الأحد، 7 فبراير 2010

164

فلما سمع الغلام كلامه قام إليه وعانقه وقبل رأسه ويديه وقال له: بالله عليك أن تخبرني صورة من هي، فقال سمعاً وطاعةً، ثم قام وفتح خزانةً وأخرج منها عدة كتبٍ كان صور فيها هذه الصورة وقال له: اعلم يا ولدي أن صاحبة هذه الصورة ابنة عمي وهي في البصرة وأبوها حاكم البصرة يقال له: أبو الليث وهي يقال لها جميلة وما على وجه الأرض أجمل منها ولكنها زاهدةٌ في الرجال ولا تقدر أن تسمع ذكر رجلٍ في مجلسها وقد ذهبت إلى عمي بقصد أنه يزوجني بها وبذلت له الأموال فلم يجيبني إلى ذلك فلما علمت ابنته بذلك اغتاظت وأرسلت إلي كلاماً من جملته أنها قالت: إن كان لك عقلٌ فلا تقم بهذه البلدة وإلا تهلك ويكون ذنبك في عنقك وهي جبارةٌ من الجبابرة فخرجت من البصرة وأنا منكسر الخاطر وعملت هذه الصورة في الكتب وفرقتها في البلاد لعلها تقع في يد غلامٍ حسن الصورة مثلك فيتحيل في الوصول إليها لعلها تعشقه وأكون قد أخذت عليه العهد أنه إذا تمكن منها يريني إياها ولو نظرةً من بعيد، فلما سمع إبراهيم ابن الخصيب كلامه أطرق برأسه ساعةً وهو يتفكر فقال له الصندلاني: يا ولدي إني ما رأيت ببغداد أحسن منك وأظن أنها إذا نظرتك تحبك فهل يمكنك إذا اجتمعت بها أن تريني إياها ولو نظرةً من بعيد? فقال: نعم فقال: إذا كان الأمر كذلك فأقم عندي إلى أن تسافر فقال: لا أقدر على المقام فإن في قلبي من عشقها ناراً زائدةً، فقال له: اصبر حتى أجهز لك مركبا في ثلاثة أيام لنذهب فيها إلى البصرة فصبر حتى جهز له مركباً ووضع فيها كل ما يحتاج إليه من المأكولٍ ومشروبٍ وغير ذلك وبعد ثلاثة أيامٍ قال للغلام تجهز للسفر فقد جهزت لك مركباً فيها سائر ما تحتاج إليه والمركب ملكي والملاحون من أتباعي وفي المركب ما يكفيك إلى أن تعود وقد أوصيت الملاحين أن يخدموك إلى أن ترجع بالسلامة.
فنهض الغلام ونزل في المركب وودعه وسار حتى وصل إلى البصرة فأخرج الغلام مائة دينارٍ للملاحين فقالوا له: نحن أخذنا الأجرة من سيدنا، فقال لهم: خذوها إنعاماً وأنا لا أخبره بذلك فأخذوها منه ودعوا له، ثم دخل الغلام البصرة وسأل: أين مسكن التجار? فقالوا له: في خان يسمى خان حمدان فمشى حتى وصل إلى السوق الذي فيه الخان فامتدت إليه الأعين بالنظر من فرط حسنه وجماله ثم دخل الخان مع رجلٌ ملاحٍ وسأل عن البواب فدلوه عليه فرآه شيخاً كبيراً مهاباً فسلم عليه فرد عليه السلام فقال: يا عم هل عندك حجرةً ظريفةً? قال: نعم.
ثم أخذه هو والملاح وفتح لهما حجرةً ظريفةً مزركشةً بالذهب، وقال يا غلامٍ أن هذه الحجرة تصلح لك فأخرج الغلام دينارين وقال له: خذ هذين حلوان المفتاح فأخذهما ودعا له وأمر الغلام الملاح بالذهاب إلى المركب ثم دخل الحجرة فاستمر عند بواب الخان وخدمه وقال له: يا سيدي حصل لنا بك السر فأعطاه الغلام ديناراً وقال له: هات لنا به خبزاً ولحماً وحلوى وشراباً فأخذه وذهب به إلى السوق ورجع إليه وقد اشترى ذلك بعشرة دراهم وأعطاه الباقي فقال الغلام: اصرفه على نفسك ففرح البواب بذلك فرحاً عظيماً ثم أن الغلام أكل مما طلبه قرصاً واحداً بقليل من الآدم وقال لبواب الخان: خذ هذا إلى أهل منزلك فأخذه وذهب به إلى أهل منزله وقال لهم: ما أظن أن أحداً على وجه الأرض أكرم من الغلام الذي سكن عندنا في هذا اليوم ولا أحلى منه فإن دام عندنا حصل لنا الغنى.
ثم أن بواب الخان دخل على إبراهيم فرآه يبكي فقعد وصار يكبس رجليه ثم قبلهما وقال: يا سيدي لأي شيءٍ تبكي لا أبكاك الله? فقال: يا عم أريد أن أشرب أنا وأنت في هذه الليلة فقال سمعاً وطاعةً فأخرج له خمسة دنانيرٍ وقال له: اشتر لنا بها فاكهةً وشراباً ثم دفع له خمسة دنانيرٍ أخرى وقال له: اشتر لنا بهذه نقلاً ومشموماً وخمس فراخٍ سمان وأحضر لي عوداً فخرج واشترى له ما أمره به وقال لزوجته: ضعي هذا الطعام وصفي لنا هذا الشراب وليكن ما تصنعينه جيداً فإن هذا الغلام قد عمنا بإحسانه فصنعت زوجته ما أمرها به على غاية المراد. ثم أخذه ودخل على إبراهيم ابن السلطان.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الثالثة والخمسين بعد التسعمائة


ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 918




ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 919


قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن بواب الخان لما صنعت زوجته الطعام والشراب أخذه ودخل به على ابن السلطان فأكلا وشربا وطربا فبكى الغلام وأنشد هذين البيتين: يا صاحبي لو بذلت الروح مجتهداً وجملة المال والدنيا وما فـيهـا
وجنة الخلد والفردوس أجمعهـا بساعة الوصل كان القلب شاريها
ثم شهق شهقةً عظيمةً وخر مغشياً عليه فتنهد بواب الخان فلما رآه أفاق قال له بواب الخان: يا سيدي ما يبكيك ومن هي التي تريدها بهذا الشعر فإنها لا تكون إلا تراباً لأقدامك? فقام الغلام وأخرج بقجةً من أحسن ملابس النساء وقال له: خذ هذه إلى حريمك فأخذها منه ودفعها إلى زوجته فأتت معه ودخلت على الغلام فإذا هو يبكي، فقالت له: فتت أكبادنا فعرفنا بأي مليحةٍ تريدها وهي لا تكون إلا جاريةً عندك. فقال: يا عم اعلم أني أنا ابن الخصيب صاحب مصر وإني متعلق بجميلة بنت أبي الليث العميد فقالت زوجة بواب الخان: الله الله يا أخي اترك هذا الكلام لئلا يسمع بنا أحد فنهلك فإنه ما على وجه الأرض أجبر منها ولا يقدر أحدٌ أن يذكر لها اسم رجلٍ لأنها زاهدةٌ في الرجال يا ولدي اعدل عنها لغيرها، فلما سمع كلامها بكى بكاءً شديداً فقال له بواب الخان: ما لي سوى روحي فأنا أخاطر بها في هواك وأدبر لك أمراً فيه بلوغ مرادك.
ثم خرجا من عنده فلما أصبح الصباح دخل الحمام ولبس حلةً من ملبوس الملوك وإذا ببواب الخان هو وزوجته قدما عليه وقالا له: يا سيدي اعلم أن هنا رجلاً خياطاً أحدب وهو خياط السيدة جميلة فاذهب إليه وأخبره بحالك فعساه بذلك على ما فيه وصولك إلى أغراضك فقام الغلام وقصد دكان الخياط الأحدب فدخل عليه فوجد عنده عشرة مماليكٍ، كأنهم الأقمار فسلم عليهم فردوا عليه السلام وفرحوا به وأجلسوه وتحيروا في محاسنه وجماله فلما رآه الأحدب اندهش عقله من حسن صورته فقال له الغلام: أريد أن تخبط لي جيبي فتقدم الخياط وأخذ فتلة من الحرير وخاطه وكان الغلام قد فتقه عمداً فلما خاطه أخرج له خمسة دنانيرٍ أعطاها له وانصرف إلى حجرته فقال الخياط: أي شيءٍ عملته لهذا الغلام حتى أعطاني الخمسة دنانير? ثم بات ليلته يفكر في حسنه وكرمه فلما أصبح الصباح ذهب إلى دكان الخياط الأحدب ثم دخل وسلم عليه فرد عليه السلام وأكرمه ورحب به فلما جلس قال للأحدب: يا عم خيط لي جيبي فإنه فتق ثانياً فقال له: يا ولدي على الرأس والعين ثم تقدم وخاطه فدفع له عشرة دنانير فأخذها وصار مبهوتاً من حسنه وكرمه، ثم قال له: والله يا غلام إن فعلك لا بد له من سببٍ وما هذا خبر خياطة جيب ولكن أخبرني عن حقيقة أمرك فإن كنت عشقت واحداً من هؤلاء الأولاد فو الله ما فيهم أحسن منك وكلهم تراب أقدامك وها هم عبيدك وبين يديك وإن كان غير هذا فأخبرني? فقال: يا عم ما هذا محل الكلام، فإن حديثي عجيبٌ وأمري غريبٌ قال: فإذا كان الأمر كذلك فقم بنا في خلودٍ، ثم نهض الخياط وأخذه بيده ودخل معه حجرةً في داخل الدكان وقال له: يا غلام حدثني ماذا تريد، فحدثه بأمره من أوله إلى آخره فبهت من كلامه وقال: يا غلام اتق الله في نفسك فإن التي ذكرتها جبارةٌ زاهدةٌ في الرجال فاحفظ يا أخي لسانك وإلا فأنك تهلك نفسك.


ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 919




ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 920


فلما سمع الغلام كلامه بكى بكاءً شديداً ولزم ذيل الخياط وقال: أجرني يا عم فإني هالكٌ وقد تركت ملكي وملك أبي وجدي وصرت في البلاد غريباً وحيداً ولا صبر لي عنها، فلما رأى الخياط ما حل به رحمه وقال: يا ولدي ما عندي إلا نفسي فأنا أخاطر بها في هواك فإنك قد جرجرت قلبي ولكن في الغد أدبر لك أمراً ليطيب به قلبك فدعا له وانصرف إلى الخان فحدث بواب الخان بما قاله الأحدب فقال له: قد فعل معك جميلاً، فلما أصبح الصباح لبس الغلام أفخر ثيابه وأخذ كيساً فيه دنانير وأتى إلى الأحدب فسلم وجلس ثم قال له: يا عم انجز وعدي فقال له: قم في هذه الساعة وخذ ثلاث فراخٍ سمان وثلاث أوراقٍ من السكر النبات وكوزين لطيفين واملأهما شرابا وخذ قدحاً وضع ذلك في كارةٍ وأنزل بعد صلاة الصبح في زورقٍ مع ملاح وقل له: أريد أن تذهب بي تحت البصرة فإن قال لك: ما أقدر أن أعدي أكثر من فرسخ فقل له: الرأي لك فإذا عدى فرغبه بالمال حتى يوصلك فإذا وصلت فأول بستانٍ تراه فأنه بستان السيدة جميلة فإذا رأيته فاذهب إلى بابه ترى درجتين عاليتين عليهما فرش من الديباج وجالس عليهما رجل أحدب مثلي فاشك إليه حالك وتوسل به فعساه أن يرثي لحالك ويوصلك إلى أن تنظرها ولو نظرةً من بعيدٍ وما بيدي حيلةٌ غير هذا، وأما إذا لم يرث لحالك فقد هلكت أنا وأنت وهذا ما عندي من الرأي والأمر إلى الله تعالى فقال الغلام: استعنت بالله تعالى ما شاء الله كان ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ثم قام من عند الخياط الأحدب وذهب إلى حجرته وأخذ ما أمره به في كارةٍ لطيفةٍ ثم أنه لما أصبح جاء إلى شاطئ الدجلة وإذا هو برجلٍ ملاحٍ نائم فأيقظه وأعطاه عشرة دنانيرٍ وقال له: عدني إلى تحت البصرة فقال له: يا سيدي بشرطٍ أني لا أعدي أكثر من فرسخ وإن تجاوزته شبراً هلكت أنا وأنت فقال له: الرأي لك فأخذه وانحدر به فلما قرب من البستان قال: يا ولدي من هنا ما أقدر أن أعدي فإن تعديت هذا الحد هلكت أنا وأنت فأخرج له عشرة دنانير وقال: خذ هذه نفقة لتستعين بها على حالك فاستحى منه وقال: سلمت أمري لله تعالى.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الرابعة والخمسين بعد التسعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الغلام لما أعطى للملاح العشرة دنانير الأخرى أخذها وقال: سلمت أمري لله تعالى وانحدر به فلما وصلا إلى البستان نهض الغلام من فرحته ووثب من الزورق وثبة مقدار رمية رمحٍ ورمى نفسه فرجع الملاح هارباً، ثم تقدم الغلام فرأى جميع ما وصفه له الخياط الأحدب من البستان ورأى بابه مفتوحاً وفي الدهليز سريرٌ من العاج جالس عليه رجلٌ أحدب لطيف المنظر عليه ثيابٌ مذهبةٌ وفي يده دبوسٌ من فضةٍ مطليٌ بالذهب فنهض الغلام مسرعاً وانكب على يده وقبلها فقال له: من أنت ومن أين أتيت ومن أوصلك إلى هنا يا ولدي? وكان ذلك الرجل لما رأى إبراهيم بن الخصيب انبهر من جماله فقال له إبراهيم: يا عم أنا صبيٌ جاهلٌ غريبٌ.
ثم بكى فرق له وأصعده على السرير ومسح له دموعه وقال: لا بأس عليك أن كنت مديوناً قضى الله دينك وأن كنت خائفاً آمن الله خوفك، فقال: يا عم لا بي خوفٌ ولا علي دينٌ ومعي مالٌ جزيلٌ بحمد الله وعونه فقال له: يا ولدي ما حاجتك حتى خاطرت بنفسك وجمالك إلى محلٍ فيه الهلاك? فحكى له حكايته وشرح له أمره فلما سمع كلامه أطرق برأسه ساعةً إلى الأرض وقال: هل الذي دلك علي الخياط الأحدب? قال: نعم، قال: هذا أخي وهو رجلٌ مباركٌ.


ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 920




ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 921


ثم قال: يا ولدي لولا أن محبتك نزلت في قلبي ورحمتك لهلكت أنت وأخي وبواب الخان وزوجته ثم قال: أعلم أن هذا البستان ما على وجه الأرض مثله والله يقال له بستان اللؤلؤة وما دخله أحدٌ مدة عمري إلا السلطان وأنا وصاحبته جميلة وأقمت فيه عشرين سنةً فما رأيت أحدٌ جاء إلى هذا المكان وكل أربعين يوماً تأتي في المركب إلى هنا وتصعد بين جواريها في حلة أطلسٍ تحمل أطرافها عشر جوارٍ بكلاليبٍ من الذهب إلى أن تدخل فلم أر منها شيئاً ولكن أنا ما لي إلا نفسي فأخاطر بها من أجلك فعند ذلك قبل الغلام يده وقال له: اجلس عندي حتى أدبر لك أمراً ثم أخذ بيد الغلام وأدخله البستان فلما دخل إبراهيم ذلك البستان ظن أنه الجنة ورأى الأشجار ملتفةً والنخيل باسقةً والمياه متدفقةً والأطيار تناغي بأصواتٍ مختلفة ثم ذهب به إلى قبةٍ وقال له: هذه التي تقعد فيها السيدة جميلة فتأمل تلك القبة فوجدها من أعجب المنتزهات وفيها سائر التصاوير بالذهب واللازورد وفيها أربعة أبواب يصعد إليها بخمس درج وفي وسطها بركةٌ ينزلها إليها بدرج من الذهب وتلك الدرج مرصعة بالمعادن وفي وسط البركة سلسبيل من الذهب فيه صور كبار وصغار والماء يخرج من أفواهها فإذا صفت الصور عند خروج الماء بأصواتٍ مختلفةٍ تخيل لسامعها أنه في الجنة وحول القبة ساقية قواديسها من الفضة وهي مكسوةٌ بالديباج وعلى يسار الساقية شباك من الفضة مطلٍ على برجٍ أخضرٍ فيه من سائر الطيور والوحوش والغزلان والأرانب وعلى يمينها شباكٌ مطلٌ على ميدانٍ فيه من سائر الطيور وكلها تغرد بأصوات مختلفة تدهش السامع، فلما رأى الغلام ذلك أخذه الطرب وقعد في باب البستان، وقعد البستاني بجانبه فقال له: كيف ترى بستاني? فقال له الغلام: هو جنة الدنيا، فضحك البستاني ثم قام وغاب عنه ساعةً وعاد ومعه طبقٌ فيه دجاجٌ وسمانٌ ومأكولٌ مليحٌ وحلوى من السكر فوضعه بين يدي الغلام وقال له: كل حتى تشبع قال إبراهيم: فأكلت حتى اكتفيت.
فلما رآني أكلت فرح وقال: هكذا شأن الملوك أولاد الملوك ثم قال: يا إبراهيم أي شيء معك في هذه الكارة فحللتها بين يديه فقال: أحملها معك فأنها تنفعك إذا حضرت السيدة جميلة فأنها إذا جاءت لا أقدر أن أدخل لك بما تأكله ثم قام وأخذ بيدي وأتى بي إلى مكان قبال قبة جميلة فعمل عريشة بين الأشجار وقال له: أصعد هنا فإذا جاءت فأنك تنظرها وهي لا تنظرك وهذا أكثر ما عندي من الحيلة وعلى الله الاعتماد فإذا غنت فاشرب على غنائها فإذا ذهبت فارجع من حيث جئت أن شاء الله مع السلامة. فشكره الغلام وأراد أن يقبل يده فمنعه ثم أن الغلام وضع الكارة في العريشة التي عملها له ثم قال له البستاني: يا إبراهيم تفرج في البستان وكل من أثماره فأن ميعاد حضور صاحبتك في الغد فصار إبراهيم يتنزه في البستان ويأكل من أثماره وبات ليلته عنده فلما أصبح الصباح وأضاء بنوره ولاح صلى إبراهيم الصبح وإذا بالبستاني جاء وهو مصفر اللون وقال له: يا ولدي قم واصعد إلى العريشة فإن جواري السيدة جميلة قد أتين ليفرشن المكان وهي تأتي بعدهن.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الخامسة والخمسين بعد التسعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الخولي لما دخل على إبراهيم بن الخصيب في البستان قال له: قم يا ولدي اصعد على العريشة فأن الجواري قد أتين ليفرشن المكان وهي تأتي بعدهن واحذر من أن تبصق أو تمخط أو تعطس فنهلك أنا وأنت فقام الغلام وصعد إلى العريشة وذهب الخولي وهو يقول: رزقك الله السلامة يا ولدي فبينما الغلام قاعدٌ وإذا بخمس جوار أقبلن لم ير مثلهن أحد فدخلن القبة وقلعن ثيابهن وغسلن القبة ورششنها بماء الورد، وأطلقن العود والعنبر وفرشن الديباج وأقبل بعدهن خمسون جارية ومعهن آلات الطرب وجميلة بينهن من داخل خيمة حمراء من الديباج والجواري رافعات أذيال الخيمة بكلاليب من الذهب حتى دخلت القبة فلم ير منها ولا أثوابها شيئاً فقال في نفسه: والله أنه ضاع جميع تعبي ولكن لا بد من أن أصبر حتى أنظر كيف يكون الأمر.


ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 921




ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 922


فقدمت الجواري الأكل والشرب، ثم أكلن وشربن وغسلن أيديهن، ونصبن لها كرسياً فجلست عليه ثم ضربن بآلات الملاهي جميعهن وغنين بأصوات مطربة لا مثيل لها ثم خرجت عجوز قهرمانة فصفقت ورقصت فجذبها الجواري وإذا بالستر رفع وخرجت جميلة وهي تضحك فرآها إبراهيم وعليها الحلي والحلل وعلى رأسها تاجٌ مرصعٌ باللؤلؤ فقامت الجواري وقبلن الأرض بين يديها وهي تضحك.
قال إبراهيم بن الخصيب: فلما رأيتها غبت عن وجودي واندهش عقلي وتحير فكري بما بها من جمالٍ لم يكن على وجه الأرض مثله ووقعت مغشياً علي ثم أفقت باكي العينين وأنشدت هذين البيتين: أراك فلا أرد الطرف كيلا يكون حجاب رؤيتك الجفون
ولو أني نظرت بكل لحـظٍ لما استوفت محاسنك العيون
فقالت العجوز للجواري: ليقمن منكن عشر يرقصن ويغنين فلما رآهن إبراهيم قال في نفسه: اشتهي أن ترقص السيدة جميلة فلما انتهى رقص العشر جواري فأقبلن حولها وقلن: يا سيدتنا نشتهي أن ترقصي في هذا المجلس ليتم سرورنا بذلك لأننا ما رأينا أطيب من هذا اليوم فقال إبراهيم بن الخصيب في نفسه: لا شك أن أبواب السماء قد فتحت واستجاب الله دعائي، ثم قبل الجواري أقدامها وقلن لها: والله ما رأينا صدرك مشروحاً مثل هذا اليوم فما زلن يرغبنها حتى قلعت أثوابها وصارت بقميص من نسيج الذهب مطرزاً بأنواع الجواهر وأبرزت نهوداً كأنهن الرمان وأسفرت عن وجه كالبدر ليلة تمامه فرأى إبراهيم من الحركات ما لم ير في عمره مثله وأتت في رقصها بأسلوبٍ غريبٍ وابتداعٍ عجيبٍ، حتى أنست رقص الحبيب في الكؤوس، وذكرت ميل العمائم عن الرؤوس وهي كما قال فيها الشاعر: كما اشتهت خلقت حتى إذا اعتدلت في قالب الحسن لا طول ولا قصر
كأنها خـلـت مـن مـاء لـؤلـؤٍ في كل جاريةٍ من حسنها قـمـر
وكما قال الآخر: وراقص مثل غصن البان قامته تكاد تذهب روحي من تنقلـه
لا يستقر له في رقصته قـدم كلفا نار قلبي تحت أرجـلـه
قال إبراهيم: فبينما أنظر إليها إذ لاحت منها التفاتة إلي فرأتني فلما نظرتني تغير وجهها فقالت لجواريها: غنوا أنتم حتى أجيء إليكن ثم عمدت إلى سكين قدر نصف ذراع وأخذتها وأتت نحوي ثم قالت: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فلما قربت مني غبت عن الوجود فلما رأتني ووقع وجهها في وجهي وقعت السكين من يدها وقالت: سبحان مقلب القلوب ثم قالت لي: يا غلام طب نفساً وقر عيناً ولك الأمان مما تخاف? فصرت أبكي وهي تمسح دموعي بيدها وقالت: يا غلام أخبرني من أنت وما جاء بك إلى هذا المكان? فقلبت الأرض بين يديها ولزمت ذيلها فقالت: لا بأس عليك فو الله ما ملأت عيني من ذكر غيرك فقل من أنت? قال: إبراهيم: فحدثتها بحديثي من أوله إلى أخره فتعجبت من ذلك وقالت لي: يا سيدي أناشدك هل أنت إبراهيم بن الخصيب? قلت: نعم فانكبت علي وقالت: يا سيدي أنت الذي زهدتني في الرجال لأنني لما سمعت أنه وجد في مصر صبي لم يكن على وجه الأرض أجمل منه واسمه إبراهيم بن الخصيب هويتك بالوصف وتعلق قلبي بحبك لما بلغني عنك من الجمال الباهر وصرت فيك كما قال الشاعر: أذني لقد سبقت في عشقه بصري والأذن تعشق قبل العين أحيانـاً
فالحمد لله الذي أراني وجهك والله لو كان أحد غيرك لكنت صلبت البستاني وبواب الخان والخياط ومن يلوذ بهم ثم قالت لي: كيف احتال على شيءٍ تأكله من غير إطلاع الجواري? فقلت له: معي ما نأكل وما نشرب ثم حللت الكارة بين يديها فأخذت دجاجة وصارت تلقمني وألقمها فلما رأيت ذلك منها توهمت أنه منا. ثم قدمت الشراب فشربنا كل ذلك وهي عندي والجواري يغنين وما زلنا كذلك من الصبح إلى الظهر ثم قامت وقالت قم الآن هيء لك مركباً وانتظرني في المحل الفلاني حتى أجيء إليك فما بقي لي صبرٌ على فراقك فقلت: يا سيدتي أن معي مركباً وهي ملكي والملاحون في إجارتي وهم في انتظاري فقالت: هذا هو المراد ثم مضت إلى الجواري.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة السادسة والخمسين بعد التسعمائة


ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 922




ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 923


قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن السيدة جميلة لما مضت إلى الجواري قالت لهن: قمن بنا لنروح إلى قصرنا فقلن لها: كيف نقوم في هذه الساعة وعادتنا أننا نقعد ثلاثة أيامٍ? فقالت: إني أجد في نفسي ثقلاً عظيماً كأني مريضةٌ وأخاف أن يثقل علي ذلك فقلن لها سمعاً وطاعةً فلبسن ثيابهن ثم توجهن إلى الشاطئ ونزلن في الزورق وإذا بالبستاني قد أقبل على إبراهيم وما عنده علمٌ بالذي جرى له فقال له: يا إبراهيم ما لك حظٌ في التلذذ برؤيتها فأن من عادتها أن تقيم هنا ثلاثة أيامٍ وأنا أخاف أن تكون رأتك فقال إبراهيم: ما رأتني ولا رأيتها ولا خرجت من القبة قال: صدقت يا ولدي فأنها لو رأتك لكنا هلكنا ولكن أقعد عندي حتى تأتي لي الأسبوع الثاني وتراها وتشبع من النظر إليها فقال إبراهيم: أن معي مالاً وأخاف عليه وورائي رجالٌ فأخاف أن يستغيبوني فقال: يا ولدي أنه يعز علي فراقك ثم عانقه وودعه ثم أن إبراهيم توجه إلى الخان الذي كان نازلاً فيه وقابل بواب الخان وأخذ ماله فقال بواب الخان: خير إن شاء الله فقال له إبراهيم: إني ما وجدت إلى حاجتي سبيلاً وأريد أن أرجع إلى أهلي فبكى بواب الخان وودعه وحمل أمتعته وأوصله إلى المركب وبعد ذلك توجه إلى المحل الذي قالت له عليه وانتظرها فيه.
فلما جن الليل وإذا قد أقبلت عليه وهي في زي رجلٍ شجاعٍ بلحيةٍ مستديرةٍ ووسطٍ مشدودٍ بمنطقةٍ وفي إحدى يديها قوس ونشاب وفي الأخرى سيفٌ مجردٌ وقالت له: هل أنت ابن الخصيب صاحب مصر? فقال له إبراهيم: هو أنا فقالت له: وأي علق أنت حتى جئت تفسد بنات الملوك قم كلم السلطان قال إبراهيم: فوقعت مغشياً علي وأما الملاحون فإنهم ماتوا في جلدهم من الخوف فلما رأت ما حل بي خلعت تلك اللحية ورمت السيف وحلت المنطقة فرأيتها هي السيدة جميلة فقلت لها: والله إنك قطعت قلبي ثم قلت للملاحين: اسرعوا في سير المركب فحلوا الشراع وأسرعوا في السير فما كان إلا أيامٌ قلائل حتى وصلنا إلى بغداد وإذا بمراكب واقفةٍ على جانب الشط فلما رآنا الملاحون الذين معنا صاروا يقولون: يا فلان ويا فلان نهنئكم بالسلامة دفعوا مراكبهم على مركبنا فنظرنا فإذا فيها أبو القاسم الصندلاني فلما رآنا قال: إن هذا هو مطلوبي امضوا في وداعة الله وأنا أريد التوجه إلى غرضٍ وكان بين يديه شمعةً ثم قال لي: الحمد لله على السلامة هل قضيت حاجتك? قلت: نعم فقرب الشمعة منا فلما رأته جميلة تغير حالها واصفر لونها ولما رآها الصندلاني قال: اذهبوا في أمان الله أنا رائحٌ إلى البصرة في مصلحة للسلطان ولكن الهدية لمن حضر.
ثم أحضر علبةً من الحلويات ورماها في مركبنا وكان فيها البنج فقال إبراهيم: يا قرة عيني كلي من هذا فبكت وقالت: يا إبراهيم أتدري من هذا? قلت: نعم هذا فلان قالت: أنه ابن عمي وكان سابقاً قد حضر ليخطبني من والدي فما رضيت به وهو متوجه إلى البصرة فربما عرف أبي بنا فقلت: يا سيدتي هو لا يصل إلى البصرة حتى نصل نحن إلى مصر ولم يعلما بما هو مخبوء لهما في الغيب فأكلت شيئاً من الحلاوة فما نزلت جوفي حتى ضربت الأرض برأسي فلما كان وقت السحر عطست فخرج البنج من منخاري وفتحت عيني فرأيت نفسي عرياناً مرمياً في الخراب فلطمت على وجهي وقلت في نفسي: إن هذه الحيلة عملها في الصندلاني فسرت لا أدري أين اذهب وما علي سوى سروال.


ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 923




ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 924


فقمت وتمشيت قليلاً وإذا بالوالي أقبل علي ومعه جماعةً بسيوفٍ ومطارقٍ فخفت فرأيت حماماً خرباً فتواريت فيه فعثرت رجلي في شيءٍ فوضعت يدي عليه فتلوثت بالدم فمسحتها في سروال ولم أعلم ما هو ثم مددت يدي إليه ثانياً فجاءت على قتيلٍ وطلعت رأسه في يدي فرميتها وقلت: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ثم دخلت زاوية من زوايا الحمام وإذا بالوالي واقفٌ على باب الحمام وقال: ادخلوا هذا المكان وفتشوه فدخل منهم عشرةٌ بالمشاعل فمن خوفي دخلت وراء حائطٍ فتأملت تلك المقتول فرأيتها صبية ووجهها كالبدر ورأسها في ناحيةٍ وجثتها في ناحيةٍ وعليها ثياب ثمينة فلما رأيتها وقعت الرجفة في قلبي ودخل الوالي وقال: فتشوا واجهات الحمام فدخلوا الموضع الذي أنا فيه فنظرني رجلٌ منهم فجاءني وبيده سكين طولها نصف ذراعٍ فلما قرب مني قال: سبحان الله خالق هذا الوجه الحسن يا غلام من أين أنت? ثم أخذ بيدي وقال: يا غلام لأي شيءٍ قتلت هذه المقتولة? فقلت: والله ما قتلتها وما أعرف من قتلها وما دخلت هذا المكان إلا فزعاً منكم وأخبرته بقصتي وقلت له: بالله عليك لا تظلمني فأني مشغولٌ بنفسي فأخذني وقدمني إلى الوالي فلما رأى على يدي أثر الدم قال: هذا لا يحتاج إلى بينة فاضربوا عنقه.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة السابعة والخمسين بعد التسعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن ابن الخصيب قال: فلما قدموني للوالي ورأى على يدي أثر الدم قال: هذا ما يحتاج إلى بينة فاضربوا عنقه فلما سمعت هذا الكلام بكاءً شديداً وجرت مني دموع العين وأنشدت هذين البيتين: مشيناها خطى كتبت علـينـا ومن كتبت عليه خطى مشاها
ومن كانت منـيتـه بـأرضٍ فليس يموت في أرضٍ سواها
ثم شهقت شقهةً فوقعت مغشياً علي فرق لي قلب الجلاد وقال: والله هذا وجه من لا يقتل فقال الوالي: اضربوا عنقه فأجلسوني في نطع الدم وشدوا علي عيني غطاء وأخذ السياف سيفه واستأذن الوالي وأراد أن يضرب عنقي فصحت: وأغربتاه وإذا الخيل قد أقبلت وقائلٌ يقول: دعوه أمنع يدك يا سياف، وكان لذلك سبباً عجيباً وأمراً غريباً وهو أن الخصيب صاحب مصر كان قد أرسل حاجبه إلى الخليفة هارون الرشيد ومعه هدايا وتحف وصحبته كتاب يذكر له فيه: أن ولدي قد فقد منذ سنة وقد سمعت أنه ببغداد، والمقصود من إنعام خليفة الله أن يفحص عن خبره ويجتهد في طلبه ويرسل إلي مع الحاجب. فلما قرأ الخليفة الكتاب أمر الوالي أن يبحث عن حقيقة خبره فلم يزل الوالي والخليفة يسألان عنه حتى قيل له أنه بالبصرة وأمره أن يسافر إلى البصرة ويأخذ معه جماعةً من أتباع الوزير في حرص الحاجب فلما رأى الوالي الحاجب وعرفه ترجل إليه فقال له الحاجب: ما هذا الغلام وما شأنه? فأخبره بالخبر الحاجب والحال أنه لم يعرف أنه ابن السلطان إن وجه هذا الغلام وجه من لا يقتل وأمره بحل وثاقه فحله فقال: قدمه إلي، فقدمه إليه وكأن ذهب جماله من شدة الأهوال فقال له الحاجب: أخبرني بقضيتك يا غلام وما شأن هذه المقتولة معك?

ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 924




ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 925


فلما نظر إبراهيم إلى الحاجب عرفه فقال له: ويلك أما تعرفني? أما أنا إبراهيم ابن سيدك فلعلك جئت في طلبي فأمعن الحاجب فيه النظر فعرفه غاية المعرفة فلما عرفه انكب على أقدامه فلما رأى الوالي ما حصل من الحاجب اصفر لونه فقال له الحاجب: ويلك يا جبار هل كان مرادك أن تقتل ابن سيدي الخصيب صاحب مصر? فقبل الوالي ذيل الحاجب وقال له: يا مولاي من أين أعرفه وإنما رأيناه على هذه الصفة ورأينا الضبية مقتولة بجبانة فقال: ويلك أنك لا تصلح للولاية هذا غلام له من العمر خمسة عشر عاماً وما قتل عصفوراً فكيف يقتل قتيلاً? هلا أمهلته وسألته عن حاله، ثم قال الحاجب والوالي: فتشوا على قاتل الصبية فدخلوا الحمام ثانياً فرأوا قاتلها فأخذوه وأتوا به الوالي فأرسله دار الخلافة وأعلم الخليفة بما جرى فأمر الرشيد بقتل قاتل الصبية ثم أمر بإحضار ابن الخصيب فلما تمثل بين يديه تبسم الرشيد في وجهه وقال له: أخبرني بقضيتك وما جرى لك? فحدثه بحديثه من أوله إلى أخره فعظم ذلك عنده فنادى مسرور السياف وقال: اذهب في هذه الساعة وأهجم على دار أبي القاسم الصندلاني وائتني به وبالصبية فمضى من ساعته وهجم على داره فرأى الصبية في وثاقٍ من شعرها وهي في حالة التلف فحلها مسرور وأتى بها وبالصندلاني فلما رآها الرشيد تعجب من جمالها ثم التفت إلى الصندلاني وقال: خذوه واقطعوا يديه اللتين ضرب بهما هذه الصبية واصلبوه وسلموا أمواله وأملاكه إلى إبراهيم ففعلوا ذلك فبينما هم كذلك وإذا بأبي الليث عامل البصرة والد السيدة جميلة قد أقبل عليهم يستغيث بالخليفة من إبراهيم بن الخصيب صاحب مصر ويشكوا إليه أنه أخذ ابنته فقال له الرشيد أنه كان سبباً في خلاصها من العذاب والقتل وأمر بإحضار ابن الخصيب فلما حضر قال أبي الليث: ألا ترضى أن يكون هذا الغلام ابن السلطان مصر بعلاً لابنتك فقال سمعاً وطاعةً لله ولك يا أمير المؤمنين فدعا الخليفة بالقاضي والشهود وزوج الصبية بإبراهيم ابن الخصيب ووهب له جميع أموال الصندلاني وجهزه إلى بلاده وعاش معها في أتم سرور وفي حبور إلى أن أتاهم هازم اللذات ومفرق الجماعات فسبحان الحي الذي لا يموت.

حكاية أبي الحسن الخراساني الصيرفي مع شجرة الدر
ومما يحكى أيضاً أيها الملك السعيد أن المعتضد بالله كان عالي الهمة شريف النفس وكان له ببغداد ستمائة وزير وما كان يخفى عليه من أمور الناس شيء، فخرج يوماً هو وابن خلدون يتفرجان على الرعايا ويسمعان ما يتجدد من أخبار الناس فحمي عليهما الحر والهجير وقد انتهيا إلى زقاقٍ لطيفٍ في شارعٍ فدخلا ذلك الزقاق فرأيا في صدر الزقاق داراً حسنةً شامخة البناء تفصح عن صاحبها بلسان الثناء فقعدا على الباب يستريحان فخرج من تلك الدار خادمان وجه كل منهما كالقمر ليلة أربعة عشر فقال أحدهما لصاحبه: لو استأذن اليوم ضيف لأن سيدي لا يأكل إلا مع الضيفان، وقد صرنا إلى هذا الوقت ولم أر أحداً.
فتعجب الخليفة من كلامهما وقال: إن هذا دليلٌ على كرم صاحب الدار ولا بد أن ندخل داره وننظر مرؤوته ويكون ذلك سبباً في نعمة تصل إليه منه. ثم قال للخادم: استأذن سيدك في قدوم جماعة أغراب، وكان الخليفة في ذلك الزمان إذا أراد الفرجة على الرعية تنكر في زي التجار فدخل الخادم على سيده وأخبره ففرح وقام وذهب إليهما بنفسه وإذا به جميل الوجه حسن الصورة وعليه قميص نيسابوري ورداءٍ مذهب وهو مضمخ بالطيب وفي يده خاتمٌ من الياقوت، فلما رآهما قال: أهلاً وسهلاً بالسادة المنعمين علينا غاية الإنعام بقدومهما، فلما دخلا تلك الدار رأياها تنسي الأهل الأوطان كأنها قطعة من الجنان.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الثامنة والخمسين بعد التسعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الخليفة لما دخل الدار هو ومن معه رأياها تنسي الأهل والأوطان كأنها قطعة من الجنان ومن داخلها بستان فيه من سائر الأشجار وهي تدهش الأبصار وأماكنها مفروشةً بنفائس الفرش فجلسوا وجلس المعتضد يتأمل في الدار والفرش، فقال ابن حمدان: فنظرت إلى الخليفة فرأيت وجهه قد تغير وكنت أعرف من وجهه حال الرضا والغضب، فلما رأيته قلت في نفسي، يا ترى ما باله حتى غضب?

ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 925




ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 926


ثم جاؤوا بطشت من الذهب فغسلنا أيدينا ثم جاؤوا بسفرةٍ من الحرير وعليها مائدة من الخيزران فلما انكشفت الأغطية عن الأواني رأينا طعاماً كزهر الربيع في عز الأوان صنوان وغير صنوان. ثم قال صاحب الدار: بسم الله يا سادتنا والله أن الجوع قد أضناني فأنعموا علي بالأكل من هذا الطعام كما هو أخلاق الكرام وصاحب الدار يفسخ الدجاج ويضعه بين أيدينا ويضحك وينشد الأشعار ويورد الأخبار ويتكلم بلطيف ما يليق بالمجلس.
وقال ابن حمدان: فأكلنا وشربنا ثم نقلنا إلى مجلسٍ آخر يدهش الناظرين تفوح منه الروائح الزكية، ثم قدم لنا سفرة فاكهةٍ جنيةٍ وحلوياتٍ شهيةٍ فزادت أفراحنا وزالت أتراحنا. قال ابن حمدان: ولم يزل الخليفة في عبوس ولم يبتسم لما فيه فرح النفوس مع أن عادته أنه يحب اللهو والطرب ودفع الهموم وأنا أعرف أنه غير حسودٍ ولا ظلومٍ فقلت في نفسي يا ترى ما سبب عبوسه وعدم زوال بؤسه? ثم جاؤوا بطبق الشراب ومجمع شمل الأحباب وأحضروا الشراب المروق وبواطي الذهب والبخور والفضة وضرب صاحب الدار على باب مقصورةٍ بقضيبٍ من الخيزران وإذا بباب المقصورة قد فتح وخرج منه ثلاث جوار نهد أبكارٍ وجوههن كالشمس في رابعة النهار وتلك الجواري ما بين عوادةٍ وجنكيةٍ ورقاصةٍ، ثم قدم لنا النقل والفواكه.
قال ابن حمدان: فضرب بيننا وبين الثلاث جوارٍ ستارةً من الديباج وشراريبها من الأبريسيم وحلقاتها من الذهب فلم يلتفت الخليفة إلى هذا جميعه وصاحب الدار لم يعلم من هو الذي عنده، فقال الخليفة لصاحب الدار: أشريفٌ أنت? لا يا سيدي إنما أنا رجلٌ من أولاد التجار أعرف بين الناس بأبي الحسن علي ابن أحمد الخراساني، فقال له الخليفة: أتعرفني يا رجل? قال له: والله يا سيدي ليس لي معرفةٌ بأحدٍ من جنابكم الكريم، فقال له ابن حمدان: يا رجل هذا أمير المؤمنين المعتضد بالله حفيد المتوكل على الله، فقام الرجل وقبل الأرض بين يدي الخليفة وهو يرتعد من خوفه، وقال: يا أمير المؤمنين بحق آبائك الطاهرين أن كنت رأيت مني تقصيراً أو قلة أدبٍ بحضرتك أن تعفو عني.
فقال الخليفة: أما ما صنعته معنا من الإكرام فلا مزيد عليه، وأما ما أنكرته عليك هنا فإن صدقتني حديثه واستقر ذلك بعقلي نجوت مني وأن لم تعرفني حقيقته أخذتك بحجةٍ واضحةٍ وعذبتك عذابا لم أعذب أحداً مثله. قال: معاذ الله أن أحدث بالمحال، وما الذي أنكرته على أمير المؤمنين? فقال الخليفة: أنا من حين دخلت الدار وأنا أنظر إلى حسنها وأوانيها وفراشها وزينتها، حتى ثيابك ولماذا عليها اسم جدي المتوكل على الله? قال: نعم أعلم يا أمير المؤمنين أيدك الله الحق شعارك والصدق وداءك ولا قدرة لأحدٍ على أن يتكلم بغير الصدق في حضرتك، فأمره بالجلوس فجلس فقال له: حدثني فقال: اعلم يا أمير المؤمنين أيدك الله بنصره وحقك بلطائف أمره أنه لم يكن ببغداد أحداً يسر مني ولا من أبي ولكن أخل لي ذهنك وسمعك وبصرك حتى أحدثك بسبب ما أنكرته علي، فقال له الخليفة: قل حديثك فقال: اعلم يا أمير المؤمنين أنه كان أبي يسوق الصيارف والعطارين والبزازين وكان له في كل سوقٍ حانوت ووكيل وبضائع من سائر الأصناف وكان له حجرةً من داخل الدكان التي بسوق الصيارف لأجل الخلوة فيها وجعل الدكان لأجل البيع والشراء وكان ماله يكثر عن العد ويزيد عن الحد ولم يكن له ولد غيري وكان محباً لي وشفوقاً علي فلما حضرته الوفاة دعاني وأوصاني بوالدتي وبتقوى الله تعالى ثم مات رحمه الله وأبقى أمير المؤمنين فاشتغلت باللذات وأكلمت وشربت ثم اتخذت الأصحاب والأصدقاء وكانت أمي تنهاني عن ذلك وتلومني عليه فلم أسمع كلامها حتى ذهب المال جميعه وبعت العقار ولم يبق لي شيءٌ غير الدار التي أنا فيها وكانت داراً حسنةً يا أمير المؤمنين.


ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 926




ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 927


فقلت لأمي: أريد أن أبيع الدار فقالت: يا ولدي أن بعتها تفتضح ولا تعرف مكاناً تأوي إليه فقلت: هي تساوي خمسة الألف دينارٍ فأشتري من جملة ثمنها داراً بألف دينارٍ ثم أتجر بالباقي فقالت: أتبيعني هذه الدار بهذا المقدار? قلت: نعم فجاءت إلى طابقٍ وفتحته وأخرجت منه إناءً من الصيني فيه خمسةً الآلف دينارٍ فخيل إلي أن الدار كلها ذهب فقالت لي: يا ولدي لا تظن أن هذا المال مال أبيك والله يا ولدي أنه من مال أبي وكنت أدخرته لوقت الحاجة إليه فأني كنت في زمن أبيك غنية عن الاحتياج إلى هذا المال فاتخذت المال منها يا أمير المؤمنين وعدت لما كنت عليه من المأكل والمشرب والصحبة حتى نفذت الخمسة الألف دينارٍ ولم أقبل من أمي كلاماً ولا نصيحةً ثم قلت لها: مرادي أن أبيع الدار فقالت: يا ولدي قد نهيتك عن بيعها لعلمي أنك محتاج إليها فكيف تريد بيعها ثانياً? فقلت لها: لا تطيلي علي الكلام فلا بد من بيعها فقالت: بعني إياها بخمسة عشر ألف دينارٍ بشرط أن أتولى شؤونك بنفسي فبعتها لها بذلك المبلغ على أن تتولى أموري بنفسها فطلبت وكلاء أبي وأعطت كل واحدٍ منهم ألف دينار ووضعت المال تحت يدها والأخذ والعطاء معها وأعطتني بعضاً من المال لأتجر فيه وقالت لي: أقعد أنت في دكان أبيك فعملت ما قالت أمي يا أمير المؤمنين وجئت إلى الحجرة التي في سوق الصيارف وجاء أصحابي وصاروا يشترون مني وأبيع لهم وطاب لي الربح وكثر مالي.
فلما رأتني أمي على هذه الحالة الحسنة أظهرت لي ما كان مدخراً عندها من جواهرٍ ومعادنٍ ولؤلؤٍ وذهبٍ ثم أعادت أملاكي التي كان وقع فيها التفريط وكثر مالي كما كان ومكثت على هذه الحال مدة وجاء وكلاء أبي فأعطيتهم البضائع ثم بنيت حجرةً ثانيةً من داخل الدكان.
فبينما أنا قاعدٌ فيها يا أمير المؤمنين وإذا بجاريةٍ قد جاءت إلي لم تر العيون أجمل منها منظراً فقالت: هذه حجرة أبي الحسن علي بن أحمد الخراساني? قلت لها: نعم، قالت: أين هو? فقلت: هو أنا، ولكن اندهش عقلي من فرط جمالها يا أمير المؤمنين، ثم أنها قعدت وقالت لي: قل للغلام يزن لي ثلاثمائة دينار فأمرته أن يزن لها المقدار فوزنه لها فأخذته وانصرفت وأنا ذاهل العقل فقال لي غلامي: أتعرفها? قلت: لا والله قال: فلم قلت لي زن لها? فقلت: والله أني لم أدر ما أقول مما بهرني من حسنها وجمالها.
فقام الغلام وتبعها من غير علمي ثم رجع وهو يبكي وبوجهه أثر ضربةٍ، فقلت له: ما بالك? فقال: أني تبعت الجارية لأنظر أين تذهب فلما أحست بي رجعت وضربتني هذه الضربة فكادت أن تتلف عيني، ثم مكثت شهراً لم أرها ولم تأت وأنا ذاهل العقل في هواها يا أمير المؤمنين، فلما كان آخر الشهر وإذا بها جاءت وسلمت على فكدت أن أطير فرحاً فسألتني عن خبري وقالت: لعلك قلت في نفسك ما شأن هذه المحتالة كيف أخذت مالي وانصرفت فقلت: والله يا سيدتي أن مالي وروحي ملكٌ لك، فأسفرت عن وجهها وجلست لتستريح والحلي والحلل تلعب على وجهها وصدرها ثم قالت: زن لي ثلاثمائة دينار فقلت سمعاً وطاعةً.
ثم وزنت لها الدنانير فأخذتها وانصرفت فقلت للغلام: أتبعها فتبعها ثم عاد لي وهو مبهوتٌ ومضت، فبينما أنا جالسٌ في بعض الأيام وإذا بها قد جاءت إلي وتحدثت ساعةً ثم قالت لي: زن لي خمسمائة دينارٍ فأني قد أحتجت إليها، فأردت أن أقول لها على أي شيءٍ أعطيك مالي فمنعني فرط الغرام من الكلام وأنا يا أمير المؤمنين كلما رأيتها ترتعد مفاصلي ويصفر لوني وأنسى ما أريد أن أقول وأصير أقول كما قال الشاعر: كما هو إلا أن أراها فجأة فأبهت حتى لا أكاد أجيب
ثم وزنت لها الخمسمائة دينارٍ فأخذتها وانصرفت فقمت وتبعتها بنفسي إلى أن وصلت إلى سوق الجواهر فوقفت عند إنسانٍ فأخذت منه عقداً والتفتت فرأتني فقالت: زن لي خمسمائة دينار، فلما نظرني صاحب العقد قام إلي وعظمني فقلت له: أعطها العقد وثمنه علي فقال: سمعاً وطاعةً فأخذت العقد وانصرفت.
سفرت عنوأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الستين بعد التسعمائة


ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 927




ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 928


قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن أبا الحسن الخراساني قال: فقلت له أعطها العقد وثمنه علي فأخذت العقد وانصرفت فتبعتها حتى جاءت إلى الدجلة ونزلت في مركبٍ فأومأت إلى الأرض لأقبلها بين يديها فذهبت وضحكت ومكثت واقفاً انظرها إلى أن دخلت قصراً فتأملتها فإذا هو قصر الخليفة المتوكل فرجعت يا أمير المؤمنين وقد حل بقلبي كل همٍ في الدنيا وكانت قد أخذت مني ثلاثة آلاف دينارٍ فقلت في نفسي: قد أخذت مالي وسلبت عقلي وربما تلفت نفسي في هواها.
ثم رجعت إلى داري وقد حدثت أمي بجميع ما جرى لي فقالت لي: يا ولدي إياك أن تتعرض لها بعد ذلك فتهلك، فلما رحت إلى دكاني جاءني وكيلي الذي بسوق العطارين وكان شيخاً كبيراً فقال لي: يا سيدي ما لي أراك متغير الحال يظهر عليك أثر الكآبة فحدثني بخبرك? فحدثته بجميع ما جرى لي معها فقال لي: يا ولدي أن هذه من جواري قصر أمير المؤمنين وهي محظية الخليفة فاحتسب المال لله تعالى ولا تشغل نفسك بها وإذا جاءتك فاحذر أن تتعرض لها وأعلمني بذلك حتى أدبر لك أمراً لئلا يحصل لك ثم تركني وذهب وفي صدري لهيب النار.
فلما كان أخر الشهر إذ بها جاءت إلي ففرحت بها غاية الفرح، فقالت لي: ما حملك على أن تتبعني? فقلت لها: حملني على ذلك فرط الوجد الذي بقلبي وبكيت بين يديها فبكت رحمةً وقالت: والله ما في قلبك شيءٌ من الغرام إلا وفي قلبي أكثر منه ولكن كيف أعمل، والله ما لي من سبيل غير أني أراك في كل شهرٍ مرةٍ.
ثم دفعت إلي ورقةً وقالت: خذ هذه إلى فلان الفلاني فأنه وكيلي وأقبض منه ما فيها فقلت: ليس لي حاجة بمال ومالي وروحي فداك، فقالت: سوف أدبر لك أمراً يكون فيه وصولك إلي وأن كان فيه تعبٌ ثم ودعتي وانصرفت فجئت إلى الشيخ وأخبرته بما جرى فجاء معي إلى دار المتوكل فرأيتها هي والمكان الذي دخلت فيه الجارية فصار الشيخ متحيراً في حيلةٍ يفعلها فرأى خياطاً قبل الشباك المطل على الشاطئ وعنده صناعٌ فقال: بهذا تنال مرادك ولكن أفتق جيبك وتقدم إليه وقل له أن يخيطه فإذا خاطه فادفع له عشرة دنانيرٍ فقلت: سمعاً وطاعةً، ثم توجهت إلى الخياط وأخذت معي شقتين من الديباج الرومي وقلت له: فصل لي هاتين أربعة ملابسٍ اثنين فرجية واثنين غير فرجية.
فلما فرغ الخياط من تفصيل الملابس وخياطتها أعطيته أجريتها زيادة عن العادة بكثيرٍ، ثم مد يده إلى تلك الملابس فقلت: خذها لك ولمن حضر عندك، وصرت أقعد عنده وأطيل القعود معه ثم فصلت عنده غيرها وقلت له: علقه على وجه الدكان لمن ينظره فيشتريه ففعل، وصار كل من خرج من قصر الخليفة وأعجبه شيءٌ من الملابس وهبته له حتى البواب، فقال الخياط: يا مأمن الأيام أريد يا ولدي أن تصدقني حديثك لأنك فصلت عندي مائة حلةٍ ثمينةٍ ولك حلةٌ تساوي جملةً من المال ووهبت غالبها للناس وهذا ما هو فعل تاجرٍ لأن التاجر يحاسب على الدرهم وما مقدار رأس مالك حتى تعطي هذه العطايا وما يكون مكسبك في كل يومٍ فأخبرني خبراً صحيحاً حتى أعاونك على مرادك ثم قال: أناشدك الله أما أنت عاشقٌ? قلت: نعم، فقال: لمن? قلت: لجاريةٍ من جواري قصر الخليفة فقال: قبحهن الله كم يفتن الناس ثم قال: هل تعرف اسمها? قلت: لا فقال: صفها لي، فوصفتها له فقال: ويلاه هذه عوادة الخليفة المتوكل والمحظية عنده لكن لها مملوك فأجعل بينك وبينه صداقةً لعله يكون سبباً في اتصالك بها فبينما نحن في الحديث وإذا بالملوك مقبلٌ من الخليفة وهو كأنه القمر في ليلة أربعة عشر وبين يدي الثياب التي خاطها لي الخياط وكانت من الديباج من سائر الألوان فصار ينظر إليها ويتأمل ثم أقبل علي فقمت وسلمت عليه فقال: من أنت? فقلت: رجلٌ من التجار، قال: أتبيع هذه الثياب? قلت: نعم فأخذ منها خمسةٌ وقال: بكم الخمسة? فقلت: هي هدية مني إليك عقد صحبةٍ بيني وبينك ففرح بها ثم جئت إلى بيتي وأخذت له ملبوساً مرصعاً بالجواهر واليواقيت قيمته ثلاثة ألاف دينارٍ وتوجهت به إليه فقبل مني ثم أخذني ودخل بي حجرةً في داخل القصر وقال:

ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 928




ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 929


ما اسمك بين التجار? فقلت له: رجلاً منهم فقال: قدر ابني أمرك فقلت: لماذا? قال: أنك أهديت لي شيئاً كثيراً ملكت قلبي به وقد صح عندي أنك أبو الحسن الخراساني أكثر الصيرفي، فبكيت يا أمير المؤمنين فقال لي: لم تبكي? فو الله التي تبكي من أجلها عندها من الغرام بك أكثر مما عندك من الغرام بها وأعظم وقد شاع عند جميع جواري القصر خبرها معك. ثم قال لي: وأي شيءٍ تريد? فقلت: أريد أنك تساعدني في بليتي فوعدني إلى الغد، فمضيت إلى داري، فلما أصبحت وتوجهت إليه ودخلت حجرته قال: أعلم أنها لما فرغت من خدمتها عند الخليفة بالأمس ودخلت حجرتها حدثتها بحديثك جميعه وقد عزمت على الاجتماع بك فاقعد عندي إلى آخر النهار فقعدت عنده.
فلما جن الليل إذا بالمملوك أتى ومعه قميصٌ منسوجٌ من الذهب وحلةٌ من حلل الخليفة فألبسني إياها وبخرني فصرت أشبه بالخليفة ثم أخذني إلى محلٍ فيه الحجر صفين من الجانبين وقال: هذه حجرة الجواري الخواص فإذا مررت عليها فضع على كل بابٍ من الأبواب حبةً من الفول لأنه من عادة الخليفة أن يفعل هكذا في كل ليلةٍ.

وفي الليلة الواحدة والستين بعد التسعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن المملوك لما قال لأبي الحسن: فإذا مررت عليها فضع على كل بابٍ من الأبواب حبةً من الفول لأن من عادة الخليفة أن يفعل هكذا إلى أن تأتي إلى الدرب الثاني الذي على يدك اليمنى فترى حجرةً عتبة بابها من المرمر فإذا قدمت إليها فمسها بيدك أن شئت فعد الأبواب فهي كذا وكذا باباً فأدخل الباب الذي علامته كذا وكذا فتراك صاحبتك وتأخذك عندها، وأما خروجك فإن الله يهون علي فيه ولو أخرجك في صندوقٍ.
ثم تركني ورجع وصرت أمشي وأعد الأبواب واضع على كل بابٍ حبة فولٍ: فلما صرت في وسط الحجر سمعت ضجةً عظيمةً ورأيت ضوء شموع وأقبل ذلك الضوء نحوي حتى قرب مني فتأملته فإذا هو الخليفة وحوله الجواري ومعهن الشموع فسمعت واحدةً منهن تقول لصاحبتها: يا أختي هل نحن لنا خليفتان? على أن الخليفة قد جاز حجرتي وشممت رائحة العطر والطيب ووضع حبة الفول على حجرتي كعادته، وفي هذه الساعة أرى ضوء شموع للخليفة وها هو مقبلٌ. فقالت: أن هذا الأمر عجيب لأن التزيي بزي الخليفة لا يجسر عليه أحدٌ، ثم قرب الضوء مني فارتعدت أعضائي وإذا بخادمٍ يصيح على الجواري ويقول: ههنا، فانعطفوا إلى حجرةٍ من الحجر ودخلوا ثم خرجوا ومشوا حتى وصلوا إلى بيت صاحبتي فسمعت الخليفة يقول: حجرة من هذه? فقالوا: هذه حجرة شجرة الدر فقال: نادوها فنادوها فخرجت وقبلت أقدام الخليفة فقال لها: أتشربين الليلة? فقالت: أن لم يكن لحضرتك والنظر إلى طلعتك فلا أشرب فأنني لا أميل إلى الشراب في هذه الليلة، فقال للخازن: ادفع لها العقد الفلاني.
ثم أمر بالدخول إلى حجرتها فدخلت بين الشموع وإذا بجاريتها أمامهم وضوء وجهها غالبٌ على ضوء الشمعة التي بيدها فقربت مني وقالت: من هذا? ثم قبضت علي وأخذتني إلى حجرةٍ من الحجر وقالت لي: من أنت? فقلبت الأرض بين يديها وقالت لها: أناشدك الله يا مولاتي أن تحقني دمي وترحميني وتتقربي إلى الله بانقاذ مهجتي وبكيت فزعاً من الموت، فقالت: لا ريب أنك لصٌ? فقلت: لا والله ما أنا لصٌ فهل ترين علي أثر اللصوص? فقالت: أصدقني خبرك وأنا أجعلك في أمانٍ، فقلت: أنا جاهلٌ أحمقٌ قد حملتني الصبابة وجهلي على ما ترين مني حتى وقعت في هذه الورطة، فقالت: قف هنا أجيء إليك.
ثم خرجت وجاءتني بثياب جاريةٍ من جواريها وألبستني تلك الثياب في تلك الزاوية وقالت: تعال خلفي فمشيت خلفها حتى وصلت إلى حجرتها وقالت: ادخل هنا فدخلت حجرتها فجاءت بي إلى سريرٍ وعليه فرشٌ عظيمٌ وقالت: أجلس لا بأس عليك أما أنت أبو الحسن الخراساني? قلت: بلى قالت: قد حقن الله دمك أن كنت صادقاً ولم تكن لصاً فأنك تهلك لا سيما وأنت في زي الخليفة ولباسه وبخوره، وأما أن كنت أبا الحسن الخراساني الصيرفي فأنك قد أمنت ولا بأس عليك فأنك صاحب شجرة الدر التي هي أختي فأنها لا تقطع خبرها عنك أبداً وتخبرنا كيف أخذت منك المال ولم تتغير وكيف جئت وراءها إلى الشاطئ وأومأت لها إلى الأرض تعظيماً وفي قلبها منك الحب أكثر مما في قلبك منها، ولكن كيف وصلت إلى ههنا بأمرها أم بغير أمرها بل خاطرت بنفسك وما مرادك من الاجتماع?

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق