قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الملكة نور الهدى لما أمرت بإحضار أختها الملكة منار السنا أوقفوها بين يديها وهي مكتفة، فأنشدت الأشعار السابقة ثم أن أختها أحضرت لها سلماً من خشب ومدتها عليه، وأمرت أن يربطوها على ظهرها فوق السلم ومدت سواعدها وربطتها في الحبال ثم كتف رأسها ولفت شعرها على السلم الخشب، وقد انتزعت الشفقة عليها من قلبها فلما رأت منار السنا نفسها في هذه الحالة من الذل والهوان صاحت وبكت فلم يغثها أحد فقالت لها أ يا أختي كيف قسا قلبك علي فلا ترحميني ولا ترحمي الأطفال الصغار? فلما سمعت هذا الكلام ازدادت قسوتها وشتمتها وقالت لها: يا عاشقة يا عاهرة لا رحم الله من يرحمك كيف أشفق عليك يا خائنة: فقالت لها منار السنا وهي مشبوحة: احتسبت عليك برب السماء فيما تنسبينني به وأنا بريئة منه والله ما زنيت وإنما تزوجته في الحلال، وربي يعلم هل قولي صحيح أم لا وقلبي قد غضب عليك من شدة قسوة قلبك علي، فكيف ترميني بالزنا من غير علم ولكن ربي يخلصني منك وأن كان الذي قذفتيني به من الزنا حقا فسيعاقبني الله عليه، فتفكرت أختها في نفسها حين سمعت كلامها وقالت لها: كيف تخاطبينني بهذا الكلام، ثم قامت لها وضربتها حتى غشي عليها فرشوا على وجهها الماء حتى أفاقت وقد تغيرت محاسنها من شدة الضرب ومن قوة الرباط ومن فرط ما حصل لها من الإهانة ثم أنشدت هذا البيت:
وإذا جنيت وأتيت شـيئاً مـنـكـراً
أنا تائبٌ عما مضى وإليكم مستغفرا فلما سمعت شعرها نور الهدى غضبت غضباً شديداً وقالت لها: أتتكلمين يا عاهرة قدامي بالشعر وتستعذرين من الذي فعلتيه من الكبائر وكان مرادي أن ترجعي لزوجك حتى أشاهد فجورك وقوة عينك لأنك تفتخرين الذي وقع منك من الفجور والفحش والكبائر، ثم أنها أمرت الغلمان أن يحضروا لها الجريد فاحضروه وشمرت عن ساعديها ونزلت عليها بالضرب من رأسها إلى قدميها ثم دعت بسوط مضفور ولو ضربت به الفيل لهرول مسرعا فنزلت بذلك السوط على ظهرها وبطنها وجميع أعضائها حتى غشي عليها.فلما رأت العجوز شواهي ذلك من الملكة خرجت هاربة من بين يديها وهي تبكي وتدعو عليها فصاحت على الخدم وقالت لهم: أئتوني بها فتجاروا عليها ومسكوها وأحضروها على وجهها وأخرجوها فسحبوها وأخرجوها من بين يديها، هذا ما كان من أمر هؤلاء.وأما ما كان من أمر حسن فإنه قام متجلداً ومشى في شاطئ النهر واستقبل البرية وهو حيران مهموم وقد يئس من الحياة، وصار مدهوشاً لا يعرف الليل من النهار، ولشدة ما أصابه وما زال يمشي إلى أن قرب من شجرة فوجد عليها ورقة معلقة فتناولها حسن بيده ونظرها فإذا مكتوب فيها هذه الأبيات:
دبرت أمرك عنـدهـا
كنت الجنين ببطن أمك
وعليك قد حننـتـهـا
حتى لقد جادت بضمك
أنا لـكـافـوك الـذي
يأتي بهمك أو بغمـك
فاضرع إلينا ناهـضـاً
نأخذ بكفك في مهمكفلما فرغ من قراءة الورقة أيقن بالنجاة من الشدة والظفر بجمع الشمل ثم مشى خطوتين فوجد نفسه وحيداً في موضع قفر خطر لا يجد فيه أحدا يستأنس به، فطار قلبه من الوحدة والخوف وارتعدت فرائصه من هذا المكان المخوف.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الخامسة والسبعين بعد السبعمائة
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 773
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 774
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن حسناً لما قرأ الورقة أيقن بالنجاة من الشدة وتحقق الظفر بجمع الشمل ثم قام ومشى خطوتين فوجد نفسه وحيداً في موضع خطر وما عنده أحد يؤانسه فبكى بكاءً شديداً. وأنشد الأشعار التي ذكرناها، ثم مشى على جانب النهر خطوتين فوجد ولدين صغيرين من أولاد السحرة والكهان وبين أيديهما قضيب من النحاس منقوش بالطلاسم وبجانب القضيب طاقية من الآدم بثلاثة تروك منقوش عليها بالبولاد أسماء وخواتم القضيب والطاقية مرميان على الأرض والولدان يختصمان ويتضاربان عليهما حتى سال الدم بينهما، وهذا يقول: ما يأخذ القضيب إلا أنا وآخر يقول: ما يأخذ القضيب إلا أنا فدخل حسن بينهما وخلصهما من بعضهما وقال لهما: ما سبب هذه المخاصمة? فقالا له: يا عم أحكم بيننا فإن الله تعالى ساقك إلينا بالحق فقال لهما: قصا علي حكايتكما وأنا أحكم بينكما، فقالا له: نحن الاثنان أخوان شقيقان وكان أبونا من السحرة الكبار وكان مقيماً في مغارة في هذا الجبل ثم مات وخلف لنا هذه الطاقية وهذا القضيب وأخي يقول: ما يأخذ القضيب إلا أنا وأنا أقول: ما يأخذه إلا أنا، فاحكم بيننا وخلصنا من بعضنا، فلما سمع حسن كلامهما قال لهما: ما الفرق بين القضيب والطاقية وما مقدارهما فإن القضيب بحسب الظاهر يساوي ستة جدد، والطاقية تساوي ثلاثة جدد فقالا له: أنت ما تعرف فضلهما فقال لهما: أي شيء فضلهما فقالا له في كل منهما سر عجيب، وهو أن القضيب يساوي خراج جزائر واق الواق بأقطارها والطاقية كذلك، فقال لهما حسن: يا ولدي بالله اكشفا لي عن سرهما فقالا له: يا عم أن سرهما عظيم لن أبانا عاش مائة وخمساً وثلاثين سنة يعالج تدبيرهما حتى أحكمهما غاية الأحكام وركب فيهما السر المكنون واستخدمهما الاستخدامات الغريبة ونقشهما على مثل الفلك الدائر وحل بهما جميع الطلاسم، وعندما فرغ من تدبيرهما أدركه الموت الذي لا بد لكل أحد منه، فأما الطاقية فإن سرها أن كل من وضعها على رأسه اختفى عن أعين الناس جميعاً فلا ينظره أحد ما دامت على رأسه، وأما القضيب فإن سره أن كل من ملكه يحكم على سبع طوائف من الجن والجميع يخدمون ذلك القضيب فكلهم تحت أمره وحكمه وكل من ملكه وصار في يده إذا ضرب به الأرض خضعت له ملوكها وتكون جميع الجن في خدمته.فلما سمع حسن هذا الكلام أطرق برأسه إلى الأرض ساعة ثم قال في نفسه: والله أنني لمنصور بهذا القضيب وبهذه الطاقية أن شاء الله تعالى فإني أحق بهما منهما، ففي هذه الساعة أتحيل على أخذهما منهما لاستعين بهما على خلاصي وخلاص زوجتي وأولادي من هذه الملكة الظالمة ونسافر من هذا المكان المظلم الذي ما لأحد من الإنس خلاص منه ولا مفر، ولعل الله ما ساقني لهذين الغلامين إلا لاستخلاص منهما القضيب والطاقية.ثم رفع رأسه إلى الغلامين وقال لهما: إن شئتما فصل القضية فأنا امتحنكما فمن غلب رفيقه يأخذ القضيب ومن عجز يأخذ الطاقية، فإن امتحنتكما وميزت بينكما عرفت ما يستحقه كل منكما، فقالا له: يا عم وكلناك في امتحاننا وأحكم بيننا بما تختار، فقال لهما حسن: هل تسمعان مني وترجعا إلى قولي، فقالا له: نعم، فقال لهما حسن: أنا آخذ حجراً وأرميه فمن سبق منكم إليه وأخذه قبل رفيقه يأخذ القضيب ومن تأخر ولم يلحقه يأخذ الطاقية فقالا: قبلنا منك هذا الكلام ورضينا به.
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 774
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 775
ثم أن حسناً أخذ حجراً ورماه بعزمه فغاب عن العيون فتسارع الغلمان نحوه، فلما بعد أخذ حسن الطاقية ولبسها وأخذ القضيب في يده وانتقل من موضعه لينظر صحة قولهما في شأن سر أبيهما فسبق الولد الصغير إلى الحجر وأخذه ورجع به إلى المكان الذي فيه حسن فلم ير له أثر، فصاح على أخيه وقال له: أين الرجل الحاكم بيننا? فقال: لا أراه ولم أعرف هل طلع إلى السماء أو نزل إلى الأرض السفلى، ثم أنهما فتشا عليه فلم ينظراه وحسن واقف في مكانه، فشتما بعضهما وقالا: قد راح القضيب والطاقية لا لي ولا لك وكان أبونا قال لنا هذا الكلام بعينه ولسنا نسينا ما أخبرنا به، ثم أنهما رجعا على أعقابهما ودخل حسن المدينة وهو لابس الطاقية وفي يده القضيب فلم يره أحد من الناس، ثم دخل القصر وطلع إلى الموضع الذي فيه شواهي ذات الدواهي فدخل عليها وهو لابس الطاقية فلم تره، ومشى حتى اقترب من رف كان فوق رأسها وعليه زجاج وصيني فحركه بيده فوقع الذي فوقه على الأرض فصاحت شواهي ذات الدواهي ولطمت على وجهها، ثم قامت وأرجعت الذي وقع إلى مكانه وقالت في نفسها: والله ما أظن إلا أن الملكة نور الهدى أرسلت إلي شيطاناً فعمل معي هذه العملة فأنا اسأل الله أن يخلصني منها ويسلمني من غضبها فيا رب إذا كان هذا فعلها القبيح من الضرب والصلب مع أختها وهي عزيزة عند أبيها، فكيف يكون فعلها مع الغريب مثلي إذا غضبت عليه? وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السادسة والسبعين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن العجوز شواهي ذات الدواهي لما قالت: إذا كانت الملكة نور الهدى تفعل هذه الفعال مع أختها فكيف يكون حال الغريب معها إذا غضبت عليه? ثم قالت: أقسمت عليك أيها الشيطان بالحنان المنان العظيم الشأن القوي السلطان خالق الأنس والجان وبالنقش الذي على خاتم سليمان بن داود عليه السلام أن تكلمني وتجيبني، فأجابها حسن الولهان الهائم الحيران، ثم قلع الطاقية من فوق رأسه فظهر للعجوز وعرفته واختلت به وقالت له: أي شيء حصل لك في عقلك حتى عبرت إلى هنا? رح اختف فإن هذه الفاجرة صنعت بزوجتك ما صنعت من العذاب وهي أختها فكيف إذا وقعت بك? ثم حكت له جميع ما وقع لزوجته وما هي فيه من الضيق والعقوبة والعذاب، وكذلك ما وقع لها من العذاب ثم قالت أن الملكة ندمت حيث أطلقتك، وقد أرسلت إليك من يحضرك لها وتعطيه من الذهب قنطاراً وتجعله في رتبتي عندها وحلفت أن رجعوك قتلتك وتقتل زوجتك وأولادك، ثم أن العجوز بكت وأظهرت لحسن ما فعلته الملكة بها فبكى حسن وقال لها: يا سيدتي كيف الخلاص من هذه الديار ومن هذه الملكة الظالمة وما الحيلة التي توصلني إلى أن أخلص زوجتي وأولادي ثم أرجع بهم إلى بلادي فقالت له العجوز ويلك انج بنفسك فقال لا بد من خلاصها وخلاص أولادي منها قهراً عنها فقالت له العجوز وكيف تخلصهم قهراً عنها رح وأختف يا ولدي حتى يأذن الله تعالى ثم أن حسناً أراها القضيب النحاس والطاقية.فلما رأتهما العجوز فرحت بهما فرحاً شديداً وقالت له سبحان من يحيي العظام وهي رميم والله ما كنت أنت وزوجتك إلا من الهالكين والآن يا ولدي قد نجوت أنت وزوجتك وأولادك لأني أعرف القضيب وأعرف صاحبه فإنه كان شيخي الذي علمني السحر وكان ساحراً عظيماً مكث مائة وخمساً وثلاثين سنة حتى كان أتقن هذا القضيب وهذه الطاقية فلما انتهى من إتقانهما أدركه الموت الذي لا بد منه وسمعته يقول لولديه يا ولدي هذان ما هما من نصيبكما وإنما يأتي شخص غريب الديار يأخذهما منكما قهراً ولا تعرفان كيف يأخذهما: فقالا يا أبانا عرفنا كيف يصل إلى أخذهما فقال لا أعرف ذلك، فكيف وصلت يا ولدي لأخذهما من الولدين، فحكى لها كيف أخذهما من الولدين.
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 775
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 776
فلما حكى لها فرحت بذلك وقالت له: يا ولدي كما ملكت زوجتك وأولادك أسمع مني ما أقول لك عليه أنا ما بقي لي عند هذه الفاجرة إقامة بعدما تجاسرت علي ونكلتني وأنا راحلة من عندها إلى مغارة السحرة لأقيم عندهم وأعيش معهم إلى أن أموت وأنت يا ولدي البس الطاقية وخذ القضيب في يدك وأدخل على زوجتك وأولادك في المكان الذي هم فيه وأضرب الأرض بالقضيب وقل يا خدام هذه الأسماء تطلع إليك خدامه فإن طلع لك أحد من رؤوس القبائل فأمره بما تريد وتختار ثم أنه ودعها وخرج ولبس الطاقية وأخذ القضيب معه ودخل المكان الذي فيه زوجته فرآها في حالة العدم مصلوبة على السلم وشعرها مربوط فيه وهي باكية العين حزينة القلب في أسوأ حال لا تدري طريقة لخلاصها وأولادها تحت السلم يلعبون وهي تنظرهم وتبكي عليهم وعلى نفسها بسبب ما جرى لها مما أصابها، وهي تقاسي من العذاب والضرب المؤلم أشد النكال، فلما رآها في أسوأ الحالات سمعها تنشد هذه الأبيات:
لم يبق إلا نفـسٌ هـافـت
ومقلة إنسانـهـا بـاهـت
ومغرمٌ تضـرم أحـشـاؤه
بالنـار إلا أنـه سـاكـت
يرثي له الشامات مما رأى
يا ويح من يرثي له الشامت ثم أن حسنا لما رآها بما هي من العذاب والذل والهوان بكى حتى غشى عليه فلما أفاق ورأى أولاده وهم يلعبون وقد غشي على أمهم من كثرة التألم كشف الطاقية عن رأسه فصاحوا يا أبانا فغطى رأسه، واستفاقت أمهم على صياحهم فلم تنظر زوجها.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السابعة والسبعين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن زوجة حسن لما أفاقت من غشيتها على صياح أولادها وهما يقولان: يا أبانا، وقد التفتت يميناً وشمالاً لترى سبب صياح أولادها وندائهم لأبيهم فلم تر أحداً تعجبت من ذكر أولادها لأبيهم في هذا المكان، هذا ما كان من أمرهم وأما ما كان من أمر حسن لما رآها هكذا بكى حتى غشي عليه وخرت دموعه على خديه مثل المطر ودنا من الأولاد وكشف الطاقية فلما راوه عرفوه وصاحوا بقولهم يا أبانا فبكت أمهم حين سمعتهم يذكرون أباهم وقالت: لا حيلة في قدرة الله وقالت في نفسها يا للعجب ما سبب ذكرهم لأبيهم في هذا الوقت وندائهم له فلم يطق حسن الصبر حتى كشف الطاقية عن رأسه فنظرته زوجته، فلما عرفته زعقت زعقة أزعجت جميع من في القصر ثم قالت له: كيف وصلت إلى هنا? هل من السماء نزلت أو من الأرض طلعت ثم تغرغرت عيونها بالدموع فبكى حسن.فقالت له يا رجل ما هذا وقت بكاء ولا وقت عتاب قد نفذ الفضاء وعمي البصر وجرى القلم بما حكم الله في القدم فبالله عليك من أي مكان جئت اذهب وأختفي لئلا بنظرك أحد فتعلم أختي بذلك فتذبحني وتذبحك فقال لها: حسن يا سيدتي سيدة كل ملكة أنا خاطرت بروحي وجئت إلى هنا فأما أن أموت وأما أن أخلصك من الذي أنت فيه وأسافر أنا وأنت وأولادي إلى بلادي على رغم أنف هذه الفاجرة أختك، فلما سمعت كلامه تبسمت وضحكت وصارت تحرك رأسها فترة طويلة وقالت له: هيهات يا روحي أن يخلصني مما أنا فيه إلا الله تعالى ففز بنفسك وأرحل ولا ترم روحك في الهلاك فما حل بي هذا إلا لكوني عاصيتك وخالفت أمرك وخرجت من غير إذنك فبالله عليك يا رجل لا تؤاخذني بذنبي.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثامنة والسبعين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن زوجة حسن اعتذرت إليه وقالت له لا تؤاخذني بذنبي وأعلم أن المرأة ما تعرف قيمة الرجل حتى تفارقه، وأنا أذنبت وأخطأت ولكن استغفر الله العظيم مما وقع مني وأن جمع الله شملنا لا أعصي لك أمراً بعد ذلك أبداً فقال لها حسن وقد أوجعه قلبه عليها: أنت ما أخطأت وما أخطأ إلا أنا لأني سافرت وخليتك عند من لا يعرف قدرك ولا يعرف لك قيمة ولا مقدار وأعلمي يا حبيبة قلبي وثمرة فؤادي ونور عيني أن الله سبحانه وتعالى قدرني على تخليصك، فهل تحبين أن أوصلك إلى دار أبيك وتستوفي عنده ما قدر الله عليك أو تسافرين إلى بلادنا عن قريب حيث حصل لك الفرج. فقالت له: ومن يقدر على تخليصي إلا رب السماء فرح إلى بلادك وخل عنك الطمع فإنك لا تعرف أخطار هذه الديار وأن لم تطعني سوف تنظر ثم أنها أنشدت هذه الأبيات:
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 776
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 777
علي وعندي ما تريد من الـرضـا
فما لك غضباناً علي ومعـرضـا
وما قد جرى حاشى الذي كان بيننا
من الود أن ينسى قديماً وينقـضـا
وما برح الواشي لنا متـجـنـبـاً
فلما رأى الأعراض منا تعرضـا
فأني بحسن الظن منـك لـواثـق
وأن جهل الواشي وقال وحرصـا
فنكتم سراً بـينـنـا ونـصـونـه
ولو كان سيف العذل باللوم منتضى
أظل نهاري كـلـه مـتـشـوقـاً
لعل بشيراً منك يبقى بـالـرضـاثم بكت هي وأولادها، فسمع الجواري بكاءهم فدخلن عليهم فوجدت الملكة منار السنا تبكي هي وأولادها ولم ينظرن حسنا عندهم فبكى الجواري رحمة لهم ودعون على الملكة نور الهدى فصبر حسن إلى أن أقبل الليل وذهب الحراس الموكلون بها إلى مراقدهم، ثم بعد ذلك قام وشد وسطه وجاء إلى زوجته وحلها وقبل رأسها وضمها إلى صدره وقبلها بين عينيها وقال لها: ما أطول شوقنا إلى ديارنا واجتماع شملنا هناك فهل اجتماعنا هذا في المنام أو في اليقظة ثم أنه حمل ولده الكبير وحملت هي الولد الصغير وخرجا من القصر وأسبل الله عليهما الستر وسارا فلما وصلا إلى خارج القصر وقفا عند الباب الذي يقفل على سراية الملكة فلما صار هناك رأياه مقفولا فقال حسن لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم أنا الله وأنا إليه راجعون ثم أنهما يئسا من الخلاص.فقال حسن يا مفرج الكروب ودق يد على يد وقال: كل شيء حسبته ونظرت في عاقبته إلا هذا فإنه إذا طلع علينا النهار يأخذوننا وكيف تكون الحيلة في هذا الأمر فقالت زوجته: والله ما لنا فرج إلا أن نقتل أرواحنا ونستريح من هذا التعب العظيم ولا نصبح نقاسي العذاب الأليم فبينما هما في الكلام وإذا بقائل يقول من خارج الباب والله ما أفتح لك يا سيدتي منار السنا وزوجك حسن إلا أن تطاوعاني فيما أقوله لكما فلما سمعا هذا الكلام منه سكتا وأراد الرجوع إلى المكان الذي كانا فيه وإذا بقائل يقول ما لكما سكتا ولم ترد على الجواب فعرفا صاحب القول وهي العجوز شواهي ذات الدواهي.فقالا لها: بما تأمرينا به نعمله ولكن افتحي الباب فإن هذا الوقت ما هو وقت كلام فقالت لهما: والله ما أفتح لكما حتى تحلفا لي أنكما تأخذاني معكما ولا تتركاني عند هذه العاهرة ومهما أصابكما أصابني وأن سلمتما سلمت وأن عطبتما عطبت فإن هذه الفاجرة المساحقة تحتكرني وفي كل ساعة تنكلني من أجلكما وأنت يا ابنتي تعرفين مقداري. فلما عرفاها اطمأنا لها وحلفا لها بما تثق ففتحت لهما الباب وخرجا فلما خرج وجداها راكبة على زير رومي من فخار أحمر وفي حلق الزير حبل من ليف وهو يتقلب من تحتها ويجري جري المهر النجدي.فتقدمت قدامهما وقالت لهما اتبعاني ولا تفزعا من شيء فإني أحفظ أربعين بابا من السحر، أقل باب منها أجعل به هذه المدينة بحراً عجاجاً متلاطما بالأمواج وأسحر كل بنت فيها فتصير سمكة، وكل ذلك أعمله قبل الصبح ولكني كنت لا أقدر أن أفعل شيئاً من ذلك الشر خوفاً من الملك أبيها ورعاية لأخوتها لأنهم مستعزون بكثرة الأعوان والأرهاط والخدم ولكن سوف أريكما عجائب سحري فسيروا بنا على بركة الله تعالى وعونه فعند ذلك فرح حسن هو وزوجته وأيقنا بالخلاص.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة التاسعة والسبعين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن حسناً وزوجته والعجوز شواهي لما طلعوا من القصر وأيقنوا بالخلاص خرجوا إلى ظاهر المدينة، فأخذ حسن القضيب بيده وضرب به الأرض وقوي جنانه وقال يا خدام هذه الأسماء احضروا إلي وأطلعوني على إخوانكم وإذا بالأرض قد انشقت وخرج منها عشر عفاريت كل عفريت منهم رجلاً في تخوم الأرض ورأسه في السحاب فقلبوا الأرض بين يدي حسن ثلاث مرات، وقالوا كلهم بلسان واحد لبيك يا سيدنا والحاكم علينا بأي شيء تأمرنا فنحن لأمرك سامعون ومطيعون أن شئت نيبس لك البحار وننقل لك الجبال من أماكنها.
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 777
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 778
ففرح حسن بكلامهم وبسرعة جوابهم وشجع قلبه وقوى جنانه وعزمه وقال لهم من أنتم وما أسمكم ولمن تنسبون من القبائل ومن أي طائفة أنتم ومن أي قبيلة ومن أي رهط فقبلوا الأرض ثانيا وقالوا بلسان واحد: نحن سبع ملوك كل ملك منا يحكم على سبع قبائل من الجن والشياطين والمردة والأرهاط والأعوان الطيارة والغواصة وسكان الجبل والبراري والقفار وعمار البحار فأمرنا بما تريد فنحن لك خدام وعبيد ولك من ملك هذا القضيب ملك رقابنا جميعاً ونصير تحت طاعته.فلما سمع حسن كلامهم فرح فرحاً عظيماً وكذلك زوجته والعجوز فعند ذلك قال حسن للجان: أريد منكم أن تطلعوني على أرهاطكم وجنودكم وأعوانهم فقالوا: يا سيدنا إذا أطلعناك على رهطنا نخاف عليك وعلى من معك لأنهم جنود كثيرة مختلفة الصور والخلق والألوان والوجوه والأبدان فمنا روسي بلا أبدان ومنا أبدان بلا روسي ومنا من هو على صفة السباع، ولكن أن شئت ذلك فلا بد لنا من أن نعرض عليك أولا من هو على صفة الوحوش ولكن يا سيدي ما تريد منا في هذا الوقت.فقال لهم حسن: أريد منكم أن تحملوني أنا وزوجتي وهذه المرأة الصالحة في هذه الساعة إلى مدينة بغداد فلما سمعوا كلامه أطرقوا برؤوسهم فقال لهم حسن لم لا تجيبوني فقالوا بلسان واحد أيها السيد الحاكم علينا أننا من عهد السيد سليمان بن داود عليهما السلام وكان حلفنا أننا لا نحمل أحد من بني آدم على ظهورنا فنحن من ذلك الوقت ما حملنا أحد من بني آدم على أكتافنا ولا على ظهورنا ولكن في هذه الساعة نشد لك من خيول الجن ما يبلغك مرادك أنت ومن معك فقال لهم حسن وكم بيننا وبين بغداد فقالوا له مسافة سبع سنين للفارس المجد? فتعجب حسن من ذلك وقال لهم كيف جئت أنا إلى هنا فيما دون السنة فقالوا له أنت قد حنن الله عليك قلوب عباده الصالحين ولولا ذلك ما كنت تصل هذه الديار والبلاد ولا تراها بعينك أبدا لأن الشيخ عبد القدوس الذي أركبك الفيل وأركبك الجواد الميمون قطع بك في الثلاثة أيام ثلاث سنين للفارس المجد في السير وأما الشيخ أبو الريش الذي أعطاك لدهنش فإنه قطع بك في اليوم والليلة مسافة ثلاث سنين وهذا من بركة الله العظيم لأن الشيخ أبو الريش من ذرية آصف بن برخيا وهو يحفظ اسم الله الأعظم ومن بغداد إلى قصر البنات سنة فهذه هي السبع سنين.فلما سمع حسن كلامه تعجب تعجباً عظيماً وقال سبحانه الله مهون العسير وجابر الكسير ومقرب البعيد ومذل كل جبار عنيد الذي هون على كل أمر وأوصلني إلى هذه الديار وسخر لي هؤلاء العالم وجمع شملي بزوجتي وأولادي فما أدري هل أنا نائم أو يقظان وهل أنا صاح أم سكران، ثم التفت إليهم وقال لهم إذا أركبتموني خيولكم في كم يوم توصلنا إلى بغداد فقالوا: تصل بك فيما دون السنة بعد أن تقاسي الأمور الصعاب والشدائد والأهوال وتقطع أودية معطشة وقفاراً موحشة وبراري ومهالك كثيرة، ولا نأمن عليك يا سيدي من أهل هذه الجزائر.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثمانين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الجان قالوا لحسن لا نأمن عليك يا سيدي من أهل هذه الجزائر ولا من شر الملك الأكبر ولا من هذه السحرة والكهنة فربما يقهرونا ويأخذوكم منا ونبتلي بهم وكل من بلغه الخبر بعد ذلك يقول لنا أنتم الظالمون كيف قدمتم على الملك الأكبر وحملتم أيضا ابنته معكم ولو كنت معنا وحدك لهان علينا الأمر ولكن الذي أوصلك إلى هذه الجزائر قادر أن يوصلك إلى بلادك ويجمع شملك بأمك قريبا غير بعيد فاعزم وتوكل على الله ولا تخف فنحن بين يديك حتى نوصلك إلى بلادك فشكرهم حسن على ذلك وقال لهم جزاكم الله خيرا ثم قال لهم عجلوا بالخيل.فقالوا سمعاً وطاعةً ثم دقوا الأرض بأرجلهم فغابوا فيها ساعة ثم حضروا وإذا بهم قد طلعوا ومعهم ثلاثة أفراس مسرجة ملجمة وفي مقدم كل سرج خرج في إحدى عينيه ركوة ملآنة ماء والعين الأخرى ملآنة زادا ثم قدموا الخيل فركب حسن جواده وأخذ ولدا قدامه وركبت زوجته الجواد الثاني وأخذت ولد قدامها ثم نزلت العجوز من فوق الزير وركبت الجواد الثالث وساروا ولم يزالوا سائرين طوال الليل حتى أصبح الصباح فخرجوا عن الطريق وقصدوا الجبل وألسنتهم لا تفتر عن ذكر الله وساروا النهار كله تحت الجبل.
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 778
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 779
فبينما هم سائرون وإذ نظر حسن إلى جبل قدامه مثل العمود وهو طويل كالدخان المتصاعد إلى السماء فقرأ شيئاً من القرآن وتعوذ بالله من الشيطان الرجيم فصار ذلك السواد يظهر كلما تقربوا منه فلما دنوا منه وجدوه عفريتا رأسه كالقبة العظيمة وأنيابه كالكلاليب ومنخراه كالإبريق وأذناه كالأدراق وفمه كالمغارة وأسنانه كعواميد الحجارة ويداه كالمداري ورجلاه كالصواري ورأسه في السحاب وقدمه في تخوم الأرض تحت التراب.فلما نظر حسن إلى العفريت انحنى وقبل الأرض بين يديه فقال له: يا حسن لا تخف مني أنا رئيس عمار ذلك الأرض، وهذه أول جزيرة من جزائر واق الواق وأنا مسلم موحد بالله وسمعت بكم وعرفت قدومكم ولما أطلعت على حالكم اشتهيت أن أرحل من بلاد السحرة إلى أرض غيرها تكون خالية من السكان بعيدة عن الأنس والجان أعيش فيها منفردا وحدي وأعبد الله حتى يدركني أجلي فأردت أن أرافقكم وأكون دليلكم حتى تخرجوا من هذه الجزائر وأنا ما أظهر إلا بالليل فطيبوا قلوبكم من جهتي فإنني مسلم مثل ما أنتم مسلمون.فلما سمع حسن كلام العفريت فرح فرحاً شديداً وأيقن بالنجاة ثم التفت إليه وقال له جزاك الله خيراً فسر معنا على بركة الله فسار العفريت قدامهم وساروا يتحدثون ويلعبون وقد طابت قلوبهم وانشرحت صدورهم وصار حسن يحكي لزوجته جميع ما قاساه ولم يزالوا سائرين طول الليل وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الواحدة والثمانين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أنهم لم يزالوا سائرين طول الليل إلى الصباح والخيل تسير كالبرق الخاطف فلما طلع النهار مد كل واحد يده في خرجه وأخرج منه شيئاً وأكله وأخرج ماء وشربه ثم جدوا السير ولم يزالوا سائرين والعفريت أمامهم وقد عرج بهم عن الطريق إلى طريق أخرى غير مسلوكة على شاطئ البحر وما زالوا يقطعون الأودية والقفار مدة شهر كامل وفي اليوم الحادي والثلاثين طلعت عليهم غبرة سدت الأقطار وأظلم منها النهار فلما نظرها حسن لحقه الاصفرار وقد سمعوا ضجات مزعجة فالتفتت العجوز إلى حسن وقالت يا ولدي هذه عساكر واق الواق قد لحقونا وفي هذه الساعة يأخذوننا قبضا باليد.فقال لها حسن ما أصنع يا أمي فقالت له أضرب الأرض بالقضيب ففعل فطلع إليه السبعة ملوك وسلموا عليه وقبلوا الأرض بين يديه وقالوا له لا تخف ولا تحزن ففرح حسن بكلامهم وقال أحسنتم يا سادة الجن والعفاريت هذا وقتكم فقالوا له أطلع أنت وزوجتك وأولادك ومن معك فوق الجبل وخلونا نحن وإياهم لأننا نعرف أنكم على الحق وهم على الباطل وينصرنا الله عليه فنزل حسن هو وزوجته وأولاده والعجوز عن ظهور الخيل وطلعوا على طرف الجبل. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثانية والثمانين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن حسنا صعد هو وزوجته وأولاده والعجوز على طرف الجبل بعد أن صرفوا الخيل ثم بعد ذلك أقبلت الملكة نور الهدى بعساكر ميمنة وميسرة ودارت عليهم النقباء وصفوهم جملة وقد التقى العسكران وتصادم الجمعان والتهبت النيران وأقدمت الشجعان وفر الجبان ورمت الجن من أفواهها لهيب الشرر إلى أن أقبل الليل بالإعتكار فافترق الجمعان وانفصل الفريقان ولما نزلوا عن خيولهم واستقروا على الأرض أشعلوا النيران وطلع السبعة ملوك إلى حسن وقبلوا الأرض بين يديه فأقبل عليهم وشكرهم ودعا لهم بالنصر وسألهم عن حالهم مع عسكر الملكة نور الهدى.فقالوا له أنهم لا يثبتون معنا غير أيام فنحن كنا اليوم ظافرين بهم وقد قبضنا منهم مقدار ألفين وقتلنا منهم خلقاً كثيراً لا يحصى عددهم فطب نفساً وانشرح صدراً ثم أنهم ودعوه ونزلوا إلى عسكرهم يحرسونه وما زالوا يشعلون النيران إلى أن طلع الصباح وأضاء بنوره ولاح فركبت الفرسان الخيل القراح وتضاربوا بمرهقات الصفاح وتطاعنوا بسمر الرماح وباتوا على ظهور الخيل وهم يلتطمون التطام البحار واستعر بينهم في الحرب لهيب النار ولم يزالوا في نضال وسباق حتى انهزمت عساكر واق الواق وانكسرت شوكتهم وانحطت همتهم وزلت أقدامهم وأينما هربوا فالهزيمة قدامهم فولوا الأدبار وركنوا إلى الفرار وقتل أكثرهم وأسرت الملكة نور الهدى هي وكبار مملكتها وخواصها.
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 779
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 780
فلما أصبح الصباح حضر الملوك السبعة بين يدي حسن ونصبوا له سريراً من المرمر مصفحاً بالدر والجوهر فجلس فوقه ونصبوا عنده سريراً آخر للسيدة منار السنا زوجته وذلك السرير من العاج المصفح بالذهب الوهاج ونصبوا سريراً آخر للعجوز شواهي ذات الدواهي ثم أنهم قدموا الأساري بين يدي حسن ومن جملتهم الملكة نور الهدى وهي مكتفة اليدين مقيدة الرجلين فلما رأتها العجوز قالت لها ما جزاؤك يا فاجرة يا ظالمة إلا أن يجوع كلبتان ويربطا معك في أذناب الخيل ويساقان إلى البحر حتى يتمزق جلدك وبعد ذلك يقطع من لحمك وتطعمين منه كيف فعلت بأختك هذه الفعال يا فاجرة مع إنها تزوجت في الحلال بسنة الله ورسوله لأنه لا رهبانية في الإسلام والزواج من سنن المرسلين عليهم السلام وما خلقت النساء إلا للرجال.فعند ذلك أمر حسن بقتل الأساري جميعهم فصاحت العجوز وقالت اقتلوهم ولا تبقوا منهم أحداً فلما رأت الملكة منار السنا أختها في هذه الحالة وهي مقيدة مأسورة بكت عليها وقالت لها: يا أختي من هذا الذي أسرنا في بلادنا وغلبنا فقالت لها هذا أمر عظيم أن هذا الرجل الذي اسمه حسن قد ملكنا وحكمه الله فينا وفي سائر ملكنا وتغلب علينا وعلى ملوك الجن فقالت لها أختها ما نصره الله عليكم ولا قهرهم ولا أسركم إلا بهذه الطاقية والقضيب.فتحققت أختها ذلك وعرفت أنه خلصها بهذا السبب ثم أن السيدة منار السنا حكت لأختها جميع ما جرى لها مع زوجها حسن وجميع ما جرى له وما قاساه من أجلها وقالت لها يا أختي من كانت هذه الفعال فعالة وهذه القوة قوته وقد أيده الله تعالى بشدة الناس حتى دخل بلادنا وأخذك وأسرك وهزم عسكرك وقهر أباك الملك الأكبر الذي يحكم على ملوك الجن يجب أن لا يفرط حقه فقالت لها أختها والله يا أختي لقد صدقت فيما أخبرتيني به من العجائب التي قاساها هذا الرجل وهل كل هذا من أجلك يا أختي.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثالثة والثمانين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن السيدة منار السنا لما أخبرت أختها بأوصاف حسن قالت لها والله أن هذا الرجل ما يفرط فيه خصوصاً بسبب مروأته وهل كل هذا من أجلك فقالت نعم ثم أنهم باتوا يتحدثون إلى الصباح فلما طلعت الشمس أرادوا الرجل فودع بعضهم بعضاً وودعت منار السنا والعجوز بعدما أصلحت بينها وبين أختها نور الهدى فبعد ذلك ضرب حسن الأرض بالقضيب فطلع له خدامه وسلموا عليه وقالوا له الحمد لله على هدو سرك فأمرنا بما تريد حتى نعمله في أسرع من لمح البصر.فشكرهم على قولهم وقال لهم جزاكم الله خيراً ثم أنه قال لهم شدوا لنا جوادين من أحسن الخيل ففعلوا ما أمرهم به في الوقت وقدموا له جوادين مسرجين فركب حسن جواداً منهما وأخذ ولده الكبير قدامه وركبت زوجته الجواد وأخذت ولدها الصغير قدامها وركبت الملكة نور الهدى هي والعجوز وتوجه الجميع إلى بلادهم فسار حسن هو وزوجته يميناً وسارت الملكة نور الهدى هي والعجوز شمالاً ولم يزل حسن سائراً هو وزوجته وأولاده مدة شهر كامل وبعد الشهر أشرفوا على المدينة فوجدوا حولها أثماراً وأنهاراً.فلما وصلوا إلى تلك الأشجار نزلوا عن ظهور الخيل وأراد الراحة، ثم جلسوا يتحدثون وإذا هم بخيول كثيرة قد أقبلت عليهم فلما رآهم حسن قام على رجليه وتلقاهم وإذا هم الملك حسون صاحب أرض الكافور وقلعة الطيور فعند ذلك تقدم حسن إلى الملك وقبل يديه وسلم عليه، ولما رآه الملك ترجل عن ظهر جواده وجلس هو وحسن على الفرش تحت الأشجار بعد أن سلم على حسن وهنأه بالسلامة وفرح به فرحاً شديداً وقال له يا حسن أخبرني بما جرى لك من أوله إلى آخره فأخبره حسن بجميع ذلك، فتعجب منه الملك حسون وقال: يا ولدي ما وصل أحد إلى جزائر واق الواق ورجع منها أبداً إلا أنت فأمرك عجيب ولكن الحمد لله على السلامة.ثم بعد ذلك قام الملك وركب وأمر حسناً أن يركب ويسير معه ففعل، ولم يزالوا سائرين إلى أن أتوا إلى المدينة فدخل دار الملك فنزل الملك حسون ونزل حسن هو وزوجته وأولاده في دار الضيافة وأقاموا عنده ثلاثة أيام في أكل وشرب ولعب وطرب، ثم بعد ذلك استأذن حسن الملك حسون في السفر إلى بلاده فأذن له فركب هو وزوجته وأولاده وركب الملك معهم وساروا عشرة أيامٍ.
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 780
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 781
فلما أراد الملك الرجوع ودع حسناً وسار حسن هو وزوجته وأولاده ولم يزالوا سائرين مدة شهر كامل، فلما كان بعد الشهر أشرفوا على مغارة كبيرة أرضها من النحاس الأصفر فقال حسن لزوجته وأولاده انظري هذه المغارة هل تعرفينها قالت نعم قال إن فيها شيخاً يسمى أبي الريش وله فضل علي كبير لأنه هو الذي كان سبب في المعرفة بيني وبين الملك حسون وصار يحدث زوجته يخبر أبي الريش وإذا بالشيخ أبي الريش خارج من المغارة.فلما رآه حسن نزل عن جواده وقبل يديه فسلم عليه الشيخ أبو الريش وهنأه بالسلامة وفرح به وأخذه ودخل به المغارة وجلس وإياه وصار يحدث الشيخ أبا الريش بما جرى له في جزائر واق الواق فتعجب الشيخ أبو الريش غاية العجب وقال: يا حسن كيف خلصت زوجتك وأولادك فحكى له حكاية القضيب والطاقية.فلما سمع الشيخ أبو الريش تلك الحكاية تعجب وقال: يا حسن يا ولدي لولا هذا القضيب وهذه الطاقية ما كنت خلصت زوجتك وأولادك، فقال له حسن نعم يا سيدي.وبينما هما في الكلام وإذا بطارق يطرق باب المغارة فخرج الشيخ أبو الريش وفتح الباب فوجد الشيخ عبد القدوس قد أتى وهو راكب فوق الفيل فتقدم الشيخ أبو الريش وسلم عليه وأعتنقه وفرح به فرحاً عظيماً وهنأه بالسلامة، وبعد ذلك قال الشيخ أبو الريش لحسن أحك للشيخ عبد القدوس جميع ما جرى لك يا حسن فشرع حسن يحكي للشيخ جميع ما جرى له من أوله إلى آخره إلى أن وصل إلى حكاية القضيب.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الرابعة والثمانين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن حسناً شرع يحكي للشيخ عبد القدوس والشيخ أبي الريش وهم في المغارة يتحدثون جميع ما جرى له من أوله إلى آخره إلى أن وصل إلى حكاية القضيب والطاقية فقال الشيخ عبد القدوس لحسن: يا ولدي أما أنت فقد خلصت زوجتك وأولادك ولم يبق لك حاجة بهم، وأما نحن فإننا كنا السبب في وصولك إلى جزائر واق الواق وقد عملت معك الجميل لأجل بنات أخي وأنا أسألك من فضلك وإحسانك أن تعطيني القضيب وتعطي الشيخ أبا الريش الطاقية.فلما سمع حسن كلام الشيخ عبد القدوس أطرق رأسه إلى الأرض واستحى أن يقول ما أعطيهما لكما، ثم قال في نفسه: إن هذين الشيخين فعلا معي جميلاً عظيماً وهما اللذان كانا السبب في وصولي إلى جزائر واق الواق ولولاهما ما وصلت إلى هذه الأماكن ولا خلصت زوجتي وأولادي ولا حصلت على هذا القضيب وهذه الطاقية، ثم رفع رأسه وقال نعم أعطيهما لكما ولكن يا سادتي أني أخاف من الملك الأكبر والد زوجتي أن يأتيني بعساكر إلى بلادنا فيقاتلونني ولا أقدر على دفعهم إلا بالقضيب والطاقية.فقال الشيخ عبد القدوس لحسن: يا ولدي لا تخف فنحن لك جواسيس في هذا الموضع وكل من أتى إليك من عند والد زوجتك ندفعه عنك ولا تخف من شيء، فطب نفساً وقر عيناً وانشرح صدراً ما عليك بأس، فلما سمع حسن كلام الشيخ أخذه الحياء وأعطى الطاقية للشيخ أبي الريش وقال للشيخ عبد القدوس أصحبني إلى بلادي وأنا أعطيك القضيب، ففرح الشيخان بذلك فرحاً شديداً وجهزا لحسن من الأموال والذخائر ما يعجز عنه الوصف ثم أقام عندهما ثلاثة أيام.وبعد ذلك طلب السفر فتجهز الشيخ عبد القدوس للسفر معه فركب حسن دابة وأركب زوجته دابة فصفر الشيخ عبد القدوس وإذا بفيل عظيم قد أقبل يهرول بيديه ورجليه من صدر البرية فأخذه الشيخ عبد القدوس وركبه وسار هو وحسن وزوجته وأولاده، وأما الشيخ عبد الريش فإنه دخل المغارة وما زال حسن وزوجته وأولاده والشيخ عبد القدوس سائرين يقطعون الأرض بالطول والعرض والشيخ عبد القدوس يدلهم على الطريق السهلة والمنافذ القريبة حتى قربوا من الديار وفرح حسن بقربه من ديار والدته ورجوع زوجته وأولاده إليه، وحين وصل حسن إلى تلك الديار بعد هذه الأهوال الصعبة حمد الله تعالى على ذلك.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الخامسة والثمانين بعد السبعمائة
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 781
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 782
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن حسن حمد الله تعالى على نجاته من تلك الأهوال الصعبة وشكره على نعمته وفضله ونظروا إذا هم قد لاحت لهم القبة الخضراء والفسقية والقصر الأخضر ولاح لهم جبل السحاب من بعيد فقال الشيخ عبد القدوس يا حسن أبشر بالخير فأنت الليلة ضيف عند بنات أخي ففرح حسن بذلك فرحاً شديداً وكذلك زوجته ثم نزلوا عند القبة واستراحوا وأكلوا وشربوا ثم ركبوا وساروا حتى قربوا من القصر فلما أشرفوا عليه خرجت لهم بنات أخ الشيخ عبد القدوس وتلقيتهم وسلمن عليهم وعلى عمهم وسلم عليهم عمهم وقال لهم يا بنات أخي ها أنا قد قضيت حاجة أخيكم حسن وساعدته على خلاص زوجته وأولاده.فتقدمن إليه البنات وعانقنه وفرحن به وهنينه بالسلامة والعافية وجمع الشمل بزوجته وأولاده وكان عندهن يوم عيد ثم تقدمت أخت حسن الصغيرة وعانقته وبكت بكاءً شديداً وكذلك حسن بكى معها على طول الوحشة ثم شكت له ما تجده من ألم الفراق وتعب سرها وما قاسته من فراقه، وأنشدت هذين البيتين:
وما نظرت من بعد بعدك مقلتـي
إلى أحد إلا وشخـصـك مـائل
وما غمضت إلا رأيتك في الكرى
كأنك بين الجفن والعـين نـازلفلما فرغت من شعرها فرحت فرحاً شديداً فقال لها حسن يا أختي أنا ما أشكر أحد في هذا الأمر إلا أنت من دون سائر الأخوات فالله تعالى يكون لك بالعون والعناية، ثم أنه حدثها بجميع ما جرى له في سفره من أوله إلى آخره وما قاساه وما اتفق له مع أخت زوجته، وكيف خلص زوجته وأولاده وحدثها بما رآه من العجائب والأهوال الصعاب حتى أن أختها كانت أرادت أن تذبحه وتذبحها وتذبح أولادها وما سلمهم منها إلا الله تعالى، ثم حكى لها حكاية القضيب والطاقية وإن الشيخ أبا الريش والشيخ عبد القدوس طلباهما منه وأنه ما أعطاهما لهما إلا من شأنها فشكرته على ذلك ودعت له بطول البقاء.فقال والله ما أنسى كل ما فعلتيه معي من الخير من أول الأمر إلى آخره فالتفتت أخته إلى زوجته منار السنا وعانقتها وضمت أولادها إلى صدرها ثم قالت لها: يا بنت الملك الأكبر أما في قلبك رحمة حتى فرقت بينه وبين أولاده وأحرقت قلبه عليهم فهل كنت تريدين بهذا الفعل أن تموتيه فسكتت وقالت: بهذا حكم الله سبحانه وتعالى ومن خادع الناس خدعه الله ثم أنه أقام عندهم عشرة أيام في أكل وشرب وفرح وسرور، ثم بعد العشرة أيام تجهز حسن للسفر فقامت أخته وجهزت له من المال والتحف ما يعجز عنه الوصف ثم ضمته إلى صدرها لأجل الوداع وعانقته وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السادسة والثمانين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن أخت حسن لما ضمته إلى صدرها ثم أن حسناً أعطى الشيخ عبد القدوس القضيب، ففرح به فرحاً شديداً وشكر حسن على ذلك وبعد أن أخذه منه ركب ورجع إلى محله ثم ركب حسن هو وزوجته وأولاده من قصر البنات، فخرجوا معه يودعونه وبعد ذلك رجعوا ثم توجه حسن إلى بلاده فسار في البر الأقفر مدة شهرين وعشرة أيام حتى وصل إلى مدينة بغداد دار السلام فجاء إلى داره من باب السر الذي يفتح إلى جهة الصحراء والبرية وطرق الباب وكانت والدته من طول غيبته قد هجرت المنام ولزمت الحزن والبكاء والعويل حتى مرضت وصارت لا تأكل طعاماً ولا تلتذ بمنام بل تبكي في الليل والنهار ولا تفتر عن ذكر ولدها وقد يئست من رجوعه إليها فلما وقف على باب وسمعها تبكي وتنشد هذه الأبيات:
بالله يا سادتي طيبوا مريضـكـم
فجسمه ناحل والقلب مكسـور
فإن سمحتم بوصل منكم كرمـاً
فالصب من نعم الأحباب مغمور
لا بأس من قربكم فالله مقـتـدر
فبينما العسر إذ دارت مياسـير
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 782
ألف ليلة وليلة
مؤلف ألف ليلة وليلة
الصفحة : 783
فلما فرغت من شعرها سمعت ولدها حسن ينادي على الباب يا أماه أن الأيام قد سمحت بجمع الشمل، فلما سمعت كلامه عرفته فجاءت إلى الباب وهي ما بين مصدقة ومكذبة، فلما فتحت الباب رأت ولدها واقفاً هو وزوجته وأولاده معه فصاحت من شدة الفرح ووقعت في الأرض مغشياً عليها فما زال حسن يلاطفها حتى أفاقت وعانقته، ثم بكت وبعد ذلك نادت غلمانه وعبيده وأمرتهم أن يدخلوا جميع ما معه في الدار فأدخلوا الأحمال في الدار ثم دخلت زوجته وأولاده فقامت لها أمه وعانقتها وقبلت رأسها وقبلت قدميها وقالت لها: يا بنت الملك الأكبر أن كنت أخطأت في حقك فها أنا استغفر الله العظيم ثم التفتت إلى ابنها وقالت له: يا ولدي ما سبب هذه الغيبة الطويلة.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السابعة والثمانين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن أم حسناً لما قالت له ما هذه الغيبة فأخبرها بجميع ما جرى له من أوله إلى آخره، فلما سمعت كلامه صرخت صرخة عظيمة، ووقعت في الأرض مغشياً عليها من ذكر ما جرى لولدها فلم يزل يلاطفها حتى أفاقت وقالت له يا ولدي والله لقد فرطت في القضيب والطاقية فلو كنت احتفظت عليهما وأبقيتهما لكنت ملكت الأرض بطولها والعرض ولكن الحمد لله يا ولدي على سلامتك أنت وزوجتك وأولادك وباتوا في أهنا ليلة وأطيبها.فلما أصبح الصباح غير ما عليه من الثياب ولبس بدلة من أحسن القماش ثم خرج إلى السوق وصار يشتري العبيد والجواري والقماش والشيء النفيس من الحلي والحلل والفراش ومن الأواني المثمنة التي لا يوجد مثلها إلا عند الملوك، ثم اشترى الدور والبساتين والعقارات وغير ذلك وأقام هو وأولاده وزوجته ووالدته في أكل وشرب ولذة ولم يزالوا في أرغد عيش وأهناه حتى أتاهم هازم اللذات ومفراق الجماعات فسبحان ذي الملك والملكوت وهو الحي الباقي الذي لا يموت.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق