قتلته فإن الملك شهيال يطلب ثأره منك ويعاديك ويأتيك بالعسكر من أجل بنته ولا مقدرة لك على عسكره وليس لك به طاقة فسمع منه ذلك وأمر بسجنه هذا ما جرى لسيف الملوك.

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 728

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 729
وأما ما كان من أمر جدة بديعة الجمال فإنها لما اجتمعت بولدها شهيال أرسلت الجارية تفتش على سيف الملوك فلم تجده، فرجعت إلى سيدتها وقالت ما وجدته في البستان فأرسلت إلى عمال البستان وسألتهم عن سيف الملوك، فقالوا نحن رأيناه قاعداً تحت شجرة، وإذا بخمسة أشخاص من جماعة الملك الأزرق نزلوا عنده وتحدثوا معه ثم إنهم حملوه وسدوا فمه وطاروا به وراحوا، فلما سمعت دجدة بديعة الجمال ذلك الكلام لم يهن عليها واغتاظت غيظاً شديداً وقامت على أقدامها وقالت لابنها الملك شهيال كيف تكون ملكاً وتجيء جماعة الملك الأزرق إلى بستاننا ويأخذون ضيفنا ويروحون به سالمين وأنت بالحياة وصارت تحرضه وتقول لا ينبغي أن يتعدى علينا أحد في حياتك، فقال لها يا أمي إن هذا الانسي قتل ابن الملك الأزرق وهو جني فرماه الله في يده فكيف أذهب إليه وأعاديه من أجل الانسي فقالت له أمه اذهب إليه واطلب منه ضيفنا فإن كان بالحياة وسلمه إليك فخذه وتعال، وإن كان قتله فأمسك الملك بالحياة وأولاده وحريمه وكل من يلوذ به من أتباعه وائتني بهم بالحياة حتى أذبحهم بيدي وأخرب دياره، وإن لم تفعل ما أمرتك به لا أجعلك من حل من لبني والتربية التي ربيتها لك تكون حراماً.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الخامسة والثلاثين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن العجوز قالت لابنها شهيال اذهب إلى الملك الأزرق وانظر سيف الملوك فإن كان باقياً بالحياة فهاته وتعال وإن كان قتله فأمسكه هو وأولاده وحريمه وكل من يلوذ به، وائتني بهم بالحياة حتى أذبحهم بيدي وأخرب ملكه، وإن لم تذهب إليه وتفعل ما أمرتك به فلا أجعلك في حل من لبني وتكون تربيتك حراماً، فعند ذلك قام الملك شهيال وأمر عسكره بالخروج، وتوجه إليه كرامة لأمه ورعاية لخاطرها وخواطر أحبابها ولأجل شيء كان مقدراً في الأزل، ثم إن شهيال سافر بعسكره ولم يزالوا مسافرين حتى وصلوا إلى الملك الأزرق، وتلاقى العسكران فانكسر الملك الأزرق هو وعسكره وأمسكوا أولاده كباراً وصغاراً وأرباب دولته وأكابرها وربطوهم وأحضروهم بين يدي الملك شهيال، فقال له يا أزرق أين سيف الملوك الأنسي الذي هو ضيفي.فقال له المكل الأزرق يا شهيال أنت جني وأنا جني وهل لأجل انسي قتل ولدي تفعل هذه الفعال وهو قاتل ولدي وحشاشة كبدي وكيف عملت هذه الأعمال كلها وأهرقت دم كذا وكذا ألف جني فقال له خل عنك هذا الكلام فإن كان هو بالحياة فأحضره، وأنا أعتقك وأعتق كل من قبضت عليه من أولادك وإن كنت قتلته فأنا أذبحك أنت وأولادك، فقال له الملك الأزرق يا ملك هل هذا أعز عليك من ولدي، فقال له الملك شهيال وإن ولدك ظالم لكونه يخطف أودلا الناس وبنات الملوك، ويضعهم في القصر المشيد والبئر المعطلة ويفسق فيهم، فقال له الملك الأزرق إنه عندي ولكن أصلح بيننا وبينه فأصلح بينهم وخلع عليهم وكتب بين الملك الأزرق وبين سيف الملوك حجة من جهة قتال ولده وتسلمه شهيال وضيفهم ضيافة مليحة، وأقام الملك الأزرق عنده هو وعسكره ثلاثة أيام، ثم أخذ سيف الملوك وأتى إلى أمه ففرحت به فرحاً شديداً وتعجب شهيال من حسن سيف الملوك وكماله وجماله وحكى له سيف الملوك حكايته من أولها إلى آخرها وما وقع له مع بديعة الجمال ثم إن الملك شهيال قال يا أمي حيث رضيت أنت وهي بذلك فسمعاً وطاعة لكما أمر فيه رضاك فخذيه وروحي به إلى سردنيب واعملي هناك فرحاً عظيماً، فإنه شاب مليح قاسى الأهوال من أجلها، ثم إنها سافرت هي وجواريها إلى أن وصلن إلى سردنيب ودخلن البستان الذي رأته دولة خاتون ونظرته بديعة الجمال بعد أن مضين إلى الخيمة واجتمعن وحدثتهن العجوز بما جرى من الملك الأزرق وكيف كان أشرف على الموت في سجن الملك الأزرق وليس في الإعادة إفادة، ثم إن الملك سيف الملوك قال له يا ملك العفو أنا أطلب منك حاجة وأخاف أن تردني عنها خائباً.

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 729

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 730
فقال له تاج الملوك لو طلبت روحي ما منعتها عنك لما فعلت من الجميل فقال سيف الملوك أريد أن تزوج دولة خاتون بأخي ساعد حتى نصير كلنا غلمانك فقال تاج الملوك سمعاً وطاعة ثم إنه جمع أكابر دولته ثاني وعقد عقد ابنته خاتون على ساعد ولما خلصوا من كتب الكتاب نثروا الذهب والفضة وأمر أن يزينوا المدينة، ثم أقاموا الفرح ودخل سيف الملوك على بديعة الجمال ودخل ساعد على دولة خاتون في ليلة واحدة ولم يزل سيف الملوك يختل ببديعة الجمال أربعين يوماً فقالت له في بعض الأيام يا ابن الملك هل في قلبك حسرة على شيء، فقال سيف الملوك حاشى لله قد قضيت حاجتي وما بقي في قلبي حسرة أبداً ولكن قصدي الاجتماع بأبي وأمي بأرض مصر وانظر هل هما طيبين أم لا فأمرت جماعة من خدمها أن يوصلوه هو وساعد إلى أرض مصر، فوصلوها واجتمع سيف الملوك بأبيه وأمه وكذلك ساعد وقعدا عندهم جمعة ثم إن كلاً منهما ودع أباه وأمه وسارا إلى مدينة سردنيب وصارا كلما اشتاقا إلى أهلهما يروحان ويرجعان وعاش سيف الملوك هو وبديعة الجمال في أطيب عيش وأهنأه وكذا ساعد مع دولة خاتون إلى أن أتاهم هادم اللذات ومفرق الجماعات فسبحان الحي الذي لا يموت وقد خلق الخلق وقضى عليهم بالموت وهو أولا بلا ابتداء وآخر بلا انتهاء.
حكاية حسن الصائغ البصريومما يحكى أيضاً أنه كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان رجل تاجر من التجار مقيم بأرض البصرة وكان ذلك التاجر له ولدان ذكران وكان عنده مال كثير فقدر الله السميع العليم أن التاجر توفي إلى رحمة الله تعالى وترك تلك الأموال فأخذ ولداه في تجهيزه ودفنه. وبعد ذلك اقتسما الأموال بينهما بالسوية وأخذ كل واحد منهما قسمة وفتحا لهما دكاكين أحدهما نحاس والثاني صائغ فبينما الصائغ جالس في دكانه يوماً من الأيام إذا برجل أعجمي ماشي في السوق بين الناس إلى أن مر على دكان الولد الصائغ فنظر إلى صنعته وتأملها بمعرفته فأعجبته وكان اسم الصائغ حسناً فهز الأعجمي رأسه وقال والله إنك صائغ مليح وصار ينظر إلى صناعته وهو ينظر إلى كتاب عتيق كان بيده والناس مشغولين بحسنه وجماله واعتداله، فلما كان وقت العصر خلت الدكاكين من الناس، فعند ذلك أقبل الرجل الأعجمي عليه وقال له يا ولدي أنت شاب مليح وأنا ما لي ولد وقد عرفت صنعة ما في الدنيا أحسن منها وقد سألني خلق كثير من الناس في شأن تعليمها فما رضيت أن أعلمها أحداً منهم، ولكن قد سمحت نفسي أعلمك إياها وأجعلك ولدي واجلع بينك وبين الفقر حجاباً وتستريح من هذه الصنعة والتعب في المطرقة والفحم والنار فقال له حسن يا سيدي ومتى تعلمني، فقال له في غد آتيك وأصنع لك من النحاس ذهباً خالصاً بحضرتك ففرح حسن وودع الأعجمي وسار إلى والدته فدخل وسلم عليها وأكل معها وهو مدهوش بلا وعي ولا عقل فقالت أمه ما بالك يا ولدي إحذر أن تسمع كلام الناس خصوصاً الأعاجم فلا تطاوعهم في شيء فإن هؤلاء غشاشون يعلمون صنعة الكيمياء وينصبون على الناس ويأخذون أموالهم ويأكلونها بالباطل.

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 730

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 731
فقال لها يا أمي نحن ناس فقراء وما عندنا شيء يطمع فيه حتى ينصب علينا وقد جاءني رجل أعجمي لكنه شيخ صالح عليه أثر الصلاح وقد حننه الله علي فسكتت أمه على غيظ وصار ولدها مشغول القلب ولم يأخذه نوم في تلك الليلة من شدة فرحه بقول الأعجمي له فلما أصبح الصباح وأخذ المفاتيح وفتح الدكان، وإذا بالأعجمي أقبل عليه فقام وأراد حسن أن يقبل يديه فامتنع ولم يرض بذلك وقال يا حسن عمر البودقة وركب الكير، ففعل ما أمره به الأعجمي وأوقد الفحم فقال له الأعجمي يا ولدي هل عندك نحاس قال عندي طبق مكسور فأمره أن يتكيء عليه بالكاز ويقطعه قطعاً صغاراً ففعل كما قال له وقطعه قطعاً صغاراً ورماه في البودقة ونفخ عليه بالكير حتى صار ماء فمد الأعجمي يده إلى عمامته وأخرج منها ورقة ملفوفة وفتحها وذر منها شيئاً في البودقة مقدار نصف درهم وذلك الشيء يشبه الكحل الأصفر وأمر حسناً أن ينفخ عليه بالكير ففعل مثل ما أمره حتى صار سبيكة ذهب، فلما نظر حسن إلى ذلك اندهش وتحير عقله من الفرح الذي حصل له وأخذ السبيكة وقبلها وأخذ المبرد وحكها فرآها ذهباً خالصاً من عال العال فطار عقله واندهش من شدة الفرح، ثم انحنى على يد الأعجمي ليقبلها فقال له: خذ هذه السبيكة وانزل بها إلى السوق وبعها واقبض ثمنها سريعاً ولا تتكلم فنزل حسن وأعطى السبيكة إلى الدلال فأخذها منه وحكها فوجدها ذهباً خالصاً ففتحوا بابها بعشرة آلاف درهم وقد تزايد فيها التجار فباعها بخمسة عشر ألف درهم وقبض ثمنها ومضى إلى البيت وحكى لأمه جميع ما فعل وقال إني قد تعلمت هذه الصنعة، فضحكت عليه وقالت لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السادسة والثلاثين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن حسناً الصائغ لما حكى لأمه ما فعل الأعجمي وقال لها إني قد تعلمت هذه الصنعة قالت لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وسكتت على غيظ منها ثم إن حسناً أخذ من جهته هاوناً وذهب به إلى الأعجمي وهو قاعد في الدكان ووضعه بين يديه فقال له يا ولدي ما تريد أن تصنع بهذا الهون قال ندخله في النار ونفعله سبائك ذهب، فضحك الأعجمي وقال يا ولدي هل أنت مجنون حتى تنزل السوق بسبيكتين في يوم واحد ما تعلم أن الناس ينكرون علينا وتروح علينا، ولكن يا ولدي إذا علمتك هذه الصنعة لا تعملها في السنة إلا مرة واحدة فهي تكفيك من السنة إلى السنة قال صدقت يا سيدي ثم إنه قعد في الدكان وركب في البودقة ورمى الفحم على النار فقال له الأعجمي يا ولدي ماذا تريد قال علمني هذه الصنعة، فضحك الأعجمي وقال لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم أنت يا ابني قليل العقل ما تصلح لهذه الصنعة قط هل أحد في عمره يتعلم هذه الصنعة على قارعة الطريق أو في الأسواق فإن اشتغلنا بها في هذا المكان يقول الناس علينا إن هؤلاء يصنعون الكيمياء فتسمع بنا الحكام وتروح أرواحنا فإذا أردت يا ولدي أن تتعلم هذه فاذهب معي إلى بيتي، فقام حسن وأغلق الدكان وتوجه مع الأعجمي فبينما هو في الطريق غذ تذكر قول أمه وحسب في نفسه ألف حساب فوقف وأطرق برأسه إلى الأرض ساعة زمانية فالتفت الأعجمي فرآه واقفاً فضحك وقال هل أنت مجنون كيف أضمر لك في قلبي الخير وأنت تحسب أني أضرك وقال له الأعجمي إن كنت خائفاً من ذهابك معي إلى بيتي فأنا أروح معك إلى بيتك وأعلمك هناك فقال له حسن نعم فقال له امش قدامي فسار حسن قدامه وسار الأعجمي خلفه إلى أن وصل الأعجمي إلى منزله فدخل حسن إلى داره فوجد والدته فأعلمها بحضور الأعجمي معه وهو واقف على الباب ففرشت لهما البيت ورتبته.فلما فرغت من أمرها راحت ثم إن حسناً أذن للأعجمي أن يدخل فدخل ثم إن حسناً أخذ في يده طبقاً وذهب به إلى السوق ليجيء فيه بشيء يأكله فخرج وجاء بأكل وأحضره بين يديه وقال له كل يا سيدي لأجل أن يصير بيننا خبز وملح والله تعالى ينتقم ممن يخون الخبز والملح.

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 731

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 732
فقال له صدقت يا ولدي ثم تبسم وقال له يا ولدي من يعرف قدر الخبز والملح ثم تقدم الأعجمي وأكل مع حسن حتى اكتفيا، ثم قال له الأعجمي يا ولدي يا حسن هات لنا شيئاً من الحلوى فمضى حسن إلى السوق وأحضر عشر قباب الحلوى وفرح حسن بكلام الأعجمي، فلما قدم خيراً يا ولدي مثلك من يصاحبه الناس ويظهرونه على أسرارهم ويعلمونه ما ينفعه ثم قال الأعجمي يا حسن أحضر العدة، فلما سمع هذا الحديث إلا وخرج مثل المهر إذا انطلق من الربيع حتى أتى إلى الدكان وأخذ العدة ورجع ووضعها بين يديه فأخرج الأعجمي قرطاساً من الورق وقال يا حسن وحق الخبز والملح لولا أنت أعز من ولدي ما أطلعتك على هذه الصنعة وما بقي شيء من الإكسير إلا في هذا القرطاس، ولكن تأمل حين أركب العقاقير وأضعها قدامك واعلم يا ولدي يا حسن أنك تضع على كل عشرة أرطال نحاساً نصف درهم من هذا الذي في الورقة فتصير العشرة أرطال ذهباً خالصاً إبريزاً ثم قال يا ولدي يا حسن إن في هذه الورقة ثلاثة أوراق بالوزن المصري وبعد أن يفرغ ما في هذه الورقة اعمل لك غيره فأخذ حسن الورقة فرأى شيئاً أصفر أنعم من الأول فقال يا سيدي ما اسم هذا وأين يوجد وفي أي شيء يعمل فضحك الأعجمي من طمع حسن وقال له عن أي شيء تسأل وأنت ساكت، وأخرج طاسة من البيت واخرج طاسة من البيت اقطعها وألقاها في البودقة ورمى عليها قليل من الذي في الورقة فصارت سبيكة من الذهب الخالص.فلما رأى حسن ذلك فرح فرحاً شديداً وصار متحيراً في عقله مشغولاً بتلك السبيكة فأخرج صرة من رأسه بسرعة وقطعها ووضعها في قطعة من الحلوى وقال له يا حسن أنت بقيت ولدي وصرت عندي أعز من روحي ومالي وعندي بنت أزوجك بها فقال حسن أنا غلامك ومهما فعلته معي كان عند الله تعالى فقا الأعجمي يا ولدي طول بالك وصبر نفسك يحصل لك الخير ثم ناوله القطعة الحلوى فأخذها وقبل يده ووضعها في فمه وهو لا يعلم ما قدر له في الغيب ثم بلع قطعة الحلوى فسبقت رأسه ورجليه وغاب عن الدنيا فلما رآه الأعجمي وقد حل به البلاء فرح فرحاً شديداً وقام على أقدام وقال وقعت يا علق يا كلب العرب لي أعوام كثيرة أفتش عليك حتى حصلتك يا حسن.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السابعة والثلاثين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن حسناً الصائغ لما أكل قطعة الحلوى التي أعطاها له الأعجمي ووقع منها على الأرض مغشياً عليه، فرح الأعجمي وقال له لي أعوام كثيرة وأنا أفتش عليك حتى حصلتك، ثم إن الأعجمي شد وسطه وكتف حسناً وربط رجليه على يديه، وأخذ صندوقاً وأخرج منه الحوائج التي كانت فيه ووضع حسناً فيه وقفله عليه وفرغ صندوقاً آخر وحط فيه جميع المال الذي عند حسن والسبائك الذهب التي عملها أولاً وثانياً وقفله ثم خرج يجري إلى السوق وأحضر حمالاً حمل الصندوق، وتقدم إلى المركب الراسي وكان ذلك المركب مهيأ للأعجمي وريسه منتظر، فلما نظره بحريته أتوا إليه وحملوا الصندوقين ووضعوهما في المركب وصرخ الأعجمي على الريس وعلى جميع البحرية وقال لهم قوموا قد انقضت الحاجة وبلغنا المراد، فصرخ الريس على البحرية قال لهم: أقلعوا المراسي وحلوا القلوع، وصار المركب بريح طيبة هذا ما كان من أمر الأعجمي.وأما ما كان من أمر أم حسن فإنها انتظرته إلى العشاء، فلم تسمع له صوتاً ولا خبراً فجاءت إلى البيت فرأته مفتوحاً ولم تر فيه أحداً، ولم تجد الصناديق ولا المال، فعرفت أن ولدها قد فقد ونفذ فيه القضاء فلطمت على وجهها وشقت أثوابها وصاحت وولولت وصارت تقول واولداه واثمرة فؤاداه.ثم إنها صارت تبكي وتنوح إلى الصباح فدخل عليها الجيران وسألوها عن ولدها فأخبرتهم بما جرى له مع العجمي واعتقدت أنها لن تجده بعد ذلك.ثم قالت نعم يا ولدي إن الدار قفرة والمزار بعيد ثم إن الجيران ودعوها بعد أن دعوا لها بالصبر وجمع الشمل قريباً، ولم تزل أم حسن تبكي أثناء الليل وأطراف النهار، وبنت في وسط البيت قبراً وكتبت عليه اسم حسن وتاريخ فقده وكانت لا تفارق ذلك القبر ولم يزل ذلك دأبها من حين فارقها ولدها، هذا ما كان من أمرها.

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 732

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 733
وأما ما كان من أمر ولدها حسن مع الأعجمي، فإن الأعجمي كان مجوسياً وكان يبغض المسلمين كثيراً وكلما قدر على أحد من المسلمين يهلكه وهو خبيث لئيم كيماوي كما قال فيه الشاعر:
هو الكلب وابن الكلب والكلب جده
ولا خير في كلب تناسل من كلبوكان اسم ذلك الملعون بهرام المجوسي، وكان له في كل سنة واحد من المسلمين يأخذه ويذبحه على مطلب، فلما تمت حيلته على حسن الصائغ وسار به من أول النهار إلى الليل رسى المركب على بر إلى الصباح، فلما طلعت الشمس وسار المركب أمر الأعجمي عبيده وغلمانه أن يحضروا له الصندوق الذي فيه حسن فأحضروه له ففتحه وأخرجه منه ونشقه بالخل ونفخ في أنفه ذرراً فعطس وتقايا بالبنج وفتح عينيه ونظر يميناً وشمالاً، فوجد نفسه في وسط البحر والمركب سائراً والأعجمي قاعداً عنده، فعلم أنها حيلة عملت عليه قد عملها الملعون المجوسي وأنه وقع في الأمر الذي كانت فيه أمه تحذره فقال كلمة لا يخجل قائلها وهي: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم الطف بي في قضائك وصبرني على بلائك يا رب العالمين، ثم التفت إلى الأعجمي وكلمه بكلام رقيق وقال له يا والدي ما هذه الفعال وأين الخبز والملح واليمين التي حلفتها لي فنظر إليه وقال له يا كلب هل مثلي يعرف خبزاً وملحاً وأنا قد قتلت ألف صبي إلا صبيا وأنت تمام الألف، وصاح عليه فسكت وعلم أن سهم القضاء نفذ فيه.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثامنة والثلاثين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن حسناً لما رأى نفسه وقع مع الأعجمي الملعون كلمه بكلام رقيق فلم يفده بل صاح عليه فسكت وعلم أن سهم القضاء نفذ فيه فعند ذلك أمر الملعون بحل أكتافه، ثم سقوه قليلاً من الماء والمجوسي يضحك ويقول وحق النار والنور والظل والحرور، وما كنت أظن أنك تقع في شبكتي، ولكن النار قوتني عليك وأعانتني على قبضك حتى أقضي حاجتي وأرجع وأجعلك قرباناً لها حتى ترضى عني فقال حسن قد خنت الخبز والملح فرفع المجوسي يده وضربه ضربة فوقع وعض الأرض بأسنانه، وغشي عليه وجرت دموعه على خده ثم أمر المجوسي أن يوقدوا له ناراً، فقال له حسن ما تصنع بها فقال له هذه النار صاحبة النور والشرور وهي التي أعبدها فإن كنت تعبدها مثلي فأنا أعطيك نصف مالي وأزوجك بنتي، فصاح حسن عليه وقال يا ويلك إنما أنت مجوسي كافر تعبد النار دون الملك الجبار خالق الليل والنهار وما هذه إلا وصية في الأديان.فعند ذلك غضب المجوسي وقال: أما توافقني يا كلب العرب وتدخل في ديني فلم يوافقه حسن على ذلك، فقام المجوسي الملعون وسجد للنار وأمر غلمانه أن يرموا حسناً على وجهه فرموه، وصار المجوسي يضربه بسوط مضفور من جلد حتى شرح جوانبه وهو يستغيث فلا يغاث ويستجير فلا يجيره أحد فرفع طرفه إلى الملك القهار وتوسل إليه بالنبي المختار وقد قل منه الاصطبار وجرت دموعه على خديه كالأمطار.

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 733

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 734
ثم إن المجوسي أمر العبيد أن يقعدوا وأمر أن يأتوا إليه بشيء من المأكول والمشروب فأحضروه فلم يرض أن يأكل ولا يشرب وصار المجوسي يعذبه ليلاً ونهاراً مسافة الطريق وهو صابر يتضرع إلى الله عز وجل، وقد قسى قلب المجوسي عليه، ولم يزالوا سائرين في البحر مدة ثلاثة أشهر، وحسن معهم في العذاب فلما كملت الثلاثة أشهر أرسل الله تعالى على المركب ريحاً فاسود البحر وهاج بالمركب من كثرة الريح فقال الريس والبحرية هذا والله كله ذنب هذا الصبي الذي له ثلاثة أشهر في العقوبة مع هذا المجوسي وهذا ما يحل من الله تعالى ثم إنهم قاوموا المجوسي وقتلوا غلمانه وكل من كان معه فلما رآهم المجوسي قتلوا الغلمان أيقن بالهلاك، وخاف على نفسه وحل من أكتافه وقلعه ما كان عليه من الثياب الرثة وألبسه غيرها وصالحه، ووعده أن يعلمه الصنعة ويرده إلى بلده وقال يا ولدي لا تؤاخذني بما فعلت، فقال له حسن كيف بقيت أركن إليك فقال له يا ولدي لولا الذنب ما كانت المغفرة وأنا ما فعلت معك هذه الأفعال إلا لأجل أن أنظر صبرك وأنت تعلم أن الأمر كله بيد الله ففرحت البحرية والريس بخلاصه، فدعا لهم حسن وحمد الله تعالى وشكره فسكتت الرياح وانكشفت الظلمة وطاب اليح والسفر، ثم إن حسناً قال للمجوسي يا أعجمي إلى أين تتوجه قال يا ولدي أتوجه إلى جبل السحاب الذي فيه الإكسير الذي نعمله كيمياء، وحلف المجوسي بالنار والنور أنه ما بقي لحسن عنده ما يخيفه فطاب قلب حسن وفرح بكلام المجوسي، وصار يأكل معه ويشرب وينام ويلبسه من ملبوسه، ولم يزالوا مسافرين مدة ثلاثة أشهر أخرى.وبعد ذلك رسى المركب على بر طويل كله حصى أبيض وأصفر وأزرق وأسود وغير ذلك من جميع الألوان، فلما رسى نهض الأعجمي قائماً وقال يا حسن قوم اطلع فإننا قد وصلنا إلى مطلوبنا ومرادنا فقام حسن وطلع مع الأعجمي وأوصى المجوسي الريس على مصالحه ثم مشى حسن مع المجوسي إلى أن بعدا عن المركب وغابا عن الأعين ثم قعد المجوسي وأخرج من جيبه طبلاً نحاسياً وزخمة من حرير منقوشة بالذهب وعليها طلاسم وضرب الطبل، فلما فرغ ظهرت غبرة من ظهر البرية، فتعجب حسن من فعله وخاف منه وندم على طلوعه معه وتغير لونه فنظر إليه المجوسي وقال له ما لك يا ولدي وحق النار والنور، ما بقي عليك خوف مني ولولا أن حاجتي ما تقضى إلا على اسمك ما كنت أطلعك من المركب فأبشر كل خير، وهذه الغبرة غبرة شيء نركبه فيعيننا على قطع هذه البرية ويسهل علينا مشقتها فما كان إلا قليل حتى انكشفت الغبرة عن ثلاث نجائب، فركب الأعجمي واحدة وركب حسن واحدة وحملا زادهما على الثالثة وسارا سبعة أيام، ثم انتهيا إلى أرض واسعة فلما نزلا في تلك الأرض نظرا إلى قبة معقودة على أربعة أعمدة من الذهب الأحمر، فنزلا من فوق النجائب ودخلا تحت القبة وأكلا وشربا واستراحا فلاحت التفاتة من حسن فرأى شيئاً عالياً فقال له حسن ما هذا يا عم فقال له المجوسي هذا قصر، فقال له حسن أما نقوم ندخل لنستريح فيه وتنفرج عليه فذهب المجوسي وقال له لا تذكر لي هذا القصر فإن فيه عدوي ووقعت لي معه حكاية ليس هذا وقت إخبارك بها، ثم دق الطبل فأقبلت النجائب فركبا وسارا سبعة أيام فلما كان اليوم الثامن قال المجوسي يا حسن ما الذي تنظره فقال حسن أنظر سحاباً وغماماً بين المشرق والمغرب.فقال له المجوسي ما هذا سحاب ولا غمام وإنما هو جبل شاهق ينقسم عليه السحاب وليس هناك سحاب يكون فوقه من فرط علوه وعظم ارتفاعه وهذا الجبل هو المقصود لي وفوقه حاجتنا ولأجل هذا جئت بك معي وحاجتي تقضى على يديك، فعند ذلك يئس حسن من الحياة ثم قال المجوسي بحق معبودك وبحق ما تعتقده من دينك أي شيء الحاجة التي جئت بي من أجلها فقال له إن صنعة الكيمياء لا تصلح إلا بحشيش ينبت في المحل الذي يمر به السحاب وينقطع عليه وهو هذا الجبل والحشيش فوقه، فإذا حصلنا الحشيش أريك أي شيء هذه الصنعة فقال له حسن من خوفه نعم يا سيدي وقد يئس من الحياة وبكى لفراق أمه وأهله ووطنه وندم على مخالفته أمه، ولم يزالا سائرين إلى أن وصلا إلى ذلك الجبل ووقفا تحته فنظر حسن فوق ذلك الجبل قصراً.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة التاسعة والثلاثين بعد السبعمائة

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 734

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 735
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن المجوسي وحسن لما وصلا إلى الجبل وقفا تحته فنظر حسن فوق الجبل قصراً فقال للمجوسي ما هذا القصر فقال المجوسي هذا مسكن الجان والغيلان والشياطين ثم إن المجوسي نزل من فوق نجيبه وأمره بالنزول وقام إليه وقبل رأسه وقال لا تؤاخذني بما فعلته معك فأنا أحفظك عند طلوعك القصر وينبغي أنك لا تخونني في شيء من الذي تحضره منه وأكون أنا وأنت فيه سواء، فقال السمع الطاعة ثم إن الأعجمي فتح جراباً وأخرج منه طاحوناً وأخرج منه أيضاً مقداراً من القمح وطحنه على ذلك الطاحون وعجن منه ثلاثة أقراص، وأوقد النار وخبز الأقراص ثم أخرج منه أيضاً الطبل النحاس والزخمة المنقوشة ودق الطبل فحضرت النجائب فاختار منها نجيباً وذبحه وسلخ جلده ثم التفت إلى حسن وقال له اسمع يا ولدي يا حسن ما أوصيك به قال له نعم قال ادخل في هذا وأخيط عليك وأطرحك على الأرض فتأتي طيور الرخ فتحملك وتطير بك إلى أعلى الجبل وخذ هذه السكين معك فإذا فرغت من طيرانها وعرفت أنها حطتك فوق الجبل فشق بها الجلد واخرج فإن الطير يخاف منك ويطير عنك وطل لي من فوق الجبل وكلمني حتى أخبرك بالذي تعمله، ثم هيأ له الثلاثة أقراص وركوة فيها ماء وحطها معه في الجلد بعد ذلك خيطه عليه ثم بعد عنه فجاء طير الرخ وحمله وطار به إلى أعلى الجبل ووضعه هناك، فلما عرف حسن أن الرخ وضعه على الجبل شق الجلد وخرج منه وكلم المجوسي.فلما سمع المجوسي كلامه فرح ورقص من شدة الفرح وقال له امض إلى ورائك ومهما رأيته فأعلمني به فمضى حسن فرأى رمماً كثيرة وعندهم حطب كثير فأخبره بجميع ما رآه، فقال له هذا هو المقصود والمطلوب فخذ من الحطب ست حزم وارمها إلي فإنها هي التي نعملها كيمياء، فرمى له الست حزم، فلما رأى المجوسي تلك الحزم قد وصلت عنده قال لحسن يا علق قد انقضت الحاجة التي أردتها منك وإن شئت قدم على هذا الجبل أو ألق نفسك على الأرض حتى تهلك ثم مضى المجوسي.فقال حسن لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم قد مكر بي هذا الكلب الملعون ثم إنه وقف على قدميه والتفت يميناً وشمالاً، ثم مضى فوق الجبل وأيقن في نفسه بالموت وصار يتمشى حتى وصل إلى الطرف الآخر من الجبل فرأى بجنب الجبل بحراً أزرقاً متلاطم قد أزبد وكل موجة منه كالجبل العظيم فقعد وقرأ ما تيسر من القرآن وسأل الله تعالى أن يهون عليه إما الموت وإما الخلاص من هذه الشدائد، ثم صلى على نفسه صلاة الجنازة ورمى نفسه في البحر، فحملته الأمواج على سلامة الله تعالى إلى أن طلع من البحر سالماً بقدرة الله تعالى ففرح وحمد الله تعالى وشكره ثم قام يمشي ويفتش على شيء يأكله، فبينما هو كذلك وإذا هو بالمكان الذي كان فيه هو وبهرام المجوسي، ثم مشى ساعة فإذا هو بقصر عظيم شاهق في الهواء فدخله فإذا هو القصر الذي كان سأل عنه المجوسي وقال له إن هذا القصر فيه عدوي فقال حسن والله لابد من دخولي هذا القصر لعل الفرج يحصل لي، فلما رأى بابه مفتوحاً دخل من الباب، فرأى مصطبة من الدهليز وعلى المصطبة بنتان كالقمران بين أيديهما رقعة شطرنج وهما يلعبان فرفعت واحدة منهما رأسها إليه وصاحت من فرحتها وقالت والله إن هذا آدمي وأظنه الذي جاء به بهرام المجوسي في هذه السنة، فلما سمع حسن كلامهما رمى نفسه بين أيديهما وبكى بكاء شديداً وقال يا سيدتي هو أنا ذلك المسكين.

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 735

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 736
فقالت البنت الصغرى لأختها الكبرى اشهدي علي يا أختي أن هذا أخي في عهد الله وميثاقه، وإني أموت لموته وأحيا لحياته وأفرح لفرحه وأحزن لحزنه ثم قامت له وعانقته وقبلته وأخذذته من يده ودخلت به القصر وأختها معها وقلعته ما كان عليه من الثياب الرثة وأتت له ببدلة من ملابس الملوك وألبسته إياها وهيأت له الطعام من سائر الألوان وقدمته له، وقعدت هي وأختها وأكلتا معه وقالتا له حدثنا بحديثك مع الكلب الفاجر الساحر من حين وقعت في يده إلى حين خلصت منه ونحن نحدثك بما جرى لنا معه من أول الأمر إلى آخره حتى تصير على حذر إذا رأيته فلما سمع حسن منهما هذا الكلام ورأى الإقبال منهما عليه اطمأنت نفسه ورجع له عقله وصار يحدثهما بما جرى له معه من الأول إلى الآخر فقالتا له: هل سألته عن هذا القصر قال نعم سألته فقال لي لا أحب سيرته فإن هذا القصر للشياطين والأبالسة فغضبت البنتان غضباً شديداً وقالتا هل جعلنا هذا الكافر شياطين وأبالسة.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الأربعين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن البنتان قالتا جعلنا المجوسي شياطين وأبالسة، فقال لهما حسن نعم فقالت الصغيرة أخت حسن والله لأقتلنه أقبح قتلة ولأعدمنه نسيم الدنيا فقال حسن وكيف تصلين إليه وتقتليه قالت هو في بستان يسمى المشيد ولابد من قتله قريباً، فقالت لها أختها صدق حسن وكل ما قاله عن هذا الكلب صحيح ولكن حدثيه بحديثه كلنا حتى يبقى في ذهنه فقالت البنت الصغيرة اعلم يا أخي أننا من بنات ملك من ملوك الجان العظام الشأن وله جنود وأعوان وخدم من المردة ورزقه الله تعالى بسبع بنات من امرأة واحدة ولحقه من الحماقة والغيرة وعزة النفس ما لا يزيد عليه حتى إنه لم يزوجنا لأحد من الرجال، ثم إنه أحضر وزرائه وأصحابه وقال لهم هل أنتم تعرفون لي مكاناً لا يطرقه طارق لا من الإنس ولا من الجن ويكون كثير الأشجار والأثمار والأنهار فقالوا له ما الذي تصنع به يا ملك الزمان فقال أريد أن أجعل فيه بناتي السبعة.

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 736

ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 737
فقالوا له يصلح لهن قصر جبل السحاب الذي كان أنشأه عفريت من الجن المردة الذين تمردوا على عهد سلميان عليه السلام، فلما هلك لم يسكنه أحد بعده لا من الجن ولا من الإنس لأنه منقطع لا يصل إليه أحد وحوله الأشجار والأثمار والأنهار وحوله ماء أحلى من الشهد وأبرد من الثلاج ما شرب منه أحد به برص أو جذام أو غيرهما إلا عوفي من وقته وساعته، فلما سمع والدنا بذلك أرسلنا إلى هذا القصر وأرسل معنا العساكر والجنود وجمع لنا ما نحتاج إليه وكان إذا أراد الركوب يضرب الطبل فيحضر له جميع الجنود فيختار ما يركبه منهم وينصرف الباقون، فإذا أراد والدنا نحضر عنده أمر أتباعه من السحرة بإحضارنا فيأتوننا ويأخذوننا بين يديه حتى يأتنس بنا ونقضي أغراضنا منه، ثم يرجعوننا إلى مكاننا ونحن لنا خمس أخوات ذهبن يتصيدن في هذه الفلاة فإن فيها من الوحوش ما لا يعد ولا يحصى وكل اثنين منا عليهما نوبة في القعود لتسوية الطعام فجاءت النوبة علينا أنا وأختي هذه، فقعدن لنسوي لهن الطعام وكنا نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا شخصاً آدمياً يؤانسنا فالحمد لله الذي أوصلك إلينا، فطب نفساً وقر عيناً ما عليك بأس، ففرح حسن وقال الحمد لله الذي هدانا إلى طريق الخلاص وحنن علينا القلوب، ثم قامت وأخذته من يده وأدخلته مقصورة وأخرجت منها من القماش والفرش ما لا يقدر عليه أحد من المخلوقات، ثم بعد ساعة حضر أخواتهما من الصيد والقنص، فأخبرتاهن بحديث حسن ففرحن به ودخلن عليه في المقصورة وسلمن عليه وهنينه بالسلامة ثم أقام عندهن في أطيب عيش وسرور وصار يخرج معهن إلى الصيد والقنص ويذبح الصيد واستأنس حسن بهن ولم يزل معهن على هذه الحالة حتى صح جسده وبرأ من الذي كان به وقوي جسمه وغلظ وسمن بسبب ما هو فيه من الكرامة وقعوده عندهن في ذلك الموضع وهو يتفرج ويتفسح معهن في القصر المزخرف في البساتين والأزهار وهن يأخذن بخاطره ويؤانسنه بالكلام، وقد زالت عنه الوحشة وزادت البنات به فرحاً وسروراً وكذلك هو فرح بهن أكثر مما فرحن به، ثم أخته الصغيرة حدثت أختها بحديث بهرام المجوسي، وأنه جعلهن شياطين وأبالسة وغيلان فحلفن لها أنه لابد من قتله فلما كان العام الثاني حضر الملعون ومعه شاب مليح مسلم كأنه القمر وهو مقيد بقيد ومعذب غاية العذاب فنزل به تحت القصر الذي دخل فيه حسن على البنات وكان حسن جالساً على النهر تحت الأشجار فلما رآه حسن خفق قلبه وتغير لونه وضرب بكفيه.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الواحدة والأربعين بعد السبعمائة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق